دمشق ربوع الشام…قصيدة
قصيدة
دمشق ربوع الشام…
دمشق المدينة الخالدة التي تستلقي على سرير الفل والريحان والياسمين، وقد ورث أهلها دماثة زهرها ونعومته ولينه… هي ملتقى الحضارات، ومعبر الشعوب، وملهمة الشعراء بطبيعتها الغناء، وظلالها الوارفة، دمشق لاتسلم اصالتها لأي ثقافة وافدة، مع انها كانت مسرحاً للثقافات المتعاقبة، تمثلت كلا منها دون ان تبدل هويتها السورية المشرقية، تتآخى فيها أعراق الشعوب التي عبرتها ومنها من باد وبقيت ثقافته ومنها من عبر وبقيت ثقافته ومنها من تجذر فيها وبقي هو وثقافته.
الجميع طبعته دمشق الشام بطابعها الموروث بفرادته التي لا تُفسر!
دمشق الشام ” شامة الدنيا انا ” ،وهي تقول: “أرحب بكل ضيف “…وهي بالفعل لم تغلق ابوابها بل بقيت مشرعة فاتحة ذراعيها مرحبة بكل مهاجر، لاتسد ابوابها في وجه اي ضيف، تقدم خبزها لطالبيه بلا منة، وترضى بالكفاف مع الكرامة، فلا غرابة ان يرى فيها الشعراء ملحمة القرون، وحارسة المُثل، وحصن التاريخ البهي وبوابة المشرق العصية على الغزاة…
آمن أمير الشعراء أحمد شوقي بجنتها ايمانه بجنة الله وفردوسه فقال فيها:
آمنت بالله واستثنيت جنته…………..دمشق روح وجنات وريحانُ
جرى وصفق يلقانا بها بردى………. …كما تلقاك دون الخلد رضوان
وزارها الشاعر اللبناني سعيد عقل العاشق لها بالرغم من لبنانيته وفينيقيته فسحره جمالها وتذكر عزها الغابر ايام بني امية فقال:
ضفتاك ارتاحتا في خاطري………….وارتمى طيرك في الشط وحامْ
أهلك التاريخ من فُضلتهم………….ذكرهم في عروة الدهر وسامْ
أمويون فإن ضقتَ بهم………….ألحقوا الدنيا ببستان هشام
بل عدَّ هذا الشاعر تاريخها بداية التاريخ فقال في قصيدة أخرى:
قبلك التاريخ في غفوة…………….. بعدك استولى على الحقب
فقد تلتحم مع حواضرها، ويتجدد نسيجها على مر الزمن بالمهاجرين من قراها وبلداتها، فهي لاتتميز من هذه الحواضر شأن العواصم الأخرى، لأنها تتغذى من أروقتها الشعبية، ولا تتميز من مدن سورية حتى بالاسم وتمدها الغوطة دائماً بطابع ريفي يتحدى مدينة الاسمنت ولا تزال تلك الدكوك الطينية المجففة الضخمة تفصل بين الأراضي الزراعية والدروب الترابية في عمق الغوطة الشرقية، كما تقرأ عراقتها وتاريخ حضاراتها في معالمها التاريخية الحضارية من كنائس واديرة ومساجد وخانات وحمامات…وآثاره الخالدة المغرقة في القدم…
زارها الشاعر السعودي خالد الخنين، لكن زيارته اليها لم تكن بالعابرة بل اقام فيها لعمله في السلك الدبلوماسي السعودي في دمشق، فأتاحت له تلك الاقامة الفرصة السانحة ليكتشف أسرارها، فدمشق لا تسلم طابعها للزائر العابر… يغادرها وهو يعلم أنه عائد اليها مشدود بدوافع الرضا والعرفان، وما وفرت له من طيب الاقامة ودمائة المعشر وحسن الوفادة.
كانت زيارة الخنين لدمشق كانت في نظره أشبه بالحلم الجميل، يجب ان يسترجعه على قدر ما تسمح به الذاكرة، ويسعفه التعبير، فيستهل قصيدته فيها قائلاً:
هذي هي الشام… أم هذا سنا قمر……….أطل كالحلم الأشهى على البصرِ
أم الخلود (وقاسيون) أهل شذى………. يرنو الى بردى في هدأة السَحَرْ
أْم الخمائلُ ألقت فوق ربوتها………. تاجُ الزمان… ورفت حلوة الكبرِ؟
ونلمس ان الشاعر السفير خنين (كغيره حتى الخصوم) مأخوذ بهذا العناق الأبدي بين قاسيون وبردى والربوة، ومايوفر لعاصمة الدنيا والمشرق وبني أمية من سحر وتآلف بين السهل والجبل والنهر، حتى لتذهله مفاتن الطبيعة التي لم يألف مثلها في المدن الأخرى، فيصور نشوته وكأنه طائر يحلق بين السفح والمنحدرات… يقول:
ألقي جناحيَ فوق السفح في وَلَه………..وتشرد العين في تلٍ ومنحدرِ
يا للجمال وياللسحر أبدعَه ………..كفٌ أجاد بما قد صاغ من فكرِ
حتى استوفى لوحة هذا الجمال الدمشقي الذي احتلت فيه الطبيعة مكان الصدارة، تحول الى التعبير عن اعجابه بمعالمها وآثارها التي تكاد تفصح وتبين:
يكاد ينطق هذا الصخر في يده………….. وكاد ينبض شوقاً ميتُ الحجرِ
لقد آثر هذا الشاعر أن يقيم رابطة روحية بينه وبين آثار دمشق التي تتفجر شوقاً حين يلمسها بكفه. وهو تواصل جميل يبرز مشاعره النابعة من الروابط التي تجمع الجميع.
هو يقر ويعترف من خلال احساسه ان دمشق بلده.
ويتحول الشاعر في المقطع الثاني من قصيدته الى عراقة تاريخ بلاد الشام، فقد جمعت بين آثار الفينيقيين والآراميين والهلنستيين والرومان والروم ثم المسلمين الوافدين من الحجاز، والخلافة الأموية والعباسية و… الفرنجة… ثم العثمانيين… وجميعهم اقاموا حضارات..
وتلاقحت الآثار ماقبل المسيحية مع الآثار المسيحية في كل ركن من اركان دمشق وقاسيون وغوطتها والتي منها انطلقت المسيحية الى العالم كله بعدما تنصر بولس الرسول فيها قبل 2000 سنة ومشى في الشارع المستقيم، وتلاقحت مع الآثار الاسلامية في العهود كلها…
ويربط القباب بالألواح الطينية الأوغارتية بقوله:
هنا اوغاريت والأمجاد شامخة………….هنا الإباء وما خطت يدً القدرِ
هنا الحدائق تزهو في مفاتنها…………. والخلد مدّ جناحيه مدى النظرِ
هنا القباب التي تعلو بعزتها…………..فوق الزمان وفوق السحب والمطرِ
وفية أنت “اوغاريت” فأْتلِقي……………رنات مجدكِ آياتٌ من الدررِ
ولايكتفي الشاعر بهذه الأبيات التي يلف بها تاريخ المنطقة، مبرزاً أعظم ما انجزته حضارات بلاد الشام من مآثر، لعل اهمها اختراع ابجدية اوغاريت ونشرها وما خرج عنها ، ومابذلته اوغاريت من جهود في خدمة الحرف، وتأليف المعاجم اللغوية، التي مهدت السبيل لعلم اللغة والحواسب والحضارة، ويخص خدمة التراث الاسلامي تعليماً وشرحا وتصنيفاً، حتى إذا فرغ من طوافه في رحاب هذه الأوابد والمعالم الحضارية، تحول الى دمشق الحاضر وحياة تلك المدينة الدافئة التي سرعان ماتمد جسور المحبة والترحيب وابوابها مشرعة لكل زوارها من سياح واشقاء، هؤلاء لايشعرون بالغربة فيها، وخاصة الشقيق فلسان المدينة لسانه، وأنس اهلها يشجعه على عقد مودات وصداقات مع ابنائها:
ولي أحبة عمر ها هنا تركوا…………في الذكريات بروحي أطيب الأثرِ
والعاشقون بظل الليلة موعدهم…………ما بين مشتعل وجداً ومستعرِ
والليل في دمشق ساحر ساجٍ، لايعكر صفوه ولاسيما في فصل الربيع أي منغص، ودمشق مدينة لاتعرف النوم في الليل، تتد سهراتها في المقاهي والمقاصف حتى الصباح، إذ يغادرها الساهر وهو اشد مايكون نشاطاً ويقظة، لصفاء جوها ونقاء هوائها التي تصفيه غوطتها التي هي اشبه برئة لدمشق، واللهو فيها بريءلا يسف ولا يبتذل بسبب النزعة المحافظة التي مازالت المدينة متمسكة بها، وتتميز بها، فهي تعرف كيف تقيم توازناً بين انفتاحها ومحافظتها، وذلك ماشد الشعراء الذين نظموا القصائد عنها.ومنهم الشاعر النجدي الخنين الى لياليها، ويعزز تعلقه بالعيش فيها ووفاء لمعارفه واصدقائه من ابنائها فيقول:
إني المتيم ما يوماً سلوتُ ولا………… غاب الأحبة عني في مدى العمرِ
في رعشة النبض ماغابوا وماحضروا……واينما كنت في حلي وفي سفري
هي الحياة بهم تحلوا وأجملها…………..حلو اللقاء بهم في دوحة السمرِ
بين الشآم ونجد ذكريات هوىً……………هي الطيوب على ثغر الشذى العطرِ
ويعمم الشاعر احساسه بالانتماء الى دمشق فيذكر بروابط الود التي جمعت بين الشام ونجد عبر التاريخ، ومابين البيئتين من تماثل في جمال الطبيعة وصفاء الروح، ودماثة المعشر، وكرم النفس، فإذا هو موزع القلب بين وطنه مسقط رأسه، ووطن الانتماء، وإذا قلبه غيمة معطرة توزع الحب على ارجاء الوطن العربي.
فياغمامة عمري فوق اي رُباً …………جودي بغيثك في الأرجاء وانهمري
وتبقى دمشق عند الشاعر أم الخلود، وأم الخمائل، وتاج الزمان، وهو فيها طائر مغرد يبسط جناحيه فوقمعالمها بشعور من الفرح والانسجام.
وأوابد دمشق تنطلق بتاريخها، وتحدثه عن عراقتها، وأحباؤه في دمشق واحة للأنس والوفاء على العهد.
هكذا نجد ان الشاعر النجدي الكبير خالد الخنين زائر دمشق، يضيف أثراً شعرياً الى ديوان دمشق التي مافتئت وستبقى مصدر الهام للشعراء يخلدونها في قصائدهم ، فتخلدهم وفاء محبتهم.
فعندما يتحدثون عنها بأشعارهم تكون هذه القصائد مخلدة لناظميها واسمها يكفي فهو للفخامة منطلق.
بعض من ابيات قصيدته:
“دمشق ربوع الشام…”
لك الغناء … وللاحباب اغنية……………مارق في شفة أو ذاب في وتر
هذي هي الشامُ… أم هذا سنا قمرٍ………. أطل كالحلم الأشهى على البصرِ
أمُ الخلودُ وقاسيون هلَّ شذى………….يرنو الىبردى في هدأة السَحَرِ
أم الخمائل القت فوق ربوتها……………تاج الزمان… ةرفعت حلوةالكبرِ
هنا المسرة القت بي، واجملُها………… ماجاء يرفل مزهواً بلا كدرِ
اترك تعليقاً