مسؤولياتنا في الأسبوع العظيم
“إن هذا اليوم الحاضر يقدّم ببهاء آلام الرب، فهلمّ إذاً يا محبي الأعياد لنستقبلْه بنشائد…” (قطعة الكانين في الكاثسما الأولى من سحر الإثنين العظيم).
لقد وصلنا أيها الأصدقاء الأحباء إلى آلام الرب يسوع المسيح الخلاصية. هذا الأسبوع يسمى “العظيم”، لأننا في 168 ساعة، من اليوم حتى ليلة القيامة، نكرّم الأحداث العظيمة ذات الأهمية الفريدة في تاريخ العالم التي هزّت السماء والأرض والعالم السفلي. من هنا تسمية هذا الأسبوع بـ “العظيم” وسبب عدم جواز مروره كأي أسبوع آخر.
هنا أطرح السؤال: ما هي مسؤوليات المؤمن خلال الأسبوع العظيم؟ أنا لا أخاطب الكفّار أو الملحدين أو الألفيين: أنا أتحدث عن المؤمنين الذين يرغبون بالاحتفال بشكل صحيح. ما هي واجباتنا في هذا الأسبوع؟
واجبنا الأول أيها الإخوة والأخوات، أن نشكر ربنا يسوع المسيح من قلوبنا. بالطبع، يجب أن تكون حياتنا كلها عبارة عن “شكراً لك”، و”المجد لك يا رب”، على خيراته الكبيرة والصغيرة، الظاهرة وغير الظاهرة؛ من أجل كل الأشياء الصالحة، المادية والروحية التي وفَّرَتْها نعمته بكثرة: الشمس والريح والماء والزهور وشاطئ البحر وكل الأشياء التي صنعها. كما يجب أن نشكره على والدِينا وأقاربنا وزوجنا وأولادنا، والزمان والفصول، على كل شيء مبارك وضروري.
الناس الجاحدون أسوأ من الحيوانات. إذا كان لديك كلب ورميت له قطعة خبز، فسوف يهزّ ذيله ليقول لك شكرًا. يجب أن يكون الناس شاكرين لله. يجب أن نشكره على كل شيء، ولكن الأهم من ذلك كله على تضحية ابنه، على آلامه المقدسة. يجب أن نشكره أيضًا على شيء آخر: صبره الذي لا ينتهي على آثامنا الكثيرة وخاصة لعناتنا التي من أجلها نستحق أن تفتح الأرض وتبتلعنا وأن يموج البحر ويغرقنا. ومع ذلك فهو يتحمّلنا. لهذا السبب، في يوم الجمعة العظيمة، ترتّل الكنيسة “المجد لطول أناتك يا رب، لك المجد”.
إذاً، أحد واجباتنا هو أن نشكر الله. واجب آخرٌ هو الاشتراك بالخِدَم. الخِدَم في الأسبوع العظيم ليست كالخِدَم الأخرى، بل هي مختلفة تمامًا. الترانيم التي هي أحلى من العسل، والشعر الملهَم، كالتقاريظ، غير موجودة في أي دين آخر في العالم. الطروباريات وحدها، التي لا اللاتين ولا البروتستانت ولا أي شخص آخر عنده مثلها، تكفي لإثبات أن كنيستنا ليست من هذا العالم. إنها من السماء وبوحي من الله. من فعل هذا؟ هل كُتِبَت في المدارس والجامعات؟ لا، لقد كتبها النساك القدّيسون في الكهوف الذين انسكبت دموعهم على الأرض ونبتت أزهاراً. لم يكتبوها بأدمغتهم وبالحروف التي عرفوها. إنها دم القلب والعاطفة الصحيحة والتعبير عن الحياة والخبرات المقدسة والحقائق التي لا يستطيع أن يمتلكها إلا الذين يحبون المسيح بصدق. أنت تكون فاقد الحسّ بالكليّة إن لم تحركك. لذلك فلنذهب إلى الكنيسة ونتابع الخِدَم.
واجبنا الثالث: هذا الأسبوع هو أسبوع صوم صارم. لا تستمعوا إلى الكفار والماديين. نحن نلتزم بتقليد الرسل وآباء الأرثوذكسية في ما يتعلق بصوم الكنيسة، ولا سيما هذا الصوم بالذات. عندما نقول “صوم”، فإننا لا نقصد أن المعدة تصوم لتذكرنا بمرارة الصليب. ما نقصده هو أنه إلى جانب الجوف، على الفم أن يصوم عن الذمّ، واللسان عن الأقوال غير اللائقة، والعينين عن المناظر الشريرة. في بيزنطية كان الأباطرة يصدرون مرسومًا في هذا الأسبوع: في يوم الاثنين العظيم والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد، تُغلَق دورات السباق وجميع المسارح. لو كنّا نعيش في دولة مسيحية أرثوذكسية، فإن الملاهي الليلية وأوكار الإثم تُغلَق هذا الأسبوع حدادًا على من رُفِع على الصليب من أجلنا.
ولدينا واجب آخر هو الاعتراف والمناولة المقدسة. لن أتوسع في هذا. سأقول فقط: في هذه الأيام المقدسة، ولا سيما ليلة القيامة، نحن مدعوون للبقاء في الكنيسة حتى نهاية الخدمة، مع شمعة القيامة. إذا كان كل ما تفعلونه هو سماع “المسيح قام” ثم تغادرون، فمن الأفضل لكم البقاء في المنزل. إذ تفرغ الكنائس بعد “المسيح قام”، فهذا عمل نابٍ واحتقار للمسيح. يجب أن نبقى حتى النهاية ويجب أن نكون مستعدين للمناولة. ما هي الشركة المقدسة؟ إن جسد ودم ربنا نار من السماء. اسألك ماذا انت؟ أقشٌ؟ إذا كنت كذلك، فلا تقترب من الأشياء المقدسة لأنك ستحترق. أذَهَبٌ؟ الذهب لا تهدده النيران. كلما اقترب منها زادت نقاوته. هذا هو حالكم أيها المسيحيون. إذا كنتم غير تائبين، فإن النار ستلتهمكم، كما أحرقت يهوذا الذي تناول بلا استعداد. لكن إذا كنتم قد عبرتم أتون الاعتراف، فاقتربوا. المناولةالمقدسة هي دواء الخلود.
في الأسبوع العظيم علينا أيضًا واجب مقدس تجاه إخوتنا وأخواتنا الذين يعانون ويتألّمون. إنه أسبوع المحبة وعمل الرحمة. وجبة جيدة لشخص جائع، قطعة ملابس جديدة – لا قديمة – لمن ليس عنده، مساعدة الأرامل والأيتام، بعض الأدوية الضرورية، زيارة المرضى، كلمة تعزية لحزين. كل ما يمكن أن يفكّر به قلبٌ محب.
لكن هذا لا شيء. هناك شيء أكثر، وهو الأصعب على الإطلاق. كلّ ما قلتُه افعلوه، لكن ما لم تفعلوا هذا الأخير فلا تكونون مسيحيين. ما هذا؟ أعرف مسيحيين مصلّين، ينصتون باهتمام شديد للكلمات المقدّسة، ويصومون بصرامة، ويعترفون ويتناولون. لكن القلة من المسيحيين الذين أعرفهم هم الذين “يصفحون عن كل شيء في القيامة” (من أودية عيد الفصح). الأسبوع العظيم هو أسبوع الغفران. في هذه الحياة، مَن لا ينفر من شخص ما أو عنده برودة أو معارضة أو عداوة موجهة نحو شخص ما؟ خلال هذه الأيام المقدسة، فلننظر إلى المسيح المصلوب. لم يُظلَم أحد ويتأذّى مثل المسيح. مع أنهم مزقوا جسده بالمسامير وقلبه بلعنات الفريسيين وإدانتهم، صلّى على الصليب: “يا أبتاه اغفر لهم. فإنهم لا يعرفون ماذا يفعلون” (لوقا 34:23). لذا لنسامح بعضنا البعض أيضًا: الكنائن والحموات، والأقارب، والأصدقاء، والأطفال والآباء ، الجميع بلا استثناء. فلنفتح قلوبنا، لنحسّ بداخلنا بمحبة المسيح. بدون محبة كيف نحتفل؟
أيها الإخوة والأخوات، الأسبوع العظيم هو يد مفتوحة لعمل الرحمة، وعين تبكي بالتوبة، وأقدام تركض إلى الكنيسة، وقلب متصالح مليء بالعبادة للمسيح المصلوب. هل نقوم بهذه الواجبات؟
هل تعرفون نحن ماذا نشبه؟ نحن مثل المتسول الذي كان لوقت طويل لا يحصل إلا على القليل من القطع النقدية، إلى أن أتى الملك في يوم من الأيام وقال له: “افتح يديك” وراح يعطيه 1 ، 2 ، 3 … 5 … 10 … 100 … 168 قطعة ذهبية، إلى أن أُتخِم منها. وبدلاً من الاستفادة من هذا الكنز، ذهب المتسول إلى النهر وراح يلقي العملات المعدنية في الماء. أليس هذا مشوِّشًا؟ وهذه الساعات – كما تسميها الكنيسة – هي كنز. كل ساعة، كل قرع جرس، كل ضربة، كل دقيقة هي ساعة مهمة.
فلنستفيدنّ من هذه الأيام المقدسة. فلا ندعها تمرّ مثل باقي الحياة. هل نعرف ما إذا كنا سنعيش للاحتفال بأسبوع عظيم آخر؟ قد يكون هذا الأسبوع العظيم هو الأخير الذي نراه في هذه الحياة. في العام الماضي، كم كان معنا؟ وأين هم الآن؟ نغادر، تنطلق صافرة القطار ونمرّ بهذا المكان مرة واحدة فقط.
أدعو الله أن يكون هذا الأسبوع العظيم مرحلة مهمة في حياتنا، عسى الرب أن يكون أسبوع أفكار مقدسة ومشاعر مقدسة وقرارات بطولية وتقديس للروح. نرجو أن نختم أسبوع الآلام بعبارة “اذكرني يا رب متى أتيتَ في ملكوتك” (لوقا 42:23).
الميتروبوليت أوغسطينوس كانتيوتيس مطران فلورينا +2010
نقلتها إلى العربية اسرة التراث الأرثوذكسي
اترك تعليقاً