الأرشمندريت مكاريوس صوايا البيروتي ( 1867 – 1940)
توطئة
الارشمندريت مكاريوس صوايا البيروتي من القديسين الانطاكيين المنسيين وما اكثرهم في كنيستنا الانطاكية وقد طواهم الزمان منهم علمنا وقديسنا المنسي الارشمندريت مكاريوس بن الخوري يعقوب صوايا، أحد كهنة أبرشية بيروت ولبنان.
وكانت الابرشية هذه ابرشية واحدة باسم ابرشية بيروت ولبنان، وتضم بيروت وجبل لبنان حتى عام 1902 حين تم فصل الابرشية بعد وفاة مطرانها العظيم المطران غفرئيل شاتيلا الدمشقي، وذلك بناء على عشرات العرائض المرفوعة من رعايا جبل لبنان(1) الى البطريرك ملاتيوس الدوماني والمجمع الانطاكي المقدس(2) وعلى هذا تم تشكيل الابرشيتين الاولى ابرشية بيروت مع بلدة سوق الغرب في الجبل كمصيف لمطران ابرشية بيروت، وانتخب لها العلامة الارشمندريت جراسيموس مسرة اللاذقي متروبوليتاً لها، والثانية ابرشية جبل لبنان باسم ابرشية جبيل والبترون وتوابعهما وانتخب لها الارشمندريت العلامة بولس ابو عضل الدمشقي متروبوليتا لها وجعل مقر مطرانيتها في بلدة حدث بيروت.
بعض في السيرة الذاتية لعلمنا
ولد في بيروت وبكل اسف لم نعرف الكثير عنه وعن حارته في بيروت وعائلته واسم ابيه لغياب التوثيق وهذا ممايؤسف له إذ لم نعرف الا النذر اليسير عن هذه القامة الاكليريكية المثيرة للاعجاب لسجاياها واضحى ذكرها على السنة كل ابناء الكنيسة وربابنتها في كل ابرشيات انطاكية العظمى…
نشأ في مدينة بيروت برعاية أبيه المعروف بشدّة التقوى والورع. دخل في السلك الرهباني عام 1879، بانتداب السعيد الذكر المطران غفرائيل شاتيلا الدمشقي راعي أبرشية بيروت ولبنان. وفي العام التالي رسمه معلمه المطران شاتيلا شماساً، ولما انتقلت المدرسة الإكليريكية من سوق الغرب إلى بيروت، عينه المطران مديراً لها.
وفي 1895 رسمه المطران غفرائيل كاهناً ورقاه إلى رتبة أرشمندريت. ونظراً لتقواه وصلاحه، فقد حظي الكاهن الشاب بتقدير المطران الجديد، المتروبوليت جراسيموس مسرة، الذي عينه عام 1909 برتبة بروتسنجلوس لكرسي بيروت، أي الوكيل العام للأبرشية ونائباً للمطران، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1926.

ذكره في الوثائق البطريركية بدمشق
ورد اسمه كثراً في سجل الترشيحات والانتخابات الأسقفية لمعظم ابرشيات الوطن في الكرسي الانطاكي المقدس، وفي مضابط الترشيح من عايا هذه الابرشيات وهي محفوظة في دائرة المكتبة والوثائق البطريركية، ومنها الخاصة بأبرشية بيروت، وبقية الابرشيات التي رشح اليها من رعاياها وكهنتها، كونه من أبرز المرشحين للعديد من المراكز الأسقفية الشاغرة.(3) اذ قد تم ترشيحه على ابرشية اللاذقية في 3كانون الاول 1899، ثم على ابرشية بيروت في 28 آذار 1902 بعد وفاة معلمه مطرانها غفرئيل، وعلى ابرشية سلفكياس (زحلة والبقاع ومعلولا وصيدنايا والزبداني وبلودان والقلمون السوري في 29 كانون الثاني 1904 ، على ابرشية صور وصيدا وتوابعهما في 9 آب 1907، واخيرا ومجددا على ابرشية سلفكياس قبل قسمتها لتصبح ابرشيةزحلة وبعلبك وبقية الارجاء الحقت بابرشية البطريرك بدمشق وكان ترشيحه في 18 تشرين الثاني 1923.
كما ونطالع اسمه في العديد من صحف العصر، ولاسيما في المهجر. فلقد أوردت المنار (18-8-1906) خبر رغبة فئة كبيرة من رعية طرابلس أن يصير مطراناً للأبرشية الشاغرة بعد انتخاب مطرانها بطريركاً. وكذلك الكلمة (1-10-1914) فيما يخصّ أبرشية مرسين، التي أدرج أبناؤها اسمه من بين المرشحين الثلاثة كمطران قانوني للأبرشية. وذاع اسمه في كلّ أرجاء الكرسي كمثال للورع والفضيلة، حتى إنه كان من بين المرشحين الثلاثة الذين أجمع عليهم أبناء حمص لينتخب المجمع أحدهم مطراناً للأبرشية، خلفاً للمتروبوليت المتقدس أثناسيوس عطا الله (+1923) كما ورد في جريدة حمص (24-1-1926).
ناهيك عن أنه قد انتخب مجمعياً باتفاق كلّ الأصوات مطراناً على أبرشية حلب في 21-3-1900، لكنه في اليوم التالي اعتذر عن المنصب وقدم استعفاءه من مطرانية حلب، مفضلاً حياة الزهد. وإننا لنجده في كلّ أدوار حياته إكليريكياً فاضلاً، اشتهر بالعلم والفضيلة والصلاح. وكان موسيقياً بارعاً ذا صوت رخيم، وذا اطلاع واسع في تاريخ الكنيسة وآداب الشعوب.
رقاده بالرب
رقد بالرب عن شيخوخة صالحة بعد جهاد لم ينقطع في خدمة انطاكية العظمى في كل مكان وُجِدَ فيه مطلع العام 1940، فأثار الخبر الحزين مشاعر الأسى في عموم أنحاء الكرسي الأنطاكي، في ابرشيات الوطن والمهجر على السواء. لقد فجعت الملة الأرثوذكسية الأنطاكية بشيخ من شيوخ الارثوذكسية وكاهن من خيرة كهنة أبرشية بيروت، الذي خدم أبناءها نحو ستين عاماً.
احتفل بتشييع جثمانه بعد أن عرض للتبرك في كنيسة القديس نيقولاوس الارثوذكسية في الاشرفية ببيروت، حيث أقيمت صلاة الجنازة برئاسة راعي الأبرشية المتروبوليت إيليا الصليبي وبحضور عموم الهيئات الإكليريكية ومندوبي الجمعيات والمدارس الملية. وقد ألقى متروبوليت الابرشية في ختام الصلاة تأبيناً وافياً مؤثراً، عدد فيه مزايا الفقيد وخدماته، وأتى على مجمل سيرته التي تعدّ قدوة ومثالاً للإكليروس ولكل مسيحي.
ثم شيع الجثمان في موكب مهيب وجمع كبير من أبناء أبرشيات لبنان وسورية، يتقدمهم وجهاء المدينة، والمطارنة: متروبوليت بيروت إيليا الصليبي ومتروبوليت جبل لبنان إيليا كرم والأسقف فوتيوس الخوري الذي صار فيما بعد مطراناً على ابرشية بغداد، الذين رافقوا الموكب حتى مدفن الكهنة الخاص في كنيسة القديس ديمتريوس، بيروت. ولقد أقيمت عن روحه الطاهرة صلوات وذكرانيات في بيروت والمقر البطريركي وابرشيات الوطن والاغتراب.
حواشي البحث
1- من وثاشق ابرشية بيروت ولبنان المحفوظة في الصرح البطريركي بدمشق
2- يعرضون فيها انه وبالنظر لكبر هذه الابرشية ولكون مطرانها لايمكنه زيارة اية رعية فيها اكثر من مرة كل اربع اوخمس سنوات لذلك وطلباً للافتقاد الاسقفي فانهم يطالبون بانشاء ابرشية في جبل لبنان.
3- كل هذه الوثائق التي قمنا بتكشيفها تمت طباعة ارشيفاتها من قبل مركز الدراسات والابحاث الانطاكيةفي جامعة البلمند وحتى غاية عام 1920، ثم توقفت الطباعة عام 2008 ولكن كل الوثائق تم تكشيفها ببطاقات خاصة في المكتبة البطريركية بدمشق وهي لخدمة الباحثين في التاريخ الانطاكي.
