كنيسة السيدة العذراء في “إدلب” وأيقونات لاتعد

كنيسة السيدة العذراء في “إدلب” وأيقونات لاتعد، وصفحة من تاريخها

كنيسة السيدة العذراء في “إدلب” وأيقونات لاتعد
كنيسة السيدة العذراء في “إدلب” وأيقونات لاتعد

كنيسة السيدة العذراء في “إدلب” وأيقونات لاتعد، وصفحة من تاريخها

تعتبر كنيسة ” رقاد السيدة العذراء” من أقدم الكنائس في محافظة “إدلب” التي كانت ما تزال تقام فيها الطقوس الدينية حتى دخول الارهاب للمنطقة، كما أنها الكنيسة الوحيدة للروم الأرثوذكس في محافظة “إدلب”، تقع في وسط المدينة، وتجاور ها الكنيسة الوطنية الإنجيلية التي بنيت لاحقا حين نشوء هذه الطائفة القليلة العدد جدا بغية اقتناص ابناء الرعية الارثوذكسية كما تشهد بذلك مجريات الاحوال التي حكت عنها الوثائق البطريركية الواردة من ادلب وجسر الشغور…،
كنيسة رقاد السيدة العذراء هي كنيسة أرثوذكسية شرقية تتبع أبرشية حلب والإسكندرونة وتوابعها للروم الأرثوذكس، التابعة لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس،
بنيت كنيسة “السيدة العذراء” في مدينة “إدلب”، عام /1886/،ويؤرخ لذلك اللوحة الموضوعة في وسطها والتي تقول (الله في وسطها فلن تتزعزع 1886 م) وقد بنيت بجهود أبنائها وبفرمان من “الحميد”، الذي سمح فيه للمسيحين بإنشاء كنائس خاصة بهم، وعلى اللوحة الرخامية التي تعلو مدخل الكنيسة يوجد عبارة تقول: «باسم الله الوحيد، وب” فرمان  الحميد”، للارثوذكس، كنيسة هي المينا الوطيد».
كانت الكنيسة تخدم رعية يقارب عددها /الألف/ نسمة، وقد جدد بناؤها أكثر من مرة كان أخرها عام /2005/

كانت كنيسة “إدلب” من الحجم الوسط، يحيط بها صالة وبنائين خدميين تابعين لها، كما يتبع لها مدرسة “جول جمال” الخاصة، ولا نلاحظ في بناء الكنيسة مبالغة زخرفية وعمرانية، ذلك لأنّ مسيحيو “إدلب”، قاموا ببنائها في ذلك الوقت بحسب امكانياتهم، الاقتصادية، فهي ليست من البناء الغني المزخرف والمترف، لأنّها جاءت تعبيراً عن حالة أناس، أرادوا أن يبنوا بيت لعبادة الله، فهو بيت عامر بالحب والاخلاص، أكثر منه بالترف الزخرفي والعمراني،

كنيسة السيدة العذراء في “إدلب” وأيقونات لاتعد
كنيسة السيدة العذراء في “إدلب” وأيقونات لاتعد

كانت الكنيسة تحوي مجموعة رائعة من الأيقونات القديمة والحديثة يقارب عددها الخمسين أيقونة،

وهي على /ثلاث/ مجموعات

• مجموعة نقلت إلى الكنيسة من كنائس خارج مدينة “إدلب” كانت مأهولة، ولم تعد موجودة الآن،
• ومجموعة أخرى مرسومة خصيصاً لكنيسة “إدلب”،
• ومجموعة ثالثة من الأيقونات الحديثة تعود للقرنين العشرين، والواحد والعشرين،
أمّا أقدم تلك الأيقونات فيعود عمرها إلى عام /1737/
كما كانت تحوي ايقونسطاس رخامي يعود للعام 1960 وضعت له واجهة خشبية حديثة في العام 2013 ،
كما توجد مقبرة تابعة للكنيسة على الطرف الغربي من المدينة وتحوي على كنيسة الملاك ميخائيل. وفي آذار عام 2015 وبعد هجرة معظم أبناء المدينة المسيحيين إثر دخول “جيش الفتح” إلى المدينة ، تعرضت الكنيسة لإنتهاكات عديدة طالت أيقوناتها وأثاثها وبيوت الرعية كلها تشتت الرعية بلجوء بعضها الى حلب ولكن الاغلبية مع راعيهم صاروا في الاسكندرون ثم الى مشارق الارض ومغاربها ، ولم تسلم قبورهم من التخريب والعبث، وقد كتب الخبير العسكري السيد محمد كمال الجفا قصة اجتياح ادلب وجسر الشغور وماتعرض له المسيحيون ثم ممتلكاتهم واخرجت كفيلة وثائقي اخرجه المخرج المبدع جواد انزور كفيلم وثائقي وثق فيه الجرائم التي طالت المسيحيين وكنائسهم وبالذات كنيسة السيدة …
اتذكر وهي مطبوعة في ذاكرتي كيف ان وفد رعوي ارثوذكسي يتقدمه كاهن الرعية الاب ابراهيم فرح (اعتقد) (هو اليوم لاجىء في الولايات المتحدة مع بعض رعيته) كانوا على مشارف ادلب واستقبلوا البطريرك اغناطيوس الرابع في زيارته التاريخية الى انطاكية ولواء الاسكندرون عام 1992 ورافقوه بسياراتهم حتى معبر باب الهوى وفتحت السلطات السورية مشكورة قاعة التشريفات حيث جرى استقبال ووداع من الرعية لغبطته… وقد وثقناها في كتابنا عن هذه الزيارة” زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع 1992 الى انطاكية وكيليكيا والاسكندرون” وبحوار مع الكاهن ووجوه الرعية عرفنا ان عدد رعيتنا الارثوذكسية في ادلب اي رعية كنيسة السيدة المقيمين يبلغ فقط 700 نسمة ولكن العدد يزداد صيفا بعودة المتغربين عنها من حلب واللاذقية وانطاكية والمانيا…(شهادتي وكنت الناطق الاعلامي البطريركي المرافق.
صفحة من تاريخها

من تاريخ كنيسة ادلب الارثوذكسية

اهداني اياها مشكورا  السيد الاستاذ  اكرم خربوط وهي من تراث والده المرحوم يوسف خربوط مختار المسيحيين في ادلب وقام بهذا التأريخ لكنيسة ادلب الحية اي الرعية… وكذلك ارخ لكنيسة نياح السيدة الارثوذكسية في ادلب وقد ابقيناها بدون اي زيادة او نقصان او تحوير حفظا للوديعة وحفظا للأمانة والموثوقية شاكرين السيد خربوط هذهالهدية القيمة عن ادلب المسيحية الارثوذكسية المنسية والتي صارت اليوم فارغة  مع المزيد من الاسف من الوجود المسيحي لتواجد الفصائل المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة السورية وقد هجرها اهلها خوفاً على حياتهم وتركوا الكنيسة ومدافن الاهل ورفاتهم في ارضها المعطاء وتركوا ارزاقهم وبيوتهم وتاهوا في التيه العالمي!!! وقد تم تفريغ كل الاثاث والايقونات في اواخر تشرين الثاني 2015  وتم وتجميعهم امام مدرسة جول جمال من قبل شاب من آل زكور من المدينة من (مغتصبها) “مالكها الجديد ابو مسعود الليبي”ب300 دولار شهريا بموجب عقد نظامي تم الحصول عليه وارسل الى مطرانية حلب.! وقام صديقنا السيد اكرم (بتهريب ماتبقى من ايقونات قليلة لم تكسر او تحرق لقبو بنايتهم وبقيت سنوات حيث استلمها شخص من بيت (…) كان مازال مقيما بادلب ولايعلم مصيرها الآن.)

نص الكلمة التي ألقاها المرحوم يوسف خربوط بتاريخ 15/8/1986

بمناسبة العيد المئوي لافتتاح كنيسة إدلب وسيامة إبراهيم فرح كاهناً

صاحب السيادة المطران الجزيل الاحترام , الآباء الأجلاء , السيدات والسادة

يسعدني بل يشرفني أن أقدم كلمة متواضعة موجزة مما تمكنت من جمعه عن تاريخ كنيستكم المقدسة هذه وذلك بعد أن أولاني صاحب السيادة المطران الياس يوسف شرف التحدث بهذا الموضوع فأرجو أن ينال رضاكم .

بالتاريخ الفكر يخاطب الفكر والإنسان يخاطب الإنسان ….

على رأس حقائق الحياة المطلقة يأتي الزمن إنه لم يتوقف ولن يتوقف ولقد بدأ الإنسان بتدوين التاريخ منذ أن وجد على هذا الكوكب ومن المؤكد أننا عندما ننظر إلى الماضي وأحداثه نفعل ذلك لأننا على صلة وثيقة به لأننا نتاج من نتاجاته ونمثل في كثير من الوجوه جانباً أصيلاً من جوانبه سلبية كانت أم إيجابية .

ثم إن الإنسان قد يرى في كثيرٍ من الأحيان أن ما أمضاه من حياته يكون أكثر مما سيعيشه في المستقبل ولذا نجد أن الماضي هو حياة الإنسان وتراثه الذاتي ولذلك فالإنسان يعيش في عقله وأوقات صفوه مع الماضي أكثر من أي شيء آخر وقد ثبت أن بالعمل الجاد المنتج شهادة وفي الموت شهادة تباركت الشهادة ففي موكبها السيف والقلم وفي طريقها الفداء وفي غايتها نبل القصد إذ المستقبل فجراً يلوح وفجرنا رغم ليلنا الطويل نوراً بهياً في قدس مجد ألآب يلوح لأننا مع التاريخ على موعد والتاريخ لا يخون السائرين معه أبداً …

 

كتب مرتضى الزبيدي في كتابه شرح القاموس عن إدلب بعام 1756 أن إدلب تتألف من قريتين كبرى وصغرى من أعمال حلب الطريق بينهما سهل , بناؤها بسيط مرتفع عن الأرض وعمارتها حجر خالص البياض أزقتها واسعة ومفروشة بالبلاط وهي كثيرة المساجد أهلها مسلمون يقلدون الإمام الشافعي في عبادتهم فيها أكثر من مائة بيت من طائفة النصارى الروم عاداتهم في الغالب تشابه عادات المسلمين حتى أن نساءهم يتسترن كتستر المسلمات وبين الفريقين ألفة ومودة ولسان الجميع عربي وفيهم سجية الكرم وحب الغريب وإكرام الضيف .

أما الرحالة البريطاني بارك هاردت فيخبرنا بأنه زار إدلب الصغرى بعام 1812 وقال أنها محاطة بالزيتون كمدينة أثينا عاصمة اليونان أما إدلب الكبرى فهي خراب ولم يبق منها إلا اسمها .

سكانها أتراك مسلمون وفيها مائة وعشر عائلات مسيحية روم يونانية وثلاث عائلات أرمنية يونانية عندهم كنيسة وثلاثة كهنة وهم تحت السلطة الدينية لبطريرك دمشق الأنطاكي اليوناني وتُحكم إدلب من قبل عائلة كوبريلي زاده تركية من القسطنطينية .

في هذه الحقبة من تاريخ الانكشارية التركية تهدمت إدلب الكبرى وضاق المقام بأهلنا في إدلب الصغرى الواقعة شمال شرق المدينة اليوم وكان عهد السلطان محمود بن السلطان محمد صاحب الفرمانات المتعصبة الشهيرة ومنها تعيين البطريرك مكسيموس للكرسي الأنطاكي , إذا سمح صاحب السيادة أسمعتكم نص الفرمان .    فرمان شاهاني :

من السلطان محمود بن السلطان محمد أمير البرين وخاقان البحرين خليفة المسلمين إلى صاحب الرداء القطراني والوجه الشيطاني الكافر بن الكافر مكسيموس : لقد ارتأى الصدر الأعظم تعيينكم بطرقاً على أنطاكية وسائر المشرق فأقريناه على مضدد باشر عملك لا وفقك الله .

19 رمضان 1236 هـ و 12 حزيران 1816 م .

وهو منقول حرفياً من متحف ( طوب كابي ) في استانبول بتاريخ 12 نيسان 1975 .

ومنها فرض لباس معين على النصارى ومنها حمل كيس الحاجة على كتف النصراني كي يكون جاهزاً للسخرة ومنها مالا يتسع المجال لذكره .

بهذه الفترة بالذات وتحديداً بعام 1824 قام أجدادنا الصيد الميامين بشراء قطعة أرض هي مكان كنيستنا هذه أحاطوها بسور عادي بسيط وبدأ الرحيل والسكن بجوارها وسمي هذا التجمع حي المسيحيين حتى يومنا هذا .

حاول أجدادنا حتى نهاية عام 1830 المباشرة ببناء الكنيسة فلم يفلحوا لعدم السماح لهم من قبل السلطة الحاكمة آنذاك وبدخول جيوش إبراهيم باشا المصري البلاد السورية وإعلان المساواة بين المواطنين انتهزوها فرصة وعقدوا العزم على بناء بيت الرب وكان منهم معمارين مهرة ونجارين وصباغين وفلاحين ومزارعين  حاولوا البناء في النهار فمنعوا وانتهروا وأهينوا وراحوا يعملون ليلاً بتعاون تام ومنظم ليأتي في نهار اليوم التالي المتعصبون الجهلة فيهدمون مابنوه طوال الليل وشتان بين صعوبة البناء وسهولة الهدم والتخريب .

ومازادهم هذا التصرف الأرعن إلا ثقة بأنفسهم وتصميماً على المضي بهذا المشروع حتى النهاية وقد قبضوا على دينهم وكرامتهم ومعتقدهم كالقابض على الجمر تماماً واستمروا يعملون ليلاً ويُهدم بناؤهم نهاراً حتى السبعينات من القرن الماضي وقد أعلن السلطان عبد الحميد العدالات والمساواة والحريات وأصدر فرمانات سُمح بموجبها ببناء الكنائس ومنها كنيسة إدلب فتابعوا العمل تحت حماية الدولة بإمكانات بدائية وبسيطة , دواب تنقل الأتربة والأحجار والأيدي العاملة تبني والأجسام البشرية ترفع الأثقال حتى شارف عام 1879 وكان قد قضى بهذه الفترة الكثير من أولئك الأبطال ولاقوا وجه ربهم راضين مرضين وفي مقدمتهم المثلثي الرحمات الكاهنين الياس زعير ونعمة زيون وجاء عهد الخوري جرجي زعير واستمرت ملحمة البناء تسودها روح المحبة التي لاتسقط أبداً , عمل منتج , نكران ذات , تعاون وحملوا صلبانهم وساروا في طريق جلجلة طويل لم يرضخوا لمتكبر أومتعجرف لم يطلبوا العون إلا من الرب وحده أعطوا فأجزلوا العطاء , أعطوا المال والروح ,والجود بالنفس أقصى غاية الجود , حملوا شهامة الفرسان وأنفة بني غسان الذين وصفهم حسان بقوله :

بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم                  شم الأنوف من الطراز الأولِ

وفجأة يدخل الشيطان ويمزق الصفوف المتراصة فيصطدم الأخوة وتقع الكارثة ويسقط شاب من ألمع وأطيب العاملين آنذاك هو أنطون بن ديب زيادة قتيلاً في باحة هذه الكنيسة وجبلت دماؤه بترابها وكان الشهيد الأول في ملحمة بنائها .

سارت بعد هذه الفاجعة أعمال البناء بطيئة حتى عام 1883 , انتهت القباب الصغيرة جميعها وبقيت القبة الكبرى ونفذت الأموال وتوقف العمل ومرض المعلم المعمار الياس بن اليان صغير الذي اشتهر ببناء القباب

وقال لمعيديه إنني أحس بدنو الأجل فاسرعوا بتدبير المال عسى أن أكمل بناء القبة الكبرى قبل أن أرحل وتقول المرحومة ماريا بنت حنا موسى ( أم الياس أبري ) المولودة في عام 1851 والمتوفاة عام 1969 لم يبق بذاك اليوم المشهود خاتم أوإسوارة أوعقد أوأية حلية أخرى عند امرأة أوفتاة إلا وقُدم لإتمام بناء الكنيسة وأعطى الله عزَ وجلَ الصحة والعافية للمعمار الخالد الياس وأكمل القبة الكبرى ونقش بفنه الرفيع شموخها ووشحها بعبارة

روحانية رائعة لاأجمل ولاأحلى < الله في وسطها فلن تتزعزع > كان ذلك في ربيع عام 1886 هؤلاء هم السلف الصالح الذين أشادوا كنيستنا بالدم والعرق والدموع وحافظوا على عروبتهم وقوميتهم ومبادئهم القويمة وكان من حقهم علينا ومن أولى واجباتنا تخليدهم والتغني بأعمالهم الجبارة وإطلاع الأجيال الصاعدة على روعة الإيمان وجمال الصبر وقوة الصمود , جاهدوا الجهاد الحسن وساروا على الدرب فوصلوا وتركوا لنا الوديعة ورحلوا , طوبى لمن يعمل ويسعى .

لم يتركوا لنا طيب الله ثراهم أية مخطوطات أووثائق إلا النادر والسبب الجهل والأمية وسياسة الترك بمنع العلم والتعلم ولقد عثرنا على بعض الوثائق البسيطة مبعثرة هنا وهناك وهي كالتالي :

الوثيقة الأولى ويعود تاريخها إلى شهر أيلول 1845 وفيها نرى كنيسة إدلب تابعة لأبرشية حماه إذ يقول النص بالحرف الواحد < حين أحدات وأعياد مقدسة قد تخصصوا فيها بهم أنفسهم جماعة المسيحيين القاطنين في إدلب كما شرح أدناه حسب رسم سيدنا الأفخم برنابا أكسرخوس محروسة حماه أدام الله رياسته > لقد تم توزيع الأعياد على أبناء الطائفة لهدفين أولهما اجتماعي وفيه يتبادلون الزيارات بمناسبة عيد كل منهم كي تبقى الألفة والمحبة قائمة والثاني وهو الأهم أن يدفع كل فرد من النمره أونا حسب تعبير الوثيقة عشرة قروش سنوياً وكل فرد من النمره دوي خمسة قروش سنوياً النصف للكنيسة والنصف لمعيشة الكهنة الذين اختارتهم النعمة الإلهية لخدمة الشعب والكنيسة وكانت تلك القروش تدفع للكهنة في بيوتهم حفاظاً على كرامتهم .

تصوروا ياسادتي هذا التعاون وذاك الصبر والفقر إنه الإيمان وحده الذي ثبتهم في ظلال المحبة التي لاتسقط أبداً , كانوا المورد الوحيد للكنيسة ورعاتها , لاأوقاف , لاأملاك , لاإعانات .

الوثيقة الثانية وتاريخها في ختام عام 1845 وفيها زيارة الأكسرخوس برنابا الآنف الذكر لإدلب وتوجيهاته للشعب روحياً ودنيوياً وتختم  بالنص التالي  < رسمنا ذلك بأن يكون محفوظاً بكنيسة إدلب عن يد الأبهات المحترمين الخوري جرجس زعير والخوري نعمة زيون والشماس عبد الخالق دغيم الوكيل على طقس الترتيب الكنائسي بإدلب ونظامه وذلك بمدة رياسة خليفة الرسل القديسين غبطة سيدنا الطوباوي ظابط زمام الكرسي الأنطاكي كيريوكير ميتوديوس المفخم أدام الله مدة رياسته وفي رياسة قداسة سيدنا الجزيل الورع كيريو برنابا الأفخم أكسرخس حماه المنظومين اليه الخاضعين الى رياسته علينا أدام الله أيامهما بالنعم والبركات وقد حرر ذلك في غاية كانون الأول 1845 وفي غرة محرم الحرام عام 1262 هـ .

الوثيقة الثالثة تشعرنا بذهاب جرجس بن نعمة فرح إلى المحكمة الشرعية بصفته وصياً على أبناء أخيه فكتبت حجة الوصاية كالآتي < نصب واقام وعين سيدنا ومولانا المعظم حاكم الشرعي الموقع اعلاه دام فضله وزاد علاه للرجل الزمي خضور السايغ بن عبيد > تصوروا تبديل اسم جرجس فرح بخضور عبيد , تاريخ هذه الوثيقة 2 كانون الثاني عام 1860 وربيع الأول عام 1274 هـ .

الوثيقة الرابعة تخبرنا بقيام الكاهن واثنين من أبناء الطائفة بمهمة المحكمة الشرعية وذلك بتخصيص نفقة على مخول بن متور زيادة لتربية ابنته من قبل ستها سارة بنت مقدسي جبور حموي بعد وفاة والدتها فضة بنت ديب كباريتي وقدر هذه النفقة قرش واحد كل يوم وتدفع كل حفنة أي كل أسبوع , تاريخ هذه الوثيقة 25 أيار 1860

الوثيقة الخامسة وفيها حل مشكلة إرثية واقعة في إدلب الصغرى بزقاق الزهر بين المتشاكين تيدوري جرجي خليل وابراهيم متور حموي , الدعوة مقدمة بالعبارات التالية : إلى مجلس السيد الشريف كيرللس الجزيل النباهة في محروسة حلب ومحالة إلى كاهن إدلب ومعاونيه لحلها بتاريخ 29 أيار 1861 ويتضح لنا مما تقدم بأن الكنيسة بهذه الفترة أصبحت تابعة لأبرشية حلب وانفصلت عن أبرشية حماه .

الوثيقة السادسة تفيدنا بوصول المطران دورثيوس من حلب لافتتاح الكنيسة وتدشينها بشهر تموز عام 1886 وهذا مايؤيده النقش الحجري الموجود على باب الكنيسة < باسم الله الوحيد بفرمان الحميد للأرثوذكس كنيسة هي المينا الوطيد برئاسة دورثيوس عام 1886 > وقدم لكنيسة إدلب هذه صبيحة افتتاحها هدية قيصر روسيا وهي عبارة عن بدلة كهنوت كاملة مزركشة بخيوط ذهبية وإنجيل باللغتين العربية والروسية مخطوط بماء الذهب تفصل بين كل صفحتين من صفحاته أيقونة لأحد القديسين مطلية أيضاً بماء الذهب وهو موجود الآن في متحف نيويورك أما البدلة فلا نعلم شيئاً عن مصيرها .

افتتحت الكنيسة باحتفال مهيب وبكى كل من حضر ذاك القداس الإلهي وسميت كنيسة نياح السيدة العذراء بإدلب التي نحتفل بعيدها اليوم .

جرى تعميد ايلياس واسي بن خوري جرجس أفندي حسب النص أشبينه دوروثيوس مطران حلب في 10 تموز 1886 كما عُمد ابن المختار آنذاك ميخائيل بن جرجي مرجاني أشبينه دوروثيوس مطران حلب في 20 تموز وهكذا نرى من خلال هذه الوثيقة أن المطران أقام بإدلب فترة زمنية لابأس بها وزار بيوت الطائفة بأكملها يرافقه الخوري والشمامسة والترجمان وقدم للجميع هدايا رمزية صلبان وأيقونات كما قدم الشكر على الجهود المبذولة بواسطة الترجمان كما تقول المرحومة ماريا حنا موسى ولما غادر إدلب ساروا حول عربة الحنتور الذي كان يمتطيه حتى موقع الحصون غربي بلدة بنش وهناك ترجل وباركهم وودعهم وأكمل مسيرته باتجاه حلب .

انتهت هذه الملحمة التاريخية التي تستحق التأريخ والتطويب وسارت الأمور من حسن إلى أحسن سيما وقد التئم شمل الجميع حول كنيستهم ومنعوا منعاً باتاً من قرع جرس أودق ناقوس إيذاناً بالصلاة حتى جاء بعام 1920 المثلث الرحمات الخوري بطرس رومي وقام بتعليق قطعة فولاذية سميكة بأعلى النافذة الوسطى من الطابق الثاني للكنيسة تضرب بمطرقتين حديديتين باليد ضربات رتيبة وسميَ الناقوس , يقرع صباحاً ومساءً بأوقات الصلوات التي كانت تقام يومياً وكان لي شرف خدمة الكنيسة وقرع الناقوس بين يدي جدي الخوري بطرس ومنه تعلمت الكثير وعنه حفظت الكثير الكثير وكانت الأكاليل تقام بالبيوت ويوضع على رأس العروسين باقتان من أغصان الزيتون فكلف الخوري بطرس الشاب الصائغ آنذاك المرحوم نصري نصير بصنع تاجين للأعراس من الفضة الروباص هاهما موجودان حتى اليوم وأمسك عن ذكر المكان الذي عثرت صدفةً فيه عليهما , أرجو الحفاظ على هذين الناجيين إنهما من التراث ومن أيام تعز علينا ويشرفنا ذكرها مادمنا على قيد الحياة .

إياكم وإهمال شيء من هذا الذي كلف الكثير .

وتدور الأيام حتى مطلع الأربعينيات من هذا القرن ويأتي دور الشباب أحفاد البناة الأوائل فتمكنوا بجهودهم ونضالهم من شراء ورفع الجرس الموجود حالياً رغم معارضة العقلية القديمة التي خشيت رفع الجرس كما خافت وذعرت من قبل حين تعليق الناقوس , كان ذلك في عام 1947 وتابع شباب وشابات الحركة المسيرة

فأشادوا هذه القاعة التي لامثيل لها في الكثير من الأبرشيات فنالوا بذلك العمل الرائع والثناء العاطر والشكر الجزيل والأجر من الرب يسوع ووالدته صاحبة هذه الكنيسة المقدسة .

خدم هذه الطائفة قبل وبعد بناء الكنيسة الكهنة الآتية أسماؤهم حسب الوثيقة التي عثرت عليها بين أوراق جدي الخوري بطرس والموجود نسخة عنها في مذبح الهيكل :

مسلسل الاسم والشهرة تاريخ بدء الخدمة تاريخ انتهاء الخدمة
1 الخوري ابراهيم خوري 1716 1751
2 الخوري جرجس بشور 1755 1781
3 الخوري حبيب خوري 1782 1810
4 الخوري جرجس الياس زعير 1814 1847
5 الخوري ابراهيم غنام 1825 1835
6 الخوري بولص جرجس زعير 1878 1930
7 الخوري أنطون خوري 1912 1915
8 الخوري حنانيا بيلوني 1914 1916
9 الخوري إيليا خوري 1916 1919
تواجد الكهنة الثلاثة الآنفي الذكر مع الخوري جرجي زعير أثناء هجرة المسيحيين من تركيا إبان مذابح الأرمن الشهيرة
10 الخوري بطرس رومي 1920 1940
11 الخوري نعمة الله خوري 1939 1947
12 الخوري الياس غالي 1947 1952
13 الخوري جبرائيل نمير 1952 1956
14 الخوري ابراهيم نمير 1956 1980

رحمهم الله رحمة واسعة وأجزل ثوابهم وأرجو أن تكتب أسماؤهم بلوحة مرمرية وتعلق بمدخل الكنيسة تخليداً لذكراهم على أن يستثنى من اللوحة جبرائيل نمير المطرود من سلك الكهنوت بقرار المجمع المقدس .

كنت أود التحدث عن أوقاف الكنيسة منذ تأسيسها بإدلب ومصدر أيقوناتها المقدسة الأثرية والتي لم تسلم من الأيدي الآثمة الخبيثة الملوثة بالجريمة والعار إلى الأبد .

وأسرد بعض الحوادث وأسبابها والتي كانت سبباً لنزوح جماعي من إدلب كمقتل الشماس شحود زيون بعام 1888 ومقتل حسيب شماس بعام 1920 أثناء هجوم الشتى على المسيحيين بإدلب ونهبهم وسلبهم ومقتل الياس ديبو أبري عام 1954 ولكن الوقت والظرف لم يسمحا بذلك وإذا شاء أحدكم الاستفسار عن أي موضوع فإنني جاهز للإجابة والرد في أي زمان ومكان .

أرجو ألا أكون قد أطلت الشرح وأن لاتكونوا قد مللتم وصدقوني بأنني حاولت الاختصار أكثر من ذلك فلم أفلح

الآن لابد من طرح موضوع هام وحساس يتعلق بمستقبل الطائفة وراعيها الشاب الجديد فأقول سمعنا بالماضي كيف كان التعاون وكيف وزعت الأعياد وفرضت القروش سنوياً لمعيشة الكهنة وكيف كانت تدفع تلك الدريهمات في بيوتهم حفظاً لكرامتهم وعدم ترك المجال لمد أيديهم لأي كان , كانت الكنيسة آنذاك لاتملك شيئاً سوى أولادها أما اليوم فقد اختلف الأمر وتطور الزمن وأصبحت الكنيسة تملك العقارات التي تعطيها دخلاً ثابتاً محترماً وأولادها جميعاً وبدون استثناء كرماء معطاءين غيورين عليها وعلى مؤسساتها ويجودون بكل شيء في سبيلها ولاغرو إنهم أشبال أولئك الأسود الذين أعطوا فأجزلوا العطاء.

تقدم الكنيسة اليوم لراعيها وابنها البار السكن اللائق والماء والكهرباء والهاتف وأتمنى وأرجو ياصاحب السيادة قبل أن تغادر إدلب اليوم أن تقرر الراتب اللائق والمناسب للراعي الجديد ونصيبه بالمناسبات السعيدة والحزينة وننهي وإلى الأبد في إدلب مشكلة مد اليد وكلمة الله يعوض عليكم والله يرحمه , إنني أرى قيمة فتح اليد للقبض هي الكرامة التي إذا ذهبت لم ولن تعود , ليقم الراعي بالواجبات الدينية والاجتماعية التي نذر نفسه لأجلها قيام الند للند لايتأثر بدافع ( أم الطربوش ) أي الخمسمائة ولايستصغر أمثالي غير القادرين على دفع العشرة أوالعشرين , هذه المشكلة تعانيها الكنيسة الأرثوذكسية مذ وجدت وقد عالجها حديثاً سيادة مطران حماه ونجحت ولاقت الاستحسان من الكهنة والشعب في كافة الأبرشية الواسعة , فابدأ ياصاحب السيادة من إدلب وأكمل الشوط في حلب وسيكتب لك التاريخ بحروف من نور هذه البادرة التي أصبحت مطلباً جماهيرياً للجيل الصاعد والكهنة الجدد هم أبناء هذا الجيل يتوقون إلى العيش الكريم بأنفة وعزة وشرف لايخشون في الحق لومة لائم لايتأثرون إلا بآيات الكتاب المقدس وأوامر وتعليمات الرسل وخلفائهم القديسين الأطهار .

فإلى الأمام ياصاحب السيادة إلى الكمال إلى العلاء ……

وفي ختام كلمتي المتواضعة هذه والتي أرجو أن تكون قد لاقت الاستحسان لديكم , أتقدم بالشكر الجزيل لصاحب السيادة المطران والآباء الأجلاء والمرافقين الذين تجشموا عناء السفر وجاءوا لمشاركتنا الاحتفال بزفاف كنيستنا على ولدها البار إبراهيم الذي أقدم إليه أعطر التهاني وأطيب الأماني سائلاً الرب يسوع أن يحفظه ويرعاه ويلهمه كل عمل صالح وجميل .

وتفضلوا جميعاً بقبول أسمى عواطف محبتي وتقديري واحترامي

والسلام لكم

إدلب 15 / 8 / 1986

يوسف الياس خربوط

[البوابة السادسة: كتب فايز قوصرة غير المطبوعة].

من كتاب ادلب البلدة المنسية !

المسيحيون وكنيسة إدلب*

* هذا البحث مهدى إلى روح المرحوم (يوسف خربوط) الذي تعاون معي في تزويدي ببعض المعلومات الموثقة بلقائي معه في 10/4/1984م حين زارني لقد كان يتمتع بفكر تنويري متميز على غيره – فكان قدوتي في ذلك – والأهم أنه حين عين مختاراً لـ حي المسيحيين , بذل جهده لتعديل ها الاسم إلى مختار حي الحرية وتحقق ذلك , ونحن نوافقه الرأي , فأصبح الناس يتعايشون , بغض النظر عن المذهب أو المعتقد , ألستم معي في أنه قدم مثلاً حياً للمتنورين في ادلب … هذه المدرسة التي أؤمن بها وأدافع عنها في سلوكي وكتاباتي فإلى روحك الطاهرة يا معلمي أقدم هذا البحث تلميذك فايز قوصرة.

أولاً- تمهيد : يمكن القول إن المسيحية في ادلب ومنطقتها قد وجدت منذ بداية انتشار المسيحية في المنقطة بجهود دعاتها الذين أتوا من إنطاكية لنشرها في الشمال السوري , هذه الأديرة المنتشرة في المنطقة , دليل أكيد على ما نقوله ونؤكده مراراً على أن منطقة إنطاكية قد كانت المهد الثاني للمسيحية بعد فلسطين،والتي لعبت دوراً حضارياً رئيساً
في ثنايا كتابنا هذا سيجد القارئ عرضاً لأهم الأديرة والتي كانت بمثابة مدارس لتعليم ونشر الديانة المسيحية , كما كانت مناراً ونبراساً لأبناء المنطقة , فحذا الكثير سلوكياتهم ونسكهم ,
وانتشرت الرهبانية وحياة النسك والتزهد , والجلوس على عواميد مرتفعة كطريقة تعبيرية عن مذهب أخذوا به وسُموا بالعموديين , كـ عمودي كفر دريان ( جبل باريشا ) أو عمودي جبل الشيخ بركات القديس( سمعان العمودي )والمسمى الجبل باسمه جبل سمعان, وهناك جبل سمعان آخر غرب إنطاكية حيث سنجد ديراً في قمته , وسنجد عمود قد جلس عليه سمعان إنطاكية زمناً ليس بالقصير .

لقد أدت المسيحية إلى نشر فكرها في الحياة الاجتماعية والعمرانية , فهناك الكثير من النقوش التي ترمز إلى السيد المسيح وإلى الصليب والإنجيل على سواكف الكنائس والأديرة والبيوت . يمكن القول إن الكنيسة الأرثوذكسية هي الأقدم , ولغة تعني المستقيمون في الرأي , واصطلاحاً هم أتباع الكنيسة الشرقية , أو اليونانية , أو الروم الارثوذكس , وهي جمع أروام , وهو اسم أطلقه العرب على البيزنطيين والروم أيضاً .
هذه المنطقة قد كانت من الناحية الكنسسية تابعة لكنيسة انطاكيا والتي انشطرت على أثر المجمع الخلقيدوني ( 451م ) إلى مذهبين : المذهب الخلقيدوني التابع للمجمع, والمذهب المنوفيزي الذي رفض قرارات المجمع .

وقد ألف هذا الشطر المنوفيزي في القرن السادس كنيسة مستقله دعيت الكنيسة اليعقوبية, نسبة إلى الأسقف يعقوب البرادعي ثم انشطرت الكنيسة الخلقيدونية إلى شطرين أيضاً :الموارنة والروم وذلك في الثلث الأول من القرن الثامن ( 728م ) .
وقال مؤرخ كنسى لأنطاكيا إن السريان والموارنة والملكيين ( الارثوذكس والكاتوليك ) هم شعب واحد .

ومنهم أيضاً النساطرة واليعاقبة وتسموا بالسريان الارثوذكس ويؤلفون ثلاث يطركيات ( انطاكيا والقدس والاسكندريه ) وقد كان معظم بطاركتهم من اليونانيين إلى أواخر القرن التاسع عشر , ففي سنة 1899م أُنتخب البطريرك السوري ملاتيوس الدوماني منهياً النفوذ اليوناني , على إثر ذلك تعربت الكنائس الارثوذكسيه .

الروم الارثوذكس لهم بطركيتان ,الأولى في انطاكيا والتي انتقلت إلى دمشق , والأخرى في القدس ويدعون بالمسيحيين الشرقيين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسيحيو ادلب من الارثوذكس التابعين لبطريركية انطاكيا ومطرانية حلب للروم الارثوذكس . يسود هذا المذهب في أكثريته بين مسيحيي معرة مصرين ( لم يبق غير عائلة واحدة في منتصف القرن العشرين ) ومعرة النعمان ( خمس عائلات ) وفي مدينة جسر الشغور وقرى جديدة – غسانية – حلوز , وفي البرج جنوبها, وفي اليعقوبية أرمن ارثوذكس .
* *

ثانياً – عرض تاريخي موجز :بعد فتح العثمانيين هذه البلاد عام 1516م عاملوا ( أهل الذمة ) وهم العناصر غير المسلمة أو الكتابيين معاملة تقتدي بسير من سبقهم من العرب المسلمين حين قاموا بفتح سورية , فوضعت عليهم الجزية وهي بمثابة البدل الذي يدفع اليوم إعفاء من الخدمة العسكرية , ومقابل حمايتهم من كل أذى , وتحدد نسبتها سنوياً , كما أنهم رحبوا بكل من يدخل في الدين الإسلامي , ويلتحق ببلاطهم وجيشهم مقابل منحه حقوق المواطنة كاملة .

وهكذا تمكنوا بهذا الأسلوب من جذب الكثيرين نحو الإسلام , وبعد أن كان المسيحيون يشكلون الأغلبية في المنطقة أصبح المسلمون هم الأكثر عدداً , فكونوا قرية جديدة هي قرية ادلب الصغرى , وكما ذكرنا آنفاً وتحول كل من الدير ( العمري ) إلى مسجد جامع في العهد المملوكي, وتبعه موقع الجامع الكبير الذي كان وقفاً كمقام الخضر مار جرجس .

ثالثاً- مسيحيوا ادلب الكبرى :كانوا في رغد من العيش , وإمكانيات اقتصادية لا بأس بها , معظمهم كانوا ملاكين كباراً للأراضي الزراعية الخصبة المجاورة , وهناك أرض تسمى أرض الخوري بجوار موقع ادلب الكبرى , وقد تبين أنهم قد سكنوا في الحي الجنوبي والجنوبي الشرقي ,وهم من العرب الأصلاء وخاصة ( بنو غسان ) , وكان لهم بئر خاص يشربون منه يدعى بئر العصافير وبئر البريات في الحي الشرقي, هو أسم سرياني يعني بيت المعجزة ،وهو بئر روماني تنبع منه المياه ،كانت تعيش منه إمراة مسيحية و(التنكة بقرش ) ولهم كنيسة خاصة بهم وعثرنا على بقاياها كعمود باقٍ إلى اليوم (الصورة), وبموجب الوثائق الأخرى كان آل الكيالي يسكنون في هذا الحي الشرقي الجنوبي , لذلك حين هاجروا إلى الحي الشمالي في ادلب الصغرى , قد كانوا أيضاً مجاورين لهم (لآل الكيالي), كما كانوا في ادلب الكبرى , وهذا طبيعي في الحياة الاجتماعية العتيقة , كل يجاور من يعرفه , للتماسك والتضامن الاجتماعي حينذاك .. أما اليوم فقد فقدت هذه الصفة الاجتماعيه عنا بكل أسف ..!!

رابعاً – انتقالهم إلى ادلب الصغرى: بعد نهوض ادلب الصغرى ( الحالية ) اقتصادياً وعمرانياً في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي , وصدور المراسيم بإعفائها من الرسوم الأميرية والتكاليف الضرائبيه – بفضل نفوذ آل الكوبرلي فيها لأكثر من مائة عام – بدأوا بالهجرة إليها واختاروا الحي الشمالي ,وهو الحي الأقرب لأراضيهم المجاورة لادلب الكبرى , تجمعوا في زقاق الزهر القريب من بيدر آل حربا .. وسكن القليل منهم في الحي الشرقي بإدلب الصغرى حين كانوا يزاولون العمل في المعاصر والمصابن وتجارة الصابون والصباغة .

يقع زقاق الزهر مجاوراً لجامع الشيخ خليل والذي كان يسمى سابقاً باسم جامع الزهراوي , وحين قطن فيه المسيحيون دعي الزقاق باسم ( زقاق النصارى ) وحين غادره المسيحيون ظل اسم الزهر غالباً عليه , وفي هذا الزقاق كان لهم دار يقيمون الصلاة وشعائرهم فيها وأشار( بور كهارد) حين زار ادلب عام 1812م إلى وجود كنيسة في ادلب ولعلها هي هذه الكنيسة … وقد اطلعنا على وثيقة عند آل القصاص ( من سكان هذا الحي ) تعود لعام 1260هـ/1844م تذكر زقاق النصارى في المحلة الشمالية ( المجاورة لجامع الشيخ خليل ) , بوجود دكان على رأس زقاق النصارى كان قد تهدم منذ عشرين عاماً وهو وقف لجامع الشيخ خليل ( المجاور ) ولا ينتفع به وهكذا تشير ولابد أن هذا الدكان قد كان مستأجره أحد نصارى الزقاق، وحين بدأت محاولاتهم تغيير مكان سكنهم بعد مضايقتهم من قبل ( الفوضويين ) كما وصفوا بذلك

بعد زوال نفوذ آل الكوبرلي وبَيع أوقافهم ( أو سُرقتها ؟ ) أضحت ادلب إلى فوضى إدارية , وتراجع اقتصادي , أدى إلى حوادث دموية بين الأعوام 1812-1816م , ثم تلاها حوادث أخرى تعرض لها الكثير , ومنهم مسيحيوا ادلب الصغرى في الحي الشمالي من قبل ما سمي حينذاك ( الفوضويون ) .

وبما أن عمر الكيالي (1) نقيب الأشراف, ثم متسلم ادلب , أي حاكمها الإداري قضى مدة مديدة معترضاً هؤلاء الفوضويين , كيف لا ؟ أو المسيحيون قد سكن الكثير منهم في زقاقهم المسمى الآن ( زقاق النوري في الحي الشمالي ) , لذلك لجأوا إليه لحمايتهم من هؤلاء الفوضويين وقد بذل جهده لإطفاء الفتنة ,وتمكن من ذلك ليسجل موقفاً حضارياً ووطنياً غير مسبوق في تاريخ ادلب في العشرينات من القرن التاسع عشر … ونتساءل لماذا التجأوا إلى آل الكيالي ؟! الجواب كان لهذه الأسرة نفوذ كبير على المجتمع كذوي علم وتصوف, ولهم كلمتهم في الدولة العثمانية, كونهم من ذوي الأشراف ولهم صلة بآل البيت , وعمر الكيالي تولى نقابة الأشراف , لذلك لا يعترض عليهم أحد , ويستظل بحمايتهم من يأمن شر الآخرين , وهم ساهموا فيما بعد لبناء كنيسة لهم …….*للبحث بقية* . *كتب البحث عام 1988ونشر في آذار 2014م

الصورة 1- الوجيه يوسف خربوط (1925-2004م)
الصورة 2- دير وكنيسة سمعان العمودي شمال ادلب القرن الخامس ميلادي
الصورة3-دير سمعان العمودي غرب أنطاكية
الصورة4- دير العمودي في كفر دريان- محافظة ادلب
الصورة5- بقايا كنيسة ادلب الشمالية القرن الخامس الميلادي

فايز قوصرة – ادلب سورية- آذار 2014م

انتهت الاستعارة…

 

 

 

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *