سور دمشق وأبوابها
توطئة
حبيبتي دمشق، ما أكثر الذين تحدثوا عنك، من أدباء ورحالة وكتاب ومحبون، نعم فمن حقهم وأيضاً هو واجب كل من استظل بك شامخة…
أنت المدينة التي تحدث عن جمالك وموقعك وهوائك ومائك… الكثيرون.
موضوعي هنا هو تكرار لما سبق وكتبه الكثيرون عن دمشق مع بعض التوضيحات والتفصيلات…
إن هذه المنطقة التي تعرف بحوضة دمشق عرفت الاستيطان البشري منذ عصور ما قبل التاريخ (العصر الحجري الحديث، النيولتيك) وها نحن أمام مجموعة من التلال الأثرية التي تعود لتلك الفترة وهي: تل الرماد وتل اسود وتل الخزامى، وتل الغريفة، وتل الصالحية، وجميعها متناثرة حول مدينة دمشق، وهي تدل دلالة واضحة على أن الإنسان العاقل اختار هذه البقعة منذ عصور سحيقة، على أن أقدم الوثائق المكتوبة عن دمشق إلى النصف الثاني قبل الميلاد.مشاهدة المزيد
نشأت دمشق كمدينة بسيطة تعتمد النظام القبلي، ثم غدت عاصمة لمملكة آرامية تعتبر إحدى أقوى الممالك الآرامية في المنطقة في المنطقة، لكن لم تجر حفريات عن هذه العاصمة، لذا فنحن لا نعرف عنها وعن تحصيناتها شيئاً، ويُرجع الآثاريون أن موقعها في جنوب المدينة ( تل السماكة)، وتذكر الروايات بأن فيها معبداً شهيراً هو معبد الإله حدد، وقصراً ملكياً حصيناً.
تتالت العصور على دمشق فهناك الاحتلال الأشوري ثم البابلي والفارسي ولكننا لا نلمس مظاهر عمرانية واضحة ومنسقة، وذلك حتى العصر اليوناني الهلنستي حيث بدأ نظام تخطيط وتنظيم هندسي ظهرت من خلاله أحياء جديدة تقوم هندستها على أساس تقسيم السطح إلى مربعات، وتقوم إلى جانب الأحياء الآرامية القديمة، وخلف الرومان اليونان، وظهرت دمشق
كإحدى المدن الداخلية الهامة، تحتوي على ساحة عامة ( أغورا) وملعب ومسرح ومعبد وثني للإله جوبيتر. واعتبر هذا المعبد من أشهر أوابد العالم القديم من حيث ضخامته وعظمة بنائه، وهو مزود بأبواب وأسوار حصينة، وأسماه العرب “حصن دمشق”، واعتبروا أسواره الخارجية أسوار المدينة اليونانية القديمة. وسمي بابه الغربي بباب البريد، ومكانه أول سوق الحميدية من جهة محلة باب البريد غرب الجامع الأموي، ويُذكر بأن هذا الباب بقي إلى زمن الملك العادل أبي بكر، فلما جدد القلعة وأقام أبراجها الكبيرة المستطيلة، أخذ من حجارة وأعمدة هذا الباب…
ظلت مدينة دمشق على مدى العصور محط أنظار الغزاة، فاقتضت ضرورات الدفاع عنها وحمايتها إحاطتها بسور من الحجارة الضخمة، فُتحت فيه أبواب للدخول والخروج، وكان ذلك في بداية العصر اليوناني، وفي العصر الروماني تمت صيانة السور، وظهرت سبعة أبواب نسبةً إلى الكواكب السبعة المعروفة في حينها، وقد نحتت رموز هذه الكواكب على الأبواب، لاعتقادهم أنها تحمي المدينة.
تقع أبواب دمشق السبعة على سور دمشق، وكانت هذه الأبواب تزيد أو تنقص حسب الضرورات الحربية، لكنها لم تتجاوز الـ10 على مرّ العصور، تهدّم بعضها، وأنشئ آخر، وهدم وأغلق عدد آخر عبر الأيام والسنين، وكانت المهمة الأساسية لسور وأبواب دمشق مرتبطة بأمن الناس، فكانا وسيلة دفاعية قوية لصدِّ المعتدين من الغرباء والغزاة عن دمشق وأهلها.
تدمرت أجزاء من السور عام 749 م، وأعيد تحصينه في عام 1174 م في عهد نور الدين زنكي، وفتحت فيه أبواب لم تكن موجودة، منها باب الفرج، وباب النصر، أما الأبواب الرومانية الأصل فسبعة فقط، وهي: باب توما، وباب السلام، وباب الفراديس، وباب الجابية، والباب الصغير، وباب كيسان، وباب شرقي.
ويروي العديد من المؤرخين، وعلى رأسهم مؤرخ دمشق الشهير ابن عساكر، وحسن البدري، ومحمد عز الدين الصيادي، وصفاً لأبواب دمشق القديمة وعلاقتها بالكواكب، وأن أبواب دمشق السبعة مرتبطة بالكواكب السبعة.
ويقول ابن عساكر عن دمشق: «بُنيت على الكواكب السبعة، وجُعلت لها سبعة أبواب، على كل باب صورة الكوكب»، ويتابع ابن عساكر بالقول، نقلاً عن أبي القاسم بن محمد: «باني دمشق جعل كل باب من أبوابها لأحد الكواكب السبعة، ونقش عليه صورته، فجعل «باب شرقي» للشمس، و«باب توما» للزهرة، و«باب الصغير» للمشتري، و«باب الجابية» للمريخ، و«باب الفراديس» لعطارد، و«باب كيسان» لزحل، و«باب السلام» للقمر.
باب جيرون
هو الباب المقابل لباب البريد، وهو الباب الشرقي للمعبد ويدعى الآن باب النوفرة، وسمي بعد القرن الخامس الهجري بباب اللبادين ويقع شرقي الباب الشرقي للجامع الأموي وينزل منه إلى الفوارة ( النوفرة) بدرج.
هذا بالنسبة للمعبد الروماني أما شوارع المدينة فقد كانت متعامدة ومنظمة، ويحيط بها سور مبني بحجارة ضخمة ولهذا السور أبواب وأبراج، شكله شبه مستطيل فأضلاعه ليست مستقيمة تماماً فالسور عادة يتبع تضاريس الأرض وما توفره من معطيات دفاعية طبيعية، لذا فإننا نجد سور دمشق في الجانب الشمالي استمر محاذياً لفرع العقرباني، وهو يحصر مساحة تساوي 106 هكتارات ويبلغ طول ضلعه تقريباً 1500م وعرضه 750 م ومزود بسبعة أبواب وهكذا اتصلت المدينة بالعالم الخارجي بشبكة من الطرق المرصوفة تخرج من هذه البواب إلى مختلف الاتجاهات، وتتوزع كالتالي: ثلاثة منها في الجهة الشمالية وهي على التوالي: باب توما، باب الجنيق، باب الفراديس، واثنان في الجهة الجنوبية وهما باب بولس( كيسان) وباب الصغير، وواحد في الشرق وهو الباب الشرقي، والسابع في الغرب ويدعى باب الجابية.
ونبدأ بالبابين الرئيسين الأخيرين
باب الشرقي أو(الباب الشرقي)
استمد اسمه من موقعه شرق المدينة، والأب أيوب سميا مؤرخ دمشق القديمة والكاتدرائية المريمية يقول عنه أيضاً انه باب الشرقية نسبة إلى بلدة الشرقية، مستنداً إلى مخطوط يوناني يعود إلى القرن العاشر الميلادي والشرقية ( اناطولي باليونانية) اسم لبلدة عامرة بسكانها.
كانت هذه تقع في الغوطة شرقاً، وتقع على ضفة بحيرة العتيبة، وكان كل سكانها من اليونانيين الذين هجروها عند جلاء الروم عن دمشق عام 635، عند فتح دمشق وبادت هذه البلدة…
يقابل الباب الشرقي في الجهة الغربية باب الجابية، وهذان البابان يحصران بينهما الشارع المستقيم الرئيس الذي يحوي أقواس نصر، ومنها ما ظهر في محلة الخراب بجانب بطريركية الروم الأرثوذكس، والكاتدرائية المريمية عام 1943 عندما وسعت محافظة دمشق المنطقة وأزالت أبنية وقفية للبطريركية منها جزء من مدرسة القديس نيقولاوس، وأزالت المسجد
الذي كان متداعياً، وبقيت مئذنته ثم جُددت، وكان هذا المسجد قد أُقيم في هذه المنطقة التي عدت الخط الفاصل بين شطري المدينة التي فتحت صلحاً وحرباً أي تذكاراً لوقوف جناحي جيش المسلمين عنده وقت فتح دمشق عام635 مسيحية، جيش أبو عبيدة الذي دخل صلحاً من باب الجابية، وجيش خالد الذي دخل حرباً من باب شرقي، أما قوس النصر ( التترابيل) فكان في منتصف الشارع المستقيم، ويتقاطع به الطريق الواصلة بين باب الصغير جنوباً، وباب الفراديس شمالاً، حيث المدينة كانت مقسمة إلى أربعة أرباع، كمدن البابليين والآشوريين واليونان الهلنستيين والرومان…
يتألف الباب الشرقي من ثلاث فتحات بشكل أقواس أكبرها، أوسطها وخلفه الشارع. أما الفتحتان الجانبيتان فخلفهما الرواقان اللذان يقعان على جانبي الشارع تحملهما الأعمدة الكورنثية الجميلة. نزل عليه خالد ودخل منه إلى دمشق عنوة، كما دخل منه عبد الله بن علي القائد العباسي حين فتح دمشق سنة 132ه/749م. وفي عهود الانحطاط سُدَّ الباب الأوسط والباب الغربي، وبقي مفتوحاً فقط الباب الشرقي الصغير إلى وقتنا الحاضر، حيث قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف إلى وضعه الأصيل.
باب الجابية
يقع غرب المدينة ويقابل الباب الشرقي، ويماثله في تصميمه وهندسته، فهو عبارة عن ثلاثة أقواس أوسطها أكبرها، وينسب إلى مدينة الجابية في حوران العاصمة السياسية للغساسنة حيث يصل الطريق منه إليها.
وقد نزل عليه أبو عبيدة بن الجراح، ودخل منه إلى دمشق صلحاً بمساعي سرجون النصراني جد القديس يوحنا الدمشقي، وخلال تتابع العصور سُدَّ مُعظمه وبقي منه فتحة واحدة وهي تقابل اليوم “سوق الدراع”.
باب توما
يقع شمال المدينة وينسب إلى أحد عظماء الروم واسمه توما وكان “بطريقاً” ( قائداً عسكرياً كبيراً) في العصر البيزنطي، وكانت عليه كنيسة عظيمة ككل أبواب دمشق في العصر الرومي، حيث كانت عليها إما كنائس أو أبراج كنسية تعلوها الصلبان، نزل عليه عمرو بن العاص يوم فتح دمشق، وتم تحويل الكنيسة إلى مسجد في العصور الإسلامية، وفي العهد الحالي تم ترميمه وتجديده وأصبح موقعه ضمن ساحة جميلة تعرف بساحة باب توما.
باب بولس
يقع في الجهة الجنوبية من المدينة عند دوار المطار، وكان هذا الباب الذي سمي “باب بولس” قد تم إنزال بولس الرسول بسلة من فوقه “وفقاً لسفر أعمال الرسل/ العهد الجديد” وقد استشهد جاورجيوس البواب الذي هَّرَّبَّه رجماً بيد اليهود الدمشقيين عقاباً له على فعلته…ودفنه
المسيحيون الأوائل في مكان استشهاده وهو الذي أصبح مقاماً على اسم “القديس جاورجيوس”، وقد تحول مع تمادي الزمان من اسم “جاورجيوس البواب” إلى اسم “القديس العظيم في الشهداء جاورجيوس” الذي يقع في مقبرة القديس جاورجيوس الأرثوذكسية.
وسبب تسميته باب كيسان هو نزول كيسان مولى معاوية عند هذا الباب أثناء الفتح الإسلامي لدمشق.
باب الجنيق (باب السلامة)
وهو يلي باب توما إلى الغرب وينسب إلى الجنيق، وهو اسم رومي…
ويعتبر واحداً من الأبواب الشمالية للسور، وبعد التحري عن موقعه وُجِدَ بأن السور بعد باب توما استمر محاذياً تماماً لنهر العقرباني، ولا اثر لباب أو قوس على السور، أو جسر على النهر يؤدي إلى الباب لذا فإنه على الأرجح وفقاً للمؤرخين أن موقع هذا الباب هو نفس موقع باب السلام أو باب السلامة، أو قريباً جداً منه. وقد أُغلق فترة طويلة تعرض خلالها للهدم حتى عهد “نور الدين محمود” حيث أقامه وفتحه، وبنى فوقه مئذنة على غرار المآذن التي أقامها فوق الأبواب.
في العصر الأيوبي تم تجديده في عهد “الملك صالح أيوب” سنة 641ه/ 1243م وتذكر المصادر بان تسميته “باب السلامة” جاءت من صعوبة دخول المحاربين منه وذلك لكثرة الأشجار والأنهار من جهته، وكان يُدخل منه للسلام على الخلفاء الأمويين، ويسمى أيضاً “باب الشريف” أو “باب الشرف الأعلى”.
باب الفراديس ( باب العمارة)
من الأبواب الشمالية للسور، ويقال بأن سبب تسميته “بالفراديس” في العصر الروماني لكثرة البساتين والمياه التي تحيط به، أما اسمه “باب العمارة” فيعود إلى القرن الثامن الهجري. فكان الناس إذا أرادوا التحدث عن هذه المنطقة، قالوا “عند عمارة الأخنائي” فغلب هذا الاسم على الباب والمنطقة التي تليه. وقد تم تجديده في عهد نور الدين محمود، وفي عهد الملك الصالح إسماعيل.
باب الصغير
يقع أيضاً في الجهة الجنوبية من المدينة في محلة الشاغور الآن، وسمي كذلك لأنه أصغر الأبواب السبعة، حين بُني وكان يسمى أيضاً الباب القبلي، نزل عليه يزيد بن أبي سفيان عند فتح دمشق، تم ترميمه في عهد نور الدين محمود، وأقام عليه مئذنة، وخلفه سويقة صغيرة ومسجد تم ترميمه حديثاً بالإضافة إلى المسجد ويسمى جامع الباشورة، وقد دخل من هذا الباب تيمورلنك سنة 803ه/ 1400م .
على مقربة منه مقبرة وتسمى باسمه تضم قبور عدد من الصحابة والخلفاء الأمويين. كم مرة فتحت دمشق في عام 14ه/ 635م وكان قادة كتائب الفتح من الصحابة وهم من نزل على أبوابها، ومنهم من فتحها صلحاً ومنهم من فتحها عنوة، وفتحت دمشق أبوابها وتمتعت بعد الفتح بفترة من الازدهار والتقدم والرفاه وخاصة في العصر الأموي الزاهي، حيث غدت دمشق، عاصمة لأكبر دولة عربية عرفها التاريخ، تمتد شرقاً حتى حدود الصين، وغرباً حتى “جبال البيرينة” في فرنسا. ولكن بعد هذه الفترة الزاهية تعرضت دمشق الحبيبة لكثير من الكوارث، والحروب والغزوات والفتن الداخلية والاضطرابات، وذلك منذ العصر العباسي. وهاهي المنطقة تتعرض لحملات الفرنجة المتتالية من الغرب، والاجتياح المغولي من الشرق، إلا أن تخلل تاريخها هذا عهوداً من الازدهار في العصور السلجوقية والأيوبية والمملوكية، ومن أهم هذه العهود عهد “نور الدين الشهيد” وعهد “الناصر صلاح الدين الأيوبي” و”العادل أبي بكر” حيث نجد دمشق في هذه العهود تحظى بقدر كبير من الازدهار والنشاط في جميع المجالات، فقد تم ترميم وإقامة وتجديد الأبواب والأسوار والأبراج، وظهرت قلعة دمشق في الزاوية الشمالية الغربية من السور، وتظهرُ نقوشٌ كتابية توثق أمر عمارة، وترميم، أو تجديد السور، أو البرج، وسواكف الأبواب… وعدد هذه النصوص 21 نصاً، أغلبها يعود إلى العصر الأيوبي والمملوكي. وجميع هذه المنشآت العمرانية أُقيمت بما يتناسب مع أنواع الأسلحة المتطورة التي ظهرت وطرق الدفاع الجديدة، وهنا لابد أن نذكر عهد “نور الدين” وما أحدثه من منجزات دفاعية تتعلق بالأبواب خاصة وهي:
* إقامة سويقة عند كل باب لكي يتمَون منها أهل المنطقة أيام الحصار، ثم صارت سوقاً دائمة ينقل إليها الفلاحون منتجاتهم الزراعية من الغوطة المحيطة بدمشق إحاطة السوار بالمعصم.
* تزويد كل باب بمسجد خاص بالحي، وعلى الباب مئذنة يمكن الاستفادة منها في عملية المراقبة.
* سد باب بولس (كيسان) وإقامة وفتح باب السلامة.
* فتح أبواب جديدة مثل
آ- باب الفرج
ويسمى أيضاً باب المناخ، ويقع في الجهة الشمالية من دمشق بين العصرونية والمناخلية. وسمي بهذا الاسم لما وجد به الناس من الفرج، وهو باب مزدوج الداخلي منه حذاء السور وبين الباب الداخلي والباب الخارجي باشورة ( سويقة) فهي بال إضافة إلى مهمتها الاقتصادية، تقوم بعملية تضليل للعدو الداخل إلى المدينة، وقد تم تجديد الباب الداخلي والخارجي في العصر الأيوبي بعهد “السلطان صلاح الدين” سنة 649ه /1251م.
ب- باب النصر
وكان موقعه عند بداية سوق الحميدية، وقد هُدم في العصر العثماني سنة 1280ه/1863م بعهد الوالي محمد رشدي باشا. أما غالبية الفترات فقد عانت المدينة من ظلم كثير من الحكام الذين كانوا يُنتدبون لحكمها، وكثيراً ما كانوا من غير العرب فظهر اتجاه انعزالي لأحياء دمشق، وخاصة تلك الأحياء التي بدأت تظهر خارج السور. وأصبحنا نرى في كل حي مرافقه الخاصة به مثل الحمام والفرن ومسجد صغير ومدرسة وسوق.
ونشأ نوع من الاستقلال والاكتفاء الذاتي، وحدث مع الزمن تكتل جماعي تم القيام به على أساس الأحياء، فصار لكل زقاق تنظيم خاص به لتوفير الحماية لسكانه، وتحصنت الحارات وراء الأبواب، حيث أصبح ثمة باب في كل حارة يُغلق مع مغيب الشمس ويفتح عند شروق شمس اليوم التالي.
كما أصبح لكل زقاق الذي تتفرع منه حارات عدة (بأبوابها) في الكثير من الأحيان باب، كان منها مثلاً “باب سريجة” و”باب زقاق البرغل” الواقع داخل السور بالقرب من باب الجابية حيث تباع هناك الآن ما يُسمى البالة ( الثياب المستعملة)…
باب مصلى
وكان يقع عند تقاطع شوارع ابن عساكر – المجتهد – الميدان – الزاهرة، ومكانه الان ساحة باب مصلى. ولهذا الباب رمزية خاصة عند مسيحيي دمشق، ففي العهد الفاطمي (هواشد العهود قهراً للمسيحيين في بلاد الشام) أمر والي دمشق بإزالة ضريح القديس يوحنا المعمدان من الجامع الأموي، فخرج سيل من الدم من الضريح باتجاه هذه المنطقة التي كانت عبارة عن ميدان الحصى تجري عليه سباقات الخيل ولم تسكن إلا بشكل قليل خارج السور، ولم تفلح صلوات المشايخ لوقف جريان الدم، عندها تمت الاستعانة بمطران دمشق الذي توجه إلى تلك المنطقة ومعه رجال الاكليروس الأرثوذكس وهم يتلون الصلوات… عندها توقف الدم عن الامتداد وبدأ بالانكفاء تدريجياً حتى دخوله الضريح، وعندما تم استيطان المنطقة ونشوء باب للحماية اسوة ببقية مناطق دمشق وضاحيتها السكنية هذه الميدان سمي بالاسم الموروث ( باب مصلى)، وهذا ما حفظته الذاكرة الشعبية المسيحية الدمشقية، وورد ذكره أيضاً في مخطوط تاريخي من مخطوطات دير سيدة البلمند.
بوابة الله أو باب مصر أو باب الله
ويقع عند حدود دمشق الجنوبية، ومكانه غير بعيد عن مسجد القدم، وهو في نهاية طريق الميدان، وسمي كذلك لاجتماع الحجيج الشامي في ذلك المكان وخروجه قاصداً مكة المكرمة والمدينة المنورة في الحجاز في الموكب المشهود.
بوابة الصالحية
والمنطقة لا تزال تحمل نفس الاسم الصالحية، وهي في مدخل حي الصالحية وأساس التسمية حي الصالحين (النساك)، وكانت هذه البوابة تفصل بين جادة الصالحية وجادة سوق ساروجة.
خاتمة
إن السور والأبواب في دمشق (والمار ذكرها) كان وجودها، كما مر، يرتبط بأمن الوطن ومصلحة الناس، وخاصة بالنسبة للفتن الداخلية التي ازدادت باقتتال مستمر بين الوحدات العسكرية، وشبه العسكرية زمن الانحطاط العثماني، وذلك حماية لسكان دمشق وحرماتهم من تعديات أولئك الرعاع الأغراب من انكشارية ودالاتية و…
وقد تضاءل الدور الذي كانت تؤديه هذه الأبواب كوسيلة دفاعية ناجحة، فلحق بها الخراب والإهمال، ونقص الكثير من أجزائها، واستمر هذا الوضع من 1830 وحتى فترة قريبة، حيث دأبت محافظة دمشق بترميم السور والأبواب، وإظهارها بشكلها التراثي مع لمسة مشوقة للسائح الغربي، الذي يجد في هذا النوع من الآثار، جمالية محببة. كما لا تزال الكثير من أبواب الحارات التي كانت فيما مضى ستراً حصينا حامياً لسكانها بارزة للعيان، تشهد لهذا التاريخ العريق لدمشق المدينة التي تكسرت على أسوارها وقلعتها كل جحافل الغزاة والطامعين وبقيت مدينة الياسمين.
اترك تعليقاً