دير القديس جاورجيوس الرهباني البطريركي في صيدنايا
توطئة
دير قديم عاشت فيه رهبنة بائدة بقي منها قداسة الأيام الغابرة التي يستدل عليها من كنيستها الواقعة في قلب الصخر، والأقدم منها مغارتها التي تحتوي ذخائر لبعض من أولئك الذين فاحت بعيشهم وصلواتهم عطر أناس سعوا إلى الالتصاق بالرب لينالوا الخلاص وليكونوا شهوداً بتكريسهم لكثيرين من الناس وفي هذا بشارتهم.يحتفل الدير بعيد شفيعه القدّيس جاورجيوس في 6 أيار من كل عام. و فيه تتمّ تنشئة الرهبان الانطاكيون المجاهدون متحصنين بالعظيم في المجاهدين والشهداء القديس جاورجيوس اللابس الظفر.

دير القديس جاورجيوس في صيدنايا
3- البناء القديم
يعود تاريخ هذا البناء إلى عهد المطران جرمانوس الذي أراد عام (1912) أن يجعل منه مركزاً للمطرانية فوضع حجر أساسه في (15) تموز، وهو شبيه ببيوت صيدنايا القديمة التي لا يزال بعضها قائماً داخل هذه البلدة يتقدّمه رواق محمول على أعمدة من حجارتها. يتكون هذا البناء من طابقين: سفلي من غرفتين فُتحتا الواحدة على الأخرى فشكّلتا قاعة كبرى، وعلوي من فسحة ومطبخ مع أربع غرف أولاها قاعة للاستقبال والثانية تتسع لسبعة أسرّة بينما لا تتسع كل من الثالثة والرابعة إلا إلى أربعة أسرّة. وقد تم تجهيز هذا الطابق العلوي ليكون مركزاً لاستضافة الأخوات النزيلات.
عام (1985) – في عهد غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع ورئيسة دير سيدة صيدنايا الحاجة كاترين – تم تجديد هذا البناء بشهادة رقيم حجري يعلو مدخله، وبقي تحت رعاية رهبنة دير سيدة صيدنايا حتى عام (1995) عندما أصدر البطريرك إغناطيوس الرابع أمره بتسليمه إلى قدس الأرشمندريت يوحنا التلي في قداس احتفالي أقيم في دير سيدة صيدنايا برئاسة أسقف صيدنايا آنذاك الوكيل البطريركي المطران الياس كفوري كما اسلفنا.
4- البناء الحديث
يعود هذا البناء إلى الفترة اللاحقة لتسليم قدس الأرشمندريت يوحنا التلي الذي انصرف للعمل حسب الغاية المرسومة لإعادة الحياة في هذا الدير، ليستعيد دوره كدير أنطاكي مرتبط بتراثه العريق في إحياء رهبنة شرقية مرتبطة بالتقليد الرهباني في هذه المنطقة التي كان للحياة الرهبانية فيها دور روحي مهم يرتبط بالكنيسة وخاصة للعمل المرتبط بخلاص النفوس بعيش الإنجيل وتطبيقه كشهادة حية على ارتباطها حسب ما عاش السيد المسيح، وعلم فكان لا بد للعمل بخطين متوازيين: أولهما تأسيس رهبنة للذكور تقوم برعاية هذا الدير وخدمته، وثانيها: البدء ببناء أقسام جديدة في الدير تؤهله لأن يجد مكاناً لرهبانه الجدد ,كما وساهم في رعاية شبيبة الكنيسة، عن طريق استقبالهم للإقامة المتقطعة في رياضات روحية منتظمة ومبرمجة . فبتوفيق من الله وبمباركة مولانا البطريرك ودعمه , تم إلى الآن انجاز ما يلي:
بناء غرفتين فوق حديقة القديس جاورجيوس واحدة صغيرة والأخرى كبيرة، مع توسيع الطريق بجانبها. ويستفاد من مساحتها السفلية لتصبح مخزناً ومشغلاً للأعمال اليدوية. وقد زرعت أشجار الزيتون والتين والعنب والسرو لتزين حديقة القديس جاورجيوس بعدما تم استصلاحها بنقل كميات كبيرة من التربة الصالحة للزراعة إليها، كما يقوم أخوة الدير بزراعة بعض الخضار الصيفية (رغماً عن قلة وجود الماء وتقنينه في منطقة صيدنايا).
إعمار بناء جديد مؤلف من طابقين روعي أن يكون متناسباً مع منسوب الطريق بمعنى أن هذا البناء بطابقيه تحت مستوى الطريق يعلو الرابية السفلى من حيث يشرف على حديقة القديس جاورجيوس وعلى الطريق الشرقية لصيدنايا. تضم الطبقة العليا من هذا البناء أربع غرف وقاعة محاضرات ومكتبة كبيرة وغرفة مكتب رئيس الدير وغرفة طعام وغرفة مفردة عند الدرج وحمامين. أما طبقته السفلى فهي عبارة عن جناح للرهبان مؤلف من سبع غرف مختلفة الأبعاد وحمامين ومطبخ وقاعة للطعام وغرفة خياطة وأخرى للكومبيوتر ومخزن. وعلى الطريق فوق البناء مخزن وغرفة لبيع الكتب الروحية والنذور. أما سطح البناء ، فإنه يستخدم مرآباً للسيارات. إضافة إلى ذلك، بنيت بوابة حجرية كمدخل للدير.
هناك متابعة عمرانية لتوسيع الدير وتجمليه كي يليق ويلبي الحياة الجديدة لدير تنبض الحياة الجديدة فيه.

ترميمات الدير وتجديده
لا نعرف الكثير عن تاريخ الدير بعد حرق الوثائق السابقة على فتنة 1860 فكيف لنا أن نعرف واقعه البنياني وإصلاحاته وترميماته ولكن على ما يبدو أنه كان ديراً صغيراً حسب تعبير بوكوك عام 1728 عندما وصفه بقوله: “بالقرب من صيدنايا بناء دير صغير يدعى دير القديس جاورجيوس يتولى خدمته كاهن واحد يقطن البلدة”. إنما قلاليه هي التي كانت مكملة له كلها مغر تقع حوله وخاصة مغارته الكبيرة هي كهف صلاتي يقع في جداره الشمالي جدار صخري وعند اكتشافه حديثاً صار عليه غطاء حجري مزخرف ويضم بداخله (رفات) لرهبان يحيون حوله ولا غريب في هذا لأنها طريقة معتادة في دفن المتوفين من الرهبان مما يدل على الماضي الرهباني المعروف
ومع إضافة إصلاحات وبناء وترميمات أتى على ذكرها الأب المؤرخ ميخائيل بريك سابقاً ونضيف ما تبعها من تجديد حصل عام 1905 أيام مطران أبرشية صيدنايا وبالأحرى مطران سلفكياس في قسميه الشرقي والغربي فالشرقي مقره صيدنايا والغربي مقره زحلة. وهو المطران جرمانوس شحادة الذي كان بحسب شهادة مؤرخ الكرسي الأنطاكي الدكتور أسد رستم بأنه كان (تقي النفس، وديع القلب، بعيداً عن التعصب) وكان أول أعماله بحسب رسالة أرسلها من صيدنايا إلى البطريرك ملاتيوس بدمشق في 25 نيسان 1905 قوله فيها: “اليوم سنباشر إن شاء الله في هدم العمار العتيق من دير القديس جاورجيوس فنرجو الأدعية بالتوفيق”. وفي رسالة لاحقة يستفيض بذكر العمار والسقيفة والقرميد.
ويتابع القول بأن من سيقيمه رئيساً في دير القديس جاورجيوس يكون بالوقت ذاته قيماً لإقامة الصلوات المقدسة في كنيسة القديس خريستوفورس يكون موقع الدير في برية واحدة تم في عام 1912 وضع حجر الأساس لبناء طابقين داراً لمقر المطرانية مع إضافة العمل لإحداث متحف يجمع فيه إيقونات قديمة عمرها مائة سنة وما فوق. وسافر سيادته عام 1913 الى اميركا ليجمع احسانات ابناء ابرشيته من اجل اقامة مدرسة زراعية لابناء الابرشية، ولقد بدأت الحرب العالمية الاولى واستمرارها لمدة 4 سنوات ما حال دون عودته الى مطرانيته، وفي عام 1915 توفي القديس روفائيل هواويني الدمشقي مطران اميركا الشمالية الذي كان برعاية المجمع الروسي المقدس، الامر الذي دفع بفريق كبير من ابناء الرعية الانطاكية برفض البقاء تحت الحوزة الروسية ( التي كانت ترعى الشتات الارثوذكسي في العالم الجديد كونها مدعومة من البلاط الروسي منذ بدء الاستيطان في الاميركيتين ثم اوستراليا ونيوزيلندا وحتى قيام الثورة الشيوعية 1917) واختاروا مطران سلفكياس الموجود هناك راعيا واعلنوا انتماءهم للكرسي الانطاكي المقدس فانخرط المتروبوليت في واقع اليم فمن جانب كان المجمع الانطاكي والبطريرك غريغوريوس يطالبه بالعودة والفريق الذي رّأّسه عليه يرفض ذلك لأن الفريق الانطاكي التابع للكنيسة الروسية اختاروا افتيموس عفيش واقامه له مطران الاسكا الروسي بلاطون اسقفاً عليهم والبطريركية والمجمع المقدس اختاروا فيكتور ابو عسلي مطرانا شرعيا بتسمية رئيس اساقفة وبسبب كل هذه الاحداث في أمريكا تم اعفاء المتروبوليت عام 1924 من ابرشيته سلفكياس التي قرر المجمع فصلها فالحق القسم الشرقي بابرشية دمشقلا علاقة لها بموضوع دير القديس جاورجيوس فلقد أُعفي مطرانها جرمانوس شحادة من رئاسته على القسم الشرقي من الأبرشية التي قد تولى رعايتها وانتقلت تبعيتها إلى المقام البطريركي بدمشق وذلك عام 1925 بقرار من المجمع الأنطاكي المقدس وانتخب نيفن سابا عام 1925 متروبوليتا على زحلة وبلبك والبقاع.

عيد الدير
يحتفل الدير بعيد شفيعه في السادس من أيار على التقويم الارثوذكسي من كل عام، وهو العيد الثاني في صيدنايا بعد عيد مولد السيدة العذراء، ويشارك فيه، بالإضافة لأهالي البلدة بمختلف طوائفها، عدد كبير من المؤمنين من دمشق وريفها حيث تنطلق عراضة العيد بعد القداس الإلهي من دير القديس جاورجيوس بالأهازيج والسيف والترس يتقدمها أحد المطارنة والكهنة وحملة الصليب والإنجيل والمباخر مع الفرقة الموسيقية الكشفية باتجاه دير سيدة صيدنايا لتستقبلهم رئيسة الدير، وتستمر الاحتفالات حتى ساعة متأخرة من اليوم
الخاتمة
وبكلمة قصيرة نود ذكرها للمهتمين بموقع هذا الدير بالرغم من كونه دير أثري وبالرغم من جمال موقعه وخشوع حياته الرهبانية المتمثلة بنظامه القائم على صلاة وعمل ودراسة وإرشاد….فإن الكلمة هنا لا تصفه بحقيقته قدر تبني آية الإنجيل القائلة: (تعال وانظر) نعم، أيها الأخ والزائر إلينا عبر كلمة الانترنيت وصورها، تعال وانظر حقيقة الدير مع الحياة النابضة بالروح والحياة فيه. فباسم يسوع مباركه والقديس جاورجيوس شفيعه أهلاً بك إليه وارفع الصلوات في مغارته وكنيسته الى القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس ليحمي سورية ارض القداسة والقديسين بشفاعة قديسيه وشهدائه ورهبانه، ويحمي هذا الشعب الذي صبر على مر التاريخ وظلمه ويبقي شعلة المسيحية مضاءة كقنديل ناووس رهبان الدير بالرغم من انعدام زيته.
مصادر
مقالنا المنشور في نشرة البطريركية بدمشق بعددها السادس من عام 2003
شهادات شفهية لمسنين
الوثائق البطريركية / ابرشية دمشق/ ابرشية سلفكياس/ دير سيدة صيدنايا البطريركي…/ ابرشية اميركا الشمالية
الخوري ميخائيل بريك في تاريخه (تاريخ الشام 1720-1782)
اديار الكرسي الانطاكي المقدس / منشورات جامعة البلمند
Beta feature