الرسل الإثنا عشر والتلاميذ السبعون
أن السيد المسيح قد اختار تلاميذه بنفس عدد أبناء يعقوب الإثني عشر، أسباط إسرائيل (مت 28:19)، وأن الرقم 12 هو 3 (الثالوث القدوس) ×4 (أربع اتجاهات المسكونة)، وما يحمله من إشارة إلى عمل الله في خلاص البشرية في كلّ أرجاء المسكونة، من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب. لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: “اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها”. فمن الإثني عشر سبطًا تكونت كنيسة العهد القديم في إطار محدود، وبالإثني عشر رسولًا تأسست كنيسة العهد الجديد في المسكونة كلها، فكانوا بعدد ساعات النهار (يو9:11) وحملوا نور البشارة بالإنجيل إلى العالم أجمع.
أول من ذكرهم بأسمائهم هو كاتب الإنجيل الأقدم (مر 3: 15-16). يعدّدهم إفرادياً، واحداً تلو الآخر، أما متى ولوقا فيذكران أسماء الرسل بالترتيب عينه الذي وردت فيه عند مرقس لكن اثنين اثنين، ما قد يشير إلى ترتيب زمني أيضاً، وبحسب دعوتهم، مثلاً: متى وتوما معاً وكأنهما دعيا معاً، على غرار بطرس وأندراوس، يعقوب ويوحنا… وإنه ليضيق بنا المجال للحديث عن نشاط كلّ منهم ودوره في نشر الإنجيل. لكن ماذا عن السبعين تلميذاً؟ من هم؟ ما الحاجة إليهم مع وجود إثني عشر رسولاً؟ وبماذا يختلفون عنهم؟
الرسل السبعون
-هل السبعون كانوا تلاميذ للإثني عشر أم للرب يسوع نفسه؟ كان كل رسول تلميذًا، ولكن ليس كل تلميذ كان رسولاً. لدى قراءة إنجيل مرقس، الذي كتبه أحد السبعين، كثيراً ما نلاحظ أنه يأتي على ذكر جماعة من الناس تتبع يسوع أكبر من جماعة الإثني عشر، فيشير إليهم عادة بوصف (تلاميذه mathetai aytou). في حين أنه عندما يتحدث حصراً عن ال 12 رسولاً، فإنه يصفهم إما بكلمة (رسلapostoloi ) أو بعبارة (الإثني عشر dwdeka)، ونادراً ما يحددهم هكذا “الإثني عشر رسولاً”. لقد كانوا جميعاً بمن فيهم الرسل تلاميذ للرب يسوع، الذي أرسلهم في مهمة، لا يأتي على ذكرها سوى الإنجيلي لوقا (الأصحاح 10)، وهو كان من السبعين، والغرض منها تهيئة الطريق للمسيح، مع توصيات وتعليمات محددة: “وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِي.َ لاَ تَحْمِلُوا كِيسًا وَلاَ مِزْوَدًا وَلاَ أَحْذِيَةً. وَأَيَّةَ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَقَبِلُوكُمْ، فَكُلُوا مِمَّا يُقَدَّمُ لَكُمْ. وَاشْفُوا الْمَرْضَى الَّذِينَ فِيهَا، وَقُولُوا لَهُمْ: قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ. فَرَجَعَ السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِك”.
-هل كان السبعون جميعاً من اليهود أم أمميين أيضاً؟ لقد كانوا بمعظمهم أمميين، أي من غير اليهود، فكانوا قبل أن يتتلمذوا للرب من عبدة الأوثان، وكانوا جميعاً يتحدثون اليونانية فتوجهوا إلى مدن وثنية في فلسطين سكانها ناطقون باليونانية وبشروا فيها باقتراب الملكوت. في حين أن الرسل الإثني عشر كانوا جميعاً يدينون باليهودية، فكانوا في مهمة مماثلة يتوجهون إلى مدن يهودية حصراً حيث يتحدث سكانها الآرامية، اللغة السائدة في ذاك الوقت لأن العبرية كان استعمالها محصوراً في المعابد اليهودية، فيبشرون سكانها بملكوت الله (مر 6: 7-13، مت 10، لو 9: 1-6).
-هل تعثر أحد من السبعين كما قد تعثر أحد الإثني عشر؟ كما أن يهوذا خان المسيح وأسلمه لقاء ثلاثين من الفضة، كان هناك اثنان من السبعين جحدا الإيمان المسيحي وعادا إلى عبادة الأوثان، ممارسين الشعوذة لجمع المال وحبّاً بالمجد العالمي الباطل. تمّت القرعة لانتخاب اثنين ليكونا من السبعين عوضهما، فتمّ اختيار والد مرقس الإنجيلي آريسطوبولوس وصار أول أسقف لبريطانيا، كما حصل مع ماتياس، أحد السبعين الذي شغل المكان الشاغر بين الإثني عشر بعد خروج يهوذا من مصفّ الرسل.
-هل استشهد السبعون جميعاً كما الإثني عشر (ما عدا يوحنا)؟ لقد قضى حوالي النصف منهم شهداء كما استشهد الرسل جميعاً باستثناء يوحنا الإنجيلي، الذي كانت نهاية حياته سلامية فمات موتاً طبيعياً.
–هل كان السبعون جميعاً من الرجال كما الإثني عشر أم كان بينهم نسوة أيضاً؟ في ختام إنجيله يذكر لوقا:”وَرَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ، وَأَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ الْبَاقِينَ بِهذَا كُلِّهِ”(لو24: 9). إذاً، عند رجوع المريمات من القبر، أخبرن بِهذَا كُلِّهِ الرسل وَجَمِيعَ الْبَاقِينَ، بمن فيهم السبعين، والذين على مايبدو كانوا من الجنسين. وكان في الإصحاح 8 قد ذكر: وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ. تحديداً: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ، وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ (8: 2-3). كما أننا من التقليد الكنسي والسنكسار نعرف أن من السبعين كان الزوجان أكيلا وبريسكيلا، المذكوران من بولس الرسول في رومية 16: 3-4 وفي أعمال الرسل (18: 1-3)، وقد تمّ اكتشاف كنيسة بيتهما، حيث كان يقيم بطرس الرسول.
-إنّ الإثني عشر تفرّقوا في أربع جهات الأرض مبشرين بالإنجيل طوال حياتهم، فماذا عن السبعين؟ لعلّ هذا هو أهم الفروق، ففي حين استمر الإثنا عشر في السفر والتنقل من بلد لآخر دون توقف، كان السبعون قد استقروا في أماكن محددة بحسب توصيات الرسل وبوضع أيديهم عليهم جاعلين منهم أساقفة. على سبيل المثال: يعقوب أخو الرب أسقف القدس وخليفته فيها الأسقف سمعان بن كليوباس، حنانيا أسقف دمشق، فيلمون أسقف غزة، تيموثاوس أسقف أفسس، تيطس أسقف كريت، هيروديون أسقف طرسوس، هرمس أسقف فيليبوبوليس، غايوس أسقف أفسس. وبعض من السبعين كانوا شمامسة، مثل تيمون وبارميناس وهما من الشمامسة السبعة. وأحدهم كان من الأنبياء في الكنيسة الأولى هو النبي آغابوس في أنطاكيا. ولكن هناك استثناءات، مثل مرقس وعمه برنابا، اللذان وإن أقيما أساقفة، الأول على الاسكندرية والآخر على قبرص، إلا أنهما تابعا التنقل والبشارة خارج حدود أسقفيتهما، في أنطاكيا وآسيا الصغرى وإيطاليا وسواها. كما أن هناك ممن لبثوا مرافقين للرسل، مثل بروخوروس الذي رافق يوحنا الرسول، وفيلولوغوس الذي رافق الرسول أندراوس، وسيلا الذي رافق بولس الرسول.
/ الشماس بولس
Metropolite Athanasios
بتصرف
اترك تعليقاً