مطران اللاذقية تريفن غريب
ولد علمنا في مدينة اللاذقية سنة 1888 ونشأ في عائلة مسيحية مؤمنة مكينة في ارثوذكسيتها ككل الرعية اللاذقية ممارسة لايمانها من صوم وصلاة وخاصة في عهد مطرانها ملاتيوس الدوماني الدمشقي ( دامت مطرانيته عليها منذ 1864-1898) ويعتبر بحق صانع نهضتها الروحية، فعاش علمنا الايمان في عائلته وفي الرعية ، وقد بعثت هذه الحياة الروحية الدافئة في نفسه ميلا للرهبنة والحياة الاكليريكية منذ طفوليته.
تلقى دروسه في المدرسة الارثوذكسية في اللاذقية ثم انتقل في دراسته الابتدائية في المدرسة الروسية التابعة للجمعية الامبراطورية الفلسطينية- الروسية الارثوذكسية التي كانت قد نشرت مدارسها بدءً من فلسطين الى بيروت وجبل لبنان والساحل والداخل السوري) احبه المطران ملاتيوس الدوماني بشدة ، فشجعه على ارتياد دار المطرانية، والبسه الثوب الرهباني ورعاه .
ولما انتخب المطران ملاتيوس بطريركا على انطاكية، وكانت باكورة اعماله في سبيل نهضة الكرسي الانطاكي هو افتتاح مدرسة لاهوتية كهنوتية في دير سيدة البلمند البطريركي ، وعين لهاادارة كفوءة براسة المعلم غطاس متري قندلفت وعين لها ايضا كادر تدريسي من كبار اللاهوتيين سواء من الكرسي الانطاكي او من روسيا…
في عام 1904 ادخل اليها علمنا حيث واظب على دروسه اللاهوتية والعلمية فيها وتفوق على اقرانه، وكان من المجتهدين حتى سنة 1909 حيث اقفلت مدرسة البلمند الاكليريكية لسوء الادارة، رسمه معلمه مطران اللاذقية ارسانيوس حداد شماساً انجيليا واوفده الى مدرسة خالكي اللاهوتية سنة 1911 وبقي فيها الى سنة 1914 بسبب الحرب العالمية الاولى ولم يعد بالامكان الرجوع اليها لانقطاع المواصلات والمجاعة من جهة وبسبب ماحدث في العاصمة اسطنبول من انقلابات سياسية وتنازع على السلطة بين الاتحاديين. ثم سافر الى باريس ومكث فيها مدة نصف لاتقان اللغة الافرنسية ثم دعاه البطريرك غريغوريوس الى دمشق ليكون ترجماناً بينه وبين السلطة الفرنسية ، فحضر الى دمشق وقام بوظيفته خير قيام.
وبعد حدوث الازمة البطريركية التي دامت بين 1928-1931 بعد وفاة البطريرك غريغوريوس واعتلاء معلمه مطران اللاذقية ارسانيوس بطريركاً مع اعتلاء البطريرك الكسندروس مطران طرابلس السدة البطريركية بنفس الوقت وبقاء معلمه بطريركا ومطراناً على اللاذقية الى حين وفاته عام 1933 فأجمع اللاذقيون على ابن وطنهم علمنا مطرانا عليهم وقد تم انتخابه وتولى المطرانية عامئذ لمدة 26 سنة الى حين وفاته مساء الخميس الواقع في 19 تشرين الثاني عام 1959 وكان لوفاته المفاجىء وقعها الاليم في نفوس ابناء رعيته وجميع عارفيه ومقدري حكمته ومزاياه العلمية واللاهوتية والرعائية.
ازمة حمص ونشوء الكنيسة الارثوذكسية المستقلة
ولما وقع الخلاف في ابرشية حمص ورفض الفريق الأكبر من رعيتها التبعية للمتروبوليت ابيفانيوس زائد وخرج بتدبير مجمعي خارج الابرشية، وشعر بمعاناة وتذمر ، نجد ان علمنا بكل اريحية لانهاء الانقسام الحاصل وحتى في العديد من الابرشيات اقترح بتاريخ 22 آذار 1935 بكتابه الى البطريرك الكسندروس اجراء تنقلات بين المطارنة وهو اول من سيصدع لذلك ان كانت الحاجة تستدعي ذلك. وكان ابيفانيوس صار له سنة بعيداً عن ابرشيته…
في ذلك العام كلف المجمع المطران ابيفانيوس بالذهاب الى اللاذقية بدل مطرانها تريفن غريب الذي التمس الذهاب الى الارجنتين ليكون بالقرب من عائلته وانسبائه هناك ،فعلى التوازي ثارت ثائرة اهل حمص المؤيدين لابيفانيوس والرعية الاكبر في اللاذقية لم ترض بالتبديل وتمسك بتريفن وطالب البطريرك الكسندروس بالغاء قرار المجمع بنقله الى الارجنتين وحصل نزاع شديد في اللاذقية وهي الابرشية الهادئة والمنتمية ، فثبت البطريرك الكسندروس تريفن باللاذقية اواخر آب 1935 نتيجة لالحاح المجلس الملي اللاذقي وعرائض مكثفة من ارجاء الابرشية، وكذلك فعل التيار المؤيد لابيفانيوس واقاموا موقعا للصلاة واستأجرا بيتا لاقامة المطران ابيفانيوس وحاولوا بسط اليد على كنيسة السيدة، الا ان السلطات الفرنسية ثم الحكومية السورية كان لها موقفها في عدم الاعتراف بهذا الانشقاق الدامي واعلان المطران ابيفانيوس نشوء الكنيسة الأرثوذكسية المستقلة برئاسته وبدأ اتباعه من كل الابرشيات بالالتحق بمايسمى الكنيسة المستقلة ولكن لم يتم الاعتراف بالكنيسة المستقلة مع كل مايستتبع ذلك من الخدمات الرعوية واقام له كنيسة القديس سابا، وجرت مساعي عديدة وتدخل ايضا البطريرك الاسكندري في 15 كانون الثاني 1941 حيث تولى ابيفانيوس ابرشية عكار ودخلها في 7 شباط 1941 واخذت الحكومة اللبنانية “علم وخبر” بذلك مطران عكار، وساهم الوجيه الطرابلسي السسيد لطف الله خلاط احد اهم انصار ابيفانيوس في انهاء المشكلة الموازية في طرابلس وتم نقل المطران جحا من أبرشيته في طرابلس إلى أبرشية حمص في سورية.
استقرت الاحوال وانتهت بدعة الكنيسة المستقلة، وان كان بقي لابيفانيوس اتباع في اللاذقية ومقرهم كنيسة مارسابا الى حين وفاة علمنا المطران تريفن وانتخاب المطران جبرائيل دميان خلفا له باجماع الفريقين وتشكيل مجلس ملي مختلط من الفريقين وفق توصية المجلس الملي العام اواخر عام 1959 في عهد البطريرك ثيوذوسيوس اي ان هذا النزاع استمر حوالي ربع قرن رغم مساعي علمنا برأب الصدع واستمالة الفريق الآخر بكل المحبة.
صفاته
كان ربع القامة صبوح الوجه حلو الحديث مخلصاً في اقواله واعماله وعلاقاته سموحاً لم يجد الحقد الى قلبه سبيلا . كان انيقا في حياته كلها في ثيابه وحديثه ومعشره . قرض الشعر وهو تلميذ في مدرسة البلمند الاكليريكية ، يحسن اللغتين اليونانية والافرنسية فضلاً عن لغته العربية ولايعاب على كتابته اي غلطة نحوية بل كلها بجذالة.
كان حر النفس ابياً ولايهاب في قول الحق لومة لائم، وكثيرا مارد وصوب الكثير مما دار حول المشاريع الانطاكية مع البطريرك الكسندروس وكانت جميعها برؤية ثاقبة ومعرفة عميقة بالقوانين، وكثيرا ماكان يندفع في الوقوف في وجه اولي الامر سواء زمن الانتداب الفرنسي او الوطني لاحقاق الحق واسعاد كل مظلوم. وحافظ كثيرا عى حقوق دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي لقاء شركاء اراضي الدير وكل النفعيين من الوجهاء وذلك بتكليف من البطريرك الكسندروس. ولم يكن ملبيا لدعوات السفر لتمثيل الكرسي الانطاكي في اية احتفالات ارثوذكسية او عالمية كما تثبت الوثائق البطريركية.
حباه الله بصوت جميل رخيم وبرز في فن الموسيقى الرومية وكان زملاؤه اليونانيون الدارسين معه في مدرسة خالكي لازالوا يذكرون بشغف وانتعاش ترتيله للفصل الانجيلي الشريف الذي يتلى يوم عيد الفصح المجيد.
اللاذقية …صورة مأخوذة عند زيارة البطريرك الكسندروس للمدينة بعام 1947 لرعاية تدشين مدرسة الكلية
مكان الصورة: دار المطرانية باللاذقية
عرف من الظاهرين في الصورة:
في الصف الأمامي ومن اليسار: الأرشمندريت جبرائيل دميان (مطران اللاذقية لاحقا) – مطران اللاذقية تريفن غريب – البطريرك الأنطاكي الكسندروس – مطران (غير معروف) – وديع سعادة – حبيب سعادة – كاهن (غير معروف) – رجل يعتمر الطربوش (غير معروف) – توفيق صالح (بالنظارات)
في الصفوف الخلفية، عرف منهم: جاد كومين (وراء المطران تريفن وإلى يمينه) – حنا صوايا (وراء المطران تريفن وإلى يساره) وخلفه جرجس ياسمين – الدكتور عادل مرقص (في الوسط بين المطران تريفن والبطريرك) والى يمينه عطا الله صوايا – ادوار سعادة (الثاني إلى يسار البطريرك)- الدكتور شاكر نعمة (في الوسط بين وديع سعادة والمطران غير المعروف) – رودولف سعادة (الرابع من اليمين )- جبرائيل (كابي) سعادة (في أقصى اليمين بالأبيض)- ادوار مرقص (على الأغلب) (في أقصى اليسار في الصف الخلفي) – جان ابراهام (على الأغلب) (الرجل الطويل وراء حبيب سعادة).
نشر هذه الصورة سابقاً نجيب سعادة
Beta feature
اترك تعليقاً