القديس روفائيل هواويني

صفحة مضيئة من تاريخ الارثوذكسية / الوجود الارثوذكسي في اميركا / الجزء الثاني

صفحة مضيئة من تاريخ الارثوذكسية / الوجود الارثوذكسي في اميركا / الجزء الثاني

اميركا الشمالية

ملاحظة (كنا نشرناها في النشرة البطريركية العدد9 ايلول 1994 ونشرها تدوينة لنا عام 2014 في موقعنا القديم الذي خرج عن الخدمة لأسباب فنية 2023 لايد لنا فيها وزالت موجوداتها واضطررنا الى اعادة كتابتها بصبر وشق النفس هنا في موقعنا الحالي الجديد واضفنا عليها اضافات عن مجريات حدثت بعد نشرها في النشرة البطريركية 1994 بين قوسين )

المجمع الانطاكي المقدس 2024 في البلمند برئاسة البطريرك يوحنا العاشر
المجمع الانطاكي المقدس 2024 في البلمند برئاسة البطريرك يوحنا العاشر

 الارثوذكسية في اميركا الشمالية

مقدمة في آلاسكا

يعود تاريخ الوجود الروسي في  آلاسكا إلى عام 1728، عندما أبحر المستكشف الدنماركي فيتوس بيرينغ، الذي كان يخدم في البحرية الروسية، عبر المضيق الذي يفصل بين آسيا والقارة الأميركية، واكتشف آلاسكا التي كانت مأهولة بالسكان الأصليين. كانت هذه الرحلة بمثابة بداية لعصر من الحملات الروسية لصيد الفراء، خاصة الفقمة، مما أدى إلى إنشاء أول مستعمرة روسية في جزيرة كودياك.

وفي عام 1799، تأسست ‘الشركة الروسية-الأميركية’ لتنظيم تجارة الفراء، لكن الصيد الجائر أدى إلى تدهور حاد في أعداد الحيوانات، وانهيار اقتصاد المستعمرين. وبسبب الصعوبات الاقتصادية، قررت موسكو بيع  آلاسكا إلى واشنطن في عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار. أثارت هذه الصفقة جدلاً واسعًا في الولايات المتحدة آنذاك، وأُطلق عليها اسم ‘جنون سيوارد’ نسبةً إلى وزير الخارجية ويليام سيوارد الذي كان وراء إتمامها.

الكنائس الأرثوذكسية واللغة الروسية.. شواهد حية

تُعد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من أبرز المعالم التي تشهد على الماضي الروسي في  آلاسكا. فقد رسخت الكنيسة وجودها في الولاية منذ تأسيس الشركة الروسية-الأميركية، وتنتشر اليوم أكثر من 35 كنيسة تاريخية على سواحل ألاسكا، تتميز بقبابها التي تعكس الطراز المعماري الأرثوذكسي.

وتعتبر أبرشية  آلاسكا الأرثوذكسية الأقدم في أميركا الشمالية، وتضم معهدًا لاهوتيًا في جزيرة كودياك. أما فيما يتعلق باللغة، فقد استمرت لغة محلية مشتقة من الروسية وممزوجة باللغات الأصلية لعدة عقود، وإن كانت اليوم على وشك الاندثار.

ومع ذلك، لا تزال اللغة الروسية تُدرَّس في بعض المناطق، مثل شبه جزيرة كيناي، حيث تستقبل مدرسة ريفية تابعة لمجموعة أرثوذكسية تعرف باسم ‘المؤمنين القدامى’ نحو مائة تلميذ يتعلمون باللغة الروسية.

القديس هيرمان الروسي مبشر آلاسكا
القديس هيرمان الروسي مبشر آلاسكا

 آلاسكا وروسيا … جارتان يفصلهما مضيق

لطالما كانت القرب الجغرافي بين آلاسكا وروسيا مثار اهتمام، وقد لخصت حاكمة الولاية السابقة سارة بايلين هذا القرب بتصريحها الشهير في عام 2008، عندما قالت: ‘الروس جيراننا في الجهة المقابلة، يمكنكم في الواقع رؤية  روسيا من جزيرة في ألاسكا’. ويعكس هذا التصريح العلاقة الجغرافية الفريدة بين الولاية الأميركية وروسيا، حيث يفصل بينهما مضيق بيرينغ الذي لا يتجاوز عرضه بضع عشرات من الكيلومترات.

كانت الكنيسة الارثوذكسية الروسية سباقة في إنشاء الكنائس في اميركا الشمالية، فقدقدم الى آلاسكا سنة 1794 عشرة رهبان روس أغلبهم من دير فالامو (اشهر أديرة الرهبان في روسيا) ليبدأو نشاطاً تبشيرياً واسعاً في اوساط الأسكيمو والهنود الحمر بعد ان تعلموا  هناك سابقاً اللغات المحكية. وكانت الكنيسة الارثوذكسية الروسية قد أعلنت قداسة أحدهم  وهو الاب هيرمان عام 1970.

ويعتبر الاب الراهب اينوكنديوس بنيامينوس الملقب ب ” كاروز الآلاسكا” من اهم دعامات النشاط التبشيري في الآلاسكا فقد عمل فيها وفي شرقي سيبيريا بين عامي 1824 -1868 كاهناً في البداية ثم أسقفاً ثم نقل الى الألوسية ( لغة سيبيريا) بمساعدة عدد من المبشرين الروس انجيل متى والقداس الالهي  وكتاباً للتعليم الديني. وفي عام 1841 اسس اينوكنديوس مدرسة اكليريكية  في سيتيكيا  بالآلاسكا، وفي سنة 1858 أُنشئت بها اسقفية اصبحت فيما بعد ابرشية مستقلة من ابرشيات الكنيسة الارثوذكسية الروسية وذلك حينما  باعت روسيا القيصرية  لأميركا آلاسكا عام 1867 بثمن زهيد…!

الكنيسة الروسية في الاسكا حين تأسيسها اواخر القرن19
الكنيسة الروسية في الاسكا حين تأسيسها اواخر القرن19

اما اليوم فليس من رقم حقيقي  لعدد الارثوذكسفي آلاسكا ، إلا انه من المرجح انه يبلغ مابين 40 -60 الفاً من اصل ربع مليون نسمة وهو العدد الاجمالي  لسكان آلاسكا، وقد أُعيد فتح مدرستها  الاكليريكية سالفة الذكر  وذلك عام 1974.

خلال النصف الثاني من القرن 19 بدأ عدد كبير من الارثوذكسيين يخرجون خارج حدود  الآلاسكا للاقامة في مناكق أخرى من اميركا الشمالية، لذلك تم نقل مقر ابرشية سيتكا الى سان فرنسيسكو في عام 1872 ثم الى نيويورك عام 1905، لكن ظل يقيم في سيتكا اسقف مساعد.

وفي نهاية القرن 19 ازداد عدد الارثوذكس زيادة كبيرة بعودة مجموعة من المنضمين  الى الارثوذكسية، وقد كان تيخون الذي اصبح فيما بعد بطريركاً على موسكو وكل الروسيا رئيساً لأساقفة أميركا الشمالية طيلة تسعة أعوام من 1898-1907 وهو يرأس بذلك كل الارثوذكسيين الذين في الشتات الأميركي من عرب ويونان وروس وصرب وبلغار …اما بعد وقوع الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917، وانقلاب الحكم القيصري، عندها بادرت كل مجموعة من هذه القوميات بتكوين  تنظيم كنسي منفصل ومستقل عن بطريركية موسكو، ويرتبط بكنيسته الأم في الوطن، وزاد في ذلك الأمر حيث اصبح الموقف الكنسي في روسيا أكثر غموضاً في طل النظام السياسي الجديد الذي بدا منذ اللحظة الاولى كارهاً للكنيسة والدين، خاصة مع هجرة قرابة مليون ارثوذكسي روسي (الروس البيض) الى اوربة الشرقية ثم الغربية مع افضلية لفرنسا وبلجيكا واميركا، بالرغم من اعادة احياء البطريركية في روسياعام 1917 بتنصيب البطريرك تيخون ( بعد أن كان المجمع المكاني للكنيسة الروسية يدير شؤونهامع التقدم بما يشبه الرئاسة لمتروبوليت موسكو، وهذا تم بتنظيم قسري منذ بطرس  الأكبر).

الكنيسة الروسية الارثوذكسية
الكنيسة الروسية الارثوذكسية

وهكذا نرى نشوء لتلك الادارات الارثوذكسية المتعددة في اميركا الشمالية معتمدة كل منها على انتمائها الوطني، وكثيرون لازالوا يرون ان منح الاستقلال لهذه الادارات الروحية من قبل بطريركية موسكو يشكل خطوة اولى مشجعة نحو توحيد  الادارات الكنسية  الارثوذكسية في اميركا  وعلى سبيل المثال يعيش في اميركا الشمالية اليوم (عندكتابة هذه التدوينة 1994) اكثر من مليون يوناني ارثوذكسي، موزعين على 400 رعية برئاسة رئيس اساقفة، يعاونه عشرة اساقفة مساعدين،أحدهم في كندا وآخر في اميركا الجنوبية. اما بالنسبة للمعاهد اللاهوتية  اليونانية فهناك معهد الصليب المقدس في بوسطن، ومدرسة  يومانية اكليريكية لاهوتية تضم نيف ومائة طالب مرشحين للكهنوت (1994)، كما يتبع هذه الابرشية اليونانية الخاضعة بموجب الدياسبورا = الانتشار للبطريركية المسكونية في الفنار بالقسطنطينية، يتبع لهاد ديران صغيران، امادير التجلي الكبير الموجود في بوسطن فهو حالياً باشراف الكنيسة الروسية الارثوذكسية بعد ان كانت تبعيته للابرشية اليونانية هناك.

وتملك الكنيسة الروسية  [المستقلة عن بطريركية موسكو] ايضاً اربع مدارس اكليريكية موزعة في الولايات المتحدة واهمها معهد القديس فلاديميير في نيويورك.

وتشير الحياة الروحية اليوم (1994) في اميركا، ومنذ الستينات عن تحرك مشجع للغاية، اذ تنشأ رعايا جديدة باستمرار مع بناء كنائس وأديار ومدارس لاهوتية جديدة، انما هناك نقص في عدد الكهنة في بعض الأماكن، مع ملاحظة هامة، وهي ان الجيل الحالي من الكهنة في كل الكنائس الأرثوذكسيةهناك اصبح من اللاهوتيين المؤهلين في المدارس والمعاهد اللاهوتية. وتساهم المنشورات  الدورية التي تصدرها الرئاسات الأرثوذكسية هناك باللغة الانكليزية، بالاضافة الى كتب اللاهوت في تنوير الشارع الأميركي بنور الارثوذكسية، وضياء ساهم حتى الآن في انتماء قرابة 50 الف بروتستانتي مع عدد كبير من القساوسة الى ابرشة نيويورك وسائر اميركا الشمالية الانطاكية معتنقين الارثوذكسية (ماقبل 1994وهذا الحدث المفرح مستمر حتى وقتنا 2025) بهمة وتدبير المتروبوليت الكبير فيليبس صليبا راعي الابرشية ومعاونيه الاساقفة والكهنة. حيث قام سيادته بتثبيتهم ارثوذكسيا ووفق الطقوس والرسامات القانونية باحتفالات رائعة الوصف دفعت  بالكثير من المجموعات البروتستانتية وقساوستها الى الحذو بحذوهم، ونشير هنا الى ان هؤلاء المهتدين الى الارثوذكسية الانطاكية هم من اطلع على الارثوذكسية وهم من طلب من الرئاسة الروحية في الابرشية اعتناق الارثوذكسية وانتمو الى الابرشية الانطاكية بمحض اختيارهم وبسعادة وبدون اي تبشير او اقتناص، وباتوا شديدي التمسكة بالروحانية والتقليد الارثوذكسي وساعين الى استمالة غيرهم من خلال اطلاعهم على الارثوذكسية المستقيمة الرأي. وكان زعماء المهتدين من المجموعات المعتنقة قد قالوا وقتها: ” أنهم اكتشفوا غنى في العقيدة الارثوذكسية اعادهم الى العصر الرسولي.” الامر القاطع بأنهم درسوا تاريخ الكنيسة منذ تأسيسها ووجدوا في الارثوذكسية وجهتهم ولاعجب في ذلك فتاريخ اعتناق الشعوب عبر التاريخ وروسيا والبلقان والصرب والسلاف للارثوذكسية بيِّنٌ بعد ان كانوا غارقين في ظلمة الوثن…

كاتدرائية ابرشية نيويورك
كاتدرائية ابرشية نيويورك

ان اهم مشكلة تجابهها الأرثوذكسية في اميركا الشمالية هي مشكلة “القوميات” ومكانتها في حياة الكنيسة، فالجيل القديم  متمسك بجذوره القومية ومعه ( والمهاجرون الجدد حاليا من كل بلاد الشام وبعد كل خضات مادعي بالربيع العربي وانفلات الهجرات من سورية ولبنان…وخاصة بعد بداية ازمات سورية 2011 وقد افسحت كندا بالتحديد المجال للهجرة واصبحت مدنا واحياء بكاملها تكتظ بالسوريين ومن كل الكنائس به الكنائس الأرثوذكسية ) بينما ابناء واحفاد الجيل القديم وخاصة جيل الشباب ( ماقبل 1994) يتمسك بأرثوذكسيته في اطار القومية الاميركية، يرفض استعمال  غي الانكليزية في الطقوس والترتيل والليتورجيا، هذا الجيل يعتبر ان بلاده هي اميركا ولغته الوحيدة هي الانكليزية، لذلك تنامت دعوات وتعالت أصوات تنادي بحل واحد هو انشاء كنيسة ارثوذكسية اميركية واحدة تجمع كل الكنائس القومية الارثوذكسية، لكن تلك الدعوات لم ترق الى مرحلة التنفيذ، فارفض يتساوى معها لابل ويزيد عليها وخصوصا بين صفوف الانطاكيين الأصليين الذين دوما يتطلعون الى المشرق سورية ولبنان والى استمرار الانتماء الى الكرسي الانطاكي المقدس.

ان الحل الامثل  الذي شعرت الكنائس الأرثوذكسية بكل جنسياتها وقومياتها في اميركا، هو التعاون فيمابينها مع بقاء انتمائها لكنائسها الام ولرؤساء كل كنيسة في اميركا، وكان من المدافعين بحكمة واقتدار عن هذا الحل هو المتروبوليت فيليبس صليبا، وقدأخذ هذا التعاون وضعه المعلن سواء في مجلس الكنائس العالمي، او في اجتماعات الحركة المسكوني لتوحيد الموقف الارثوذكسي. وقد تأسس تبعاً لذلك في عام  1953 السندسموس  وهي حركات الشبيبة  الأرثوذكسية العالمية، ورابطة ومنظمة الكشاف الارثوذكسي العالمي ديسموس المؤسس في حزيران 1997 في دير بنديلي في اليونان ويضم الكشاف الارثوذكسي في اميركا وغيرها. وقد وُظفت جهود هذه الحركات توظيفاً أمثل ، وخاصة في بلاد الشتات والانتشار الارثوذكسي، وقامت بشرح ماهية الأرثوذكسية بمختلف الوسائل المتاحة مما اثمر بانضمام ابناء كنائس انجيلية الى الكنائس الارثوذكسية وخاصة الى ابرشية اميركا الانطاكية كما سبق بيانه وعن قناعة ورضى تامين.

الارشمندريت روفائيل هواويني
الارشمندريت روفائيل هواويني

 الشتات الانطاكي في اميركا الشمالية

كناقد استعرضنا في مطلع هذا البحث الأسباب التي دفعت بالأنطاكيين للهجرة الى العالم الجديد، والتي كانت بداياتها مع حلول العم 1880، ومغ اطلالة عام 1891 وصلت الهجرة الانطاكية الى قمتها حينذاك، وكانت نيويورك قبلة المهاجرين في العالم الجديد وبالذات حي بروكلن الفقير وهو مستوطنة المهاجرين من كل الاديان والجنسيات.

وفي عام 1892 جاء الارشمندريت قسطنطين طرزي المعروف بقسطندي من دمشق الى نيويورك بمبادرة شخصية، [ وقد تسقف لاحقا عام 1904 على ابرشة ارضروم الانطاكية (التي استشهدت بالمجازر التركية بين 1913 و1914) لكن المنية وافته مأسوفاً على شبابه وتقواه ولم يكن له فيها أكثر من احد عشر يوماً] وبوصول قسطندي بدأت الجماعة الانطاكية الارثوذكسية التي حملت اسم ” الارسالية السورية الأرثوذكسية” بالتفتيش عن مكان تقيم فيه كنيسة انطاكية ارثوذكسية، ولكن تعذر على المهاجرين الجدد لفقرهم ان يعولوا كاهناً بشكل دائم بسبب الفقر وقلة العدد وتشتتهم في هذه البلاد الشاسعة، لذلك عاد الاشمندريت قسطندي الى دمشق، وحل محله الارشمندريت خريستوفورس جبارة الدمشقي بمبادرة شخصية ايضاً، وتمكن عندها المغتربون السوريون (1) الأرثوذكس من تأسيس مكان مؤقت للعبادة في قلب نيويورك.

وفي عام 1895 تأسست الجمعية الخيرية الأرثوذكسية ، ومقرها في نيويورك واختير السيد ابراهيم عربيلي الدمشقي رئيساً لها، وكانت مهمتها إنشاء كنيسة ارثوذكسية سورية، والتفتيش عن راعٍ صالح قادر على خدمة شعبه هناك، لذلك اتجهت الانظار  نحو الارشمندريت روفائيل هواويني  الدمشقي المقيم في ثازان/ روسيا، وكان على خلاف شديد مع البطريركالانطاكي اسبريدون (19892-1898) ولم يعترف الارشمندريت هواويني به بطريركا اذ كان اتجاهه وكل مطارنة الكرسي العرب والاكليروس الانطاكي والشعب الدمشقي  نحو بطريرك وطني وكان المرشح منذ وفاة البطريرك ايروثيوس للبطريركية هو مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني وكم ناضا الهواويني ومسرة لهذا الهدف، وكان جزاؤه من البطريرك العزل من رئاسة الامطوش الانطاكي في موسكو وتوقيفه عن الخدمة الاكليريكية، وبوساطات روسية رفيعة اذن له بالبقاء في روسيا سمح له بالتدريس في اكاديمية قازان اللاهوتية كأي كاهن روسي.

وبعد مداولات مع الجمعية الخبربة الارثوذكسية في نيويورك، رضي بالسفر الى اميركا ، ورضيت الجمعية بتبعيته للمجمع الروسي المقدس، وجاء اليها ومعه اللوازم والتجهيزات الكنسية، ومعه من الدرسين في اكاديمية قازان الطالبان جان شامية وقسطنطين ابوعضل وكلاهما من دمشق.

كانت اولاعمال الارشمندريت هواويني في اميركا هو اقامة كنيسة انطاكية ارثوذكسية وكانت كنيسة صغيرة في طابق ثانٍ في بناء، وبدأ في عام 1896 بزيارة الرعايا الانطاكية والعربية المتناثرة  في انحاء اميركا، فزار 30 مدينة واسس كنيسة في مدينة Cairo، وأقام عليها الاب جان بخعاز البيروتي بعدما حصل له على إخلاء قانوني من مطران بيروت غفرئيل شاتيلا الدمشقي…

ثم في عام 1898 اصدر كتابه الشهير ” التعزية الحقيقة في الصلوات الالهية” عام 1898، وفي عام 1899 اذن له رئيس أساقفة أميركا الروسي تيخون بجمع تبرعات لشراء مدفن وبناء كنيسة جديدة مكان القديمة الواقعة في زقاق قديم قذر في بناء خرب، لكنها كانت في مركز تجمع السوريين الانطاكيين الارثوذكس في حي بروكلن، فأذيعت الاعلانات عنها وطُبعت استمارات التبرع في معظم الصحف والمجلات العربية في اميركا، وفي سائر ارجاء الكرسي الانطاكي والاغتراب في مصر…

اسرة عربيلي ويبدو مؤسس جريدة كوكب اميركا اقصى اليسار
اسرة عربيلي ويبدو مؤسس جريدة كوكب اميركا اقصى اليسار

تنقل الارشمندريت روفائيل كثيراً مفتقداً كل الرعايا الارثوذكسيين من انطاكيين وروس ويونان وأقام لهم الخدم الالهية  بلغاتهم وكان ضليعل في هذه اللغات، وشملت رعايته هذه مسيحيين من كنائس أخرى اضافة الى مغتربين مسلمين ودروز، كما راسل القيصر الروسي نيقولاوس الثاني كالباً منه المساعدة  في مشروعبناء الكنيسة فأرسل له مبلغ 1027 دولار اميركي.

اما الجاليات العربية لاتزيد في الواقع عن 50 او 60 فرداً، وقد يصل عدد افرادها في حدود ضيقة جداً الى حوالي 200 شخص، ولكنه زارها كلها بهمة رعائية رفيعة، ففي عام 1899 زار 43 مدينة وقرية خلال خمسة أشهر، وسمع اعتراف 600 شخص، وناولهم الأسرار المقدسة  وعمد 98 طفلا ويافعاً، وبارك اكليل 73 زواجا، واقام 45 قداساً الهياً والقى 45 عظة…

لذلك اختير من قبل المجمع الانطاكي المقدس ليكون اسقفاً مساعداً لمتروبوليت بيروت ولبنان غفرئيل شاتيل، فيما اعتذر المجمع الانطاكي عن تلبية طلب اللاذقيين ليكون لهم متروبوليتاً واختير الشماس ارسانيوس حداد مطراناً لهم خلفاً للنطران ملاتيوس عند صيرورته بطريركاً على انطاكية…

وقد رد الهواويني على قرار المجمع انطاكي بالاعتذار عن بيروت حتى يتمكن من تحقيق طموحه الرئيس في اميركا وهو بناء كنيسة وشراء مدفن وتنظيم امور هذا القطيع المؤمن. وفي عام 1901  وضع حجر الاساس لمشروع الكنيسة، واشترى جزءاً من مدفن.

في نفس الوقت دعاه البطريرك ملاتيوس مجددا للعودة الى البلاد، لأن المجمع الانطاكي المقدس انتخبه متروبوليتاً على زحلة وسلفكياس، لكنه مجدداً اعتذر بلباقة مع الشكر لينهي مشروع بناء الكنيسة الانطاكية في اميركا.

في عام 1902 زار المكسيك مفتقدا رعيتها الانطاكية، والتي لم يكن لديها راعٍ، ولقي من الرعيى ترحاباً لايوصف، وقام بخدمات روحية كثيرة لها

البطريرك ملاتيوس الدوماني
البطريرك ملاتيوس الدوماني

حلم الكنيسة

بعودته من المكسيك تحقق حلمه، حين سمع ان كنيسة سويدية لوثرية معروضة للبيع في حي بروكلن بالقرب من مكان اقامته، فاشتراها بمبلغ 7000 دولار وأصلحها لتكون كنيسة ارثوذكسية، حيث بلغت التكاليف 15070 دولار، وكرسها على اسم القديس نيقولاوس يوم الاحد  في 27 تشرين اول 1902.

وبترشيح من مطران الابرشية الروسي تيخون، قرر المجمع الروسي المقدس تسقيف الارشمندريت روفائيل هواويني ، وصدر بذلك مرسوم امبراطوري روسي بذلك، كما اصدر تيخون مرسوما ينص على احداث وتأسيس معتمدية عربية في كاتدرائية بروكلن ، وتمت رسامة روفائيل أسقفاً على بروكلن  صباح الاحد 29 شباط 1904 في كاتدرائية القديس نيقولاوس، وسارع البطريرك الانطاكي ملاتيوس  بارسال تهنئة الى المطران الروسي تيخون، وأكّد في تهنئته هذه على ان روفائيل هواويني من اساقفة الكرسي الانطاكي المقدس، ثم شكر المجمع الروسي على رعايته للرعية الانطاكية.

في عام 1905 اصدر الاسقف روفائيل العدد الاول من مجلة “الكلمة” لسان حال ابرشية اميركا الشمالية والمستمرة حتى الآن. وفي 30 تشرين الاول 1909 كرس كنيسة القديس نيقولاوس في مونتريال بكندا، وفي نهاية 1910 دشّن  المدرسة الليلية التي بدأ في تأسيسهاعام 1906 تحت اسم مدرسة القديس نيقولاوس العربية، وكان الدراسة فيها يومية من الرابعة الى السادسة بعد الظهر، اما المواد فكانت العربية والتعليم الديني والليتورجيا والترتيل.

المطران روفائيل هواويني ( القديس)
المطران روفائيل هواويني ( القديس)

وفي عام 1911 اشترى بناية قرب كنيسة بروكلن مؤلفة من ثلاثة طوابق ودور تحتاني، استخدمه كمركز للأبرشية، ومدرسة أحد، وداراً للايتام، ومقراً للكاهن.

تابع اهتماماته بالرعية، فلم يهمل القطيع الناطق، بل كان يقطع البر والبحر والسهول والجبال وهو يحتمل حر النهار وبرد الليل ويجول في المناطق والولايات المتعددة في كل هذه الارجاء الشاسعة، وقد نظر اليه المغتربون الانطاكيون  على انه رسول جوال مماثل للرسل القديسين، ووجدوا فيه السند للمؤمنين والحارس الأمين لهم، توفي في 27 شباط 1915، وصُلي عليه في كاتدرائية القديس نيقولاوس ببروكلن، حلمه الكبير الذي تحقق.

الانشقاق ونتائجه

منذ وصوله إلى نيويورك (1895) وحتى رقاده بالرب (1915)، كان القديس رفائيل هواويني بلا منازع الزعيم الروحي لجميع الأرثوذكس الناطقين بالضاد في أميركا الشمالية وحتى غير الارثوذكس  ومن المسلمين والدروز ويدل على ذلك التبرعات لمشروعي الكنيسة والمقبرة، التي قدمها هؤلاء الذين احبوه كقائد وطني في ديار الاغتراب. ولكونه منتميًا من الناحية الكنسية إلى الأبرشية الروسية كان زعيما للروس مشاركا المتروبوليت تيخون في رعايتهم.

كانت الإرسالية الروحية السورية التي يرأسها تخضع للسلطة الكنسية الروسية على الرغم من الروابط القوية التي كانت له مع البطريركية الأنطاكية. عند رحيل القديس رفائيل، انقسم أتباع أبرشية بروكلن إلى فصيلين متنازعين. الفصيل الروسي، برئاسة الأسقف أفتيميوس عفيش الذي سقفه بلاطون رئيس اساقفة الكنيسة الروسية /حين وفاة قديسنا /والارشيدياكون عمانوئيل ابو حطب، وقد تابع عفيش الاندماج بالسلطة الكنسية الروسية كما كان الحال سابقاً، الا انه خذلها بزواجه وهو اسقف من احدى بنات الجوقة وفي هذا ضرباً بالقوانين فقامت قيامة الجميع عليه واولهم بلاطون فتم عزله واقيم خلفا له الاسقف عمانوئيل ابوحطب الذي بادر بكتاب بنوي الى البطريرك الكسندروس يضع نفسه بخدمة انطاكية.

أمّا منافسه الفصيل الأنطاكي، فقد نبذ تلك السلطة الكنسية الروسية،  وهذا الفصيل كان بزعامة متروبوليت زحلة وسلفكياس  جرمانوس شحادة المعروف عنه عشقه للكرسي الانطاكي حتى الثمالة،  وهو من مواليد 1872 مزرعة العرب في ييروت الذي سافر عام 1913 باذن البطريرك غريغوريوس الرابع الى اميركا ليجمع التبرعات من ابناء ابرشيته المغتربين من اجل بناء واحداث مدرسة زراعية لأبرشية زحلة في بلدة عميق البقاعية.

البطريرك غريغوريوس
البطريرك غريغوريوس

وبحسب تصريحٍ للبطريرك غريغوريوس، عند افتتاح دورة المجمع في دير القديس جاورجيوس سوق الغرب (13 تموز 1921)(2)، القضايا المعروضة للبحث والمناقشة هي: “1- أسقفية بروكلن، 2- أبرشية زحلة ومطرانها جرمانوس، الذي سافر في حزيران 1914، لأجل جمع المساعدات لمشروع مدرسة زراعية تنشأ في عميق البقاع، فلا يزال متنقلاً في أميركا الشمالية بين الولايات المتحدة وكندا، آخذاً لنفسه وكالة الكنيسة المسماة أنطاكية”. وقد ورد في نصّ رسالة مجمعية إلى قائمقام الكرسي المسكوني (آب 1921): “إن سيادة مطران سلفكياس جرمانوس قد سافر إلى أميركا، وغرضه من سفره واحد فقط، وهو جمع تبرعات السوريين الأرثوذكسيين القاطنين في أميركا لتأسيس مدرسة زراعية في إحدى قرى أبرشيته، وليس ليكون راعياً للجاليات السورية الأرثوذكسية المنتشرة في الولايات المتحدة”. ولما كانت الحرب العالمية الاولى قد وقعت عام 1914 وانقطعت الاتصالات وتوقف السفر من الوطن الى المغتربات وبالعكس، فقد اضطر مرغما الى البقاء في اميركا، وكان على توافق تام مع قديسنا الهواويني، لذا لما توفي الاخير اصرت الرعية على بقائه في اميركا ورعاية القطيع الانطاكي، فنشأ هذا الفرع المنتمي لأنطاكية وان كان المجمع الانطاكي المقدس  كان غير موافق على ذلك ، حتى ان كتب مراسلاته الى البطريرك كانت تحمل عنوان متروبوليت سلفكياس والانطاكيين… وكان هذا يثير ردود افعال اعضاء المجمع بالاستنكار ونشير هنا الى ان هذا الحزب الانطاكي بزعامته كان وبشدة محافظاً على الانتماء الاساس لأبنائه وفقا لأصلهم في الوطن الام ( البلدة الأصل، والمنطقة، والكرسي الانطاكي.

اما الموقف المجمعي والبطريركي الواضح فقد تمثل بانتخاب الارشمندريت فيكتور ابو عسلي رئيساً لأساقفة بروكلن وسائر اميركا الشمالية، لمعالجة  خطر الاضمحلال والزوال،  وهذا ما قررته البطريركية الأنطاكية أخيرًا . ومع ذلك بقي المطران جرمانوس زعيما لحزبه الرافض تركه والعودة الى ابرشيته، وتوقف عن استخدام المراسلات سالفة الذكر بأن الغى منها صفة رعاية اميركا، وكان لايريد الاستقالة من ابرشيته الام في الوقت ذاته.

تشعبت المشكلة بحدة امام وجود ثلاثة احزاب ارثوذكسية في ابرشية بروكلن الحزب الرسمي بقيادة الاسقف فيكتور، والحزب الذي ينادي بدوره بالالتصاق بأنطاكية برئاسة مطران زحلة جرمانوس شحادة، والحزب الروسي بقيادة الاسقف عمانوئيل ابوحطب  والجميع كان بمراسلاته الى المجمع الانطاكي والبطريرك غريغوريوس وخليفته الكسندروس يؤكد على انطاكيته.

وكانت نتائج هذا النزاع كارثية، من الناحية الدينية والروحية،  فقد انقسمت الرعية، ونشبت حرب صحفية بين الجانبين على صفحات جرائد المهجر اساءت للوجود الارثوذكسي الانطاكي ولهيبة الكرسي الانطاكي، وكانت خسارة مدمرة على الصعيد المادي والمالي أيضاً، بسبب الدعاوى بين الطرفين أمام القضاء الأميركي والمصاريف الباهظة على تكاليف المحاكم والمحامين.

المطران فكتور اسكاف أبو عسلي (1888-1934)

المطران فكتور اسكاف أبو عسلي (1888-1934)
المطران فكتور اسكاف أبو عسلي (1888-1934)

ولد في البقاع اللبناني ودرس علومه الأولى في مدرسة قريته عيتا الفخار، ليكمل دراسته في إكليريكية دير البلمند، التي أعاد البطريرك الأنطاكي ملاتيوس الدوماني افتتاحها في العام 1901، فكان من الرعيل الأول. ومن زملائه فيها البطريرك ثيوذوسيوس أبو رجيلي والمطران ألكسندروس جحا والأرشمندريت حنانيا الياس كسّاب. وبعد رسامته شماساً، انضمّ إلى كهنة أبرشية بيروت، وفي أيلول 1922 رافق معلمه المطران العلّامة جراسيوس مسرة (+1936) في رحلته إلى أميركا، لحضور مؤتمر لمجمع الكنيسة الأسقفية المنعقد هناك وبدعوة من هذا المجمع للكرسي الانطاكي للبحث في مشروع اتحاد كنسي مع الكرسي الانطاكي ووقتها تم اختيار علامة الكرسي الانطاكي متروبوليت بيروت لتمثيل الكرسي الانطاكي والمشاركة بأعمال هذا المجمع. وكان العديد من أبناء قريته، إضافة إلى أشقائه، يقيمون في مدينة وستر ماس Worcester, Massachusetts، حيث تقع كنيسة القديس جاورجيوس، وهي خامس الكنائس الثلاثين التي أسسها القديس رفائيل، وكانت برعاية الأب ميخائيل الحصان من عيتا الفخار، مسقط رأس الأرشمندريت فكتور. طلبت الرعية بقاءه فيها، وسمح مطرانه، الذي بارك ذلك خاصّة بعد الاطّلاع عن كثب على الأوضاع التي كانت تعيشها الجالية السورية في أميركا بسبب الانقسام.

يوم رسامته بوضع يد المطران زخريا راجي وبندلايمون أثناسياذيس مطران نابلس
يوم رسامته بوضع يد المطران زخريا راجي وبندلايمون أثناسياذيس مطران نابلس

وعليه، ففي الدور الخامس للمجمع (أيلول – ك 1 /1923، في دير مار الياس شويا ثم في سوق الغرب)، تمّ في الجلسة الخامسة (الاثنين 2 ت 2) قرار قبول استعفاء جرمانوس واعتبار أبرشية زحلة خالية وتبليغ ذلك لأبناء الأبرشية. وفي جلسة (الأربعاء 6 ك 1)، بعد الصلاة قال غبطته: “لقد تألمنا كثيراً مما صار في أبرشية نيويورك والآن فقد اتفقنا بشأنها مع غبطة أخينا السيد تيخن بطريرك موسكو وكل روسيا. وإجابة لرغبة أبنائنا الطالبين الانضمام الينا نسمي لكم ثلاثة مرشحين لأبرشية نيويورك وهم الأرشمندريتية إيليا صليبي و فكتور أبو عسلي و أغابيوس غلام، لتنتخبوا حسب الأصول المثبتة في كرسينا الأنطاكي مطراناً لهذه الأبرشية الحديثة التأسيس لكي يعتني بأبنائنا الخاضعين له في تلك البلاد”. في اليوم التالي، جلسة (الخميس 7 ك1)، تم انتخاب فكتور بأكثرية الأصوات، وفي جلسة (الجمعة 8 ك1) اقترح البطريرك أن تتبلغ أبرشية نيويورك انتخاب رئيس كهنة لها، فأرسلت برقية إلى توفيق دبس والخوري ميخائيل زربطاني: “قدّمنا مرشحين وهم الأرشمندريتية إيليا وفكتور وأغابيوس الأكثرية انتخبت فكتور لأبرشية نيويورك الأنطاكية”، والى المنتخَب البرقية التالية: “البارح انتخبتم رئيس أساقفة لأبرشية نيويورك الأنطاكية. حكماً وتواضعاً”.

قاد المطران فيكتور أبرشية أنطاكية منذ رسامته صباح السبت 8 ت 2 /1924 في كنيسة رقاد السيدة الأرثوذكسية الألبانية في ووستر، ماساتشوستس (بوضع يد المطران زخريا راجي وبندلايمون أثناسياذيس مطران نابلس) حتى رقاده بالرب يوم الأربعاء 19 أيلول 1934. وتم له جناز مهيب يوم الأحد 23 أيلول في مدينة وستر ماس، حيث تم دفن رفاته الطاهر وسط ذهول الرعية وصدمتها من رحيله المفجع دون الخمسين.

كان فكتور سكاف أبو عسلي أول مطران منتخب من المجمع الأنطاكي، وبجهوده توحّدت الأبرشية من جديد. إن روحانية هذا الناسك الورع، والشديد التقوى والزهد، كانت بالفعل العامل الأهم في جذب رعايا المجموعتين المتناحرتين لسنوات. وهكذا، أخذ جميع الأنطاكيين ينضوون شيئاً فشيئاً تحت رئاسته، وبحلول العام 1934 الذي رقد فيه بالرب، كانت جميع الكنائس الأنطاكية قد توحّدت، نابذة الانقسام المرير الذي طال أمده ما بين الفريقين.

كان إنساناً رائعاً، أشبه بقديس، محباً للغاية، وديعاً ولطيفاً نحو الكلّ. لقد رأوا اللطف على وجهه. وكان يحب الجميع بلا استثناء، بقطع النظر مَن هم أو ماذا كانوا. ولهذا كان الناس يتجمعون حوله ويتحلقون، لأنه كان شخصاً عظيماً حقاً ومتواضعاً جداً. كان يحبهم وحسب. وليس أدلّ على تضحيات الفقيد الكبير من وصيته، وفيها يصفح عمن أساءوا إليه كما يطلب فيها الصفح ممن قد يكون أساء إليهم. ومما أوصى به ألّا تجري في جنازته المراسم المألوفة، ولاسيما من جهة إجلاس الجثمان على عرش كما هي العادة بل أن يوضع في تابوت مقفل. لقد رحل صفر اليدين، وكان قد اشترى ضماناً على الحياة يكفل دفع ما اقترضه من دائنيه، وهو مبلغ قيمته 12 ألف دولار. فقد كان ينفق من ماله الخاص على صحته ورعيته، وفي موته كما في حياته كان مثالاً للأمانة والوفاء.

البطريرك الكسندروس
البطريرك الكسندروس

وجدير ذكره هو ان الامور استتبت في ابرشية بروكلن  في عهد البطريرك الكسندروس  الثالث (1931-1958)، حيث ان بوادرها الوفاقية لاحت منذ اواخر عهد البطريرك غريغوريوس، بعد استضاح البطريركية الروسية في حدود روسيا الشيوعية واعترافها بأن ابرشية بروكلن انطاكية، وازال دعمه لعفيش الذي ضرب بزواجه مخالفاً للقوانين وشكل بتصرفه الشائن هذا ضربة للأسقفية، كذلك تم رفع الدعم عن خليفته عمانوئيل ابوحطب، وتشير الوثائق البطريركية ان البطريرك الكسندروس دعا كل من زعماء الاطراف الثلاثة للحضور الى دمشق للتوفيق والمصالحة فرفض رئيس الاساقفة فيكتور لأنه هو رئيس الاساقفة الشرعي  ووافق ابوحطب على الفور بينما حضر جرمانوس الذي كان عام 1924 قد استقال من ابرشيته وبكل اسف انه بتاريخ هذه الدعوة البطريركية عام 1933 المطران جرمانوس شحادة الذي كان قد عاد الى اميركا الذي تشير الوثائق وفائه لكرسي الانطاكي، وتوفي رئيس الاساقفة فيكتور عندها ليلحق بهما عمانوئيل ابو حطب وثلاثتهم توفوا مأسوفاً  عليهم بالسرطان كما كتبت رئيسة فرع دير سيدة صيدنايا البطريركي في نيويورك الى البطريرك الكسندروس باكية على خصالهم ومحبتهم وصدق انتمائهم.

المتروبوليت انطونيوس بشير
المتروبوليت انطونيوس بشير

المطران انطونيوس بشير (1898-1966

في عام 1936 تولى الصانع الاهم بعد القديس روفائيل هواويني في بناء الابرشية الانطاكية في اميركا الشمالية وهو المطران انطونيوس بشير وتولى رعايتها بعد مخاض عسير وكان موجوداً فيها منذ عام 1922 عندما جاء اليها برفقة متروبوليت بيروت العلامة جراسيموس مسرة لتمثيل الكرسي الانطاكيفي مؤتمر الكنائس الذي عقد بدعوة من الكنيسة الاسقفية الاميركية، لتدبير امور الرعية هناك في ظل هذا الانقسام المؤلم، بتكليف وموافقة من البطريرك غريغوريوس الرابع لما عُرفَ عنه من حكمة وسداد رأي ، وهو من مواليد طرابلس عام 1896 وكان أبواه يوسف وزينة البشير شديدَي التديُّن، انضمَّ في وقتٍ مُبكرٍ من حياتِه إلى الكنيسة، حتى رُسِّمَ شماساً في 1916، ، درَسَ في  اكليريكية دير سيدة البلمند الاهوتية (1911-1916)، ثم توجَّهَ إلى دراسة القانون في مدرسة  بعبدا الحقوقية في جبل لبنان، ثم أكمَلَ دراستَه في الجامعة الاميركية في بيروت، وقد أثبَتَ تفوُّقًا واضحًا ممَّا جعله يعمل بتدريس الأدب العربي في  هذه الجامعة وهو أديب وخطيب مفوَّه لبناني، اشتُهِر بترجماته لبعض أعمال جبران، ، ثم أرسَلَه بطريرك أنطاكية إلى الولاياتِ المتحدةِ صحبة مطران بيروت مسرة ، وهناك وفي عام 1936 انتُخِبه المجمع الانطاكي المقدس رئيسًا لأساقفةِ نيويورك وسائر اميركا الشمالية …

البطريرك ثيودوسيوس السادس (1958-1970)
البطريرك ثيودوسيوس السادس (1958-1970)

المطران صموئيل داوود

كان في نفس الوقت هناك الارشمندريت صموئيل داوود يرعى توليدو اوهايو ويسوسها بكل نجاح وحكمة، وطلبت رعيتها الاسقفية له، بعد اجراء استفتاء في رعية الابرشية التي رشحت اولا الارشمندريت انطونيوس بشير تلاه الارشمندريت صموئيل لتتكرر المشكلة برسامة صموئيل اسقفا على توليدو اوهايو في نفس الوقت الذي تمت به رسامة وتنصيب انطونيوس بشير متروبوليتا على نيويورك وسائر اميركا الشمالية

بقي البطريرك الكسندروس يتعامل بحكمته مع الاثنين محاولا التوفيق بينهما كي لايتكرر الانقسام السابق، واتصف المتروبوليت انطونيوس بالحكمة وحاول مد اليد الى الاسقف صموئيل الذي بادله بالموقف ذاته، الطرفان اسهما في مشاريع البطريركية العمرانية وان كانت مساهمات انطونيوس اكبر بكثير لكثرة كنائسه وكبر رعاياه فقد كان يرعى في مستها مطرانيته 63 كنيسة يقابلها 13 كنيسة في اسقفية توليدو التي لم تنحصر في حدود توليدو الجغرافية بل انتمى اليه العديد من الرعايا من كل الابرشية بمافيها كندا…

تثمينا لجهوده وضغوطات من تيار عريض في المجمع مؤيد للاسقف صموئيل برئاسة المتروبوليت ابيفانيوس زائد اعترف المجمع له بتسميته متروبوليتاً واسقفيته صارت ابرشية، وماقدمه من التقدمات الجزيلة للمقر البطريركي وقيامه بطبع الكتب الطقسية على نفقته ونفقة شقيقتيه، وتوزيعها مجاناً بحلل أنيقة  على ابرشيات الكرسي الأنطاكي، ثم خلفه فيها الاسقف ميخائيل شاهين الذي عاصر المتروبوليت فيليبس صليبا وانتقل الى الاخدار السماوية 1993.

المطران صموئيل داود
المطران صموئيل داود

من باب الانصاف وبعيداً عن الآراء الشخصية  والملابسات وبعد دراستنا لكل تاريخ هذه الابرشية منذ 1895 الحافل  بالانشقاقات  والانجازات فقد حفلت بوجود رجال عظام قدموا الجهد المخلص لتكون هذه الابرشية اول واقوى الابرشيات الانطاكية تنظيما وبناء على اسس متينة رعاية وروحانية لذا صارت مقصدا للمهتدين الجدد الى الارثوذكسيةْ بطريقٍ انطاكيةٍ، لابد أن نذكر بالفخر المتروبوليت انطونيوس بشير والمتروبوليت داود لعملها المبرور رعائياً  وثقافياً  في المغترب والوطن وماتبرعا به من الأموال ، وخاصة من اجل البلمند والمعهد اللاهوتي حيث قدم المتروبوليت بشير كل ماله عبر منحة سنوية(منحة المتروبوليت بشير) من اجل هذا الصرح اللاهوتي التعليمي الأنطاكي العظيم  حيث يتصدر نصبه معهد البلمند، بينما اثرى المتروبوليت صموئيل المكتبة الليتورجية الانطاكية والعربية بمكبوعاته وتوزيعها مجاناً على كل الكرسي الانطاكي وسواه…

المتروبوليت فيليبس صليبا

المتروبوليت فيليبس صليبا
المتروبوليت فيليبس صليبا

كان خير سلف لهؤلاء المطارنة الانطاكيين العظام في بناء ابرشية اميركا هو المتروبوليت فيليبس صليبا، هذا الراعي  المتميز لاهوتيا واداريا ورعائيا، وانتماء انطاكياً وعربياً وقومياً (الى حين وفاته 2014)، وقد اعاد ربط ابرشية نيويورك بالكرسي الأنطاكي، وتابع خطى سلفه ومعلمه المتروبوليت بشير في تنظيمها وبنائها بشكل دقيق وساعده الاسقف انطون خوري الدمشقي (توفي) والاسقف باسيل عيسى، ولايمكن انكار ماتقدمه هذه الابرشية المنتظمة جداً برعايته من مساهمات مادية في سبيل مشاريع الكرسي الانطاكي المقدس ، وخاصة معهد اللاهوت البلمندي وجامعة البلمند، وقد احتفل في ختام اعمال المجمع الانطاكي الموسع الذي عقد في تشرين الاول 1993، بوضع حجر الأساس للقرية الانطاكية في مجمع البلمند الجامعي المخصص سكن للمدرسين والطلاب المقيمين وهي من تبرعات ابرشية اميركا الأنطاكية، ولايسعنا هنا  الا التأكيد على الواقع القومي بعد الانطاكي الذي تظهر فيه ابرشية نيويورك وسائر اميركا الشمالية، وفي وجه الدعايات الصهيونية بزعامة المتروبوليت صليبا، ومن معه أعضاء اللجان العربية لمكافحة الضغوط الصهيونية هذا من جانب، ومن جانب ثانٍ فإن الأرثوذكسية الأنطاكية تتنامى بصورة مرضية جداً هناك، وتشتد التصاقاً بالكرسي الأنطاكي المقدس، وكما قال البطريرك اغناطيوس مراراً:

“ان الكم الأنطاكي يكمن في الاغتراب أكثر مما هو هنا”،وهنا يقصد غبطته بكلمة “هنا”ابرشيات الكرسي في المشرق.

البطريرك اغناطيوس الرابع
البطريرك اغناطيوس الرابع

(بعد زفاة المتروبوليت صليبا قرر المجمع الانطاكي المقدس في اجتماعه على هامش اعمال المؤتمر الانطاكي العام 2014 انتخاب رئيس اساقفة ابرشية اميركا الشمالية الاسقف جوزيف الزحلاوي الدمشقي متروبوليتا على الابرشية، ثم تقدم بطلب تقاعده  الى غبطة البطريرك يوحنا العاشر

القرار رقم اس 14-1/ 2022 بتاريخ 17 تشرين الأول 2022
لمّا كان المجمع الأنطاكي المقدّس قد تبلّغ رسمياً كتاب التقاعد المقدّم من سيادة المطران جوزيف زحلاوي، متروبوليت الأبرشية الأنطاكية في نيويورك وسائر أمريكا الشمالية بتاريخ 17 أيلول 2022، ولما كان المجمع قد أخذ علمًا بالتطورات التي شهدتها الأبرشية في الفترة التي سبقت إعلان الاستقالة، واطلّع على الإجراءات التي تلت قرار التقاعد لجهة تعيين لجنة مؤقتة لإجراء عملية التسلّم وإدارة شؤون الأبرشية في الفترة الممتدة بين تاريخ التقاعد وتاريخ انعقاد المجمع المقدس،
وبعد النقاش والتداول،

البطريرك يوحنا العاشر
البطريرك يوحنا العاشر

قرّر المجمع الأنطاكي المقدّس:
أولًا: اعتبار التقاعد المقدم من سيادة المطران جوزيف زحلاوي نافذًا من تاريخ تقديمه في 17 أيلول 2022، وشكره على خدمته الكنسية ولاسيما على السنوات التي قضاها في خدمة الأبرشية الأنطاكية في أمريكا الشمالية؛
ثانيًا: اعتبار الأبرشية الأنطاكية في أمريكا الشمالية أبرشية شاغرة منذ تاريخ صدور هذا القرار مع ما ينتج عن هذا الشغور من مفاعيل تنص عليها القوانين والأنظمة الأنطاكية؛
ثالثًا: اعتبار المطران المتقاعد جوزيف زحلاوي، مطراناً سابقاً للأبرشية الأنطاكية في أمريكا الشمالية، غير عضو في المجمع الأنطاكي المقدس؛
رابعًا: بحكم التقاعد، تتبع الأصول القانونية الكنسية من حيث الطلب إلى المطران جوزيف زحلاوي عدم القيام وعدم المشاركة بأية رسامة إكليريكية على الإطلاق، وأن يُحدّدَ، بالتنسيق مع المعتمد البطريركي عند تعيينه وراعي الأبرشية العتيد بعد انتخابه، الكنيسةَ التي سوف يقيم سرّ الإفخارستيا فيها بشكلٍ ثابت؛ والطلب منه عدم القيام بأية خدمة ليتورجية أو أسرارية، أو تقديسية على الإطلاق، ضمن أبرشية أمريكا الشمالية، وفي أي أبرشية أخرى، إلا بعد الاستحصال على إذن مطران الأبرشية وفق الأصول الكنسية المعروفة؛ على أن يذكر في الخدم الإلهية البطريرك الأنطاكي وبعده مطران الأبرشية. كما ويسري بالعموم على رئيس الكهنة المتقاعد كل ما يسري على رؤساء الكهنة من ناحية سفرهم أو خدمتهم في كنيسةٍ أخرى ومن ناحية العلاقات الخارجية.
خامسًا: يدعو آباء المجمع المقدس للمطران جوزيف زحلاوي، بالصحة والعمر المديد، وبأن تغمره نعمة الله ورحمته. (3)

(4)وتم نقل مطران ابرشية حوران وجبل العرب سابا اسبر من ابرشيته متروبوليتاً على ابرشية نيويورك بالقرار الثالي:

 

Saba

ولد في اللاذقية سنة ١٩٥٩، نالَ شهادة في الهندسة المدنيّة (جامعة تشرين، اللاذقيّة)، وإجازة في اللاهوت (معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ البلمند). رُسِم كاهنًا سنة ۱۹۸۸ ، وخدم في أبرشيّة اللاذقيّة راعيًا لكنيسة رئيس الملائكة ميخائيل. رُسمَ أُسقفًا سنة ۱۹۹۸، وانتُخب متروبوليتًا سنة ۱۹۹۹ على أبرشيّة بصرى، حوران وجبل العرب.

و خدمها حتّى صدور قرار المجمع الأنطاكيّ المقدّس في ۲۳ شباط ۲۰۲۳، بنقله إلى أبرشيّة نيويورك وسائر أميركا الشماليّة.)

يعاون المتروبوليت سابا الاساقفة التالية اسماءهم

الأساقفة المعاونون:

 الأسقف توماس (جوزيف)

الأسقف ألكسندر (مفرّج)

 الأسقف جون (عبدالله)

 الأسقف أنتوني (مايكل)

 الأسقف نيقولا (أوزون)

الخاتمة

يعتبر بحثنا هذا عبارة عن تسليط لضوء خفيف على ابرشيات المهجر ولايعدو أن يكون بمثابة ثبت توثيقي لبدايات وبعض الاستمرار في العمل الأرثوذكسي والأنطاكي في المهجر الأنطاكي، اذ ان الخوض  في الواقع الحالي للعمل هناك يحتاج الى ان يصبح هذا البحث المتواضع اطروحة أكاديمية تشتمل على عدة مجلدات او اكثر من اطروحة تتناول كل منها عهد من هذه العهود…

لكن مايهمنا في كل هذا البحث ان نتطلع بفخر نحو اجدادنا الذين انطلقوا الى هذه المناطق النائية يحملون الغصة المرة في حلوقهم ، والدموع الحارة في عيونهم على اوطانهم التي تركوها واهاليهم  الذين بقوا في الوطن، وبقوا متمسكين بها (بلاد الشام) وبأرثوذكسيتهم الأنطاكية وواكبتهم وتبعهم جنود مجهولون من الاكليروس الانطاكي  الذين طوتهم تلك الارض البعيدة  بعدما زادوا في ربط رعاياهم بالكنيسة الارثوذكسية والوطن الام مع التركيز على وطنية  الأرثوذكس الأنطاكيين ليس نحو اوطانهم الاصل بل في اوطانهم الجديدة التي يوجدون فيها دوماً.

الكاتدرائية المريمية بدمشق
الكاتدرائية المريمية بدمشق

ان الهم الأنطاكي صرخ به البطريرك اغناطيوس الرابع  ب”صرخة اغناطيوس او عنصرة الاغتراب الانطاكي”، هاجس قوي وضعه غبطته في مصف اولويات اهتماماته، بصفته شيخ أنطاكية العظمى، وبالتحديد هم المغتربات، وخاصة من الناحية الروحية وقد زارها جميعاً (الأميركيتين، او ستراليا، اوربة الغربية وزيارته الشهيرة الى انطاكية السنة 1992 (وكنا بمعيته مسؤولاً اعلامياً ) بعد مرور 91 سنة على الزيارة التي قام بها البطريرك ملاتيوس الدوماني 1901) ( وتابع في ارسال الاساقفة ليحتفلوا بالأعياد مع شعبها الذي فصل عن امه بسلخ اللواء، ثم عاد في العام 2000 في عيد الكرسي الانطاكي واعلن مع البطريرك المسكوني برثلماوس احتفالات بدء الألفية المسيحية الثالثة وايضاً كنا بمعيته) واطلع ميدانياً على اوضاعها الروحية وبأسلوبه المتألق زاد في ربط هذه المغتربات بأنطاكية الام  الرمز الروحي ودمشق عاصمتها.

ووجه معتمديه في المعتمديات البطريركية، ومطارنة الابرشيات الاغترابية لبذل قصارى الجهود في سبيل الرعايا الانطاكية فيها  وموافاته دوماً بآخر التطورات والمستجدات وخاصة السلبية لتتم دراستها مجمعيا ووضع الحلول، ان الحدث الاهم الذي ترجم عمليا هو عقد المجمع الانطاكي المقدس الموسع عام 1993 في البلمند بحضور وفود انطاكية من المشرق ومغارب الارض، وقدمت تقاريرها وبياناتها الميدانية التوثيقية الشديدة الدقة عن اوضاع هذه الابرشيات الممثّلة وضمت الى مطارنة الالرشيات والمعتمديات اكليريكيين رفيعين وعلمانيين ممن يسهم في ادارة هذه الابرشيات، وقد نتج عن هذا المجمع الموسع والاول من نوعه على الصعيد الانطاكي اعلان قداسة الشهيد في الكهنة يوسف مهنا الحداد باسم” الشهيد في الكهنة  القديس يوسف الدمشقي ورفقته” والتعييد لذكراهم في 10 تموز من كل عام، وهم شهداء وضحايا مجزرة دمشق الطائفية في 10 تموز 1860. كما اتخذت في هذا المجمع مقررات وتوصيات زادت في تعميق ارتباط المهجر بالوطن الام وبالكرسي الانطاكي المقدس،وترك اصداء محببة لدى ابناء الابرشيات، وارتياح عام لدى الاوساط المسيحية المسكونية، وربطا وطنيا لم تحققه البعثات الدبلوماسية بربط المغربين بالوطن الام في المشرق…

( ولابد من هذه الاضافة الجوهرية على خاتمة مقالي الاصل وتدوينتي السابقة هنا من ان غبطة بطريركنا الحالي يوحنا العاشر الذي اعتلى السدة الانطاكية في 18 كانون الاول 2018 ونصب رسميا في كنيسة الصليب المقدس في 10 شباط 2013، وكان اساساً مطران ابرشية اوربة الغربية ومقرها في باريس وكان لذلك الاقدر على معرفة احتياجات انطاكية المغتربة، لذا انشئت في عهده مطرانيتا بريطانيا وتوابعها، واوربه الوسطى وتوابعها، ومعتمدية في السويد وامتد العمل الرعائي بعد تنامي هجرة السوريين الى اوربة في الاحداث المؤسفة التي عصفت بسورية مابين 2011 وحتى الآن. كما اقام معتمدية في رومانيا برئاسة الاسقف قيس صادق اسقف ارضروم وقرر رفع تسمية المعتمد نيفن سيقلي في موسكو الى درجةمتروبوليت تديراً  لعطائه في خدمة العلاقات بين الكرسيين الانطاكي والروسي ويحق له كمتروبوليت ابرشية حضور الجلسات المجمعية والتصويت بها.

وفي تنظيم لابرشية بغداد والكويت وتوابعهما اقام معتمديات في الامارات العربية المتحدة وفي مسقط عمان وفي البحرين وقطر لتسهيل التلاقي بين المغتربين المتكاثرين فيها

المؤتمر الانطاكي 2014 في صرح جامعة البلمند
المؤتمر الانطاكي 2014 في صرح جامعة البلمند

كان للمؤتمر الانطاكي الذي اعدَّ له بصبر وحكة وطول اناة وعقد في رحاب البلمند في حزيران 2914 بمشاركة شاملة من مطارنة الكرسي الانطاكي واساقفته وممثلون فاعلون من كهنة الابرشيات ومجالس رعاياها، واشراكه الجميع في لجان هي الاهم على صعيد الكرسي الانطاكي الروحية والليتورجية والاقتصادية والانمائية والاعلامية والثقافية… وشهد دورا مجمعيا تمثل بانتخاب مطارنة للابرشيات المترملة واساقفة واحتفالا مميزا بعيد الكرسي الانطاكي بحضور واسع جدا من الابرشيات السورية تم ترتيب حضورهم في رحلات مرتبة جداً، وقد اقيم مجمع موسع برئاسته ضم بطاركة الكنائس المنضوية تحت مظلة انطاكية العظمى المارونية والروم الكاثوليك والسريانية الارثوذكسية والكاثوليكية والارمنية… وخرج المجمع بتوصيات مسكونية على غاية من الجدية والاهمية…

لقد زار غبطته  كل ما امكنه من المعتمديات في الخليج العربي ودشن كنائس الامارات والحارث في مسقط واوربة الغربية واميركا الشمالية وموسكو ورومانيا …والصرح البابوي بالرغم من فداحة  المحنة الضاربة سورية منذ 2011 ومجازر غزة وتداعياتها الكارثية على لبنان وتغيير نطام الحكم السوري وماحصل من تداعيات سلبية  ومنها تفجير كنيسة مار الياس الطبالة بدمشق والاحداث المؤسفة في الشمال والساحل والجنوب والاطماع الاسرائيلية في الجولان والجنوب السوري، ومع رفعه الصوت من اجل اللحمة الوطنية للنجاة من مشاريع التقسيم…

تابع الاهتمام بالمغتربين والابرشيات المهاجرة واتخذت قرارات باعلان قداسة متروبوليت اميركا القديس روفائيل هواويني كقديس انطاكي وقداسة الابوين سليمان وحبيب خشة الدمشقيين …لايمكننا في هذه العجالة من تعداد ماقام به غبطته او ماتم في عهده وبخاصة في اعادة بناء الكنائس المدمرة في حلب وحمص وعربين والزبداني وتقديم المساعدت لكل الشعب السوري من خلال تفعيل دائرة العلاقات المسكونية والتنمية البطريركية واعادة اعمار بيوت المهجرين من اولاده في الزبداني وعربين وحمص، وفي مسح جراح انطاكية المدمرة بالزلزال وزيارته اليها واقامته الفصح على انقاض كاتدرائيتها المدمرة ومتابعة ارسال الاساقفة لرعاية شعبها الصابر المنكود وتقديم كل مايلزم لمساعدته والسعي لاعادة بناء كاتدرائية انطاكية وكنائس اللواء المدمرة… وهي تحديات لاتوصف في ظل انعدام الموارد ووقف الحال والتهجير الممنهج الذي حصل طيلة سنوات الازمة السورية، وهجرة الابناء الى التيه العالمي واساسا هجرة الشباب المتعلم والمؤهل وحتى عائلات بأكملها وهذا مازاد في التحديات بضرورة رعاية هذه الرعايا الانطاكية التي باتت كما كان اجدادنا قبل اكثر من عشرة اجيال قد ارتحلوا الى عوالم جديدة بحثا عن الامل والعيش الكريم…) (5)

دار البطريركية بدمشق حاليا
دار البطريركية بدمشق حاليا

اختم هذا البحث بالعبارة المدوية التي استقبل بها البابا الاسبق يوحنا بولس الثاني البطريرك اغناطيوس الرابع في صرح القديس بطرس بالفاتيكان مصافحا ومعانقا:” ياصاحب الغبطة الاخ بالرب يرحب بكم اسقف ثاني كرسي رسولي اسسه القديس بطرس الرسول وانتم اسقف اول كرسي رسولي اسسه القديس بطرس الرسول، يحق لابنائه ابناء انطاكية العظمى حمل لقب مسيحيين في العالم ” وفي انطاكية دعي مسيحيون اولاً.

هذه هي انطاكية العظمى.

حواشي البحث

1- السوريون وهي تسمية اطلقت على كل المغتربين من بلاد الشام التي كانت خاضعة للحكم العثماني حتى ان تسميتهم في دوائر الهجرة الاميركية تورك اي اتراك بينما هم روجوا لتسمية السوريين بدليل تسمية جمعيتهم ” الارسالية السورية الارثوذكسية”رفضاً منهم لتسمية الاتراك المرفوضة عنهم وجدير ذكره ان سايكس بيكو قسمت على الورق سورية الكبرى 1916 ودولة لبنان الكبير نشأت من ضمن الدويلات السورية التي اصطنعها غورو عام 1920، وظهر لبنان كجمهورية عام 1928 واول رئيس له كان المحامي الارثوذكسي شارل دباس.

2-الوثائق البطريركية بدمشق

3-انظر تدوينتنا هنا بعنوان (بين انطونيوس (بشير) وأنطونيوس (الصوري) وأبرشية نيويورك وسائر أميركا الشمالية)

4- انظر تدوينتنا هنا (قائمة كنائس ابرشية اميركا الشمالية/ بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس)

5-( ابرشية اميركا الشمالية، ومعها ابرشية المكسيك المحدثعدما كانت معتمديةلك ابرشيات ومعتمديات اميركا الجنوبية ( الجزء الاول من تدوينتنا) واوستراليا وجنوب شرق آسيا الأنطاكية، لم تتوقف عن متابعة التألق، وذلك في عهد غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر  ومنذ توليه السدة الانطاكية2012 وبالرغم من المخاض العسير الذي تمر فيه سورية ولبنان وفلسطين والمشرق وتأثيره السلبي جداً على الكرسي الانطاكي والهجرة الفادحة لابناء كرسينا الى الاغتراب واحداث ابرشيات جديدة لاستيعاب المهاجرين اجتماعياً وروحياً، وتأثير الهجرة المدمر على انطاكية المقيمة في سورية ولبنان، وتأثير كارثة الزلزال المدمر 2022 الذي ضرب انطاكية وحلب واللاذقية… الا ان التصميم منقطع النظير ومواجهة التحديات وهي الصفات التي تحلى بها غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر لمقاومتها والتغلب عليها ، مايعزز فخرنا بانتمائنا لأنطاكية العظمى الرسولية بيد الرسل بطرس وبولس وبرنابا ويوحنا مرقس… وحنانيا الرسول اسقف دمشق الاول)

البطريرك الياس الرابع (1970-1979)
البطريرك الياس الرابع (1970-1979)

مصادر البحث

-مجلات النعمة والايمان والنور اعداد الستينات والسبعينات

-الوثائق البطريركية في الدار البطريركية بدمشق ( وثائق ابرشيات دمشق وبيروت وزحلة وبروكلن والارجنتين والبرازيل وتشيلي…)

-عيوش، دانيال اطروحة :” الارجنتين أرض جديدة للانطاكيين” البلمند 1991

-وير، تيموثي :”الكنيسة الارثوذكسية في الماضي والحاضر” (منشورات النور)

-عيسى، الاب اندريه “سيرة روفائيل هواويني” تعريب الاب ميشال نجم

– سروج، الاب : لوجاءت ملائكة وقالت الانقسام حسن لكم فلاتصدقوها” / المتروبوليت فيليبس صليبا

-البطريرك الياس الرابع ” رجل المحبة”

-صرخة اغناطيوس ” عنثرة الاغتراب الانطاكي”

-المجمع الانطاكي المقدس الموسع المنعقد في البلمند 1993 تشرين الاول

 

  • Beta

Beta feature