أديار على دروب القدس
نحاول ان نحدد بعض الروابط التي نشأت منذ القديم بين جبال القلمون ، والمدينة المقدسة اورشليم، واول مانستند اليه رواية عنوانها
” قصة عذرا من بعض بنات الاشراف ساحت في البرية”*
وردت في ملحقات المخطوط السينائي العربي رقم 21(1) وهو من القرن الحادي عشر ويحتوي على المزامير والتسبيحات العشر، ثم نقدم لبعض الأديار القائمة أو البائدة التي يمتاز بها القلمون (سورية) مع الانتباه الى علاقاتها التاريخية أو الرمزية مع بيت المقدس وادياره. ثم ننهي بالقاء الضوء على الابعاد الروحية التي وجهت الانظار والقلوب نحو ارض السيد المسيح رجوعاً بنا الى اساس التوحد في بعض الآيات الانجيلية.
1- “قصة عذرا من بعض بنات الاشراف ساحت في البرية”
ان مايهمنا في هذه الرواية هو الاطار الذي تجري فيه الأحداث أكثر من موضوع السيرة عينه، ولذا تخضع العناوين المضافة على النص للحركة بين بيت المقدس والقلمون مع ذكر القسطنطينية المدينة التي نشأت فيها المتوحدة.
يقول النص تحت عنوان (179ظ) قصة “عذرا من بعض بنات الاشراف ساحت في البرية”.
مقيم في دير قرب بيت المقدس
وكان رجل (2) من بعض الأبا ( الآباء) القديسين /يقال له سللاس من اهل البلقا ( البلقاء)/ وكان جالساً في مغاير (مغاور -كهوف) قرب بيت المقدس (القدس) يقال له فاره.

الرواية
الرواية تجري احداثها في مغاير القلمون
فحدث ( أخبر ) الاخوة ( أحد الاخوة) وقال أنه من سنين / كان رجل سايح يسكن في مغاير / القلمون وكان صديق لي جداً / وكانت لي عادة في الأعياد الكبار (180ُ) أتعاهده (افتقده) وأحمل اليه شيء من الطعام/ زاتبرك منه. فمره من ذلك (ذات مرة) حضر/ عيد الفصح فأخذت بلايلا(3) خبزاً قليلاً/ وخرجت كالعادة لأبي القديس /فغبى علي موضعه (خفي عني مكانه) فطلبت مغارته (بحثت عن مغارته) طلباً شديداً فلم أقع عليها فحزنت/ وتحيَّرت في ذلك الموضع وتلك إ التلال والاودية لدركني الحر/ وعطشت عطشاً شديداً فاغتممت / للعيا والعطش (اصبت بالاعياء ) وحرارة الشمس فدعوت /(180ظ) الله وسألته الا يحرمني النظر الى / وجه عبده القديس الحبيب اليّ. ففيما/ أنا على تلك الحال ورأيت قدم إنسان/ ففرحت بذلك وتفرست فيه/ فقلت أنه ليس هو قدم رجل تام لكن/ إما قدم صبي وإما قدم مره ( إمرأة) فتبعت/ الأثر فغبى عني (فاختفى عني) فحزنت / فإذا بي بقش مجموع (4) في موضع فتقدمت/ اليه فنحيته من موضعه فريت ( ازحته من مكانه فرأيت)/ مدخلاً صغيراً الى مغارة فلم ار(5) أن / (181و) أدخل بغير اذن فصحت وقلت / بارك ايها الأب فلم يجبني (6) احد تجاسرت / ودخلت فأصبت (فوجدت) راهباً جالساً ساكتاً/ فسجد لعضنا لبعض وظننت أنه/ خصي فسألني أن أضع صلوه (اتلو صلاة)، فطلبت اليه أن يصلي هو وتماديت في الطلبة ( الححت ) فقال لي أنت ينبغي لك أن تصلي لأنك / قسيس فأنكرت ذلك وحرصت/ أن أخفي عنه ذلك أمري. فقال لي انت /قسيس ايها الاب ولايجمل بك (لايليق بك) ان تكذب / (181ظ) فصلى فرغبت لذلك وصليت / ثم فصلى فرغبت لذلك وصليت/ ثم جلسنا فبدأت اتفكر في عقلي/ واقول لعله امراه (7) اوخصي وكنت ساكتاً (.) فقال لي لماذا قد أكث وقلت لرث افكارك من اجلي . فأنكرت أيضا/ وقلت لم اتفكر في امرك بشي. فقال/ نعم انت تفكر وتقول لعله امراه (إمرأة) او خصي / فعجبت لذلك ابضا وخررت ساجدا على الارض بين يديه فقال/ لي اعطني (8) عهد الله انك لاتفشي الى / احد ما اخبرك به.

العذرا تروي حكايتها
وانا أخبرك بقصتي/ (182 و) كلها: من أنا وكيف جيت الى هاهنا/ فقلت له انت تعلم بروح القدس الساكنه(9)/ فيك اني احب علم ذلك واقنعته //اني لا اكشف امره مادام حيا. فابتدا يحدثني قصته وقال:
ايها الاب انا مره (إمرأة) وكنت ابنه (إبنة) لبعض اشراف القسطنطينية (لشريف من بعض …). فخطبني شريف آخر/ صديق لأبي لابنه وكنت انا / كارهه لذلك ولم افشي لوالدي رأي/ وهو ابي وكنت كثيراً ما اخلو واصلي /(182ظ) وادعو الله ان يقويني غلى الخلاص/ من امور الدنيا. ففي بعض الايام قال لي والدي تهي (تهيأي) يابنتي فان (فإنَ) اوان تزويجك / قد حضر وخطيبك قد حثني على ذلك. فقلت لايستقيم لي / يا ابتاه ان ادخل في شي من امر التزويج حتى اتم ماقد وعدت الله به.
الوفاء بالنذور وزيارة بيت المقدس
قال / لي وما ذلك. فقلت قد وعدت / الله أن اصلي في بيت المقدس بديا ( في المقام الاول)/ (183و) فقال لي ا\خلي على زوجك قبل ثم/ بعدما تجوز ايام العرس تأخذين زوجك وتذهبين انت وهو . فتصليان لله/ وتتمي مانذرتيه لله. فقلت له / اني قد وعدت الله سيدي ان اصلي/ في تلك المواضع المقدسة وانا عذرا/ فلا تمنعني لئلا (10) يصيبني عقوبة من / الله لذلك تحزن انت فيها. فعند / ماسمع ذلك اجاب ان يرسلني واخر/ العرس ودفع اليّ غلمان وخدم (193 ظ) وجوار (جواري) ليخدموني ويحفظوني ودفع / الي ثلثة الاف (11) دينار عين لافرقها (لأفرقها)/في المواضع المقدسة وفي الديارات (في الاماكن المقدسة والاديرة)/ فجيت الى بيت المقدس وصليت / في المواضع المقدسة وخرجت الى الديارات لأصلي واقسم/ مما معي على الابا القديسين.فجينا / الى هذه الناحية الى مغاير فراثا(افراثا) الى سيق المصريين وكان هناك في / (184 و) لذلك الزمان ثلثة شيوخ قديسين/ وكان احدهم يلبس مسوحا (12) وكان / له مصحفين وكنت انا متفكرة / كيف اقدر اتخلص من هذا العالم / الزايل وكنت اطلب ان اجد / راهباً (13) يقوا (يستطيع) ان يحمل سري بغير مرزية (خطيئة)/ ويلبسني اسكيم الرهبانية المقدس/ فعندما رأيت الشيخ صاحب المسوح / فقلت في نفسي هذا ان احب المسيح / (184ظ) يقوا (يستطيع) ان يتمم هواي فلما فرغنا / من الصلوه (الصلاة) والعطية (توزيع التبرعات) رجعنا الى بيت المقدس فأقمنا بها أياماً / ثم ان أصحابي بهيوا (تهيأوا) للمسير وكنت / أنا فيما أظهر لهم متهية (متهيئة) للمسير معهم.

التحضير السري لمغادرة من كان معها رغبة في التوحد
فقعدت في السر وكتبت /كتابين واحد الى والدي والآخر / الى القهرمان الذي كان معي/ (كبير الخدم المرافق لها،وفي القصر، وتنصرف الى كبيرة الخدم في قصر ملكي وهي كلمة فارسية) واعلمتهما فيها بأني قد قربت نفسي / (185 و) لله فلا تطلبوني فانكم ليس تقدرون / عليّ لاني خارجة الى الموضع الذي / يرشدني الله اليه. فأخذت الكتابين فوضعتهما في ثيابي التي كنت اريد/ البسها في الطريق. فعندما جينا /نخرج من بيت المقدس أسرج (14) رجالي (اسرجوا الخيول) وحملوا أثقالهم وتقدم الغلمان/ الى الباب فقلت للقهرمان اني احب ان اصلي في القيامة المقدسة والجلجلة (185ظ) قبل مسيرنا . فقال لي قد تقدمت / اثقالنا ( عربات الشحن) وليس هاهنا ثيابك ولا من ينبغي أن يمشي معك فكيف يستقيم / أن تذهبي مثل بعض سفله الناس (عامة الناس)./ فقلت له نعم انا احب أن أذهب / هكذا لكيما لايعرفني احد. فقال لي خذي أما (امة -جارية) لا هذه الجارية/ التي بقيت معنا واذهبي فاسرعي / لنلحق اصحابنا. فذهبت مع الجارية/ فجينا الى الجلجلة المقدس . فقلت / (186و) للجارية قفي لي ها هنا قليلاً حتى أذهب/ فأصلي في القيامة وآتيك.
اللقاء مع الراهب الشيخ ولبس الاسكيم (الوشاح الرهباني)
فذهبت/ كما انا وخرجت من المدينة على طريق/ اريحا راجلة فبقوة الله ورشده جيت (جئت)/ الى الشيخ ثاحب المسوح. فلما رآني / عجب جداً وقال ماهذا. فقلت له/ خرجت اطلب الله وجيتك كما ترى/ فأسألك (16) ان تقوم تلبسني الاسكيم / المقدس فإني اليه مشتاقة منذ زمان/ طويل. فقال لي الشيخ انظري لاتكوني/ (186ظ) قد بعثت بل (البلاء) على الرهبان لأني كنت في اتم شبابي منعمة جدا فطرحت / نفسي بين يديه وطرحت اليه ثلثماية دينار / كانت بقيت معي. وقلت اعلم / ايها الأب انك باذن من الله / تلبسني الاسكيم في بعض مسوحك/ (قلاياتك الرهبانية او ديرك الرهباني) وتدفع لي مصاحفك (تعطيني شهادة برسامتي راهبة) وكذلك كان لأنه عندما رأى بكايي (بكائي وتوسلي) وشوقي الى / الرهبانية قام فحلق رأسي والبسني الاسكيم بثياب مشعر (لباس الرهبان بشعر كثيف) ودفعت اليه/ (187و) ثيابي والحلي الذي كان علي واقمت عنده في ذلك اليوم.

مغادرةالشيخ والاتجاه حيث ارشدها الله
فلما كان / للغد طلبت اليه وقلت له قم فاصنع / لي صلوه (صلي لي) حتى أذهب . فلما سمع الشيخ / هذا لاق عليّ وأخذ يبكي ويقول الي/ أين تذهبين يابنتي.فقلت له / حيث ما ارشدني الله نصلواتك فعند ذلك صلئ عليَّ الشيخ ودفع الى (اعطاني شهادة الرهبنة) وأرسلني فألقيت همي / كلّه على الله وسألته أن يغطيني كم / (187ظ) اعين الناس وأسلمت نفسي لله في هذه البرية / فبصلوه (فبصلوات) الشيخ القديس ارشدني الله الى هذا / الموضع.فعندما رأيت هذه المغارة/ فرحت ودخلت وسكنت فيه وكنت / حينئذ بنت ثمنية عشر سنة ولي اليوم / ثمنية وعشرين سنة لم ابصر فيها انسان الا انت.
الجوع الى حديث الراهب والوداع
وكان وجهها لهف مثل الشرار (مضيء). فلما فرغت من حديثها / طلبت اليها أن تمالحني مماكان معي من / الطعام فلم تجبني (17) الى ذلك وقالت / طل انت لأنك قد تهبت لححت (الححت)(188و) في الطلبه ان تتناول شي فلم تفعل / اصلاً. وقالت إن أنا أكلت من هذا الطعام الأرضي الذي معك فان الذي كان يطعمني هذا الزمان كله لايبعث / اليّ طعامي، فعندما سمعت هذا منها / تنهدت وطلبت اليها ان تبارك على / طعامي حتى آكل. فأجابت الى ذلك بتكليف. فاتخذت بركتها كمثل / طعام روحاني فأكلت وكنت / أنظ الى وجهها فأعجب من كثرة جمالها / (188ظ) وكيف في طول هذا الزمان وكثرة امساكها وتعبها لم تتغير. ومع / دخولي اليها الى المغارة ذهب ماكان / في من الحر والعطش وكنت مهتماً (18) بعد أن أكلت الا يصيبني العطش بعد انصرافي / من عندها. فقالت لي القديسة/ ثق انك ليس تعطش حتى تدخل باب / قلايتك. فعندما اردت ان افارقها / سألتها ألا تفارق موضعها لكيما اكون / اتيها (آتيها) في الحين واتبرك منها فأنعمت / لي بذلك فصنعنا صلاة وانصرفت / (189و) فلم اعطش في الطريق حتى وصلت الى قلايتي على ماقالت القديسة. فبعد أيام / ذهبت أطلبها في موضعهافلم اقدر عليها/.
فسبحان الآب والابن والروح القدس / الذي يحفظ محبيه والذين يعبدونه/ ويخدمونه (19) بكل قوتهم واياه نسأل (20) ان يرحمنا بصلواتهم آمين.

مداخلتنا هنا في ختام هذا القسم الاول من تدوينتنا
تفيدنا هذه الرواية الوارد في المخطوط (“عذرا من بعض بنات الاشراف ساحت في البرية”) الى جانب روحانيتها وبساطتها وطرافتها في آن واحد بأن منطقة القلمون كانت لمدة طويلة محط رحال للسائرين الى الحج في بيت المقدس ( حج المطران مكاريوس بن الزعيم مطران حلب في القرن 17 الى الديار المقدسة على رأس رحلة حج ارثوذكسية كبيرة من ابرشية حلب عبر القلمون ومعلولا مرورا بصيدنايا…الى الديار المقدسة في فلسطين) والآتينمن شمال سورية وبلاد الروم شمالا ومابين النهرين شرقاً مروراً بمدينة حلب. وليس من العجب ان تسوح في البرية تلك العذراء الرومية القسطنطينية بعد حجها لتستقر بزي راهب في مغاير القلمون سائلة الله ان يحجبها عن أعين الناس (187ظ) مدة ثماني وعشرين سنة. وان صح ان بلاد القلمون قد آت الكثير من النساك ( والادلة ظاهرة في مغاور يبرود ودير عطية وقارة وراس المعرة وفليطا ومعلولا وعين التينة وجبعدين وبخعا وصيدنايا ورنكوس وعسال الورد ومنين وقاسيون بأكمله… وبلودان…) والادلة الاكبر في الاديرة الحية الباقية في معلولا وصيدنايا ومعرة صيدنايا وقمة مارتقلا في سهل صيدنايا- منين في قمة السجن… بالرغم من اندثار الكثير من الاديرة بسبب تغير ديموغرافية السكان واعتناقهم الاسلام…!
2-أديار القلمون على دروب القدس
الدير مقام الصلاة والعبادة ومحط الرحالة ومنز الضيوف ومقصد الحجاج ومقر النذور، وملجأ العناية والشفاء . تلك هي الحال بالخصوص في اديار القلمون القائمة الى يومنا هذا. واذا ماتتبعنا درب الحجاج من الشمال الى الجنوب نصادف اولاً دير مار يعقوب الفارسي المقطع في قاره، وهو الآن قيد الترميم ليصبح مركزاً هاماً للكنائس الانطاكية في مايخص التراث الطقسي الرهباني المشترك.
اما قرب النبك فقد اصبح دير مار موسى الحبشي مقصداً للعابرين المنطقة وخارجها ومحط الآمال في نهضة روحية دفعت بالاب اليسوعي باولو دالوليو بالتنسيق مع مطرانية السريان الكاثوليك المالكة، أن يعطف على تلك الجدران المهملة وتعرف على ماوراء كل حجر منها على اثر لرهبان اتقياء احيوا تلك البرية القاحلة بصخرها الصلد وتربعهم على تلك القمم الصخرية. اما في يبرود حيث البيئة الطبيعية مهيأة للنسك ، وفيها مجموعة من القلايات المحفورة في الصخر قرب نبع قرينة والمعروفة باسم قلايات القديس قونون البستاني. هذا الى جانب العديد من اسماء المواضع التي مازالت تحمل اسم دير او قديس مثل مار مارون عند تلك القمة الشامخة المشرفة على البلدة، او مارسابا قرب نبع اسكنتا.
اما دير عطية فهي بلدة يدل اسمها على وضعها الاساس كدير عطية او دير القديس ثاودوروس وهو راهب عاش فيها وجثمانه محفوظ في البلدة…
ونحو 35 كم جنوب يبرود تقع بلدة معلولا وهي اشهر من ان تُعَّرَفْ فلا يزال اهلها يتكلمون الآرامية الفلسطينية شأنهم شأن سكان بخعا وجبعدين وعين التينة الذين اعتنقوا الاسلام من حوالي اربعة قرون وهم كمعلولا يتدثون الارامية والعربية. وتعتبر معلولا مقصدا للسياحة الدينية المسيحية في دير القديسة تقلا البطريركي العامر بالراهبات، ودير القديسين سرجيوس وباخوس والمعروف بكنيسته القديمة حيث حوفظ على مذبح كنيسته الاصلي لما كان مذبحا للتقدمات البشرية قبل المسيحية، اضف الى ذلك عدد من الكهوف والمغر الطبيعية الشاهدة للانسان القديم الذي عاش قبل اكثر من خمسين الف سنة وعشرات القلالي الرهبانية المنقورة في الصخر كقلاية القديسة تقلا حيث دفن جثمانها .
وقبل الوصول الى صيدنايا بأديارها الشهيرة وكنائسها التي شهد بها الرحالة المستشرقون منذ منتصف القرن 18 كبوكوك وسبانسكي و… يجدر بنا ان نذكر بيوتاً للصلاة والعبادة قد اندثرت ولم يبق منها سوى اسمها الشاهد مكانه على هذا الاثر الرهباني المقدس، هنا قرب عسال الورد مقع اسمه دير البنات، وقرب الجبة وادي الصليب، وقرب رنكوس دير مسيحيين اللوزة.
اما صيدنايا المشرفة على غوطة دمشق فهي مقصد للحجاج والمتعبدين الى دير سيدة صيدنايا البطريركي العامر بالرهبنة النسائية، وهو المكان الثاني للحج العالمي بعد القبر والمهد المقدسين في فلسطين وفيه غرفة الشاغورة التي تحتفظ بأيقونة العذراء الطاهرة من رسم القديس لوقا الانجيلي والتي اقتناها راهب حاج في القدس واحضرها بتكليف من رئيسة الدير الى الدير ووضعت في غرفة الشاغورة، وفوق ذرى صيدنا تقع تلة الشيروبيم والسيرافيم رؤساء الملائكة وهناك دير كان الى ثمانينات القرن 20 مندثرا منذ منتصف القرن 18 وهو يحمل اسم دير الشروبيم البطريركي وهو عامر اليوم برهبنته الرجالية وفيه مغاور واثار رهبانية وهي جزء من رهبنة دير القدبي جاورجيوس البطريركي في تلة راس العمود بآثاره الرهبانية كذلك دير القديس توما في بطن الجبل الى الغرب من دير السيدة…مع العديد من الاثار العامرة من كنائس واديرة في صيدنايا وفي سهل صيدنايا – معرة صيدنايا يقع دير القديس خريستوفورس البطريركي وهو شقيق لدير القديس جاورجيوس الرهباني…بكنيسته الاثرية ومدافن رهبانه المنقورة في الصخر ، وليس بعيدا عن المكان تقع تلة مارتقلا التي استراحت فيها القديسة تقلا وهي في طريقها الى معلولا منسكها النهائي ومطرح رقادها، والقمة هذه وفيها المزار وتقع في حرم السجن المعروف باسم “سجن صيدنايا”.

فهل من رمز اوضح من هذا للاشارة الى مايغذي ايمانالشعب المؤمن بأن لأرض القلمون ارتباطاً متعدد الأوجه مع بيت المقدس، حيث الصليب وحيث القيامة وحيث ام المدن المقدسة اورشليم وسط الدنيا كما تقول النصوص القديمة.
3- اورشليم الجديدة
في معالجة موضوع الترهب منذ دخول الاسلام الى عصرنا هذا لاشك ان المجال واسع وافر في مايخص تاريخ الأديار في هندستها كما وفي سكانها على مر العصور. الا اننا نود ان نلفت الانتباه الى الدور الاجتماعي والتنشيطي الذي لعبته الأديار ، ليس فقط في مجال الدين، لابل أيضاً في مجال الثقافة والتعارف بين ابناء شعب ينتمي افراده الى ملل مختلفة ومثالنا الضارب في تاريخ اورشليم والرهبنة دير القديس سابا الارثوذكسي التابع الى بطريركية اورشليم وفيه ترهب القديس العظيم يوحنا الدمشقي وغيره من كبار القديسين والرهبان في دائرة الكرسيين الاورشليمي والانطاكي، ولازال يقوم بهذا الدور الريادي في الرهبنة والتوحد اضافة الى عشرات الاديرة المنتشرة في فلسطين المقدسة.
ويعود الفضل في هذا الصدد الى مايلتزم به الراهب المتوحد ، أمس واليوم، من أمانة ومحبة وتطلع الى مادعاه الله اليه، فما عسى ان يجد الحاج الى بيت المقدس بعد القيام بشعائر العبادة؟ وماذا يُطلب من الراهب المبتدئ إلا ان يطرح عنه كل اهتمام واضطراب بشتى الأمور لكي يختار النصيب الأسمى (لوقا 10 ، 41 – 42 )؟
واخيراً هل السعي ينتهي عند ابواب بيت المقدس. أم ان اولئك “الذين ساحوا في البرية والجبال والمغاور وكهوف الارض قد نشدوا الطريق الضيقة المؤدية الى الملكوت ليبلغوا الكمال” (عبرانيين 11، 38) في اورشليم الجديدة مدينة الله الرب الأوحد الذي دعا البعض الى التوحد ويشد الجميع الى الاوحد

حواشي البحث
* كتب المخطوط باللغة العربية العامية الدارجة التي تعود الى عدة قرون خلت، وهي ذات اللغة المحكية، ونسعى هنا الى تحقيق المخطوط بتوضيح الذي تعذر وضوحه منها بكتابته بين قوسين ( )باللغة الفصحى.
1-المخطوط السنائي العربي 21 ابعاده 14 – 10 سم، عدد صفحاته 195 صحيفة من الرق، يرجع الى القرن 11 فيه قصة : عذرا من بعض بنات الاشراف:…
2-“رجلاً ” في م (المخطوط)
3- البلايلة او البليلة، طعام بسيط مؤلف من بقول متنوعة في الماء (او الحمص المسلوق) ، او ورق شجر المشمش الغض يخلط باللبن الخالي من الدسم ( اي الشنينة بالعامية).
4- قش مجموع “بقشا مجموعا”
5- “ارى”
6- “يجيبني”
7- امرأة “مره”
8- “اعطيني”
9- نعرف ان الروح القدس قد يؤنث بالآرامية. الا ان هذا لايكفي لاعتبار النص منقولا عن تلك اللغة. لابل ان عدداً من المؤشرات اللغوية تدفع الى الافتراض وبقوة الى الاصل اليوناني لنص المخطوط، انظر مثلا ادناه ص 186ظ عبارة : “منعمة جداً” وغيرها.
10- “ليلا”
11- ” الف”
12- ” مسوح”
13- ” راهب”
14- “اسرجوا
15-” وتقدموا”
16- “فاسلك”
17- “تجيبني”
18- ” مهتم”
19- “يعبدوه ويخدموه”
20- “نسل”

المصدر
كتاب ” الرهبان والنسك المشرقي: تحقيق عربش ، سمير
تقديم الاب انطون ضو/مكتبة الوادي المقدس / قنوبين 2014
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature