الأبجر
الأبجر
الأبجر Abgar اسم معروف جيداً، يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول حتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروينة Osroene العربية التي نجحت في تأسيس الحضور العربي في أعالي ما بين النهرين، واستمرت هذه الأسرة تحكم إديسا منذ عام 132 ق.م حتى منتصف القرن الثالث الميلادي.
حكم أبجر الأول من عام 94- 68 ق.م وهُزم من قبل أحد ضباط القائد الروماني لوكولوس Lucullus عام 69 ق.م في الحرب ضد ميثريداتس Mithridates. أما أبجر الثاني (68-53 ق.م) فتحالف مع الرومان وقد اتهم بأنه كان السبب في كارثة القائد الروماني كراسوس Crassus في معركة حران عام 53 ق.م، ومع هذا فإنه أقصي عن العرش على الأرجح من قبل البارثيين وفي أثنا الحرب الرومانية ضد البارثيين قام الامبراطور ترايانوس Traianus بتثبيت أبجر السابع (106-109م) على عرش إديسا، كما أن الامبراطور سبتيميوس سڤيروس Septimius Severus أعاد الملك أبجر التاسع إلى عرش إديسا بعدما ساعد الرومان ضد البارثيين.
تذكر المصادر المسيحية – بحسب التقليد الكنسي– أن أبجر الخامس كان ملكاً على الأمم التي تعيش وراء نهر الفرات شرقاً، وحكم ما بين عام 13- 50 م تقريباً، وقد أصيب بمرض مروع الجذام عجزت عن شفائه كل حكمة بشرية، وعندما سمع باسم يسوع ومعجزاته التي شهد بها الجميع من دون استثناء، أرسل إليه رسالة ورجاه أن يشفيه من مرضه. ويورد أوسيبيوس Eusebios نص الرسالة التي كتبها أبجر الحاكم إلى يسوع وأرسلها إليه في أورشليم بيد حنانيا، وقد نصت على ما يلي: “السلام من أبجارا حاكم أدسا إلى يسوع المخلص السامي، الذي ظهر في مملكة أورشليم…”، كما يورد أوسيبيوس المؤرخ إجابة يسوع على الحاكم أبجارا.
ولم يمض وقت طويل حتى تحقق وعد يسوع، لأنه بعد قيامته من الأموات وصعوده إلى السماء أرشد الوحي توما (أحد الرسل الاثني عشر)، فأرسل تداوس الذي كان أحد تلاميذ المسيح السبعين إلى إديسا ليبشر بتعاليم المسيح، وعلى يديه تم كل ما وعد به المسيح، وقد وجد وعد يسوع لأبجر المتضمن في رسالته مكتوباً على حجرين باللغة اليونانية في يوقيطا Euketia في شمالي الأناضول وفي فيليبي Philippi في مقدونيا، لكن بعض علماء الكتاب المقدس وبعض الدراسات تشكك في هذه الرواية وتعدّها مجرد أسطورة وضعت في القرن الثاني الميلادي زمن أبجر التاسع؛ عندما أصبحت المملكة مسيحية ليضفي الشرعية على التحول الديني في البلاد؛ إذ إنها خلطت بين أبجر الخامس وأبجر التاسع الذي اعتنق المسيحية في نهاية القرن الثاني. أما المؤرخ الأرمني موسى الخوريني فقد ذكر أن أبجر كان ملكاً أرمنياً عاصر المسيح، ويؤكد قصة شفائه وإيمانه المذكورة بالروايات السابقة، وأن أبجر أرسل عدة رسائل إلى قيصر الرومان وملك الفرس أردشير يخبرهما فيها عن المسيح وما حلّ به، لكن روايات موسى الخوريني والأسماء التي ذكرها توحي أنها لا تعود إلى هذه الفترة الزمنية وإنما إلى فترة لاحقة. ويذكر أن حكم أبجر دام نحو ثمان وثلاثين سنة.
كان أبجر الكبير (أو أبجر التاسع) حاكم إديسا (179- 216م) قد تحول إلى المسيحية نحو عام200م، وبذلك أصبح أول حاكم في التاريخ تبنى المسيحية وساهم في انتشارها، وتمت في هذه الفترة ترجمة “البيشيتا-“Peshitta، وهي النسخة السريانية القديمة للإنجيل التي ترجمت في القرن الثاني المسيحي، (وتعني البسيط العام للجميع)، وأصبحت إديسا في القرن الثاني المسيحي مركزاً مسيحياً وبمنزلة الأم للكنيسة المسيحية السورية، وعدّت مدينة مقدسة “المدينة المباركة” لأنها تحوي منديلاً رسمت عليه صورة السيد المسيح بحسب رواية موسى الخوريني، وأصبحت هذه الصورة أو الأيقونة مشهورة وخصوصاً في العالم الرومي، وكانت موجودة في القسطنطينية في عام 574م.
وقد جاء في موقع بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس
تذكار نقل المنديليون من الرها الى القسطنطينية
يرد في التقّليد الكنسيّ أن الأبجر، ملك الرها، وهي الواقعة بين دجلة والفرات، عانى البرص والتهاب المفاصل. فإذ سمع بالأشفية الكثيرة التي كان يحدثها الرّب يسوع، رغب في أن يأتي يسوع إليه لينال الشفاء منه. فأوفد مندوبين من قبله ليطلبوا من الرّب يسوع المجيء إليه، ولكن الذي حصل أنّهم أتوا بصورة ليسوع، بحيث أن أحد الموفدين، والذي كان يدعى حنانيا، حاول رسم وجه يسوع من بعيد أثناء إلقائه أحد عظاته فلم يستطع، إذ كان كلّ مرّةٍ ينظر فيها إلى وجه الرّب كان يرى نورًا لا يحتمل وصفه، وكان يسوع يشاهده وهو يحاول الرسم، عندها طلب منه الاقتراب وأخذ قطعة القماش التي كان حنانيا يحاول أن يرسم عليها ومسحها على وجهه وأعطاه إيّاها، فانطبعت صورة وجه يسوع عليها.
ولمّا عاد الوفد إلى دياره، وأخبروه ما حصل معهم، قام الملك بالسجود لها على الفور فشفي، ولكن بتدبير من الله طبعًا، بقي للملك أثار جرح في جبينه.
قطعة القماش هذه، معروفة في الغرب باسم “المنديليون” ولكنّها في الحقيقة تسمّى Acheiropoietos أيّ “غير مصنوعة بيد أحد”.
لاحقًا، بات “المنديليون” أساس الأيقونات التي شاع استعمالها في الكنيسة، بالإسم عينه، وكانت توضع فوق الأبواب المقدّسة المؤديّة إلى الهيكل، أو فوق الأبواب الملوكيّة الفاصلة ما بين Narthex أيّ مدخل الكنيسة و Naveالذي هو صحن الكنيسة.
هذا وقد ورد أن “المنديليون” ضاع في الرها إلى أن كشف في رؤيا لأسقفها أفلاليوس سنة 544م، بعد أن قام أسقف الرها في عهد الملك أبجر بتخبئته خلف حائط مشعلًا قنديل زيت أمامه، وذلك خوفًا من أن يدنّسها الملوك الوثتيّين الذين استلموا الحكم بعد أبجر.
وعند اكتشافه، انذهل الجميع أن قنديل الزيت كان ما يزال مشتعلًا عدا عن الرائحة الطيّبة التي فاحت.
يومها كانت الرها محاصرة من الفرس، وكان من نِعم اكتشاف “المنديليون” أن أنفك الحصار عن المدينة.
لم تمضِ سنوات على ذلك حتى عاد الفرس واحتلّوا الرها ليعود يسترجعها الإمبراطور هيراكليوس االرومي سنة 628 م، ولكن انتهى امرها في يد العرب.
بقيت صورة “المنديليون” في الرها إلى القرن العاشر، وقد جرى نقلها إلى القسطنطينية، زمن الإمبراطور رومانوس لوكابينوس سنة 944 م، ليختفي أثره بعد دخول الصليبيون القسطنطينية سنة 1204م أبان الحملة الرابعة. وقد تكلّم كثيرون أنّ “المنديليون” أُخذ إلى فرنسا ليوضع هناك داخل كاتدرائيّة، لكنّه اختفى خلال الثورة الفرنسيّة.
/ويقطع موقع الحق والضلال القبطي بتأكيده انه موجود في روما في دير القديس سلفستروس…/
ويتابع موقع بطريركية انطاكية للروم الارثوذكس :” من جهة أخرى أورد أفسافيوس القيصري(265-339)، المؤرّخ الأريوسي الذي رفض ألوهة المسيح، في الكتاب الأول من كتابه تاريخ الكنيسة، الفصل الثالث عشر خبر الرسالة التي بعث بها الملك الأبجر للرّب يسوع، وكذلك الرسالة الجوابية التي قيل أنّه تلقّاها منه، لكنّه لم يأتي على ذكر “المنديليون” بتاتًا.
هاتان الرسالتان، بحسب قوله، مأخوذتان من سجلات أدسّا (الرها)، وقد نقلهما، في تاريخه، عن السريانية.
أهم ما ورد في الفصل الثالث عشر من كتابه في هذا الشأن: ( اورده موقع الحق والضلال القبطي ودائرة المعارف البريطانية والمرويات السريانية)
– أصيب الملك أبجارا بمرضٍ مروعٍ عجزت عن شفائه كلّ حكمة بشريّة.
– سمع باسم يسوع ومعجزاته.
– أرسل إليه رسالةً ورجّاه أن يشفيه من مرضه.
– لم يجبه يسوع إلى طلبه لكنّه أرسل رسالة شخصيّة قال فيها إنّه سيرسل أحد تلاميذه لشفائه من مرضه. وفي نفس الوقت وعده بالخلاص لنفسه ولكلّ بيته
– بعد قيامة يسوع، أرشد الوحيّ توما الرسول، فأرسل تدّاوس الذي هو من السبعين ليكرز ويبشّر بتعاليم المسيح في الرها. وعلى يديه تم كلّ ما وعد به مخلّصنا.
– وضع تدّاوس يده على أبجارا. ولمّا فعل ذلك شفاه، في الحال، من المرض والآلام التي كان يعانيها.
– كذلك شفى تدّاوس الكثيرين من سكان المدينة، وصنع عجائب وأعمالَا مدهشة، وكرز بكلمة الله.
أوّل ذكر للمنديليون ورد في سفر “عقيدة أداي” العائد إلى أواخر القرن الرابع للميلاد.
كما يُذكر أن القدّيس يوحنا الدمشقيّ وآباء المجمع المسكونيّ السابع أشاروا إلى “المنديليون” في معرض دفاعهم عن إكرام الإيقونات
ومع الزمن ازدادت نسخ الرسالة والصورة وقال كل من الارثوذكسيين واليعاقبة أنهم يملكون الصورة الأصلية. وصارت إديسا في تلك الفترة ندَّاً لمدينة أنطاكية ذات الطابع الإغريقي، ومع أن المنطقة التي تحيط بإديسا كانت تسود فيها الثقافة واللغة الآرامية؛ فإن اللغة السريانية (وهي إحدى اللهجات الآرامية) أصبحت لغة المسيحيين الشرقيين الصريحة ماوراء شرقي الفرات بينما سادت اليونانية من غرب الفرات وحوض البحر الابيض المتوسط.
مصادر البحث
موقع بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس تذكار نقل المنديليون من الرها الى القسطنطينية
يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، ترجمة القس مرقس داود (مكتبة المحبة، طبعة ثالثة، 1998).
–موقع الحق والضلال
– موسيس خوريناتسي، تاريخ الأرمن، ترجمة نزار خليلي (دار اشبيليا، سورية 1999).
– عرفان شهيد، روما والعرب، ترجمة قاسم محمد سويدان (دار كيوان، سورية 2000).
– F. L. CROSS (ed.), The Oxford Dictionary of the Christian Church, (New York, Oxford University Press, 2005).
– محمود فرعون
Beta feature
اترك تعليقاً