مكتبة الفاتيكان
تمهيد
واحدة من أقدم المكتبات في العالم وتضم بين رفوفها أكثر من 80 ألف مخطوطة، و300 ألف عملة وميدالية
– تحتضن المكتبة مليوني كتاب مطبوع، بين قديم وحديث، ما يجعلها مصدرا مهمًا للمشتغلين بالبحث العلمي
– مدير المكتبة الأب “ماورو مانتوفاني”: نحتفظ بإرث عظيم وعميق المعنى تشكّل على مدى قرون طويلة

بتراث يمتد لأكثر من 500 عام، تواصل مكتبة “الفاتيكان البابوية” أداء دورها مصدرا معرفيا ثمينا للباحثين، بما تضمه من مخطوطات نادرة، وكتب قيمة، وعملات وميداليات تعكس تنوع الحضارات والثقافات عبر التاريخ.
وتُعدّ مكتبة “الفاتيكان البابوية” واحدة من أقدم المكتبات في العالم، وتضم بين رفوفها أكثر من 80 ألف مخطوطة، و300 ألف عملة وميدالية، ونحو 150 ألف لوحة وصورة.
كما أنها تحتضن مليوني كتاب مطبوع، بين قديم وحديث، ما يجعلها مصدرا مهمًا للمشتغلين بالبحث العلمي.
وتقع المكتبة داخل دولة الفاتيكان، وهي إحدى أصغر الدول في العالم،ومع ذلك تعد اول مكتبة مسيحية تتلوها مكتبة دير القديسة كاترينا في سيناء. وتقدم مكتبة الفاتيكان إرثا عظيما وعميق المعنى.
– أعمال قيّمة

وعند النظر إلى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، يُلاحظ أن الباباوات سعوا منذ القرن الرابع الميلادي إلى تأسيس مكتبة وأرشيف، غير أن هذه الجهود تعثرت في القرن الثالث عشر.
ورغم محاولات الباباوات خلال القرن ذاته لمواصلة الجهود، إلا أن انتقال مركز البابوية خارج روما لفترة من الزمن، أدى إلى فقدان عدد كبير من الأعمال.
وفي عام 1475، أصدر البابا سيكستوس الرابع مرسوما بإنشاء المكتبة، التي أصبحت تعرف اليوم باسم “مكتبة الفاتيكان البابوية”.
وفي نظرة على المكتبة ومحتوياتها، فهي تضم أعمال قيّمة في مجالات متعددة، مثل التاريخ، والحقوق، والفلسفة، والعلوم، واللاهوت، والأدب، وبمختلف اللغات.
وعلى رفوف يبلغ طولها الإجمالي نحو 50 كيلومترا، تتوزع 80 ألف مخطوطة، و8 آلاف و300 كتاب من حقبة الطباعة الأولى (الإنكونابولا)، فضلا عن 150 ألف من الرسوم والطوابع، و150 ألف صورة فوتوغرافية، بالإضافة إلى مليوني كتاب مطبوع قديم وحديث، و300 ألف عملة وميدالية.
وتعكس مقتنيات المكتبة، عبر ما شهدته من تطورات سياسية وثقافية على مر العصور، حضورًا لعناصر تتعلق بالايمان والعقائد والتاريخ وتاريخ الطنيسة والاديان والدول، وسائر المعارف والعلوم بمخطوطات وكتب
ومن بين الأعمال البارزة التي تحتفظ بها المكتبة منذ أكثر من 200 عام، خريطة “نهر النيل” التي رسمها في القرن السابع عشر، الرحّالة العثماني درويش محمد زلي، المعروف باسم “أوليا جلبي”.
وخضعت تلك الخريطة مؤخرًا للترميم، وعُرضت في بينالي الفنون الإسلامية بمدينة جدة في السعودية (أقيم في الفترة بين يناير/ كانون الثاني 2025 وفبراير/ شباط 2025)

– إرث عظيم
“مكتبة الفاتيكان البابوية تحتفظ بإرث عظيم وعميق المعنى، تجمعه وتوفره للاستخدام، وهذا الإرث تشكّل على مدى قرون طويلة”.
تولي الكتبة اهتمامًا خاصًا بعملية الرقمنة لمواكبة متطلبات العصر.
وقد تم تحويل نحو 30 ألف مخطوطة منها إلى الصيغة الرقمية من اصل نحو 80 الف مخطوطة، وهي متاحة الآن للجميع عبر موقع الإنترنت من خلال صور رقمية.
– مكتبة وأرشيف
توجد خريطة “نهر النيل” الخاصة بأوليا جلبي الرحالة التركي و تُعد واحدة من الوثائق المثيرة للاهتمام. وتم ترميمها مؤخرًا، وعُرضت ضمن معرض نظم في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية.
مكتبة الفاتيكان البابوية وأرشيف الفاتيكان البابوي هما مؤسستان بابويتان شقيقتان، تهدفان إلى “توفير الوثائق المناسبة للأكاديميين بحسب موضوعات أبحاثهم.

يمنح دستور الفاتيكان المكتبة “مهمة الحفاظ على هذا الإرث، وتقديمه لكل من يسعى إلى الحقيقة ونشرها.
أغلب نسخ مكتبة الفاتيكان أصلية بخط اليد لأعمال نادرة في التاريخ البشري، وهذه المخطوطات مكتوبة بعدة لغات أبرزها اللاتينية واليونانية وهي الكم الاكبر، وهناك بعض المخطوطات باللغة السريانية، يضاف إلى ذلك حوالي 1.1 مليون كتاب مطبوع بمختلف اللغات.
في عام 1451م حاول البابا نيقولاس الخامس الذي كان من المولعين بالكتب إعادة تأسيس روما مركزاً أكاديمياً ذا أهمية عالمية، وهو الأمر الذي تطلب بناء مكتبة متواضعة نسبياً تقتني أكثر من 1200 مجلد، بما في ذلك مجموعته الشخصية التي حوت مجموعة من الكلاسيكيات اليونانية والرومانية وسلسلة من النصوص التي جلبها من القسطنطينية. تأسست بشكل رسمي سنة 1475، وذلك على الرغم من أنها في الواقع أقدم من ذلك بكثير.
ويؤكد أن المؤرخين يعتقدون أن جذور مكتبة الفاتيكان الرسولية ترجع إلى الأيام الأولى للمسيحية نفسها. والحقيقة أن المكتبة تقتني بعض المخطوطات من القرون الأولى للمسيحية. ويؤكد المختصون بالمكتبة انها تأسست في قصر لاتيران في أواخر القرن الثالث عشر، ونمت بشكل كبير خلال بابوية بونيفاس الثامن الذي كان يمتلك واحدة من أكبر مجموعات المخطوطات المزخرفة في أوربة.
ومع حلول عام 1481 كانت مكتبة الفاتيكان أكبر مكتبة في العالم، وقد ألحقت بها عام 1953 مكتبة خاصة للأفلام، ويبلغ عدد المخطوطات الإسلامية في المكتبة نحو 4400 منها 2600 مخطوط عربي.
آلاف الكنوز المعرفية بينها مخطوطات عربية إسلامية
تضم مكتبة الفاتيكان نحو 75 ألف مخطوطة و85 ألف نسخة من أوائل المطبوعات التي يسميها الببليوجرافيون بالإنجليزية «incunabula» أي الطبعات التي صدرت في الفترة بين اختراع الطباعة في منتصف القرنين الـ15 والـ16، بإجمالي يزيد على مليون كتاب.
يجري عرض هذه الكنوز المعرفية على الإنترنت من خلال منصة مكتبة الفاتيكان الرقمية التي تسمى «DIGIVATLIB» التي تختصر بـ«DVL». ويمكن من خلال هذه المنصة البحث في فهرس المكتبة.
من الجدير ذكره هنا أن المخطوطات العربية المعروضة التي يشتمل الوسم الخاص بها على الاختصارين Vat.ar. أي Vatican Arabic، وقد بلغ المعروض منها 269 مخطوطة، وفقاً للدليل المختصر الذي أعده موقع الكاتيدار .

مخطوط قرآني نادر
ورغم أن مكتبة الفاتيكان مكتبة مسيحية بطبيعة الحال فإن التراث الإسلامي له مكان بارز ضمن مقتنياتها. وفي مقدمة هذا التراث الإسلامي تلك المخطوطات القرآنية الكثيرة التي تحتفظ بها المكتبة. ومع أن أغلب المخطوطات المتاحة عبارة عن قطع قرآنية لا تشتمل على القرآن كاملاً من الفاتحة إلى الناس، إلا أن هذا المخطوط يستحق أن نقف معه ونستمتع بجماله بغض النظر عن الدخول في تحليلات فنية وعلمية.
وستتوفر قريبا مجموعة من الكتب النادرة من مكتبة الفاتيكان قريبًا على الإنترنت، فبفضل مساعدة ناسخة ألمانية وشركة مسح ضوئي من لونج آيلاند وشركة برمجيات من نيويورك سيتوفر 500 مجلد رقمى لكتب ذات قيمة تاريخية ولاهوتية كبيرة مأخوذة من مكتبة المعهد الشرقي البابوي بالفاتيكان وفقا لموقع أكتيواليتى الفرنسى.
ومن المخطوطات العربية بمكتبة الفاتيكان كتاب تهافت الفلاسفة للإمام الغزالي وفي كتابه يثبت فشل الفلسفة في إيجاد جواب لطبيعة الخالق وأنه يجب أن تبقى اهتمامات الفلسفة في المسائل القابلة للقياس والملاحظة مثل الطب والرياضيات والفلك حيث اعتبر الغزالي محاولة الفلاسفة في إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلسفة أساسا.
وتضم المكتبة بالإضافة إلى ذلك كتب اللاهوت بمختلف أنواعها بالإضافة إلى نسخ نادرة من الأناجيل منها نسخة نادرة من إنجيل برنابا يبلغ عمرها مئات السنوات فضلا عن كتب ومخطوطات في مجالات مختلفة.

– تحديات تواجه المكتبة
وفيما يتعلق بالصعوبات التي تواجهها المكتبة للحفاظ على هذا الكنز الثقافي التاريخي،هي الظروف البيئية، اذ تُشكّل المياه وخاصة الجوفية وتأسيسات المياه في ابنية المكتبات، اضافة الى الحرائق تهديدًا كبيرًا للمكتبات.
وأيضًا عناصر أخرى مثل الغبار، والعفن، والحشرات، التي تعيق الحفاظ على الوثائق بالشكل السليم وفي أفضل الظروف مايستدعي تعقيما مستمرا في مختبرات خاصة بالتعقيم. حتى الإنسان نفسه قد يشكل خطرا، عبر ممارسات السرقة أو الإتلاف أو الإهمال.
