اربع نساء عملن كبائعات هوىً وخلّفن أثراً كبيراً في التاريخ
النظرة الى أقدم مهنة في التاريخ، بالرغم من مرور كل ذلك الزمن الانساني الا انها لم تتغير، فنظرة المجتمعات إلى العاملات بجسدهن يبعن المتعة مقابل المال في هذا المجال لم تتغير كثيراً، ولا تزال بائعات الهوى منبوذات ومكروهات نوعاً ما، حتى في المجتمعات المتقدمة في النظرة الى الحرية الفردية والحقوق الشخصية وبالرغم من معظم هؤلاء لم يعملن بهذه المهنة القديمة قدم التاريخ حباً بها بل كن مدفوعات اليها بفعل الفاقة او المآسي الاجتماعية، او الحروب… ولم يخلو مجتمع في الكون من هذه المهنة وحتى في اشد المجتمعات محافظة او المتزمتة
ثمة مصطلح شائع يقول : ”مومس ذات قلب من ذهب“ يوحي بأن العثور على عاملة جنس قادرة على التعاطف هو أمر نادر الحدوث.
من الجدير ذكره ان الكثير من المومسات غيرن حكومات بلادهن، ومنهن كن جاسوسات غيرن مجرى المعارك من هزيمة الى انتصار…
على كل حال تستحق العاملات في مجال الجنس كل الإحترام، بغض النظر عمّا يقمن به لكسب المال طالما أنهن لا يسلبنه من أحد، وقد حظي عدد كبير منهن بالاحترام، لأنهن ساهمن في تغيير مسار التاريخ وأنجزن الكثير من الأشياء المثيرة للإعجاب أكثر من أي سمسار بورصة، او تاجر سلاح، او مافيات المخدرات مثلاً، وفي هذا المقال أمثلة عديدة على ذلك.
1- “تشينغ شي”، بائعة الهوى التي قادت أحد أكبر أساطيل القراصنة في التاريخ
في فيلم “قراصنة الكراييبي: في نهاية العالم” Pirates of the Caribbean: At World’s End الذي خرج إلى صالات السينما عام 2007، كان يشار إلى شخصية أحد أسياد القراصنة التسعة باسم Mistress Cheng أو “العشيقة تشينغ” حيث اتضح بعدها أنها لم تكن خيالية بل كانت تستند إلى شخصية امرأة حقيقية
تعتبر “تشينغ شي” بكل تأكيد واحدة من أنجح القراصنة الذين أبحروا يوماً ما، وكانت في الأصل بائعة هوى في كانتون في جنوب الصين قبل أن تلفت أنظار القرصان “زانغ يي” الذي تزوجها بعقد وصفه البعض بأنه صفقة تجارية كبرى. لقد جمع الإثنان معاً أسطولاً ضخماً متكوناً من آلاف السفن وعشرات الآلاف من الرجال، وأدى ذلك إلى تقزيم جميع القوات البحرية في العديد من البلدان.
كان الزوجان يشكلان أكثر الثنائيات صلابة وقوة في العالم، وعندما مات الزوج زانغ يي استغلت زوجته شينغ شي الفرصة فأصبحت تمتلك قوة حقيقية خاصة بها، وتولت السيطرة التامة على أسطول القراصنة برمته.
(صورة تبرز القرصانة (تشينغ شي) في إحدى المعارك وهي تحمل السيف وتقاتل الرجال بشراسة.)
بدأت بعدها تشينغ شي بسَن قوانين سلوك صارمة للغاية يجب على كل قراصنتها اتباعها تتمثل في
– عدم السرقة من القرويين وعدم الهروب من المعارك.
– كانت تسهر على أن تتم معاملة أي سجين وأسير -خاصة الإناث منهم- باحترام.
– على الرغم من أن قراصنتها كانوا لا يزالون يرغمون السجينات علی الزواج بهم، إلا أنهم كانوا مضطرين للبقاء مخلصين لهن.
كانت نتيجة عدم اتباع هذه القواعد هي الإعدام، وكان لا بد من تنفيذ مثل هذه الأحكام من قبل القرصانة القائدة، فلا يمكنك أن تكون رئيساً لقراصنة أشدّاء دون أن تكون غليظ القلب على مرأىً من الجميع.
بعد إحباطها لهجمات متعددة شنتها ضدها العديد من الدول التي تتطلع إلى إسقاطها، تفاوضت “تشينغ” مع الحكومة على إقامة هدنة، بما أن الغالبية العظمى من طاقمها تمكن من النجاة من تلك الهجمات، وفي نهاية المطاف استطاعت “تشينغ شي” التفاوض على شروط استسلامها وتمكنت بطريقة ما من الحصول على صفقة جيدة، حيث مُنحت حق الإبقاء على كل ما كانت قد جنته خلال سنواتها كقرصانة سيدة.
تقاعدت بذلك من مهنة القرصنة، وهو أمر لم يقدر على فعله سوى عدد قليل من القراصنة، وغيرت طبيعة عملها كلياً فأصبحت تدير داراً للمراهنات في كانتون حتى توفيت عام 1844 عن عمر يناهز الـ69 عاماً.
2- “نينون دو لونكلو”، عاملة في مجال الجنس ومفكرةً فرنسية تعطي الرجال دروساً حول المساواة بين الجنسين
بمجرد ذكر موضوع حركة التنوير الفرنسية تتبادر إلى أذهان معظم الناس أسماء مثل فولتير وموليير، فقد كان الإثنان فعلا مهووسَيَّن بالعلم لدرجة قضيا وقت فراغهما في خدمة الحركة التنويرية الفرنسية، لكن لا يكتمل الحديث عن الثقافة الفرنسية في القرن السابع عشر دون الإتيان على ذكر “نينون دو لونكلو”.
بعد أن تم نفي والدها لقيامه بقتل أحد الرجال، أجبرتها والدتها على العمل في مجال الجنس في سن مبكرة، وفي نهاية المطاف أصبحت “نينون” بائعة هوىً بارزةً للغاية، حيث كانت تتعامل مع العديد من عشاقها من الشخصيات البارزة في المجتمع وخلقت لنفسها سمعة جيدة، وسرعان ما أصبحت عاملة دائمة في صالونات محلية حيث كانت تتحدث إلى الرجال والنساء حول مواضيع مختلفة، بما في ذلك مفهوم الحب -الذي لا يعتبر موضوعاً علاجياً بالضرورة – وكانت أكثر نصائحها المعترف بها والموجهة إلى الرجال تقول: ”تحدث إلى المرأة التي تحب واجعلها محور الحديث باستمرار ولا تتحدث عن نفسك إلا قليلاً“.
كانت هذه النصيحة مثيرةً للجدل في ذلك الوقت إلا أننا في وقتنا الحالي ربما نتفق على كون هذا المعنى لا يزال صحيحًا وصالحاً، ويتلخص في مقولة موجهة للرجال: ”لا تكن كومة كبيرة من الأنانية“.
قدمت “نينون” الكثير لمجتمعها الصغير، ولم يقتصر ذلك على مجرد تقديم النصائح الخاصة بالعلاقات، حيث أنها قامت بإنشاء صالونٍ يمكن للرسامين والملحنين والموسيقيين الإلتقاء فيه ومناقشة القضايا الفكرية والفلسفية، وكانت أيضاً من المؤيدين الأوائل للمساواة بين الجنسين وعلّمت الرجال كيفية التعاطف مع النساء بدلاً من اعتبارهن مجرد وسائل للمتعة يتسابقون في نيلها، ويعتبر هذا المفهوم من المواضيع التي يصعب الخوض فيها في وقتنا الحالي، لذا يمكننا أن نتخيل كيف مثّل الموضوع تغيراً فكرياً جذرياً في القرن السابع عشر.
ساعدت هذه المرأة بشكل غير مباشر في التمهيد لمسيرة فولتير وموليير المهنية، فقد تركت بعد وفاتها ثروة كبيرة لابن محاسبها “فرانسوا أرويت” الذي هو “فولتير” نفسه، فبدون تلك الأموال لم يكن بإمكان “فولتير” كتابة ونشر كتبه مثل “كانديد”، كما أنها كانت تقرأ عمل “موليير” الشهير بعنوان: “تارتوفي” في صالونها مما عزز سمعته.
بعبارة أخرى: عززت “نينون” ظهور بعض الفلاسفة الأكثر احتراماً في عصر التنوير.
3- “بروك ماغنينتي”، عملت كبائعة هوى للحصول على درجة الدكتوراه، وقامت أيضا بدراسة سرطان الأطفال
ما هو الأمر الأكثر صعوبة من محاولة علاج السرطان؟ ربما توجد أشياء أخرى يمكنها أن تثير اهتمامنا الكلي لكنها لا تقارن نسبياً بمحاولة إيجاد علاج للأطفال الذين يعانون مع السرطان.
بغض النظر عن صعوبة ذلك، كرست”بروك ماغنينتي” حياتها وأسهمت في العديد من الأبحاث العلمية حول هذا الموضوع، وتضمن عملها ورقة بحث عن الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها “كلوربيريفوس” -وهو مبيد حشري شائع الإستعمال- إلى قصور في النمو العصبي لدى الأطفال.
كانت الطريقة الوحيدة لمواصلة بحوثها انطلاقاً من تلك النقطة هي الحصول على درجة الدكتوراه والتي كانت تكلف الكثير من المال، فاضطرت للعمل في مجال الجنس لتتمكن من تسديد مستحقات شهادة الدكتوراه.
من المؤكد أن الكثير من طلاب الجامعات قد راودتهم أفكار مشابهة لتسديد قروضهم التعليمية، لكن في حين أن معظم الناس يفكرون في العمل في مثل هذا المجال لتحقيق مصالحهم الشخصية فقط، فإن هدف ماغنينتي كان أسمی بكثير: وهو المساهمة في إيجاد دواء للسرطان يساعد الأطفال للتغلب علی هذا المرض والتقليل من معاناتهم.
كسبت ماغنينتي ما يكفيها من المال من خلال عملها في مجال الجنس من عام 2003 إلى عام 2004، وخلال هذا الوقت أنشأت مدونة الكترونية تنشر فيها مغامراتها في هذا المجال تحت اسم مستعار “بيل دي جور” أو “جميلة اليوم”، والتي لاقت رواجاً كبيرا لدی الجمهور الأوروبي، وفي عام 2009 كشفت عن نفسها بأنها الدكتورة بروك ماغنينتي وبيل دي جور بائعة الهوی الشهيرة ولم يؤثر ذلك علی احترام وترحيب المجتمع العلمي لها بتاتاً.
لقد ساهمت ماغنينتي كثيرا في المجتمع العلمي، لكنها لم تنس أصلها الذي كانت تكسب منه المال، وظلت مؤيدة بقوة لعدم تجريم تلك المهنة، كما ظهرت أمام مبنى البرلمان الفرنسي، وشجعت أعضاءه للتصويت علی إلغاء قانون تجريم هذه الممارسة، حتى يزداد احتمال لجوء المشتغلين في الجنس للسلطات عند تعرضهم للإساءات.
للمرة الأولى منذ عقود استمع نواب برلمانيون بجدية إلى تلك المخاوف والمطالب، وبينما لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لتمكين عاملات الجنس من نيل حقوقهن في العمل بشكل قانوني وضمان حقوقهن المدنية، فإن مستقبل هذه القضايا يبدو مشرقا خاصة عندما تكون من قادته شخصيات قوية مثل ماغنينتي.
4- “جوليا بوليت”، بائعة الهوى التي تبرعت بالكثير من ما جنته لفائدة جنود الاتحاد في الحرب الأهلية الأمريكية ورجال الإطفاء.
لم تستخدم جوليا بوليت الأموال التي كسبتها في مجال الجنس في إغراق نفسها في كومة من الأغراض الباهظة وغير المجدية على غرار أفخر الملابس والمقتنيات، بل قامت بدلا من ذلك بمساعدة مواطنيها.
كانت بوليت قد امتهنت الجنس عندما كانت تقطن في كاليفورنيا، ثم انتقلت إلى مدينتي فيرجينيا ونيفادا حيث واصلت عملها، وسرعان ما حظيت بشهرة واسعة بين عمال المناجم هناك الذين أصبحوا زبائن مخلصين لها.
قامت بوليت خلال حياتها بالعديد من الأعمال لتحسين المدينة التي تعيش فيها، نذكر منها على سبيل المثال أنها كانت تندد بالعمل في مجال التعدين حيث أنه لم يكن عملا آمناً، وعندما أصيبت مجموعة من عمال المناجم بالمرض بعد شربهم لمياه ملوثة جراء التعدين، حولت بوليت بيتها المعروف باسم “قصر جوليا” إلى مستشفى لعلاجهم، حتى أنها ساهمت في رعاية المرضى استناداً على مهارتها في التمريض.
تبرعت بوليت بأموال طائلة لفائدة “لجنة لينكولن الصحية”
“لجنة لينكولن الصحية”هي وكالة إغاثة تهدف إلى دعم جنود الاتحاد من الجرحى والمرضى خلال الحرب الأهلية.
كما تبرعت بسخاء لمراكز الإطفاء في البلدة، ولم تقتصر مساهماتها على الأموال فقط فقد أشارت بعض التقارير إلى أنها كانت تنضم في بعض الأحيان إلى رجال الإطفاء في سياراتهم وتبقی هناك لتشغيل مكابح محركات سيارات رجال الإطفاء التي كانت تعمل يدوياً حينها.
صورة لـجوليا بوليت وهي ترتدي حزاماً يحمل رقم واحد وخوذة رجال الإطفاء موضوعة بجانبها تحمل نفس الرقم الذي منحتها إياه دائرة الإطفاء
للأسف، تم اغتيال جوليا بوليت في 20 يناير من سنة 1867، وقد اجتمع سكان البلدة وقدموا لها جنازة تليق بالملوك، وسار الآلاف من الناس في موكب جنازتها لتكريمها، بما في ذلك رجال الإطفاء الذين عملت معهم جنبا إلى جنب، بالإضافة إلى ميليشيا نيفادا.
تم القبض على الجاني جون ميلان بعد مضي أكثر من عام على اغتياله لها، وعندما حان يوم تنفيذ الحكم فيه، أغلقت كل المتاجر أبوابها.
مصادر البحث
– ويكيبيديا
– دخلك بتعرف
اترك تعليقاً