مكتبة الاسكندرية

أين اختفت مكتبة الإسكندرية التاريخية؟

أين اختفت مكتبة الإسكندرية التاريخية؟

أين اختفت مكتبة الإسكندرية التاريخية؟

مقدمة عن مكتبة الإسكندرية

يُعتبر إنشاء مكتبة الإسكندرية من أهم الأحداث الفارقة التي شهدتها الأزمنة القديمة، حيث كان الملوك البطالمة قد خَصُّوها بأموال ضخمة بهدف جمع أدب اليونان من مختلف المصادر.

وقد قيل إن البطالمة -في سبيل بناء المكتبة الوليدة- كانوا يُصادِرون ما تحمله السفن من الكتب عند رُسوها بميناء الإسكندرية، وأنهم حينها استعاروا من أثينا أعمال مؤلفي التراجيديا الثلاثة العظام:

(ايسخليوس 525 – 456 ق.م / سوفوكليس 496 – 406 ق.م / يوريبيديس 484 – 406 ق.م) حيث احتفظوا بالنصوص الأصيلة من أعمال هذه الشخصيات، بينما أعادوا نسخاً منها فقط.

النموذج

لم يُفلِح الباحِثون في التحَّري عن النموذج الأصيل لهذه المكتبة، وبالرغم من وجود نظام ممتاز للمحفوظات والسجلات العامة في مصر القديمة، إلا أنه لم يَرِدْ ذِكْرُ أي مكتبة يمكن مُقارنتُها بمكتبة الإسكندرية.

وما كان معروفًا فقط؛ هو أنَّ المعابد كانت بها مكتبات مُتصِلَةَ بالمحفوظات وذلك للأغراض الدينية والتعليمية.

المقارنة مع مكتبة آشور بانيبال

وفي المُقابِل؛ هناك مجموعات مُشابِهةً لهذه في السجلات الإدارية، وفى البقايا الأدبية، وذلك في معابد الحضارتين الآشورية والبابلية في بلاد الرافدين، وأهمها في الحجم والمضمون مكتبة آشور بانيبال التي كُشِفَ عن ألواحها الطينية أثناء عمليات التنقيب بالقصر الملكي في مدينة نينوى (قرب الموصل) وذلك في منتصف القرن الماضي، وكان هو نفسه (الملك آشور بانيبال) على قدرٍ كبيرٍ من العلم والثقافة، حيث قام بجمع آداب بابل وآشور جمعًا مُنظمًا.

وكانت مُقتنيات المكتبة الآشورية من الأعمال الفكرية والوثائق، إلى جانب الرسائل والنصوص الدينية والتواريخ وغيرها مما كُتِبَ في فروع المعرفة المختلفة، والتي دلَّت على الغرض الذي جُمِعَت من أجله وهو خدمة الدولة والكهنة وتخليد شهرة مؤسساتها وتنمية المعرفة العلمية.

مكتبة آشور بانيبال تجسد عظمة تاريخ العراق القديم
مكتبة آشور بانيبال تجسد عظمة تاريخ العراق القديم

ويري الأستاذ الفريد هيسيل أنَّه رغم وجود شبه كبير بين مكتبتي نينوى والإسكندرية؛ إلا أنَّه يتعَّذر حتى الآن إقامة صِلَةً مُباشرَة بين المدينتين ومكتبتيهما، حيث كان يفصل بين تاريخ إنشائهما نحو أربعة قرون من الزمان، وهي فترة حكم ملوك الميديين الفرس للعراق، والذين لم يظهر لديهم أي ميول للاهتمام بالمكتبات.

ومن جِهَة أُخرى؛ يرى هيسيل أنَّ التنظيم الداخليَّ الهيلينيَّ يُشابِه نظيره بالمكتبة الآشورية من حيث طريقة مُعالجة المواد المكتبية في كليهما، وذلك بالرغم من اختلاف مادة الكتابة (الألواح الطينية) في نينوى عن لفائف البردي في الإسكندرية.

هندسة مكتبة الإسكندرية

يُعزى تخطيط مكتبة الإسكندرية إلى (بطليموس سوتر- بطليموس الأول 367 – 283 ق.م) وهو أحد قُواد الإسكندر الأكبر ومَلِكُ مصر 323 – 285 ق.م ومُؤسس دولة البطالمة.

أما تنفيذ خطة الإنشاء؛ فيُنسب لابنه (بطليموس فيلادلفوس – بطليموس الثاني 308 – 246 ق.م) ومَلِكُ مصر 285 – 246 ق.م، والذي بَنَى منارة الإسكندرية عام 280 ق.م، وجعل المدينة الساحلية مركزًا للثقافة الهلينية.

كاتب قديم
المكتبة أمدت البشرية بعدد وافر من المراجع العلمية

كانت المكتبة مُقسَّمة إلى قِسمين: الأكبر منهما في القصر الملكي في حي البروكيوم من أحياء الإسكندرية، والقسم الأصغر في معبد (سيرابيس) إله الشِفاء عند القدماء المصريين.

حريق .. وضياع اللفائف

ومن ثمَّ تَهدَّمَ القسم الأكبر من المكتبة إثر غارة يوليوس قيصر على الإسكندرية عام 47 ق.م، ونشب على إثرها معركة بحرية نتج عنها حريق هائل أتلفَ دار صناعة السفن وما جاورها من المباني وفيها مكتبة الإسكندرية، لتصبح “السيرابيوم” المركز الحقيقي للكتب في المدينة، وتُعتَبَر مَكتَبَتُهُ في أكثر المصادر والمراجع مُلْحَقًا أو (أختًا) للمكتبة الأصلية “الهروكيوم”.

كانت كُتبُ مكتبة الإسكندرية مُدوَنةً على البردي وعلى الرقيق على شكل لفائف، وقيل إن عددها بلغ حوالي 400,000 لُفافَة مُنَوَعة، ونحو 90,000 لُفافَة مُفرَدة أي لمصنف واحدٍ ولِمؤلفٍ واحد.

ورقه
المكتبة تعرضت لأكثر من حريق جاء على مكوناتها

وفي أحد المصادر قيل إنَّ المقتنيات -في المكتبة الأصلية وفي المُلْحَق معًا- بلغت 532,800 مَلفوفَة.

وعلى أية حالٍ؛ فقد قُدِرَ عَدَدُ لَفَائِفُ البَردي التي جُمِعَت بِعِدَةِ مئات من الآلاف، وهو قَدرٌ هائل حتى وإن اتضح أنَّ كثيرًا منها كان مُكررًا وأن العمل الأدبي الواحِدَ كان يَقَعُ في عِدَةِ لَفائِف.

ويَبلُغُ طول معظم الملفوفات البردية حوالي 20 قَدَمًا وهي غَيرُ مطوية، كما يَبلُغُ عرضها حوالي 10 بوصات أو قدمًا كاملاً.

والبَردِيَةُ الواحِدةُ بهذه الأبعاد يمكِنُ أن يُسجل في أحد وجهيها حوالي 60 صفحة بمُتوسطِ 30 سطرًا للصفحة الواحدة، وفي مُعظم الحالات يُستخدم وجه واحِدٌ للبردية.

كما أن عددًا غير قليل من الكتب كان يتطلب أكثر من بردية واحدة، ويُستَنتَجُ من ذلك أن المُقتنيات لم تصل إلى مليون مُجلَّد، بل إنها كانت أقل كثيرًا من نصف مليون كتاب بمقياس الإحصاءات الحديثة.

تقسيمات مكتبة الإسكندرية

أما عن تقسيم مكتبة الإسكندرية من حيث المباني؛ فليس هناك من المعلومات الكافية إلا ما توصَّلت إليه الحفريات الألمانية في برغامة في نهاية القرن الماضي.

وكانت المكتبة هناك من إنشاء الأتاليين، ويُعتَبَر (يومينس الثاني 197 – 158 ق.م) مُؤَسِسًا لها، فقد أُكتُشِفَ بالقرب من معبد (آثينا بولياس) رُدهةً مكشوفةً يُحيطُ بها رَواقٌ ذو أعمدة مُؤلف من طابقين أٌلحِقَت به أربع قاعات.

وفى كبرى هذه القاعات؛ تم العثور على تمثالٍ كبيرٍ لآثينا على قاعِدَتِهِ نقوشٌ عن بعض كبارِ الكتاب في آسيا الصغرى ومنها نصٌ منشور عن هوميروس.

ويَتَمًثلٌ في هذه المكتبة نَمَطُ بِناءِ المكتبة القديمة، فمثلا، كان يُمَثِلُ قاعة الدرس، وتُزيِنُ التماثيل مدخلها، وتُخًزَّنُ الكتب في القاعات الباقية، والمبنى كله مُلحقٌ بالمعبد

اختفاء الكتب والأعمال

ن الأمر الذي لا يتطرق إليه الشك هو أنَّ مكتبة الإسكندرية القديمة قد اختفت وزالت واندثرت، ولم يستطع التاريخ أن يحفظ لنا الأعمال والكتب التي ضمتها.

فالأدلة متوافرة على أن المكتبة العظيمة القريبة من الميناء قد تم حرقها بالكامل أثناء حرب قيصر مع جنود الإسكندرية عام 48 بعد الميلاد.

أما المكتبة الابنة -التي أصبحت بعد احتراق المكتبة الملكية هي الرئيسة في الإسكندرية- فقد واصلت عملها لتلبية حاجات الدارسين والباحثين على مدى أربعة قرون.

والسبب في ذلك أنَّ المكتبة الابنة تقع ضمن “السيرابيوم” التي تتمتع بالحماية الدينية، حيث إن المعابد الوثنية بقيت محافظة على قدسيتها وأمْنِها.

مكتبة الاسكندرية
مكتبة الاسكندرية

تدمير المعابد

ولكن هذه القُدسيَة أخذت في الانحسار وذلك بعد إعلان المسيحية دينًا رسميًا في الإمبراطورية، وبلغ الأمر أشده عندما قام الإمبراطور الروماني ثيودسيوس الأول (346 – 395 ق.م) بحملة شاملة ضد الوثنية ومعابدها في جميع أنحاء الإمبراطورية.

وقد استطاع أسْقفُ الإسكندرية المُتعصِب ثيوفيلوس الحصول على مُوافَقَة الامبراطور بتدمير معابد الإسكندرية وتحويل معبد “السيرابيوم” إلى كنيسة.

ورغم تدمير هذا المعبد عام 391 م؛ غير أن هناك خلافاً حول مصير المكتبة الابنة، إذ يقول عالم اللاهوت اليوناني ومؤرخ الكنيسة ثيودوريت (458 – 393 م) بأن المعبد قد دُمِّرَ إلى أساساته.

كما قال شاهِدٌ آخر هو يونابيوس بأن يثوفيلوس وأتباعَه قد قاموا بتدمير المعبد ومحتوياته، ولكنهم لم يتمكنوا من اقتلاع الأساسات بسبب ضخامة الكتل الحجرية وتَعذٌرِ تَحرُكِها.

ومع كل ذلك؛ فهناك من يرى بأن ثيوفيلوس لم يكن يقصِد تدمير البناء بل تحطيم مكان عبادة الوثنية فقط. وليس هناك مبرر في أنه كان يهدف إلى محو جميع الكتابات الماضية.

وصف السيرابيومو

يُمكن الرجوع إلى كتابات أفثونيوس -الذي زار الإسكندرية في القرن الرابع وأَلَّفَ كتابًا عن (وصف قلعة – اكروبولس) الإسكندرية، ويقصد معبد السيرابيوم-، وقد قال في معرض وَصْفِهِ ما يلي:

“في الجهة الداخلية المؤدية إلى صفٍ من الأعمدة؛ بُنيت غرفٌ خُصِصَ بعضها كخزائن للكتب لاستخدامها من قِبَلِ أولئك الذين كرَّسوا أنفسهم لطلب العلم، وقد كانت غرف الدراسة هذه هي التي رفعت من شأن المدينة لتحتل مكان الصدارة في الفلسفة، وهناك غرف أخرى أُقيمت لعبادة الآلهة القديمة”.

مكتبة الإسكندرية
المكتبة أحد أهم العلامات المضيئة في تاريخ المدينة

وقد تَبَنْىَ هذا الوصف الدارسون المعارضون، لأنه يُثبت أن أفثونيوس قد رأى بالفعل خزائن الكتب حين زار “السيرابيوم” على أنَّ الاختلاف قد نشأ حول تاريخ الزيارة الذي لم يكن معروفًا على وجه التحديد.

وقد ذهبت إحدى وجهات النظر للقول إن الزيارة المذكورة حدثت قبل سنة 391 م (وهو العام الذي حدث فيه تدمير معبد السيرابيوم)، لذلك فإنها لا تُقدِمُ دليلاً على ما حدث للمعبد عام 391 م.

وهناك رأي آخر يقول إن الزيارة حدثت بعد عام 391 بدليل أن الكتب بقيت موجودة في أعقاب تدمير المعبد.

وبالنظر إلى قلة المعلومات حول حياة أفثونيوس؛ فقد تم الاعتماد على صيغة الوصف التي اتضح أنَّها استَخْدَمَتْ صيغ الماضي في وصف الأحداث.

كما يُمكن الاستنتاج بأن افثونيوس ذكر في وَصْفِهِ بأنَّ هناك غرفًا خُصِصَ البعض منها لخزائن الكتب والبعض الآخر لعِبادة الآلهة القديمة.

وبالتالي فليس من المعقول تَقَبُلِ وصف أماكن لعبادة الآلهة بعد أن قام أفثونيوس بتحويل المعبد إلى كنيسة، والأمر الذي لا يُشَكُ فيه هو أن هذه المعالم لابد أنْ تكون غير موجودة وقت الكتابة بعد عام 391 م.

انقسام

وقد حدث في القرنين الرابع والخامس انقساماً في داخل الكنيسة بين مُتسامِحين ومُتَزَمتين حيال ما ينبغي اتخاذه من العلوم الوثنية القديمة.

وقد مثَّل المُعتدِلون جماعةً ترى أن النظام التعليمي كله قائم على أسسٍ يونانيةٍ في الفلسفة والبلاغة والمنطق، وأنه لا ضرر في مثل هذا التعليم بل إنَّه ضروري لتثقيف المسيحيين وصَقْلِ عقولهم.

على أنَّ المُتطرفين كثيرًا ما تَفوقتْ أصواتُهم، وقد روى القديس جيروم (347 – 420 م) بأن الامبراطور الروماني جوفيان قام في عام 364 م بشن حربٍ على مكتبات الوثنيين لا في الإسكندرية فحسب. بل أيضًا في مكتبة معبد تراجانوم بأنطاكية عام 364 م.

وهكذا في ضوء ما تقدم؛ يَتضح أنَّه ليس هناك من شَكٍ أنَّ تدمير “السيرابيوم” في عام 391 م كان نهايةً المكتبة الابنة أيضًا.

 

الاسكندرية 1900
الاسكندرية 1900

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *