المستشرق الألماني جورج جراف
جورج جراف ( 1875- 1955 ) George Graf هو مستشرق الماني رائد دراسات التراث العربى المسيحى.
يعتبر العالم الالمانى الكبير جورج جراف ( 1875- 1955 ) هو رائد دراسات التراث العربى المسيحى ؛ فهو أول من فكر فى جمع التراث العربى المسيحى بطريقة علمية منهجية.
السيرة الذاتية
وُلد جورج غراف في مونسينغن بألمانيا عام ١٨٧٥. التحق بمعهد ديلينغن اللاهوتي، حيث درس اليونانية واللاتينية والعبرية، بينما درس السريانية والعربية بمفرده. في عامي ١٩٠٢ و١٩٠٣، أكمل دراسته في ميونيخ، حيث درس اللغة المصرية القديمة والقبطية واليونانية الحديثة، ثم الجورجية. في عام ١٩٠٣، حصل على درجة الدكتوراه في فقه اللغة بأطروحته التي تناولت الأدب العربي المسيحي حتى القرن الحادي عشر، والتي نُشرت عام ١٩٠٥. وقد لفت هذا انتباه مؤسس مجلة المشرق، لويس شيخو، الذي كان غراف يكنّ له تقديرًا كبيرًا. من عامي ١٩١٠ و١٩١١، درس الأدب المسيحي في الأديرة، أثناء إقامته في القدس. كما زار بيروت لفترة قصيرة.
كان في عام ١٩١٨، قد حصل على درجة الدكتوراه في اللاهوت من جامعة فرايبورغ، وذلك بفضل دراسة حول مرقس بن قنبر (Ein Reformversuch innerhalb der Koptischen Kirche im zwölften Jahrhundert)، نُشرت عام ١٩٢٣. تلا ذلك زيارات بحثية أخرى إلى مصر وسورية وفلسطين. في عام ١٩٣٠، عُيّن أستاذًا فخريًا للأدب الشرقي المسيحي في كلية اللاهوت بجامعة ميونيخ. وفي عام ١٩٤٦،
وفى سنة 1903 اخد درجة الدكتوراة فى فقه اللغة Philology و كانت حول الأدب العربى المسيحى لحد القرن الحداشر Arabic –Christian literature up to the 11 century . وخلال الفترة من (1910- 1911 ) قام جراف بدراسة الآداب العربية المسيحية فى الأديرة فى اورشليم Jerusalem ؛ وبيروت Beirut .
رُسم جراف قساً سنة 1930 ؛ وعمل أستاذاً للداسات المسيحية الشرقية فى جامعة ميونيخ، رقيَّ كاهناً بابويًا. توفي في ديلينجن آن دير دوناو عام ١٩٥٥. ويُكر انه من شدة عشقه للتراث العربى المسيحى ؛ كان يسجل لقبه الرسمى فى بطاقات التعريف به “الخورى جورج جراف الالمانى ”
أستمر جراف فى العمل والكتابة والانتاج حتى وفاته فى 18 ايلول 1955 عن عمر 80 عاما خصصها كلها لخدمة التراث العربى المسيحى .
أعماله
أثرى جورج جراف المكتبة العربية بالكتير والكتير من الكتابات؛ بشهادة الدكتور يوحنا نسى فى مقالة هامة له بعنوان ” جورج جراف :عميد الأدب العربى المسيحى ؛ نشرت فى مجلة راكوتى في ايلول 2010 ” أنه نشر حوالى 270 كتابا ومقالة علمية وعروض للكتب ؛ ولقد ذكر الدكتور نجيب العقيقى فى موسوعة “المستشرقون ” البعض منها وتشمل :-
1- الآداب المسيحية العربية لعهد الصليبة ( ستراسبورج 1905 ).
2- لغة الآداب المسيحية العربية القديمة ( 1905 ) .
3- الآداب السريانية والعربية والأسماء القبطية ( 1909 ) .
4- النصرانية فى نصوص إسلامية (الدراسات الشرقية 1918 ؛ حولية جامعة برلين 1923 ) .
5- المفردات العربية ( الدراسات السامية 1929 ؛1932 ؛1933 ؛ والمجلة الشرقية الألمانية 1954 ) .
6- وصف بعض المخطوطات المسيحية فى القاهرة فى 311 صفحة (مجموعة دروس ونصوص ؛الفاتيكان 1934 ) .
7- المفردات فى اللغة العربية المسيحبة (لوفان 1954 ) .
كتاب “تاريخ الأدب العربى المسيحي”
كان درة أعماله ؛فهو كتاب احتاج الى حوالى 40 سنة من العمل الشاق المضنى فى كتابته ومراجعته. ويقع هذا الكتاب الموسوعي فى خمسة أجزاء ؛ ويحتوى على حوالى 2400 صفحة، يذكر الدكتور نجيب العقيقى أن الجزء الاول منه يقع فى 612 صفحة، والتانى فى 512 صفحة، والتالت فى 525 صفحة، والرابع فى 388 صفحة. نُشر فى الفاتيكان بين سنين ( 1944 – 1953 ) . ولقد كان الهدف الرئيس من كتابة جراف لهذه الموسوعة، إستكمال كتابة تاريخ الأدب العربى اللى بدأه مواطنه العالم الألمانى كارل بروكلمان Carl Brockelman ( 1868- 1956 ) فى كتابة موسوعة تاريخ الأدب العربى اللى ظهرت بين (1908- 1912) . أما عن تقسيم الموسوعة نفسها فهى على النحو التالي:
1- المجلد الاول: الترجمات العربية وتشمل الكتاب المقدس. Translation into Arabic including the Bible
2- المجلد التانى: الكتاب والمؤلفون حتى نص القرن الخمستاشر Authors (up to the mid -15 century).
3- المجلد التالت: الكتاب والمؤلفون من منتصف القرن15 حتى أواخر القرن 19 ويشمل الروم (الملكيين) والموارنة Authors (mid -15 century –late 19 century ) includes the Melchites and Maronites
4- المجلد الرابع: ويشمل الكتاب الارثوذكس اللاخلقيدونيين (الأقباط، اليعاقبة، النساطرة، الأرمن Authors ,include Copts ,Jacobite ,Nestorian ,and Armenian authors
5- الفهرس Index
ويذكر الدكتور مراد كامل ( 1907- 1975 ) فى مقالة هامة له عن جورج جراف نشرت فى مجلة “جمعية الآثار القبطية سنة 1960″، أن الكاردينال تيسران Eugenne Tisserant (1884- 1972 ) مدير مكتبة الفاتيكان، قد قام بتكليف العالم الكبير جورج جراف بوضع فهرس للمخطوطات العربية المسيحية المحفوظة في مكتبة الفاتيكان، ولقد ظل جراف يعمل فى هذا الفهرس حتى سنة 1939.
ولقد قام جراف بزيارة مصر فى سنة 1927، وكتب هو بنفسه عن هذه الزيارة فى مقالة هامة له نشرت فى مجلة الكرمة سنة 1927، ولقد ذكر فىها أنه قام بزيارة مكتبة المتحف القبطى، والتقى بأمينها يسى عبد المسيح (1898- 1959) ومكتبة الدار البطريركية، ايضاً زار دار الكتب الخديوية، وقابل خلالها توفيق اسكاروس (1871- 1942). ولقد سجل تفاصيل هذه الزيارة ونتائجها فى مقالة هامة له نشرت بتاريخ 14آذار 1927 ؛نشرت فى مجلة الكرمة.
وفي تفاصيل هذه الزيارة ان جراف كان يقضي اليوم كله سواء فى مكتبة المتحف القبطى، أو مكتبة الدار البطريركية، أو دار الكتب الخديوية طيلة اليوم ثم يعود الى مقر كنيسته بمحطة باب اللوق فى فرز وفهرسة وتصنيف ما جمعه اليوم كله، و كان يستمر حتى ساعة متأخرة من الليل فى ذلك العمل.
ويُذكر أن من الكنوز الوثائقية التي قام بتصويرها كتب المزامير ونظامه وتفصيل أقسامه ومقدمته والتسابيح الواردة فى نهايتها،كما قام بكتابة بحث عن الكتاب المقدس الطقسي المستخدم فى الكنيسة القبطية وايضاً ما ورد فى كتاب “مصباح الظلمة لابى البركات” وقام بمقارنته بخمس نسخ مخطوطة من الكتاب.

ولقد صدر حديثا كتاب “تاريخ الأدب العربي المسيحي” للمستشرق الألماني جورج جراف (1875-1955م)، كمرجع علمي رصين يوثق بدقة وتحليل تطور الأدب العربي المسيحي عبر العصور، ويقدمه ضمن رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار السياقات الدينية والثقافية والسياسية.
وهو إصدار طال انتظاره ضمن سلسلة التراث العربي المسيحي…
صدر الكتاب في ثلاثة مجلدات ضمن أعداد 38 و39 و44 من سلسلة التراث العربي المسيحي:
1. المجلد الأول: “مقدمة الحقبة الأولى: منذ البدايات حتى منتصف القرن الخامس عشر”.
2. المجلد الثاني: “مقدمة الحقبة الثانية: من منتصف القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر”.
3. المجلد الثالث: “تاريخ الأدب العربي المسيحي عند الموارنة”.
صدر المجلد الاول منه تحت إشراف الأب روني الجميل، حبيب إبراهيم، وماهر ناثان، بترجمة يوسف سمعان، أورسولا عساف، موريس صليبا، ماهر ناثان، حكمت حمصي، والمطران كيرلس وليم.
نُشر الكتاب عن طريق مركز التراث العربي المسيحي للتوثيق والبحث والنشر، ومركز الشرق المسيحي للبحوث والمنشورات – بيروت 2022، ويُوزع عبر المكتبة البوليسية – جونية، لبنان.
حول المؤلف والمشروع البحثي
يمثل هذا العمل امتدادًا مهمًا لمشروع “تاريخ الأدب العربي” الذي بدأه المستشرق كارل بروكلمان، والذي تجاهل فيه المؤلفات المسيحية. أما جراف، فقد سد هذه الفجوة بموسوعته التي تمتد عبر خمسة مجلدات تضم ما يقرب من 2400 صفحة، لا تزال كثير من أجزائها غير مترجمة أو متاحة للقراء العرب حتى اليوم.
بنية الكتاب: تقسيم تاريخي وكَنَسي
يقسم جراف تاريخ الأدب العربي المسيحي إلى حقبتين أساسيتين، يفصل بينهما مجمع فلورنسا (1431–1445م):
• الحقبة الأولى: منذ البدايات حتى منتصف القرن الخامس عشر، تناولها في مقدمة المجلد الأول.
• الحقبة الثانية: من منتصف القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر، عرضها في مقدمة المجلد الثالث.
وإلى جانب هذا التقسيم التاريخي، اعتمد جراف أيضًا تقسيمًا كنسيًا بحسب الانتماء الطائفي للكتّاب:
• في الحقبة الأولى: الملكيون، الموارنة، السريان الشرقيون والغربيون، الأقباط.
• في الحقبة الثانية: أُضيف الأرمن الكاثوليك، الأشوريون، الكلدان، المرسلون الكاثوليك بحسب رهبانياتهم (فرنسيسكان، كبوشيون، يسوعيون)، وأدب حركة الإصلاح البروتستانتي.
كما خصص فصلًا كاملًا حول الأدب غير الديني في القرن التاسع عشر.
أهمية دراسة الأدب العربي المسيحي
يشدد جراف على أن دراسة هذا الأدب ليست فقط تحليلًا لنصوص دينية، بل هي:
• نافذة لفهم التفاعل الثقافي بين المسيحية والإسلام في الشرق العربي.
• وثيقة تاريخية توثق ظهور المسيحية في الجزيرة العربية، وتأثيرها على الهويات الثقافية للقبائل العربية (كالغساسنة واللخميين).
• إضافة نوعية للمشهد الأدبي العربي، عبر تتبع تطور الأنواع الأدبية في ظل التعدد الديني والثقافي.
• وسيلة لفهم التنوع الديني وأثره العميق على الثقافة والفكر العربيين.
أبرز المحاور التي تناولها الكتاب
1. مفهوم الأدب العربي المسيحي: يوضح جراف تعريفه لهذا الأدب وخصوصيته، باعتباره جزءًا من التراث العربي المشترك.
2. السياق السياسي: خلفية دقيقة للأحداث التي أثّرت على الإنتاج الأدبي المسيحي.
3. تاريخ الكنائس: استعراض لتاريخ الكنائس الشرقية وتأثيره على الأدب.
4. أهمية الترجمة: عرض لدور الترجمة من اليونانية والسريانية والقبطية، ونقل المعارف اللاهوتية والفلسفية.
5. الأشكال الأدبية: بحث موسع في أنواع الأدب المسيحي: اللاهوت، الشعر، القصص، التاريخ.
6. ترجمات عربية للكتاب المقدس: يشير إلى ندرة الوثائق المؤكدة حول وجود ترجمات عربية قديمة للكتاب المقدس.
7. نصوص ليترجية عربية مبكرة: يسلط الضوء على وجود نصوص ليترجية عربية سبقت ظهور القرآن، وفقًا لنظرية باومشتارك.
إتاحة الاطلاع على الكتاب
يُتاح الكتاب حاليًا للاطلاع المجاني بمكتبة مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط، بـ كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، مما يتيح للباحثين والمهتمين فرصة ثمينة للتعمق في دراسة هذا الجانب المهم من التراث العربي.
يبقى كتاب “تاريخ الأدب العربي المسيحي” لجورج جراف حجر زاوية لا غنى عنه في أي دراسة جادة لتاريخ الأدب العربي بمختلف مشاربه الدينية والثقافية. هو عمل أكاديمي ضخم يعيد رسم ملامح تاريخ الأدب العربي المسيحي، ويوسّع من آفاق فهمنا للتعددية الفكرية والدينية التي شكّلت هوية هذه المنطقة على مدى قرون.