من نكبات دمشق
حوادث دمشق اليومية
أحمد بن بدير الشهير بالبديري الحلاق
“ثم دخلت سنة اثنين وسبعين ومئة وألف، 1759 م
وكان قاضي الشام رجلاً صالحاً، فعمل محتسباً وصار يدور بنفسه على السوقة ويعير الموازين والأرطال والأواق، فالذي يجد أواقه ناقصاً يضربه علقة على رجليه، والذي يجد أواقه تامة يعطيه مصرية من فضة.
وفي ليلة الثلاثاء من ربيع الأول (تشرين الثاني) من هذه السنة في الثلث الأخير من الليل والمؤذنون في المآذن صارت زلزلة خفيفة، وتبعتها ثانية ثم ثالثة زُلزلت منها دمشق زلزالاً شديداً، حسب أهل دمشق أن القيامة قد قامت، فتهدّمت رؤوس غالب مآذن الشام ودور كثيرة وجوامع وأماكن لا تحصى، حتى قبة النصر التي بأعلى جبل قاسيون زلزلتها وأرمت نصفها، وأما قرى الشام فكان فيها الهدم الكثير، والقتلى التي وجدت تحت الهدم لا تحصى عدداً.
وفي الليلة الثانية زلزلت أيضاً في الوقت الذي زلزلت فيه الأولى، ثم حصلت في وقت صلاة الصبح وبالنهار أيضاً، ولا زالت تتكرر مراراً لكنها أخف من الأولين، وقد زاد الخوف والبلاء، وهجر الناس بيوتهم، وناموا في الأزقة والبساتين وفي المقابر والمرجة، وفي صحن الجامع الأموي، وفي هذه الزلزلة وقع خان القنيطرة على كل من كان فيه، فلم يسلم من الدواب والناس إلا القليل، وكذلك خان سعسع، وقد وردت الأخبار إلى دمشق الشام أن بعض البلاد والقرايا انهدمت على أهلها، فلم يسلم منها ولا من دوابها أحد.
وفي الزلزلة الأولى وقعت صخرة عظيمة في نهر القنوات فسدّت النهر، وانقطع الماء عن البلد أحد عشر يوماً، وبقي قُطّاع الأحجار يقطعون فيها أحد عشر يوماً، فصارت الناس في غمَّين : غمّ الزلزلة وغمّ قلة الماء.
وفي ليلة الاثنين في ربيع الثاني في الساعة الخامسة صارت زلزلة عظيمة أعظم من الأولى بدرجات، وقد صارت معها رجّة مهولة أسقطت غالب بقية المآذن، وأرمت قبة الجامع الأموي الكبيرة والرواق الشمالي جميعه مع مدرسة الكلاسة وباب البريد وأبراج القلعة وغالب دور دمشق، والذي سلم من الوقوع تناثر من بعضه البعض وقُتل خلق كثير خصوصاً في القرايا، ورحلت الخلائق للبساتين وللجبال والتُّرب وإلى المرجة، ونصبوا بها وبالبراري الخيام وناموا بعيالهم وأولادهم، ومع ذلك فلم تبطل الزلزلة والرجفان لا ليلاً ولا نهاراً.
ثم أمر والي الشام منادياً ينادي بالناس أن يصوموا ثلاثة أيام وأن يخرجوا في اليوم الرابع إلى جامع المصلّى، فإنه مشهور بإجابة الدعاء فيه، فخرج الناس وخرج الوزير معهم وجميع الأعيان والمفتي والقاضي، والعلماء وأهل الطرق والصوفية والنساء والأولاد، ولازموا الدعاء في المصلّى ثلاثة أيام بضجيج وبكاء وخشوع كيوم عرفات، بل كموقف القيامة، فرحمهم أرحم الراحمين، وعاملهم باللطف والتخفيف، فصارت الأرض تختلج اختلاجاً خفيفاً، ولم تزل الناس في البساتين والبراري خائفة حتى نزل عليهم الثلج المطر وصار الجليد إلى أن خفّت الزلزلة ورجعت الناس خائفين.”
اترك تعليقاً