معركة «نيو أوريلنز»موقعة في الحرب الأميركية-البريطانية
مدخل
ربما لو كان الهاتف قد اختُرعَ او وسائل اتصال اخرى معاصرة اليوم موجودة في عام 1812 لتجنبت بريطانيا والولايات المتحدة وقوع حرب دامية استمرت عامين ونصف. لربما حفظتا حياة حوالي 4000 ضحية من الطرفين (1600 جندي بريطاني، و 2260 جندي أمريكي).
قبل يومين من اندلاع الحرب كانت بريطانيا قد اعلنت موافقتها على جميع المطالب الأميركية. لكن هذا الخبر لم يصل إلى مسامع الولايات المتحدة في الوقت المناسب. لذا في حزيران 1812 أعلنت الولايات المتحدة حربها على بريطانيا. وكانت اسبابها التالية:
1- القيود التجارية التي فرضتها بريطانيا على الولايات المتحدة أثناء حربها الأولى مع فرنسا.
2- إجبار البحارة الأمريكيين على الخدمة في البحرية البريطانية.
3- ثم ازدياد التحرش البريطاني بالسفن الأمريكية، آخر ما تم كان ضَربُ سفينةٍ أمريكية، وقتل ثلاثة من طاقمها.
ولقد توافقت هذه الأسباب المعلنة مع رغبة أميركية جامحة في إيقاف الدعم البريطاني لقبائل من الهنود الحمر مناهضة للتوسع الأميركي في مناطقهم، اضافة الى رغبة اميركية في ضم ما تقدر عليه من المملكة العظمى بريطانيا إن هزمتها في الحرب.
مشاهد من الحرب
الرئيس الأمريكي “جيمس ماديسون” رأى أن أمريكا لا زالت فتيةً، لا تقوى على حرب كهذه، لكنه دُفع إلى طرح الأمر على مجلس النواب، فجاءت الأغلبية بوجوب خوض الحرب على بريطانيا.
ان مادفع مجلس النواب الى اتخاذ هذا القرار الخطير هو هيمنة صقور الحرب من الحزب الجمهوري المتطرفين، ولقد استطاعوا التكتل والنفاذ إلى داخل المجلس النيابي. في حين انه في الواقع لم يكن أي طرف مستعدًا لهذه الحرب، فبريطانيا غير مستعدة لانشغالها بحربها مع نابليون بونابرت، والولايات المتحدة لم تكن تجد العدد الكافي من الجنود. الأميركيون كان يفضلون القتال في ميليشيات بدلًا من جيش نظامي. والميليشيا إما أنها تتآلف من صغار متحمسين، أو كبار يفتقدون لفنون الحرب. كذلك كان عناد الجمهوريين في عام 1811 وإصرارهم على عدم التجديد للبنك الأميركي السبب وراء تضخم العملة الأمريكية، ما يعني فقد مصادر تمويل تلك الحرب. لكن إصرار الجمهوريين كان أعلى من الجميع، فاضطرت 12 سفينة أميركية لمواجهة 800 سفينة بريطانية. ومعلوم ان بريطانيا هي المتفوقة في اساطيلها البحرية لسبب من جغرافيتها كجزيرة.
خاض الطرفان الحرب ونتائج “حرب الاستقلال الاميركية” عالقة في أذهانهما. فأشعلا حرباً على الجبهات كافة. هاجمت السفن الحربية وسفن القراصنة التابعة لكل طرفٍ الطرف الآخر. استعانت الولايات المتحدة بالسفن المستأجرة لتقاتل نيابةً عنها. ونشبت حرب برية على الجبهة الأمريكية الكندية بطول البحيرات العظمى، ثم في الجنوب الأمريكي.
القتال بلا خطة
حرب البحر كانت سجالًا. وفي الجنوب الأمريكي تمكن الأميريكيون من دحر الهنود الحمر الموالين لبريطانيا، لكن تمكن البريطانيون من احتلال «نيو أورلينز». أما الحرب على الجبهة الاميركية الكندية فقد تغيرت فيها إستراتيجية الطرفين كثيراً.
كان المحدد لطبيعة القتال هو موقف البريطانيين في حربهم الحالية أمام «نابليون بونابرت». في البداية اعتمدوا على الدفاع، بينما اختار الأمريكيون الهجوم. لكن الدفاع البريطاني كان منيعاً، فلم تقوَ الولايات المتحدة إلا على بحيرة “إيري” عام 1813، وغرب “أونتاريو”. وقد اكتفى الأمريكيون بذلك،لأنه يقضي على حلم الهنود بإقامة دولة خاصة لهم للأبد.
في نيسان 1814 هُزم نابليون. في نفس التوقيت اختار البريطانيون التحول من الدفاع إلى الهجوم. فأرسلوا 15 ألف جندي إلى أميركا الشمالية. وفي الجنوب الغربي تمكنوا من هزيمة قبائل هنود الكري الموالين للولايات المتحدة في معركة “هورس شو بيند”، ثم النصر الكبير في معركة “بلادنزبرج” ما مكنهم من السيطرة على واشنطن العاصمة وإحراقها.
لكن مالبث هذا الصعود البريطاني المتتالي الا ان بدأ يتهاوى. ففي أيلول 1814 هُزموا في معركة “بلات سبرج”. بهذا استطاع الأمريكيون الاحتفاظ بـ “نيويورك”.
تلك الهزيمة كانت إشارةً إلى أن المرحلة القادمة ستكون أميركية بالتأكيد. لهذا آثرت الحكومة البريطانية، بضغط من التجار، الهدنة والسلام. وقد وقع الطرفان معاهدة سلام وعادت الأمور بموجبها إلى ما قبل الحرب.
حرب 1812, الولايات المتحدة الأمريكية, حروب تاريخية
لا نعرف لماذا قاتلنا!
اكتشف الطرفان أن اتفاقية كَنت التي انتهت بموجبها الحرب لم تغير شيئاً، وأن ما وقع الطرفان عليه هو تعيين لجان تنظر لاحقًا لمشاكل التجارة والصيد البحري وحقوق الطرفين في البحيرات. ولم تتطرق المعاهدة إلى أفعال بريطانيا التي كانت الدافع الأكبر وراء هذه الحرب.
للمرة الثانية يؤدي فقر قنوات الاتصال إلى كارثة. ستة أسابيع كاملة لم يُعلم قادة السفن البريطانية في المحيط الأطلسي بخبر توقيع الاتفاقية. واستمرت السفن البريطانية بإطلاق نيرانها. ردت عليها السفن الأمريكية باطلاق النار. تلقت السفن البريطانية هزيمةً ساحقةً في كانون الثاني 1815 في “نيو أورلينز”.
في الختام
عادت الأوضاع الجغرافية إلى ما كانت عليه قبل الحرب. بينما الأحوال المعنوية لجميع الأطراف لم تكن كذلك. فقد احتفلت الولايات المتحدة بـ “عصر المشاعر الطيبة”. وباختفاء العداوات الحزبية، والتوحد خلف القومية الأمريكية.
بينما المقاطعات الكندية بدورها احتفلت بانتصارها على القوات الأمريكية، وشعرت بالولاء الخالص لبريطانيا. وزاد العداء البريطاني على اثرها للولايات المتحدة.
لم تقتصر غرابة تلك الحرب على سبب اندلاعها، بل امتدت إلى حقائق انتهائها. انتهت الحرب واتفق الجميع على أن الهنود هم الخاسرون لضياع حلم إنشاء دولة خاصة بهم. لكن في الوقت ذاته اعلن كل طرف نفسه منتصراً.
قام المؤرخون في أميركا، وكندا، وبريطانيا برسم المعركة ونتائجها بما يضمن لكل منهم أن يُعرف نفسه بأنه من استطاع إنهاء الحرب لصالحه، وانه المنتصر…
اترك تعليقاً