كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق

كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق

كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق

جيل ونيّف… وحلم تحقّق

مجلة النور العدد الأول – 2025

المطران الياس معوض ( البطريرك)
المطران الياس معوض ( البطريرك)
وشاركها الصديق قدس الاب الياس فرح الحبيب احد كهنة ابرشية حلب الاجلاء…على صفحته…

مقدمة

وقدنشرتها بتاريخه على صفحتي وهنا اثبتها تدوينة لبيان ماقام به السلف الصالح مثلثو الرحمات من اكليريكيين وعلمانيين ووجوه حلب الارثوذكسية وفي مقدمهم متروبوليت حلب (الياس معوض ( البطريرك)) ومساعده رجل النضال الانطاكي الحار جداً الارشمندريت استفانوس حداد( الاسقف والمعاون البطريركي في عهد البطريريرك اغناطيوس الرابع في العقد الاخير من القرن 20 والمتروبوليت الياس يوسف  والأب جورج شحوارو والمتروبوليت المغيب بولس يازجي ومتابعات المتروبوليت الحالي الصديق افرام معلولي، وحركة الشبيبة الارثوذكسية الحلبية والمهندس  المعماري جورج قرطاس والمحسن الكبير تيودور خياط…والكثير من الذين كانوا يعملون خلف الستار…
واقول لمجلة النور الأرثوذكسية / حركة الشبيبة الارثوذكسية حركتنا الرائدة شكراً وشكرا ثانيا لقدس الاب الياس فرح هذا النشر الرائع
كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق
كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق

نص المقال المنشور:

“بعد فترة الانشقاقات والتشرذم التي سادت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي أثّرت على انحسار الوجود الأرثوذكسيّ في مدينة حلب. جاء القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ليغيّر الواقع الأرثوذكسيّ في المدينة. فالهجرات المتتالية التي استوعبتها المدينة للأرثوذكس (وغيرهم) القادمين من الشمال السوريّ ولاحقا من أنطاكية وتباعًا من مناطق الداخل السوريّ وبخاصّة من إدلب وأرياف حمص وحماة أعادت التوازن للوجود الأرثوذكسيّ في حلب. الكنيسة الرعيّة الوحيدة (كنيسة رقاد السيّدة) كانت تقع في منطقة أصبحت بعيدة عن أماكن إقاماتهم الحديثة، فقد كانت في منطقة الجديدة (الصليبة) وهي أصلًا لم تعد تستوعب الواقع العدديّ الجديد للأرثوذكس في حلب. تاق الشعب المؤمن في حلب إلى كنيسة جديدة واسعة وجميلة تجمعهم وترعاهم مع أسرهم. هذا التوق دفعهم إلى العمل لتحقيق هذا الحلم وسعوا عبر سنوات طوال من الجهد والأنشطة المتنوّعة ليكون لهم هذا ببركة رعاتهم.
نستعرض في هذه المقالة رواية بعضٍ ممّن عاين ولادة فكرة بناء كنيسة النبيّ إلياس وعمل فيها وواكبها، وشهد المراحل والصعاب المختلفة التي رافقت تكوين الفكرة وتنفيذها، لكي تبقى نموذجًا للأجيال القادمة. حيث إنّ إقامة هذا الصرح تعتبر نموذجًا فريدًا يحتذى به في نجاح العمل الكنسيّ الجماعيّ.
المرحلة الأولى (الشرارة الأولى 1958 – 1962)
الارشمندريت استفانوس حداد ( الاسقف)
الارشمندريت استفانوس حداد ( الاسقف)
استأذن قدس الأب استفانوس حدّاد الكاهنُ الشابّ القادم إلى خدمة كنيسة حلب، راعيَ الأبرشيّة المثلّث الرحمات المطران إلياس معوّض عام 1958 في استئجار دار عربيّة في منطقة شعبيّة في مدينة حلب، من أجل اجتماعات يعقدها للشباب والسيّدات ضمن عمله الرعائيّ، وذلك بعد تعرّفه إلى أكثريّة أبناء الكنيسة. وافق سيادة المطران وتعهّد بدفع إيجار الدار المنويّ استئجارها.
استأجر الأب استفانوس ( حداد ) دارًا عربيّة صغيرة في منطقة الحميديّة (قرب ثانوية المعرّي الحاليّة). كون موقعها مركزيًّا بالنسبة إلى أبناء الكنيسة، فكانت من أوائل البيوت الحركيّة. عُقدت الاجتماعات في الدار وجرت فيها الصلوات من قبل الإخوة والأخوات، وعندما انتشر الخبر في المناطق المجاورة، بدأ سكّان مناطق الحميديّة والجابريّة والنيال وسوق الأحد والكرم، يشاركون الإخوة الحركيّين في صلواتهم في بيت الحركة (كما جرَتْ التسمية). سرعان ما طلب الأهالي من راعيهم تحويل تلك الدار على تواضعها إلى كنيسة على اسم النبيّ الغيور إلياس. تمّ تركيب سقف معدنيّ لباحة الدار، وإقامة هيكل بسيط لها لخدمة الذبيحة مع غرف جانبيّة للمصلّين، وأيقونات مختلفة.
بدأ استخدام الكنيسة بعد تكريسها. زاد عدد المؤمنين المشاركين في القدّاس الإلهيّ وبقيّة الطقوس، وضاق بهم المكان، فبدأ أبناء الرعيّة بالتفكير في توسيع هذه الكنيسة أو في العمل على بناء كنيسة جديدة تلبّي نموّهم العدديّ، وتكون قريبة من أماكن سكنهم. وأخذوا يجمعون تبرّعات من أجل تحقيق هذا الهدف.
تشكّلت لجنة لذلك من حوالي خمسة عشر مؤمنًا، وأخذت تزور البيوت أيّام الآحاد أثناء العطل للتبرّع شهريًّا بليرة سوريّة واحدة من كلّ عائلة بقصد بناء الكنيسة المستقبليّة. سعى سيادة المطران معوّض لشراء الدار المستأجرة من صاحبتها لكنّها رفضت بيعها ووافقت على استمرار الإيجار.
باشرت اللجنة بالبحث عن موقع آخر بديل قريب لشرائه، ووجدت ضالّتها في أرض زراعيّة فارغة في منطقة كانت تعرف بأرض البساتين (التي أصبحت فيما بعد منطقة الفيلّات). بدت الأرض مناسبةً جدًّا لبناء الكنيسة رغم بعدها النسبيّ عن التجمّعات السكنيّة في ذلك الزمان. تمّ شراء الأرض بمبلغ 42,000 ليرة سوريّة، وكان على لجنة بناء الكنيسة تأمين هذا المبلغ الكبير فورًا، وموجودات الصندوق من تبرّعات الليرة الشهريّة كانت حوالي 18,000 ليرة فقط، وهي تمثّل أقلّ من نصف المبلغ المطلوب، فقدّم سيادة المطران معوّض كلّ ما يملك من مال من رواتبه إلى اللجنة، فبلغ حوالي 3,800 ليرة، وقامت اللجنة باستدانة ما يلزم من بعض وجهاء الكنيسة من دون فوائد لاستكمال ثمن الأرض.
استمرّت اللجنة في جباية مبلغ الليرة لسداد الدين المترتّب عليها. وعندما توفّر لديها أوّل مبلغ قامت بزيارة سيادة المطران معوّض لردّ الدين إليه، فضحك قائلًا: “المطران لا يملك مالًا حتّى رواتبه، اذهبوا وسدّدوا ما عليكم من ديون، وأنا لم أدفع قرشًا منّي… هذه أموال الرعيّة”.
المرحلة الثانية (التخبّط 1963-1975)
تابعت اللجنة جباية التبرّعات بهمّة ونشاط من عام 1963 ولمدّة خمس سنوات، لسداد الديون وتأمين مبلغٍ للبدء بالمشروع دون التمكّن من تأمين المبالغ التي تسمح بالانطلاق الفعليّ للمشروع، رغم تعيين جابٍ خاصٍّ معنيّ بتحصيل التبرّعات، حتّى كادت الرعيّة تيأس من بدء المشروع.
كانت منطقة الأرض التي تمّ شراؤها غير داخلة في التنظيم العمرانيّ للمدينة حتّى ذلك الوقت. عند تنظيم منطقة البساتين عمرانيًّا كانت الكارثة! حيث تبيّن أنّ الأرض ستكون مستقبلاً جزءًا من شارع عريض، وسوف تعوّض المحافظة أصحاب الأراضي الداخلة في التنظيم الجديد بمبالغ مناسبة.
ساد الغموض أجواء المطرانيّة واللجنة. ولكن ما العمل؟ هل ضاع مجهود سنين عديدة. في هذه الفترة راجع أحد أبناء الطائفة سيادة المطران الياس معوّض ليعلمه أنّه ضمن التنظيم تمّ تخصيص قطعة أرض كبيرة لتكون منشأةً عامّة (حديقة أو مدرسة أو ما شابه ذلك) ونصحه بتقديم طلب إلى المحافظة بمنح كنيستنا هذه المنشأة عوضًا عن الأرض التي سيقضمها التنظيم.
قام سيادة المطران بذلك، ووافق محافظ المدينة مشيرًا على سيادته بتقديم طلب يتضمّن الأوراق الثبوتيّة كلّها، للحصول على منحة الأرض الجديدة والتخلّي عن أرض المشروع القديم. كان للأب حنّا سلوم دورٌ كبيرٌ في متابعة الإضبارة لدى البلديّة والمحافظة وباقي الدوائر والوزارة المعنيّة في دمشق، دون كلل أو يأس منه، وبإيمان لا يفتر بأنّ البناء سيقوم حتمًا ببركة الربّ.
جاءت موافقة الوزارة والمحافظة على منح الأرض المخصّصة مجّانًا شرط أن يتمّ البناء خلال مدّة سنتين فقط، وإلّا سيتمّ استرداد الأرض. وكان رأي المطرانيّة أن تُقام مدرسة أوّلًا، ثم نادٍ، وبعد ذلك تُبنى الكنيسة.
في هذه الفترة تمّ انتخاب المطران معوّض (مطران حلب) بطريركًا لكنيسة أنطاكية، وخلفه المطران إلياس يوسف ملاكًا لكنيسة حلب. ولكنّ حلم كنيسة حلب ومؤمنيها لم يفارق اهتمام غبطته. في 9 تشرين الثاني 1975 وصل صاحب الغبطة البطريرك إلياس الرابع إلى حلب، وبعد ترؤّسه القدّاس الإلهيّ في كنيسة رقاد السيّدة، توجّه إلى المكان المعدّ لبناء الكنيسة الجديدة والمدرسة، حيث وضع حجر الأساس في جوّ رائع من الخشوع والتأثّر البالغ، وقد ألقى كلمة أشار فيها إلى رسالة المحبّة والتآخي في الكنيسة قائلًا: “إنّ البلديّة خصّصت هذا المكان للعبادة والتعليم لتدلّل على حبّها لنشر الأخلاق ومحبّة الوطن والتساوي فيما بين المواطنين”.
كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق
كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق
المرحلة الثالثة (المدرسة 1975- 1990)
تركّز الاهتمام ببناء المدرسة وفق التعهّد بذلك، وحُوِّلت مبالغ التبرّعات إلى بناء المدرسة التي بنيت بسرعة حتّى لا تضيع المنحة. كانت المدرسة مؤلَّفة من طابق تحت الأرض مخصَّصٍ للخدمات، وطابق أرضيّ لروضة للأطفال، وثلاثة طوابق لصفوف المدرسة من الأوّل حتّى الإعداديّ.
بعد انتهاء البناء، وعندما سعى راعي الأبرشيّة إلى تقديم طلب للحصول على ترخيص لافتتاح المدرسة، فوجئ أنّ الوزارة المعنيّة قرّرت عدم منح أيّ ترخيص لأيّة مدرسة خاصّة جديدة.
بقي بناء المدرسة دون فائدة سنوات طويلة حتّى قرّر سيادة المطران إلياس يوسف استثمار المكان. وبلفتة أبويّة كريمة تحمل كلّ الحبّ والافتقاد والتشجيع على العمل في الحقل الكنسيّ، قدّم الطابق الثالث من هذا البناء إلى حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وكان ذلك في منتصف عام 1983. ومن ثَمّ قدّم الطابق الثاني إلى كشّاف النبيّ إلياس فور تأسيسه.
طالب الشعب المؤمن بترتيب الطابق الأرضيّ المخصّص أصلاً لصفوف الروضة، لكي يصبح كنيسة النبيّ إلياس، فتقام فيه القداديس والصلوات والخدمات بشكل مؤقّت إلى حين التمكن من الانطلاق في بناء الكنيسة. وهكذا قامت كنيسة النبيّ إلياس (المؤقّتة) حيث جُهِّزَ الطابق بهيكل ومذبح، وتبرّعت إحدى السيّدات في حلب برسم أيقونات خاصّة بالكنيسة بانتظار أن تبدأ أعمال البناء في المستقبل القريب.
المرحلة الرابعة (بناء الكنيسة 1990-2000)
عام 1990 لاحظ أحد أبناء الطائفة الأرثوذكسيّة من المتحمّسين والغيورين جدًّا، وهو الأستاذ تيودور جميل خيّاط أنّ إخوتنا الأرمن قد أقاموا صرحًا حضاريًّا كاملًا على بعد أمتار من مبنى النبيّ إلياس جعلوه مركزًا ثقافيًّا يضمّ مطاعم ومكاتب ويقوم بنشاطات عديدة. التقى السيّد تيودور بالأب حنّا سلّوم وسأله: «كيف يبني الآخرون ونحن لا نستطيع البناء؟ نحن لا ينقصنا شيء». فتشاورا فيما بينهما وعرضا الأمر على سيادة المطران وأخذا تصريحًا من المطران بالانطلاق بالمشروع. فالتقى عددًا قليلًا من المؤمنين ووجد لديهم الرغبة في المشاركة في هذا العمل الجليل. اجتمع حوالي خمسة عشر شخصًا وتدارسوا الأمر، وإمكانيّة بدء الأعمال طالما هم مفوضون من قبل مطران الأبرشيّة. وضعوا نظامًا داخليًّا للعمل، ودرسوا جميع الخطوات الجادّة ولم يتبقّ سوى الانطلاق
المطران الياس يوسف
المطران الياس يوسف

الفعليّ. دُعِيَت هذه المجموعة اللجنة التنفيذيّة لبناء كنيسة النبيّ إلياس، وترأّسها المرحوم تيودور خيّاط. اتّفقت اللجنة التنفيذيّة مع سيادة المطران على النقاط التاليه:

1 – وضع نظام داخليّ تفصيليّ للعمل ونظام ماليّ واضح دون تحميل المطرانيّة أيّة أعباء لعدم توفّر المال لديها.
2 – عرض النظام على مجلس الأبرشيّة المليّ لنيل موافقته، ومن ثَمّ رفع تقارير دوريّة تباعًا، وأخذ كافّة ملاحظات المجلس المليّ وراعي الأبرشيّة بعين الاعتبار.
3 – مشاركة أحد الكهنة في اللجنة التنفيذيّة المزمع إنشاؤها. فتمّ اختيار قدس الأب جورج شحوارو الذي رافق اللجنة طوال فترة عملها.
أصدر راعي الأبرشيّة القرارات اللازمة لتشكيل اللجنة التنفيذيّة، ومنحها صلاحيّات كاملة لإطلاق المشروع ودعمه. كذلك تمّ تشكيل هيئة عامّة للمشروع من مئة وخمسة وثلاثين مؤمنًا متحمّسًا تجتمع من حين لآخر لدراسة تقرير اللجنة التنفيذيّة، وتضع ملاحظاتها، وتأخذ توجيهات المطران بعين الاعتبار لضمان حسن سير الأعمال.
تشكّلت اللجنة التنفيذيّة من ثمانية عشر عضوًَا توزّعت عليهم المسؤوليّات من ماليّة ومحاسبة ومهندسين وإعلام وتبرّعات وأمانة سرّ، وفتحت حسابًا في أحد المصارف يحرّكه المطران بمشاركة اثنين من أعضاء اللجنة.
تطوّع الدكتور المهندس المعماريّ جورج قرطاس المقيم في لبنان، ولكنّ أصوله من مدينة حلب وهو يتردّد عليها كثيراً وهو من كبار المهندسين المعماريّين المشهورين، ووضع تصميمًا معماريًّا للكنيسة آخذا بعين الاعتبار العمارة الرومية والعمارة السوريّة مستوحيًا الشكلَ من الكنائس المندثرة حول مدينة إدلب. كان من المشاكل أنّ الدكتور جورج لم يضع مخطّطات متكاملة للتصميم المعماريّ بسبب إقامته بين بيروت وحلب، بل كان يقدّمها على مراحل ممّا تسبّب ببعض الصعوبات في التنفيذ. لكنّ ذلك لم يمنع العمل من التقدّم.
أقيم القدّاس الإلهيّ الأوّل على أرض المشروع يوم 22 تمّوز 1990 بمشاركة حشد لافت من المؤمنين، برئاسة راعي الأبرشيّة. وألقِيَت بعده كلمات بيّنت مدى رغبة المؤمنين وحماستهم في بدء أعمال البناء، واستمراره حتّى انتهاء المشروع. وجاءت تبرّعات جديدة لم تكن متوقّعة. لم تنقطع الأعمال يومًا واحدًا. فكانت اجتماعات أسبوعيّة تعقد مساء كلّ ثلاثاء يشارك في بعضها الراعي، وتناقش فيها اللجنة كلّ صغيرة وكبيرة بحضور خبراء.
مع همّة السواعد ومساعدة العديد من الأشخاص استمرّ العمل وأوجدت اللجنة أساليب جديدة مبتكرة فريدة وذكيّة لتأمين الأموال وأهمّها:
الاتّصال بمجلس الكنائس العالميّ ومجلس كنائس الشرق الأوسط.
الاتّصال ببعض الأبرشيّات الغنيّة في الوطن والمهجر.
دعوة رؤساء الطوائف المسيحيّة في حلب إلى عشاء محبّة خاصّ بالتبرّع للمشروع.
زيارة راعي الأبرشيّة إلى اليونان لجمع التبرّعات.
مطمورة الأطفال وفكرتها تشجيع الأطفال على توفير بعض مصروفهم، والتبرّع به في حفل خاصّ سنويّ. وكانت حماسة أطفالنا مدهشة وإن كانت قيمة التبرّعات غير كافية.
أيقونات فضيّة خاصّة بالمشروع تدرّ مبالغ مقبولة.
التبرّع بأيقونات تذكر فيها أسماء المتوفّين لتبقى ذكراهم حيّة.
إقامة عشاءات محبّة للتبرّع للمشروع.
انتهى الطابق الذي تحت الأرض بسرعة قياسيّة. ولكن ظهرت تشقّقات في جدار الأساسات لأنّ الموقع كان عند سرير مجرى نهر قويق. لكنّ المعالجة جرت على أعلى المستويات بمشاركة كوادر خبيرة اختصاصيّة أكّدت سلامة الأعمال. طرح البعض فكرة بناء ناد عائليّ في هذا الطابق لجمع الأموال لاستكمال أعمال بناء الكنيسة. رُفض الاقتراح مع الإصرار على أنّ التبرّعات ترد لبناء الكنيسة وليس لبناء النادي.

كانت الهيئة العامّة تجتمع كلّ فترة زمنيّة لاستلام تقارير اللجنة التنفيذيّة والبيانات الماليّة وحركة الأموال وتسجيل ملاحظات أعضاء الهيئة، لضمان استمرار العمل وجودته.

كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق
كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في حلب / جيل ونيّف… وحلم تحقّق
تمّت الاستعانة بخبراء الصوت تلافيًا لمشاكل الصوت والصدى التي ظهرت في إحدى الكنائس الشقيقة التي تمّ بناؤها في حلب بالتوازي مع كنيسة النبيّ الياس. استمرت الأعمال وتمّت المتابعة وفق المخطّطات، وبدأ التفكير الجادّ في الإكمالات الضروريّة: الإضاءة والثريّات داخل الكنيسة والسور. وقد وضع المهندس تصميمه على أساس ثريّا واحدة ضخمة، وهكذا كان. أمّا المقاعد فأصرّت اللجنة على تصنيع أجود المقاعد وأجملها في جميع كنائس سورية. لذا جرى تصوير أحد مقاعد كنيسة في جبل لبنان، ثمّ جرى تصنيع مقعد مشابه في حلب تمّ تجريبه من قبل اللجنة بمختلف القياسات ليكون لائقاً بكنيسة عصريّة، وبعد الاتّفاق على الشكل تمّ تصنيع المقاعد جميعها في حلب.
المطران المغيب بولس يازجي
المطران المغيب بولس يازجي
المشكلة الكبرى كانت عند دراسة بناء الأيقونسطاس إذ طلب المهندس أن يتمّ على ثلاثة أجزاء من الخشب والمرمر. تفاديًا لحريق يمكن أن يطال الكنيسة مستقبلًا، وتصنيعه في حلب. لكنّ راعي الأبرشيّة أصرّ على جعله قطعة واحدة من الخشب المحفور، وتصنيعه في اليونان حصرًا. وهنا وقع الخلاف بين راعي الأبرشيّة من جهة، واللجنة التنفيذيّة والمهندس من جهة أخرى. وكان ذلك من المرّات النادرة جدًّا التي تدخّل فيها راعي الأبرشيّة في أعمال اللجنة مصرًّا على رأيه. واعدًا بتأمين قيمة الأيقونسطاس ونقله وكامل كلفته من متبرّعين في اليونان.
إقتربت أعمال البناء من الانتهاء، وتبرّع أحد المؤمنين من طائفة شقيقة ببناء سور كامل لمحيط الكنيسة. وكذلك تبرّع مغترب متواجد في إنكلترا بنفقة أعمال التدفئة والتبريد. وهكذا كانت المساهمات الكريمة تأتي من كلّ حدب وصوب، وكان المؤمنون ينتظرون فقط تركيب الأيقونسطاس، ومن ثمّ تكريس الكنيسة. وقد تحوّل الحلم إلى حقيقة بفضل إرادة المؤمنين.
وصل الأيقونسطاس إلى حلب وتمّ الانتهاء من تركيبه من قبل خبير يونانيّ يوم 6 آب عام 2000. وبدا صورة بديعة نادرة أعجبت الجميع. ولكن للأسف كان راعي الأبرشيّة مريضًا في بيروت، وكانت الرعيّة تنتظر شفاءه وعودته إلى حلب للتكّريس والاحتفال. لكنّ مشيئة الربّ كانت غير ذلك، فقد رقد راعي الأبرشيّة على رجاء القيامة ووصل جثمانه إلى حلب يوم الانتهاء من أعمال تشييد الأيقونسطاس، فلم يره منفذًّا في الكنيسة. صُلّيَ على جثمانه الطاهر في المكان ذاته ودفن في مقبرة الكنيسة. كان سيادته قد تبرّع بكلّ الأموال التي توفّرت من رواتبه وهو على فراش المرض في بيروت، وأرسل المبالغ إلى اللجنة التنفيذيّة لإتمام هذا البناء المقدّس.
المطران افرام معلولي
المطران افرام معلولي
كانت اللجنة التنفيذيّة تقدّم بيانًا ماليًّا مفصّلًا بالإيرادات والنفقات والتبرّعات كلّ عام منذ بدء المشروع حتّى نهايته، مع تدقيق ماليّ من قبل خبير من خارج أعضائها. يوم اكتمال الأعمال كان في حساب اللجنة مبلغ يزيد عن مليوني ليرة سوريّة سُلّمت إلى راعي الأبرشيّة الجديد المطران بولس يازجي.وهذا يعني أن المشروع أُنجز وما زال مع اللجنة وفرة من المال على عكس الكثير من المشاريع التي تترك ديونًا لتسديدها فيما بعد.
عقدت الهيئة العامّة اجتماعها الأخير برئاسة راعي الأبرشيّة الجديد عام 2000، وقدّمت كلّ ما تملك من مستندات ووثائق وأموال ومعلومات كي تبقى أمانةً للتاريخ. بلغت تكاليف البناء ما يزيد عن اثنين وأربعين مليون ليرة سوريّة.
جرى تكريس الكنيسة يوم الأحد 17/12/2000 بحضور كثيف وفرح غامر قلّ مثيله في قدّاس إلهيّ ترأّسه راعي الأبرشيّة الجديد سيادة المطران بولس يازجي الجزيل الاحترام.
لم تمرّ عمليّة البناء من دون مصاعب. فبالإضافة إلى صعوبة تأمين المال اللازم لاستكمال عمليّات البناء، كان هناك العديد من الصعوبات التي واجهت عمليّة البناء وأوقفتها أحيانًا ومنها:
• تأمين الموادّ الأوّليّة بأرخص الأسعار، وأجود الأنواع من إسمنت وحديد وخشب وحجارة وغير ذلك. وكانت بعض تلك الموادّ مفقودةً أو نادرةً، فتمّ شراؤها من لبنان بمساعدة أبرشيّة طرابلس، وتأمين الإعفاءات الجمركيّة اللازمة للحديد والإسمنت مثلًا.
عدم وصول المخطّطات التنفيذيّة في الوقت المناسب نظرًا لغياب المصمّم الإنشائيّ عن المدينة
صعوبة تأمين اليد العاملة الماهرة للأعمال، وبخاصّة زخرفة الحجر. وقد تمّ التعويض عن ذلك من خلال عمّال من الاتّحاد السوفياتيّ متواجدين في حلب وقد أبدعوا في ذلك.
كانت تجربة بناء كنيسة النبيّ إلياس الغيور فريدة في كلّ شيء، بمساهمة عدد كبير من المؤمنين الغيورين المثابرين على الصلوات والحياة الروحيّة، وتقديم خبرات في كلّ المجالات الضروريّة بحماس وتواضع ومجّانيّة العطاء. بالإضافة إلى تبرّع القادرين من المؤمنين على المساهمة بأقصى ما يمكن. وكذلك ساهم راعي الأبرشيّة والمجلس المليّ وكهنة الأبرشيّة في الأعمال، وأشرفوا عليها، وقدّموا أقصى جهد حتّى أُنْجِزَ العمل. وبارك الربّ الإله أعمال البناء «فإن لم يبنِ الربّ البيت فباطلًا يتعب البنّاؤون» (مزمور 126/1)
ايقونسطاس الكنيسة الجميل
ايقونسطاس الكنيسة الجميل
جيلٌ حَلُمَ، وجيلٌ عمل، وأجيال ستسبّح كلمة الربّ في هذا الصرح الذي يقترب اليوم من يوبيله الفضيّ، والذي سيبقى لقرون قادمة، شاهدًا على عمل الروح في الجماعة المؤمنة، وعلى أنّ الاستفادة من المواهب كلّها، هي التي يمكنها ليس بناء كنيسة فقط بل تحريك الجبال أيضًا.
كتابة وإعداد: فرقة رؤى حركيّة – أسرة العنصرة – حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة – مركز حلب.

المراجع:

– مقتبسات من محاضر جلسات اللجنة التنفيذيّة لمشروع بناء كنيسة النبيّ إلياس.
– مقابلات مع بعض أعضاء اللجان المختلفة في مشروع بناء الكنيسة وبعض المؤمنين والكهنة الذين عاصروا المشروع.
– البيان الماليّ الختاميّ لمشروع بناء الكنيسة.

مجلة النور العدد الأول – 2025

نشرها على صفحته  الصديق قدس الاب  الياس فرح احد كهنة حلب الاجلاء