القرابين عبر الحضارات: تاريخ وأنواع واستمرارية
على مدار التاريخ الإنساني، تنوعت الحضارات والثقافات المختلفة في جميع أنحاء العالم، ومعها تنوعت أيضًا الممارسات الدينية والروحية التي ارتبطت بها. ومن بين هذه الممارسات، تبرز ظاهرة “القرابين” كواحدة من أكثر العادات والتقاليد تأثيرًا وتعقيدًا في تلك الحضارات القديمة.
ما الذي دفع البشر القدماء إلى تقديم القرابين؟ وما هو سر هذه الممارسة الغامضة التي امتدت من الصين شرقًا إلى المكسيك غربًا؟ هل كانت مجرد إيمانات دينية تقتصر على إرضاء الآلهة، أم كانت لها أبعاد أعمق تتعلق بتطور الوعي البشري وتعبيره عن الروحانية والتواصل مع العالم الخارجي؟
في هذه المقاله، سنستكشف جذور فكرة القرابين البشرية وتطورها عبر العصور. سنتعرف على تفاصيل الممارسات القديمة للحضارات المصرية والسومرية والفينيقية واليونانية والرومانية، وكيف كانت تقدم القرابين تحمل رموز الشكر والامتنان والتواصل مع العوالم الخارجية.
ولكن هل انتهت هذه الممارسات اليوم؟ هل تلاشت في ضوء التطورات الحديثة والعلمية؟ أم أن لها بقية تعيش في بعض الثقافات والديانات ؟ سنتعمق في هذا التساؤل ونستكشف الحالة الحالية للقرابين وما إذا كانت قد اندثرت تمامًا أم لا.
انضم إلينا في هذه الرحلة المشوقة إلى عالم القرابين البشرية، حيث سنكشف الستار عن الأسرار القديمة ونستكشف الروحانية والإيمان التي دفعت البشر إلى تقديم أغلى ما لديهم للآلهة. ستتعرف على تفاصيل مذهلة وتاريخية تشكل جزءًا لا يتجزأ من رحلة الإنسانية نحو الوعي والروحانية. هل أنت مستعد لاكتشاف الأسرار القديمة؟
حسب المعتقدات القديمة ظنّ البشر أن تقريب القرابين البشرية إلى ما كانوا يؤمنون بأنها “الآلهة” يجعلهم أقرب منها وبالتالي يكسبون ودها كانت هذه الظاهرة شائعة بشكل عام في العالم ما يعني أنها ظاهرة تاريخية ارتبطت بمرحلة من مراحل نشوء وتطور الوعي البشري.
القربان الأول
“واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر” إنها قصة هابيل وقابيل ابنى آدم عليه السلام والذى يعد أوّل قربان فى التاريخ لكن الأمر تطور جدا منذ ذلك التاريخ فيما يتعلق بالقربان فكيف حدث ذلك؟
أن هابيل وقابيل هما صاحبا أول قربان معروف فى التاريخ حيث قدّم هابيل وكان صاحب أغنامٍ وماشيةٍ جِذعةً سمينةً وأما الآخر أى قابيل فكان صاحب زراعةٍ ويعمل بها فقدم حُزمةً من الزرع الردىء السىء واحتفظ بنفسه بالزرع الجيد فنزلت النار بأمرٍ من الله تعالى فأكلت قربان هابيل دليلًا على قبوله وتركت قربان قابيل كما هو، ونتيجةً لذلك قام قابيل بقتل أخيه هابيل.
وتشير قصة النبي إبراهيم عندما رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل إلى هذا المشهد المتعلق بالقرابين لكن مشيئة الله تدخلت لتنقذ الابن ويتم فداؤه بكبش من السماء.
لكن ماهو تعريف القربان:القربان هو كل ما يتقرب به الإنسان من معبوده وكلمة “قربان” سريانية أصلها “كوربونو”وهى التقدمية التى يقدمها الإنسان لله أو يقدم نفسه قربانًا أى تسليم قلبه ومشاعره ومشيئته.
اما عند المصريين القدماء تُعرف باسم تقدمة القرابين أو «حِتب دِى نِسو» (قربان يقدمه الملك) وكانت تتكون غالبًا من مجموعة محددة من الكلمات التى يمكن من خلال قراءتها تحقيق الإفادة الفعلية لروح المتوفى من خلال تفعيل القيمة السحرية للكلمة التى تتحول بالفعل إلى قرابين حقيقية بناءً على إيمان المصرى القديم بقوة وفاعلية الكلمة من خلال ترديد وتلاوة التعاويذ السحرية.
هناك عدة أنواع من القرابين ومنها
1. القرابين البشرية
يشير إلى تقديم البشر كقربان للآلهة في بعض الثقافات القديمة التي كانت تعتقد أن لحم الإنسان هو طعامًا مقدسًا.
ويل ديورانت في كتابه «قصة الحضارة» أن الإنسان القديم في وقت الحاجة وشُح الكلأ لجأ لأكل أخيه الإنسان فاستساغه جدًّا بل ظن أن لحم الإنسان هو قمة أطايب الطعام وظل ذلك التصور لدى القبائل الآكلة للحوم البشر وبما أن القربان في شكله الأبسط هو طعام للآلهة فربما رأى الإنسان أن أفضل ما يقدم للإله المعبود من الطعام هو الإنسان ذات نفسه وهو أعلى مرتبة في الأضاحي أو الأطعمةوبذلك ظهر مفهوم الأضحية البشرية.
2. القرابين الحيوانية
يشمل تقديم الحيوانات كقرابين للآلهة، مثل الخراف والأبقار وغيرها، سواء كانت تؤكل بالكامل أو يتم حرقها.
كاملة وهو ما سمي في اليونانية القديمة “بالهولوكوستوس” أو Holokaustos أي الحرق الكامل أو الحرق الجزئي مع الاستفادة أو التبرع بجزء من الأضحية أكثر أنواع القرابين شيوعاً وكان وأهم الحيوانات التي بها تقرب الإنسان للإله المعبود هو الخروف.
كان المعتقد أن القرابين الحيوانية السبيل الوحيد إلى نجاة الإنسان من الموت الشنيع لكن حدث توسع فى هذا المفهوم جعل القدماء لا يرون عملا من أعمالهم إلا ويحتاج قربان فولادة المولود يحتاج إلى قربان والشفاء من المرض يجتاج قربان ووفاء الآلهة يريدون تحتاج قربان حتى الموت كان له قربان.
3. القرابين النباتية
اعتقد الإنسان فى العصور القديمة أن الآلهة هى التى تمتلك الأرض والحقول والمزرعات وحينما يتقربون منها بذلك فإنما يؤدون واجبا دينيا يسددون فيه ما عليهم لمالك الأرض وخيراتها وفى بلاد ما بين النهرين كان الساميون يتقدمون من آلهتهم يوميا بأصناف الأطعمة المختلفةكالخضروات والفواكه والطحين والعسل و غيرها وقدم العرب أيضا القرابين النباتية لألهتهم ولأصنامهم كغيرهم من الشعوب السامية وقد تمثلت هذه القرابين النباتية ببواكير المحاصيل والنخيل.
يذكر أن بعض العرب خاصة أهل المدر والحرث كانوا إذا حرثوا أرضا أو غرسوا غرسا خطوا فى وسطه خطا يقسمه إلى قسمين وقالوا ما دون هذا الخط للآلهة.
4. التماثيل أو الدمى
مع امتداد الزمن أعفى عامة الناس من تقديم القرابين وصارت الدمى بديلة عن القرابين البشرية والحيوانية وق عرف السومريون والساميون فى بلاد ما بين النهرين هذه الظاهرة وهى ما تسمى بظاهرة البدل فنجد تموز القتيل كا بديلا عن صعود الخصب والحب والنماء عند السومريون إلى السماء بعد موتها شرط أن ترسل تموزا زوجها بدلا عنها إلى العالم السفلى والإنسان العربى أيضا عرف التماثيل كقربان مقدم للآلهة فإذا كان القربان بشريا كان التمثال على هيئة بشرية وإذا كان حيوانا قدم تمثالا على هيئة حيوانية.
5. الاسقف والقباب
كثرا ما ضرب العرب قديام الأسقف والقباب على قبور موتاهم، لتكون قرابين يتقربون بها إلى آلهتهم ليهنأ موتاهم فى العالم الآخر وخاصة وأن العرب تعتقد أن الروح حية تعى وتسمع تسر وتحزن مما دفعهم إلى زيارة تلك القبور والإقامة عليها أياما وشهورا.
6. الأباريق
من جملة ما قدمه القدماء ومنهم قدامى العرب لآلهتهم كانت الأباريق وهى لسكب السائل المقدس وقد يكون هذا السائل ماء أو نبيذا أو دما وهو دم القربان المضحى به.
وللأباريق قداسة مستمدة من قداسة الشراب المسكوب فيها فالإبريق قرين الظبى الأبيض المقدس والمتصومع فوق الجبال يتحلى بلباسه الأبيض يتطيب بأفضل الرياحين
( دكتورة ميرنا القاضي
مرشده سياحية وباحثة في علم المصريات والشرق الأدنى
جريدة ديلي بريس /مصر)
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً