كنيسة رقاد السيدة العذراء للروم الأرثوذكس (كنيسة سيدة النياح)
من المحتمل أن رعية الأرثوذكس (الروم) في المدينة كان لها كنيسة في الجزء الجنوبي الشرقي من باحة الكنائس منذ أوائل القرن الخامس عشر على الأقل. تخبرنا ملاحظة هامشية من حوالي عام 1500 في مخطوط محفوظ في مكتبة الأسقفية الأرمنية أن راعي الكاتدرائية الأرمنية للشهداء الأربعين عيساي، قام أيضاً بترميم كنائس طائفتي الروم والموارنة. ومن المثير للاهتمام، أن هذا المصدر يذكر أن الكنيسة مكرسة للقديس جاورجيوس، مما يشير إلى أن تكريس الكنيسة قد تقلب مرات عديدة مع مرور الزمن.
في عام 1724 انقسمت الرعية الرومية الانطاكية إلى فرعين أرثوذكسي وآخر كاثوليكي انشق عن امه يتبعان لكنيسة روما. جعل الروم الارثوذكس الاصلاء يجعلون الكنيسة القديمة كنيستهم؛ ومع ذلك قد نفترض أن العلاقة بين الطوائف والتي غالباً ما كانت متعارضة حالت دون أي أعمال بناء كبرى خلال القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.
دمر زلزال 1822 مبنى الكنيسة جزئياً. وفيما بعد بدأت عملية إعادة الإعمار على نطاق أوسع عام 1849 (بما في ذلك بيت حسّون) . تعرضت الكنيسة لنكسة أخرى أدت لتدميرها في اضطرابات عام 1850، واكتملت أخيراً في عام 1861. يأخذ البناء شكل مستطيل (35 × 22 متراً) تهيمن عليه قبة مركزية تستقر على أربعة أعمدة . تحتوي الكنيسة على حامل أيقونات رائع من خشب الأبنوس وكنز من الأيقونات اليونانية والروسية المهمة، ولكن بشكل خاص من مدرسة حلب للأيقونات، بما في ذلك أيقونة رقاد العذراء التي صورتها عائلة الاب يوسف المصور.
احتفل مساء اليوم بافتتاح كنيسة رقاد السيدة العذراء ومطرانية الروم الأرثوذكس بعد إعادة ترميمهما من الأضرار التي لحقت بهما جراء الإرهاب في حي الجديدة بمدينة حلب القديمة بيد غبطة البطريرك يوحنا العاشر في فعالية ابرشية حلب عام 2022 بعيد القديس سمعان العمودي شفيع الابرشية بقداس احتفالي وبمشاركة عدد من مطارنة الكرسي الانطاكي المقدس وحضور محافظ حلب ووزير الاوقاف محمد عبد الستار السيدورؤساء الكنائس في حلب.
بين غبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في كلمته أهمية إعادة افتتاح المطرانية القديمة والكنيسة التاريخية بعد عودة الحياة إلى المنطقة ونفض غبار الحرب والإرهاب مشيراً إلى أنهما قامتا من تحت الدمار كطائر الفينيق ليقولا إن نور الحق أقوى من ظلمة الباطل حيث أنبلج فجر جديد ودليل على استمرار المسيحية المشرقية.
ولفت غبطته إلى أن افتتاح الكنيسة والمطرانية هو شهادة للتاريخ تقول إننا باقون هنا لنقيم الصلاة في حلب من أجل السلام لسورية وللعالم أجمع.
وأكد وحدة التراب السوري وضرورة تحرير آخر شبر منه مجدداً الدعوة لرفع الحصار الاقتصادي الغربي عن سورية كي يعيش كل إنسان بأمان.
بدوره أوضح وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الستار السيد أن إعادة افتتاح الكنيسة والمطرانية بعد إعادة تأهيلهما وترميمهما يشكل يوماً عظيماً في حلب وسورية وهي رسالة انتصار وإيمان وما كان ذلك إلا بفضل تضحيات أبطال الجيش العربي السوري ودماء الشهداء منوهاً بأن أبناء سورية جميعاً يعملون يدا بيد لإعادة إعمار المساجد والكنائس التي تعرضت للإرهاب والتدمير من قبل أناس رفعوا راية الإسلام وهم لا ينتمون إليه.
وقال الوزير السيد إن سورية مهد الديانة الإسلامية والمسيحية مشيراً إلى أن الوجود المسيحي أصيل ومتجذر في عقول السوريين وقلوبهم.
من جهته قال سيادة مطران الابرشية أفرام معلولي متروبوليت حلب والإسكندرون وتوابعهما للروم الارثوذكس إن الكنيسة تعود اليوم لرونقها الأصيل والقديم بعد إعادة ترميمها وتأهيلها لتبقى دليلاً على تعاقب الأجيال على مر العصور ناشرة الخلاص والمحبة في أرجاء الكون.
وأضاف سياته اليوم نعيش بهذا الإيمان مسيحيون ومسلمون متحابين لأننا أبناء هذا البلد الطيب سورية التي صمدت بوجه الإرهاب وانتصرت عليه ونحن مستمرون في بناء كل ما تهدم وتخرب حيث جعلنا من الدمار فرصة للإعمار والحفاظ على الكنيسة لتبقى البيت الذي يجتمع فيه المؤمنون للدعاء والمحبة والوفاء للوطن.
بعد 10 سنوات… أول صلاة في كنيسة “رقاد السيدة العذراء” في حلب
النوافذ السقفية الملونة تعود من جديد لتنشر النور في قاعة الكنيسة وفي أرواح أبنائها بعد عمليات الترميم المتعاقبة، إثر الدمار الذي تعرضت له، حيث يقصر القائمون على عمليات التأهيل وقتهم على اعادة الالق لهذه الكنيسة..
الكنيسة التي تناهز الـ 500 عام، تعرضت لنكبات تاريخية مريرة، كان آخرها ما لحق بها خلال سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة على أجزاء من المدينة، إذ كانت خط تماس ساخن للمعارك والاشتباكات، اختزل ماتعرضت له حلب طوال سنوات طويلة من الحرب التي أنهكت أهلها ونسفت بنيتها التحتية، فمنذ الصلاة الأخيرة التي أقيمت فيها أواخر عام 2011، ودعت الكنيسة أبناءها بصلواتهم ودعواتهم، وتحولت إلى شاهد عيان بعد وقوعها فريسة إرهاب أعمى طال البشر والحجر.
تحدث كاهن الكنيسة، الخوري غسان ورد، عن كون كنيسة رقاد السيدة العذراء من أبرز علامات تراث حلب الإنساني والحضاري والروحي، حيث تنتمي لأبرشية حلب للروم الأرثوذكس، وتم بناؤها خلال النصف الأول من القرن الخامس عشر.
وقال لـ”سبوتنيك”: “الكنيسة التي أصابها الخراب خلال سنوات الحرب، تعود لتقف اليوم بصورة بهية بفضل أبنائها الذين استطاعوا أن ينفضوا عنها غبار الحرب، وماتعرضت له هذه الكنيسة التي كانت مسرحاً شاهداً على معارك وحشية”.
وتابع: “من هذه الكنيسة وفي هذا اليوم بالذات ومن أول صلاة تقام فيها بعد سنوات الحرب، أشكر كل من ساهم في عمليات الترميم”، مؤكداً أن “الكنيسة الآن في وضع آمن ومستقر، كما أن أعمال الترميم مستمرة حتى نرى قريباً الكنيسة تتعاظم في حجرها وبشرها”.
وتمنى الكاهن أن “يختتم الدمار الذي حل بالكنيسة مؤخراً النكبات التي تعرضت لها على مر العصور”، وهي نكبات كثيرة، آملاً بأن “تنتشر المحبة والسلام في العالم بدلاً من الكره والبغض والدمار”.
إذاً، أعمال الترميم مستمرة، لن يتوقف صوت الأجراس وأنغام التراتيل، ستوقد الشموع باستمرار لتؤكد أن الحياة عادت لكنيسة رقاد السيدة العذراء كما عادت لمدنية حلب وأبنائها.
