جبل وقصر أُسيس .. أوابد تشهد على عظمة سورية

جبل وقصر أُسيس .. أوابد تشهد على عظمة سورية

جبل وقصر أُسيس .. أوابد تشهد على عظمة سورية

يقع جبل أسيس أو سيس،جنوب شرقي مدينة دمشق بنحو 105كم، ضمن إقليم الحماد السوري على الصبة البركانية، إلى الشرق من الهيجانة، وهو يشكل في الشمال، جزءاً من جبل حوران «منطقة اللجا»، وإلى الشرق توجد الصحراء البركانية وتسمى الصفا. وتدعوه العامة بجبل سايس أو أسيس، وقد اكتشف هذا الاسم على نص منقوش على صخرة بازلتية، يعود إلى العصر الأموي، وهو محفوظ الآن في المتحف الوطني بدمشق. ويتبع إدارياً لمدينة دوما في ريف دمشق.
ذكره ياقوت الحموي في معجمه، وهو جبل بركاني كبير ما زالت فوهته الدائرية في الأعلى واضحة حتى اليوم، ويرتفع عن سطح البحر 697 م، ويروى أن الأمطار تتجمع فيه في سني الخصب فتكوّن بحيرة كبيرة تعرف باسم “الخبرة”.
.
توجد حول الموقع الغني بالصخور البركانية نقوش صفائية، كما توجد بقايا أبنية أثرية تعود إلى الفترة الرومية، ومنشآت تعود إلى نهايات القرن 1هـ/7 م وبدايات القرن 2هـ/8 م منها بقايا قصر يعود للعصر الأموي وحمام وجامع وخانات ومخازن وغيرها، كما يوجد سد صغير على بعد 1كم شرق الحمام.
.
تعد آثار جبل أسيس من أهم المواقع التي تمثل العمارة الأموية الصحراوية والتي ما زالت محفوظة حتى الآن، وقد توزعت الأبنية العمرانية حول البحيرة فالقسم المهم و الأعرض يضم القصر والحمام والجامع، وتنتشر على يمين المسيل المائي الغربي، بينه وبين الصدع. وقد تم الاستفادة من الصدع كمقلع للحجارة اللازمة للبناء، والقسم الأصغر ويقع في الشمال عند السفح الجنوبي لفوهة البركان، حيث تتلاصق البيوت الصغيرة الأبعاد، ذات المداخل الواسعة ولازالت بقايا بعض الأقواس البازلتية والسواكف موجودة. ويوجد إلى الشرق منها بقايا طريقين استخدما لجلب الحجارة البازلتية القاسية من سفح الجبل البركاني.
.
كان القصر مقاماً للخليفة الوليد الأول، وقد أنشئ سنة 93هـ/711م، حيث وجدت نقوش كتابية عدة في الموقع تحوي أسما عدد من أبنا الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، التي تؤكد استمرار أسرة الوليد بالإقامة في هذا القصر.
.
ويعد قصر أسيس من أقدم الأبنية والقصور الأموية في الصحراء ، وكذلك فإن زخارفه الجصية تعد الأقدم في تاريخ الزخرفة الإسلامية، وقد أُحرِق القصر ودُمِّر في أواخر العصر الأموي، وهناك دلائل على أنه رُمم وسُكن في العصر المملوكي.
.
يتألف القصر من سور خارجي مربع طول ضلعه 67.53 م عدا الضلع الجنوبية فهي أقصر بما يقرب المتر، وترتفع في زواياه أربعة أبراج دائرية محيط كل واحد منها 8.40م، كما تتقدم في منتصف أضلاعه الأربع أبراج نصف دائرية، وينفتح في منتصف البرج الشمالي مدخل القصر الذي ينتهي دهليزه بفنا مربع الشكل ضلعه تقريباً 31م يحوي بئر ماء فوهتها دائرية الشكل.
.
وتشير الدلائل الأثرية إلى أن الغرف والقاعات كانت تلتف حول هذا الفناء بطابقين يتقدم الأرضي منهما أربعة أروقة، ولكنه لم يبق من هذين الطابقين سوى السور الخارجي للقصر الذي تحفه الأبراج، وآثار بعض المداميك في الطابق الأرضي،
.
كما بينت التنقيبات أن أغلب فراغات القصر كانت مكونة من مجموعات سكنية منفصلة يتألف كل منها من منطقة وسطية كبيرة عرضها 5.20م، تفتح عليها أربع قاعات جانبية ترتبط معها بأبواب، ولكل مجموعة منها ثلاثة أبواب تنفتح على فناء القصر. وأكثر هذه المجموعات أهمية تلك التي تحاذي البرج المتوسط للسور من الجهات الثلاث عدا الشمالية التي تضم المدخل والذي يشكل بدهليزه والغرف المنفتحة عليه تصميماً يشابه المجموعات الأخرى.
.
أما القاعة التي تعلو دهليز الدخول فيعتقد أنها قاعة اجتماعات، ويقع الدرج الذي يصعد للطابق الأول في إحدى القاعات المجاورة للمدخل،
كما وُجد في الركن الشمالي للقاعة التي تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية مرحاض منفصل عنها بجدار زاوية مفتوح على الشرق، وكذلك مجرى ماء (مصرف)، وفي جنوب القاعة فرن، وهذا ما يدل على أن هذه القاعة كانت مطبخاً.
.
يتألف برج المدخل الرئيسي بكامله من أحجار البازلت، ومن الخارج تتوالى أحياناً مداميك الأحجار البازلتية الطبيعية مع المداميك الأخرى المنحوتة جيداً،
أما الدهليز فهو مكسو بالكامل بالأحجار المنحوتة.
قوس الباب مدببة قليلاً وتتبع المنحني نصف الدائري للبرج، والباب نفسه يتألف من دسنتات ظاهرة وعتب من ثلاثة أقسام. أما الطابق الأول للبرج فهو مطابق للسفلي بيد أن وجهه الداخلي منفذ بكامله بقطع البازلت المنحوتة بدقة وانتظام، ومخطط هذا الطابق بشكل قوس حدوة الفرس، ويعتقد أن هذا البرج كان مقبباً فيما سبق بالآجر،
.
أما واجهات الفناء الداخلية فهي مؤلفة من مجموعة أقواس نصف دائرية مبنية بالآجر ترتكز على دعائم في الطابق الأرضي، ومحمولة على أعمدة رخامية تستند إلى قواعد مربعة، ومن الممكن التمييز بين نوعين من التيجان. وكان يعلو سقف الطابق الأول تصوينة تتألف من الزخارف الجصية بارتفاع 1م والتي تشكل أقواساً نصف دائرية متجاورة منحوتة تستند إلى دعائم مؤلفة من ثلاثة أعمدة صغيرة.
.
بنيت جدران القصر مباشرة على الصخر الطبيعي الذي يعدُّ الأساس لها، وهو بعمق 70سم تقريباً، وتبلغ سماكات الجدران الخارجية 110سم تقريباً، وهي مبنية من الحجر البازلتي المؤلف من حبتين، أما الجدران الداخلية للقصر فهي بسماكة 85سم، وهي مبنية على الأغلب من الآجر.
.
وقد كسيت الأجزاء الخارجية للقصر بالجص، أما الداخلية منها فزينت بالرسوم النباتية الجصية الملونة، كما زين برج الدخول- اعتباراً من منسوب النوافذ- بالرسوم بشكل مشابه لأشكال الرخام وبألوان كالأحمر والأبيض والأصفر. وفي أعلى البرج يوجد بقايا رسوم لأزهار على خلفية سوداء . وزينت أقواس القمريات العلوية بخطوط منحنية مع زخارف جدارية فوق النوافذ تمثل أقواساً مشابهة لأقواس تصوينة الطابق الأول.
.
كانت أرضية القصر فيما مضى مرصوفة ببلاطات من الحجر البازلتي، وما تزال أرضية فناء القصر الأوسط والأروقة ودهليز المدخل الرئيسي وبعض الغرف تحتفظ بهذه التبليطات، ويعتقد أن أرضية القاعات الرئيسية كانت مغطاة بالفسيفسا الرخامية.
.
سجل الموقع على لائحة المواقع الأثرية الوطنية بالقرار الوزاري رقم 384 / أ تاريخ 26 / 6/ 2000 .