صفحة منسية من تاريخ كنيسة اورشليم الأرثوذكسية
أسقفية عربية بين الخيام
على مقربة من النبي موسى ونهر الاردن بفلسطين، كان للعرب قبل ظهور الاسلام في شبه جزيرتهم، الكثير من الديانات المتباينة مثل النصرانية (شيعة مسيحية هرطوقية وهي غير المسيحية المستقيمة الرأي) واليهودية والمجوسية والوثنية.
فالنصرانية كانت سائدة في قبائل ربيعة غسان وبعض قضاعة. ويروي ابن خلدون” أن أهل نجران من العرب كانوا نصارى مشهورون بالتقوى والاستقامة. وانهم أخذوا هذا الدين عن رجل من سلالة ملوك التتابعة يُقال له سيمون من بقية أصحاب الحواريين”.
ومعلوم أن المسيحية في أول نشأتها قد امتدت في أرجاء الشام وبلاد العرب كافةً. ويستفاد من سفر الأعمال أن الرسول بولس انحدر من دمشق الى حوران على أثر اهتدائه وألقى فيها بذار كلمة الله، فأثمرت أثماراً صالحة كما الزرع في ارض خصيبة، وكان اول أسقف أُقيم عليها هو طيمن الرسول ( أ.ع 6:5) أحد الشمامسة السبعة المنتخبين من الرسل ” لخدمة الكلمة” وقد نشر المسيحية فيها بعد بولس الرسول، وهذه هي ” العربية” أو مانسميه اليوم ” ابرشية بصرى حوران وجبل العرب”.
ولما دخلت حوران تحت سلطة بطريرك اورشليم بقرار المجمع الخلقيدوني سنة 541م، حل بها دور الانحطاط، وضاق نطاقها لانسلاخ كثرُ من كنائسها، وانضوائه بالأبرشيات العربية الصخرية، وكان منها شبه جزيرة سيناء التي كانت عامرة بالسكان، وكان لها عدة اسقفيات تهتم بشؤون القبائل البدوية المسيحية، وتدعى “أسقفيات اصحاب الخيام” أو “اُسقفيات المضارب” واساقفتها يتسمون ب “اساقفة المضارب”.
وعلى الرغم من اختلاف الآراء في أصل هذه “الأسقفيات” وموقع مضرب خيامها، فإنا نرجح استقرارها على مقربة من النبي موسى ونهر الأردن بفلسطين، وقد عُرِبتْ تسميتها اليونانية “بريمفولي” الى اسقفية عربية بين الخيام”.
بمعنى وضع بين مكانين أو محلين، وقد جاءت مراراً في اسفار العهد الجديدبلفظ “المعسكر” أو ” المحلة” (أ.ع 21 : 34، 22 :24 ) و (عبر 13 : 11 و 13) و ( رؤيا 20 :9) الخ…

وأول من دوَّنَ أخبارأً عن اسقفية الخيام على مايقال كان كيرلس اسقف بيسان (بيت شان و سكيثو بوليس) في الجنوب الشرقي من مرج ابن عامر عند شفا غور الاردن أي على بعد نحو 5 كم تقريباً من ضفة الاردن وحوالي 21 كم شمال بحيرة لوط ” البحر الميت”، وهو من مشاهير القرن السادس للمسيح، وذلك في كتابه: “سير الآباء القديسين” ولاسيما في ترجمة حياة ” القديس أفتيموس” التي طُبعت في باريس سنة 1688م وسنة 1692م وفي اوكسفورد سنة 1886م بقائمة كتب، وسنة 1907 في القدس (كليوبا).
وفي سنة 1909 نشرت جريدة المشرق البيروتية اليسوعية في مجلدها ال12 ترجمة عربية لسيرة القديس أنثيميوس قالت فيها إنها من “أقدم الآثار المسيحية العربية” صفحة 353، وأهم واتم طبعة لهذه السيرة هي للمتوحد اوغسكينوس بمطبعة القبر المقدسفي اورشليم سنة 1913 وعدد صفحاتها 95 صفحة.
لدينا اليوم من المباحث العلمية في “اسقفية أصحاب الخيام” مايلفت الأنظار نخص منها بالذكر:
1- س, فيليه: “دير القديس ثيوكتيستوس وأسقفية الخيام” في مجلة (الشرق المسيحي 3 : 58 ومايتلوها)
2- ل. فيديرلان: “صحراء أورشليم والبدو وأنصاف البدو وخيام العرب المسيحيين” طبعة الأرض المقدسة سنة 1907 صفحة 154 ومابعدها.
وقد نوه بها كذلك رئيس أساقفة اليونان ” خريسوستوموس بابا دوبولس” في مؤلفه ” تاريخ كنيسة أورشليم” (صفحات 155 و167 و197) والبطريرك الاورشليميتيموثاوس بطريرك اورشليم 1937 في مجلة ” صهيون الجديدة” في مقالة له بعنوان ” اصلاح آراء خاطئة في تاريخ كنيسة أورشليم” (عدد 11 سنة 1911 صفحة 153-154 وسواهما من الكتاب المصريين.
اما تاريخ تلك الأسقفية فنلخصه هنا مقتطفين معظمه من سيرة القديس انثيميوس المدرجة في مجلة المشرق، العدد المشار اليه أعلاه، وفي كتاب التاريخ الكنسي للأب فلوري.
ونقول:
” في نحو سنة 420 مسيحية أضرم ملك الفرس أزدشير نار الاضطهاد على مسيحيي مملكته، واصدر أمره الى جميع رؤساء العرب وامرائهم المقيمين على حدود بلاده والخاضعين لدولته بأن يلقوا القبض على المسيحيين الهاربين ويصدوهم عن الهجرة الى اراضي الروم، فاستعظماحد اولئك الامراء – وكان رئيس قبيلة جبور قرار كسرى فارس، وتراخى في الامتثال لأمره. ولكن البعض سعى برئيس القبيلة، حتى خشي على حياته من بطش كسرى فارس، وولى هارباً مع قومه الى جهة بلاد الروم، وهناك استجار بوالي الشرق المسمى الكونت اناطوليوس، فرحب هذا بهم، وأقام رئيسهم المدعو اسباياط (اسبيغ) أميراً على قبيلة أخرى حليفة للروم. وكان لاسياياط هذا ولد اسمه طرابون اصيب بفالج أعيا الأطباء شفاءه.
هذا حدثت له رؤيا استدل منها على القديس انثيميوس، فوفد عليه مع والده وقومه الى دير القديس ثيوكتيستوس في وادي دبور حيث كان افثيميوس مقيماً. فكان لخبر قدوم هؤلاء العرب الوثنيين تأثير عظيم هلعت له قلوب الرهبان السياح، فظنوا انهم يريدون غزوهم، لكن لما وقف القديس ثيوكتيستوس على حقيقة مقصدهم، قدَّمهم الى القديس افيميوس فصى عليهم وعلى طرابون نفسه، وباركهم برسم الصليب، وأقام طرابون صحيحاً معافى.
فلما شاهدالبربر كيف شفي ابن رئيسهم من ساعته عجبوا جداً، وآمنوا بالمسيح، وطرحوا أنفسهم أرضاً امام القديس انثيميوس طالبين اليه بدموع الفرح وحرارة القلب أن يعمدهم في الحال. واذ ايقن افيثيميوس صانع العجائب انهم من كل قلوبهم قد آمنوا بالمسيح، فنصَّرهم (عمدهم) ونصَّر كل من اتاه بعدهم وأمر ببناء ثلاث قلالي لشيخهم اسبيغ ( اسباباط) الذي رسماه بعد تنصيره بطرس. وأقامه كاهناً ليرعاهم ويدير شؤونهم الروحية وعين لهم موضعاً يشيدون فيه كنيسة بين خيامهم. ثم لمناسبة ازدياد عددهم يوماً بعد يوم رسم لهم القديس افيثيوس قسوساً وشمامسة. “وبناء على طلب بطريرك بيت المقدس يوفينياليوس رقى لهم شيخهم القس بطرس (اسبيغ) الى رتبة رئاسة الكهنوت. وهو اول اسقف شرطن في فلسطين وقتئذ على محلات البربر. وكان جماعات كثيرة يأتون الى القديس انثيميوس قسوساً وشمامسة فيهديهم الى الايمان المسيحي ويعمدهم ويعلمهم كيف يعبدون الله ويعملون رضاه. ” وقد اظهر هؤلاء المتنصرون في الكنيسة التي خلدت في صفحات تاريخها اسماء خمسة من اساقفتهم كان اولهم بطرس ( اسبيغ) السابق الذكر، وخلفه انكسالبوس, ثم يوحنا وعقبه على التتابع واليس 518م وبطرس الثاني 556م على ان تلك الكنيسة لم تعش طويلاً في برية فلسطين لأن العرب حسب شهادة كيرلس البيساني ” في زمان اسطاسيوس الملك خربوا بيوت البربر المتنصرين على ايدي القديس انثيميوس. فأما رؤساؤهم فصنعوا لهم بيوتاً جديدة وبنوا كنيسة عند مار طيربوس.
ثم رجع اليهم العرب فسبوا بعضهم وتفرق الباقون في القرى ونكبوا من البربر في ذلك الزمان بشدة وضيق عظيمين”.
وقد تناولت بعض الكتب تنصر هؤلاء منها:
1- سلسلة الآباء اليونان لمبين.
2- كتاب المونسنيور دوشين “كنائس منفصلة” طبعة سمة 1905 صفحة (343-345).
3- ترجمة حياة القديس افثيميوس للأب جينيه ص (77-115).
4- مقا للأب فيليب في مجلة اصدقاء الشرق مجلد 12 سنة 1907 صفحة 343 ومابعدها.
مراجع البحث
-د. نجيب ميخائيل ساعاتي ( الصخرة-اول تشرين اول 1937 العدد الاول.
-خريسوستموس بابا دوبولس (تاريخ كنيسة اورشليم)
-سيرة القديس انثيميوس (مجلة المشرق 1909)