العلامة محمد كرد علي المؤرخ الدمشقي الاكبر
العلامة محمد كرد علي
الرئيس المؤسس لمجمع اللغة العربية بدمشق (1919-1953).
البداية
جريدة المقتبس
تأسيس مجمع اللغة العربية
كان أول من أسس مجمعاً علمياً عربيا وهو مجمع اللغة العربية في دمشق، ثم تلاه بعض المجامع الأخرى في عدد من بلدان الوطن العربي.. عقد الآباء المؤسسون اجتماعهم الأول في المدرسة العادلية بباب البريد، برئاسة محمد كرد علي الذي تم انتخابه رئيساً مدى الحياة للمجمع في يوم 30 تموز 1919. وقد كتب باحترام شديد الى البطريرك العظيم غريغوريوس حداد بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس يبلغه عن تكليف الامير فيصل ( صديق البطريرك) له بتأسيس المجمع والدور الثقافي المرجو من هذا المجمع، ويعلمه عن مشروع انشاء متحف يضم الآثار السورية في القريب مرتبط بالمجمع وديوان المعارف يطلب منه مباركة هذين المشروعين ويرجوه تزويد المجمع مالدى البطريركية من الآثار (كما ورد في الوثائق البطريركية بدمشق)، وقد قدم غبطته ماتوفر من هذه الآثار المحفوظة في دار البطريركية…
كرد علي وزيراً
في جامعة دمشق
القاهرة تحتفي بالعلاّمة محمد كرد علي
زار العلامة محمد كرد علي (1876 ـ 1953) القاهرة منتصف العام 1933 فتم استقباله بحفاوة بالغة، وأقام له الأدباء والكتاب حفلات استقبال شخصية، كما أقام له حلمي عيسى باشا وزير المعارف المصرية حفل غداء في داره دعا إليه نخبة العلماء والكتاب، وكذا أقام له الكاتب عبد العزيز البشري، ودعته أسرة مؤسسة دار الهلال إلى حفل شاي، وكذا مجمع اللغة العربية الملكي، والجامعة الأميركية بالقاهرة.
وكانت زيارة محمد كرد علي بدعوة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة لإلقاء بعض المحاضرات القيمة فيها، والصورة التي التقطت في دار وزير المعارف عقب تناول الغداء تجمع كرد (الثاني على اليسار) وإلى يساره المضيف حلمي عيسى باشا وزير المعارف المصري، ثم رئيس مجمع اللغة العربية الملكي محمد توفيق رفعت وإلى يمينه شاعر القطرين خليل بك مطران، وحوله بعض أعضاء المجمع اللغوي الملكي والأدباء.
ومحمد كرد علي من رجال الفكر والأدب والصلاح والمدافع عن اللغة العربية. كان رئيسا لمجمع اللغة العربية في دمشق منذ تأسيسه 1919 م حتى وفاته 1953م، أصله من أكراد السليمانية، نشأ في أسرة كريمة، لأب كردي وأم شركسية، اتصل بعدد من علماء دمشق المعروفين ينهل من علمهم وأدبهم: الشيخ سليم البخاري، والشيخ محمد المبارك، والشيخ طاهر الجزائري، وقرأ عليهم كتب الأدب واللغة والبلاغة والفقه وعلم الاجتماع والتاريخ والفقه والتفسير والفلسفة.
تميز العلامة محمد كرد عليفي كتاباته الواقعية بالتفكيك المبكّر لمبالغات الاستشراق
يضمّ الكتاب مجموعة من النصوص والمقالات التي ألّفها علامتنا الاستاذ محمد كرد علي قُبيل وبُعيد اختياره من قِبَل مجمع اللغة العربية لتمثيله في “مؤتمر المشرقيات” الذي عُقد في مدينة ليدن بهولندا (أو في “بلاد القاع”، كما يسمّيها) عام 1931، والتي يردّ فيها على “ما يسري على أسلات أقلام بعض مؤلّفي الغرب، ولا سيّما علماء المشرقيات، من أمور نابية عن حدّ التحقيق والنصفة، كلّما ذكروا الإسلام وأهله، والعرب ومدنيّتهم”.
لكنّ صاحب “خطط الشام” لا يتبنّى لغةً قدحية في سياق تفنيده لمقولات الاستشراقيين غير المنصفة، بل يدخل النقاش بنظرة تحليلية تبحث عن أصل المآخذ والاختلافات بين هؤلاء المؤلّفين والثقافة العربية، وتفنّدها بهدوء، ثم تستعرض مقولات مُعاكسة لها من مفكّرين غربيين آخرين، كما هو الحال مع غوستاف لوبون.
كما لا يقع المؤلّف في فخّ الشوفينية المتعلّقة بالحضارة العربية. صحيحٌ أنه يذكّر بتقدّمها في العلوم والفنون والشعر، وبفضائلها، إلّا أنه يبقى منفتحاً على الآخر، متّفقاً مع دعوة بعض المستشرفين إلى “توحيد التاريخ في العالم، وتقليل جميع مصادر الأحقاد بين الأمم”، وذلك من خلال “نبذ كلّ ما يثير الحقد، ويدعو إلى الظنة، ويفك عرى الألفة”، مُشيراً إلى أنه “لن يتم قيام هذا المجتمع الحديث إلا بتعاون الشرق مع الغرب تعاوناً حقيقيّاً يقوم على الحرمة المتبادلة والمصلحة المشتركة، والعدل الذي لا يتجزّأ”.
محمد كرد علي يحذر الدولة السورية من المهاجرين الأكراد!
في عام 1931 قام وزير المعارف محمد كرد علي في حكومة الشيخ تاج الدين الحسني، بزيارة إلى لواء الجزيرة الذي كان قد أنشئ حديثاً… وقد لاحظ العلامة محمد كرد علي الحركة التي قامت من بناء جسور وشق طرقات وإنشاء دور للحكومة.. فكتب إلى رئيس حكومته الشيخ تاج، رسالة يطالب فيها بإنشاء المدارس الابتدائية لدعم حركة التعليم التي تقع ضمن مسؤولية وزارته.الرسالة التي نشرها محمد كرد علي لاحقا ضمن مذكراته.. تكشف جانبا هاما عن رؤيته المستقبلية إزاء تدفق الهجرات الكردية إلى منطقة الجزيرة نتيجة الثورات التي قامت ضد الدولة التركية بزعامة كمال أتاتورك، والتي بدأت بثورة الشيخ سعيد بيران سنة 1925، وانتهت بإخماد ثورة سيد رضا في درسيم عام 1938
فقد نتج عن هذه الثورات تدفق هجرات كردية إلى منطقة الجزيرة السورية، وارتفع عدد الأكراد في الجزيرة من 6000 نسمة عام 1927 إلى 47000 نسمة عام1932 الأمر الذي رأى فيه محمد كرد علي تهديدا مستقبليا لوحدة الأراضي السورية، فدعا إلى استيعاب هذه الهجرات وتوطينها، لكن شريطة ألا يكون ذلك في مناطق حدودية خشية “اقتطاع الجزيرة أو معظمها من جسم الدولة السورية” في حال حدوث مشكلات سياسية قد تؤدي إلى تمكن الكرد من تشكيل دولتهم.
وفيما يلي نص الرسالة التي تشكل وثيقة تاريخية، لباحث ومؤرخ بارز، كرديّ الهوية والانتماء.. رأى قبل تسعين عاما من اليوم… ما يجول في خاطر أبناء قوميته اليوم، وأشار إلى أنهم سيستغلون أي مشاكل سياسية لتأليف دولتهم، ولو على حساب الدولة التي استقبلتهم مهجرين ولاجئين!
• نص الرسالة / الوثيقة:
يقول محمد كرد علي في رسالته إلى رئيس الحكومة تاج الدين الحسني عام 1931 في الجزء الثاني من (المذكرات) ص440-442
” وإني لمغتبط جد الاغتباط بما رأيت من قيام أعمال مهمة في بعض أنحاء لواء الجزيرة الذي لم تضع فيه الدولة البائدة حجراً على حجر؛ فإن بضعة من الجسور والطرق والمدارس ودور الحكومة مثال من العناية بذاك اللواء الجديد والحكمة تقضي بمضاعفة هذه العناية وأن ينشأ فيه في السنة القادمة عشر مدارس ابتدائية لا تكلف أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية وينشأ جامع فخم في عين دوار.
أما عمل الأهلين في أرض الجزيرة فهو أعظم أثراً ذلك لأن الحسجة (1) التي لم تكن قبل ست سنين سوى قرية صغيرة أصبح سكانها اليوم نحو خمسة آلاف وكذلك يقال في القامشلي (2) التي لم تكن تضم قبل ست سنين سوى بيت واحد وطاحون فأصبحت اليوم تحوي اثني عشر ألفاً من السكان مخططة على صورة هندسية جديدة منارة بالكهرباء مغروسة بالأشجار، وغداً تلحق بها عين دوار وغيرها.
وتعلمون أيدكم الله، أن معظم من هاجروا إلى تلك الأرجاء هم من العناصر الكردية والسريانية والأرمنية والعربية واليهودية. وجمهرة المهاجرين في الحقيقة هم من الأكراد نزلوا في الحدود. وإني أرى أن يسكنوا بعد الآن في أماكن بعيدة عن حدود كردستان (3) لئلا تحدث من وجودهم في المستقبل القريب أو البعيد مشاكل سياسية تؤدي إلى اقتطاع الجزيرة أو معظمها من جسم الدولة السورية لأن الأكراد إذا عجزوا اليوم عن تأليف دولتهم فالأيام كفيلة بأن تنيلهم مطالبهم إذا ظلوا على التناغي بحقهم والإشادة بقوميتهم، ومثل هذا يقال في أتراك لواء إسكندرونة فإن حشد جمهرتهم فيها قد يؤدي إلى مشاكل في الآجل لا يرتاح إليها السوريون فالأولى إعطاء من يريد من الترك والأكراد أرضاً من أملاك الدولة في أرجاء حمص وحلب… ومهاجرة الكرد والأرمن يجب في كل حال أن يمزجوا بالعرب في القرى الواقعة في أواسط البلاد لا على حدودها اتقاء لكل عادية ونحن الآن في أول السلم نستطيع التفكير والتقدير.
بقيت مسألة مالية يظهر أثرها هذه السنة والعقل يقضي بحلها وأعني بها مسألة تعداد الأغنام. ومعلوم أن المواشي هي أهم مورد في لواء الجزيرة، وإذا سقطت أسعار الصوف والسمن والماشية في كل مكان كان أكثر الأصقاع تأذياً بذلك من لا مورد لهم غير شياههم وجمالهم فالشاة التي نتقاضى منها خمسة وأربعين قرشاً سورياً يؤخذ عن مثلها في العراق نحو عشرين قرشاً سورياً وفي تركيا أربعون قرشاً تركياً أو نحو خمسة وعشرين قرشاً سورياً فإذا أنزلنا هذه الضريبة إلى النصف توشك أن تدخل أرضنا قبائل كثيرة من العراق وتركيا على ما جرى من قبل ويتخذون ديارنا موطناً لهم، وننجو من التهريب الذي كان على مقياس عظيم في السنين الفائتة.
ولا بد من الملاحظة أيضاً أن الخروف الذي حال عليه الحول يساوي في قضاء القامشلي نحو 150 قرشاً سورياً ولا يساوي غير مئة قرش في قضاء عين دوار وذلك لصعوبة نقل الماشية في ربوع تعد مسافاتها بمئات الكيلومترات إلى منافذ يمكن أن تقام لها سوق رائجة”.
دمشق في 18 تشرين الثاني 1931، وزير المعارف محمد كرد علي
مؤلفاته
كتاب دمشق مدينة السحر والشعر
يروي لنا معلمنا العظيم العلامة محمد كرعلي في هذا الكتاب الخالد عن دمشق الخالدة فصولًا من عَبَق تاريخ دمشق، ومجدها التالد الذي زُيِّنت به صفحات التاريخ، حيث كانت فيه قِبلة الجمال التي يحج إليها فؤاد العرب؛ وذلك لما اتسمت به هذه المدينة من طبيعة ساحرة، وجمال عمراني، وثراءٍ شعري صوَّر آيات حسنها عَبْر ألفاظ من غزل الكلمات. كما يتحدَّث الكاتب في هذا المؤلَّف عن الأهمية التجارية التي لعبتها دمشق على مدار تاريخ التجارة القائمة بين الشرق والغرب، وما أُثِرَ عن أهلها من عادات وتقاليد وفنون أضحت فيها دمشق جوهر الجمال المكنون، فهو كتاب جامع لكل صنوف جمال دمشق تاريخيًّا، واجتماعيًّا، وطبوغرافيًّا.
خطط الشام
المجلد الأول تناول تاريخ المنطقة الشامية منذ فجر التاريخ و حتى الحروب الصليبية و دولة طجكستان و بقايا السلاجقة، غاص عبرها في تعريف الشام و سكانها و لغاتها قبل أن يتوغل في تاريخها قبيل الاسلام.
المجلد الثاني يواصل رحلته مع تاريخ المنطقة بدءً من الدولة النورية و وصولاً إلى المرحلة المتأخرة من العهد العثماني بزمن أحمد الجزار و يستطرد الحديث وصولاً لنهاية الدولة العثمانية و أسباب سقوطها.
المجلد الرابع يفتتح الجزء الرابع حيث تبدو المنطقة أكثر تماسكاً و تناول المنطقة ككل واحد بدءاً من أقدم شعوب الشام و وصولاً للأزمنة الحديثة من حيث جوانب الآداب و العلوم و الفنون و الإصلاح الفكري و متوقفاً مطولاً عند الفنون الجميلة و خصوصاً فن التمثيل.
المجلد الخامس تم تسليط الضوء في هذا الجزء على الزراعة الشامية و أنواعها و أصنافها و أماكن تواجدها و الصناعات بأنواعها و من ثم التجارة و أشكالها، و الإطلال على الجيوش و تشكيلاتها و تاريخ أساطيلها و من ثم تناول الجباية و الخراج و الأوقاف و الحسبة و البلديات و الطرق و الموانئ و المرافئ، و قد أفرد فصلاً كاملاً عن البريد و البرق و الهاتف فالمصانع و القصور، ضمن إطار الهندسة العمرانية.
المجلد السادس و الأخير أُفرد هذا الجزء للحديث عن الأديرة و الكنائس و نشاط الرهبان، ثم المساجد و المدارس و الخوانق و الربط و الزوايا و المستشفيات و دور الكتب و الآثار و من ثمَ الأديان و الأعراق و الملل و المذاهب و الأخلاق التي واكبت تلك الحقبة من الزمن. خاتماً بهذا كله بسيرة مفصلة عن حياته و نضالاته الفكرية و السياسية.
الوفاة
هوامش
(1) الحسجة: المقصود بها الحسكة، وكانت تقلب الكاف جيما.
(2) القامشلي: الاسم التاريخي لقضاء القامشلي كما عرف منذ تأسيسه، وليس (قامشلو) كما يزعم بعض الأكراد.
(3) المقصود بـ “حدود كردستان” برأي محمد كرد علي هي المناطق الجنوبية من تركيا المحاذية للحدود السورية.. وبعض مناطق شمال غرب العراق
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً