الحوار المسيحي-غير المسيحي
- ماهي ضرورة وأضرار الحوار المسيحي-غير المسيحي والذي نشهد له اليوم المزيد من المؤيدين والناقدين معاً؟
- ماهي الأسس الواجبة لهذا الحوار ليكون حواراً بناءً؟
لدينا هنا بصفتي كنت فيعضوية اللجنة المسكونية المحلية الدمشقية في الفترة الممتدة بين منتصف العقد الأخير من القرن 20 ومنتصف العقد الاول من القرن الحالي ومارست الحوار في اطار مجموعة الحوار الاسلامي- المسيحي المسكوني العربي والندوات واللقاءات اتي جرت في دمشق والتي تتوجت في ندوة”نحيا معاً في وطن واحد.” التي جرت برعاية غبطة المثلث الرحمات ابينا البطريرك اغناطيوس الرابع رائد الحوار انطاكياً مشرقياً وسوريا ولبنانياً ومسكونيا محليا وعالمياً…
لدينا رأيان من ابوين مخضرمين عالمين من ابرشية جبل لبنان هما الارشمندريت توما البيطار رئيس دير عائلة الثالوث المقدس في دوما الارثوذكسي، والاب الدكتور جورج مسوح راعي رعية مدينة عاليه بجبل لبنان الارثوذكسية…
ونقول نحن بداية
ان الحوارهو ميزة العصر ووجوب التواصل، على كل صعيد، أمر مرغوب فيه في عالمنا اليوم من شريحة عقلانية ترى فيه وسيلة للتقارب مع المخالف لتلافي اي خلاف في شتى المجالات التي أنشأت خلافاً او من الممكن ان تنشىء خلافاً جديداً بدءاً من الاسرة بين الزوجين والاولاد عند الكبر، مروراً بمفاصل الوطن كخلاف سياسي وديني وطائفي في المجتمع فالوطن…
طبعاً وراء هذا الميل شعور بالحاجة الى التعارف والاستفادة من الغنى الثقافي عند الآخر وحل المشكلات بين الأفراد والجماعات والوصول الى توحيد البشرية.ونشير بالمقابل الى ان فريقا كبيرا يشعر بفوقيته على الاخر يرفض الحوارويفرض رأيه ولاتتعدى مشاركته في الندوات اكثر من الظهور المجامل والتقاط الصور التذكارية وتناول الطعام واصدار البيانات…ويعود هو والفريق الآخر للتمترس كل في موقعه مع كل التداعيات اللاحقة التي تصل الى حد الكارثة في الكثير من الأحيان.
يقول الارشمندريت توما البيطار
“الحوار شأن بشري يطرح على البحث قضايا الناس. وثمة تصور أن الحوار خير وسيلة للحد من الحروب والصراعات والتوتر بين الشعوب. كأننا بالخلافات الفكرية في أساس الخلافات بين الأمم.
الحوار الديني المسيحي-غير المسيحي، يجري في هكذا خلفية ويتراوح القصد منه بين التلاقي الثقافي الديني وايجاد قواسم مشتركة تساهم في توحيد الأديان.
مسيحياً يمكن أن يكون مفيداً إذا ماكان بالقصد منه معرفة كيف يتصور الآخر نفسه وتعريفه بصورتنا عن أنفسنا.
لاشك أن هذا يمكن أن يزيل الكثير من الأفكار المغلوطة عنا في أذهان الآخرين وعن الآخرين في أذهاننا. كما يمكن أن يساهم في التخفيف من حدة التوتر بين، الأفرقاء، لاسيما في بلد طائفي كبلدنا. ما يصبح ضاراً في مثل هذا الحوار هو أن نناقش موضوع الايمان كجملة مفاهيم ومقولات ونحاول أن نجد قواسم مشتركة بيننا وبين الآخرين أو ننتزع اعترافات متبادلة بديانة أحدنا الآخر.
بالنسبة لنا المسيحية هي المسيح. فاذا لم يكن الآخر مؤمناً به فلا جدوى من محاورته ومباحثته ومجادلته في أمور ذات طابع ايماني.
الآخر، في مثل هذه الحال، بحاجة الى تبشير لا الى حوار. يشار الى أن الحوارات الدينية تأتي في الكثير من الأحيان لتحملنا على غض النظر عن الكرازة بالانجيل والاكتفاء بالحوار. الحوار، في هكذا سياق، لايكون له في العمق، هدف ايماني بل هدف اجتماعي سياسي ثقافي، ويكون، تاليا، ذراً للرماد في العيون لأنه يتعاطى مفاهيم دينية.”
انتهى كلام الارشمندريت بيطار.
أما الأب د. جورج مسوح فيقول
“يتحاشى أهل الحوار المسيحيّ الإسلاميّ كلّ ما له صلة بالشأن اللاهوتيّ. هم يعتقدون أنّ الحوار اللاهوتيّ لن يؤدّي إلى نتيجة، بل سيؤدّي إلى التنافر والخلاف. فيكتفي أهل الحوار الدينيّ بالبحث في قضايا العيش المشترك والمواطنة والأخلاق العامّة. هي مواضيع هامّة، ولا سيّما في بلادنا حيث يتفوّق الانتماء الدينيّ والطائفيّ على الانتماء الوطنيّ. لذلك يستولي أهل الحوار الدينيّ على المسائل التي ينبغي على المجتمع المدنيّ علاجها، غير عابئين بصميم المواضيع التي ينبغي أن يتناولوها في العمق.
بيد أنّ أيّ حوار مسيحيّ إسلاميّ، وإن كان ينأى بنفسه عن الحوار العقائديّ، لا بدّ من أن يبنى على قواعد لاهوتيّة أو كلاميّة راسخة. فالنظرة إلى الدولة، وحرّيّة الإنسان ودوره في المجتمع، وقبول التنوّع والاختلاف الدينيّ والمذهبيّ، والاحترام المتبادل، وسواها من الموضوعات التي تهمّ الإنسان المعاصر، لا يمكن أن تكون مثمرة، في مجتمعاتنا التي يؤدّي الدين فيها دورًا أساسيًّا، ما لم تتأسّس فكريًّا وتتأصّل دينيًّا. أمّا سوى ذلك فليس سوى كلام عامّ يكتفي باللقاءات والبيانات التي لا جدوى منها.
كانت بدايات الحوار المسيحيّ الإسلاميّ أكثر اهتمامًا بالموضوع اللاهوتيّ، وبخاصّة ما يتعلّق بالاعتراف بأنّ المسيحيّين والمسلمين إنّما يعبدون الإله نفسه، خالق السموات والأرض. فعلى الصعيد المسيحيّ العامّ أقرّ المجمع الفاتيكانيّ الثاني بأنّ المسلمين “يعبدون معنا الله الواحد، الرحمن الرحيم، الذي يدين الناس في اليوم الآخر” (الدستور العقائديّ في الكنيسة، 1964). أمّا على الصعيد المحلّيّ فقد أصدر المشاركون في الحوار الإسلاميّ المسيحيّ الذي دعت إليه “الندوة اللبنانيّة” (1965) بيانًا مشتركًا أكّدوا فيه “تلاقي الديانتين في إيمانهما بالله الواحد”.
بعد هذه الفترة وبدء الحرب في لبنان، بدأ الحوار المسيحيّ الإسلاميّ يتقهقر على الصعيد العقائديّ، إذ بات خارج إطار الاهتمامات المباشرة للعاملين عليه. فما اعتُبر فتحًا منذ خمسين عامًا، وبدايةً واعدةً للقاء مسيحيّ إسلاميّ ثابت وراسخ على أسس عقائديّة وفكريّة دينيّة، لم يتمّ استثماره عبر نشره في أوساط العامّة، ولا حتّى في أوساط الإكليريكيّين وشيوخ المسلمين. فالمتزمّتون عقائديًّا هم اليوم الأغلبيّة الساحقة في كلا الديانتين، وهذا بحدّ ذاته يعدّ أكبر انتكاسة شهدها الحوار المسيحيّ الإسلاميّ منذ انطلاقه.
طبعًا نحن لا نتّخذ معيارًا لنجاح الحوار العقائديّ أو لفشله التوصّل إلى صياغات مشتركة في مسائل عقائديّة. فالحوار العقائديّ ينبغي ألاّ ينزلق إلى التوفيق أو إلى التلفيق بين عقائد مختلفة وقناعات متناقضة، ففي هذا نفاق كبير. غير أنّ الحوار يسهم في إزالة الالتباسات والأحكام المسبقة المبنيّة على سوء فهم لمعتقدات الآخر، ذلك أنّها لا تهتمّ بمعرفة الآخر كما هو يقدّم نفسه. من هنا نستعير مقولة المطران جورج خضر “الحوار العقائديّ هو للإيضاح والاستيضاح”، فالمعرفة الحقيقيّة تبدأ بالإصغاء المتبادل والنقاش العلميّ الهادئ توسّلاً للوصول إلى جلاء عناصر الاتّفاق ومواضع الاختلاف.
يحدّد الأب عادل تيودور خوري العوائق الأساسيّة التي تمنع تقدّم الحوار المسيحيّ الإسلاميّ على المستوى العقائديّ، ومنها: المعرفة غير الكافية لمعتقد الآخر، الفوارق الثقافيّة، العوامل الاجتماعيّة والسياسيّة، الفهم الخاطئ لبعض المفاهيم والمقولات، الاكتفاء بالذات وعدم الانفتاح، عدم الاقتناع بقيمة الحوار… ويصل خوري إلى التمييز بين الحقيقة التي تكون مطلقة حين تتعلّق بالله، وبين الحقيقة التي تصبح نسبيّة حين تتعلّق بالفهم الإنسانيّ لهذه الحقيقة المطلقة. فيقول: “إنّ الله متعالٍ. والله هو الحقيقة المطلقة (…) وهذه الحقيقة في الإنسان ليست بمطلقة، ولكنّها نسبيّة دائمًا، أي أنّها لا تزال ناقصة، بحاجة إلى الزيادة والاكتمال. هي ليست بمطلقة، ولو كان محتواها يتعلّق بالله وحقيقته المطلقة. فالله، وإن أوحى بحقيقته، يظلّ متعاليًا، أي فوق قدرة الإنسان على الاستيعاب، وفوق المفاهيم البشريّة وكلام البشر” (مدخل إلى علوم الأديان، المكتبة البولسيّة، ص 68).
لا يسع أيّ ديانة أن تمتلك الحقيقة أو أن تحصر الله بها. الله يمتلكنا جميعنا بالإيمان الذي نعتنقه. الله يبقى حرًّا من كلّ تعبير بشريّ عنه. الله أكبر من أيّ تحديد لاهوتيّ. هذا يعني أن نتواضع أمام سرّ الله وأن نقبل من منطلق إيمانيّ محض أنّ الله إله جميع الناس، بمَن فيهم الملحدون وغير المتديّنين. فنبني مجتمعنا على هذا الأساس مقتنعين أنّ احترام الإنسان وكرامته وحرّيّته أهمّ بما لا يقاس من البحث عن هويّته والتعامل معه انطلاقًا من هذه الهوية، لا انطلاقًا من كوننا جميعًا نتساوى في الإنسانيّة.
الأب جورج مسّوح
أختم بالقول
لو فهمنا معنى الدين لما حدث ما يحدث الآن.. جميع الديانات لها تعاليم انسانية وأخلاقية لنتعلم بها.. وتنتهي الصراعات…
انا ديني انسان وطائفتي سوري…
لا بل انا سوري بحضارتي افتخر…
من مصادر البحث مقالنا “خربشات سياسية…6 تشرين الأول 2018
حوار الأديان وتقاربها”
اترك تعليقاً