شعار كنيسة المشرق الآشورية

الآشوريون والكلدان

الآشوريون والكلدان

الآشوريون والكلدان

المقدمة

الآشوريون والكلدان تسميتان لشعبين تاريخيين من الشعوب العربية التي سكنت منطقة بلاد الرافدين وهي واحدة من الهجرات العربية التي وفدت من جنوب الجزيرة العربية وأسست ممالك عظيمة، ولعبت دوراً خطيراً في تاريخ المنطقة العربية في بلاد الشام وبلاد الرافدين ولكنها حالياً تمثل مجموعتين مسيحيتين شرقيتين متراصتين كانتا مجموعة مسيحية واحدة إلى منتصف القرن 15 ثم انفصلتا بعدما تكثلك قسم منها دُعي بالكلدان فيم بقي القسم الأساس على تسميته القديمة الآشوريون وقد تعرض الآشوريون المسيحيون وخاصة في القرنين 19 و20 إلى نكبات مدمرة فتناقص عددهم بشكل فادح جداً ودفع الآشوريون ضريبة الدم دفاعاً عن مسيحيتهم وعن وجودهم كما سيبدو.

في التاريخ

الدولة الآشورية: 1300-612 ق.م

الدولة الآشورية في التاريخ
الدولة الآشورية في التاريخ

اتخذ الآشوريون في أول أمرهم مدينة آشور عاصمة لهم ثم نقلوها إلى نينوى، وبلغت الدولة أوج عظمتها واتساعها في القرن 8 ق.م، ومن أشهر ملوكها الملكة سمورامات (سمير أميس) والملك صارغون الثاني الذي نفى اليهود من فلسطين، وآشور بانيبال الذي عُرف بشجاعته وحبه للعلم أيضاً…

وكانت حدود الأمبراطورية الآشورية قد امتدت لتشمل مصر بالإضافة إلى بلاد الشام والأناضول وشمالي الخليج العربي، ولكن قسوة الآشوريين وسوء معاملتهم للشعوب المغلوبة اوجدا الظروف المناسبة لقيام ثورات كثيرة أنهت الأمبراطورية الآشورية عام 612 ق.م وقامت مكانها الدولة الكلدانية612-539 ق.م.

الدولة الكلدانية: 612-539 ق.م

الكلدانيون، أقوام أرامية تمكنت من الوصول إلى سهل شنعار وبناء دولة على أنقاض الدولة الآشورية، واتخذوا من بابل عاصمة لهم، فجددوا بذلك مجدها القديم (بالدولة البابلية الأولى1830-1531 ق.م والتي كان حمورابي أبرز ملوكها) ومن أبرز

ملوكهم نبوخذ نصر (بختنصر)ومن أعماله المجيدة قضاؤه على مملكة يهوذا وسبى اليهود بما عرف في التاريخ القديم “السبي البابلي” حيث أرسل اليهود أسرى إلى بابل ولكن ضُعف خلفائه اطمع بدولته جيرانه الفرس فاستولى عليها الملك كورش الفارسي عام 539 ق.م الذي سمح لليهود بالعودة إلى فلسطين.

المسيحية

شعار كنيسة المشرق الآشورية
شعار كنيسة المشرق الآشورية

يسود الاعتقاد بأن أول من بشر بالمسيحية قي بلاد مابين النهرين هو القديس توما أحد الرسل الإثني عشر. وكان متوجهاً إلى الهند، وقد استشهد القديس توما في الهند وأقيم ضريحه في المالابار بالقرب من مدراس، وفي بلاد مابين النهرين أسس الكنيسة الشرقية التي تسمت فيما بعد الكنيسة الشرقية الآشورية.

ومن الجدير بالذكر أن المسيحية انتشرت بداية في أوساط اليهود الذين بقوا بعد انتهاء السبي، وكانوا من الجاليات المهمة هناك، وتشكلت جماعة مسيحية في المدائن وطيسفون بإدارة أساقفة تمركزوا في المدن الكبرى من البلاد، وأسسوا الأبرشيات المختلفة، بحيث غدت الكنيسة الشرقية في أوائل القرن الثالث، تمثل جماعة منظمة مؤلفة من عشرين أبرشية منتشرة في طول بلاد مابين النهرين وعرضها، وفي الخليج تحت رئاسة كرسي المدائن ساليق وطيسفون. عانى المسيحيون الأوائل الاضطهاد من أتباع الديانة الزرداشتية، إضافة إلى التحريض المستمر لدى الدولة من اليهود بحق المسيحيين، إضافة إلى أن اعتناق الدولة الرومية المسيحية، جعل المسيحيون أعداء الأمبراطورية الفارسية الوثنية العدو التقليدي للإمبراطورية الرومانية، فتعرضوا لاضطهادات وحشية من الفرس، وبصورة خاصة من الساسانيين…

شعار الكرسي الأنطاكي المقدس
شعار الكرسي الأنطاكي المقدس

كان الآشوريون جزءاً عزيزاً من كنيسة أنطاكية وسائر المشرق حتى السنة 411 وكانت كنيستهم برئاسة جاثليق(1)، وتعرف باسم الكنيسة الشرقية الآشورية، وكانت تعتقد اعتقاد الكنيسة الأنطاكية بالثالوث المقدس، ويسلمون بان في المسيح طبيعة إلهية وطبيعة بشرية، ولكنهم يعتقدون اعتقاد نسطوريوس بطريرك القسطنطينية بخصوص والدة الإله مريم العذراء، فهي ليست أم الله، بل أم المسيح أي أم الطبيعة البشرية، بعكس تعليم بطريرك الإسكندرية كيرلس، وقد حرم مجمع أفسس المنعقد في 431 نسطوريوس، وأرسل رسالة إلى الكنيسة الأشورية التي كانت غائبة عن هذا المجمع، كما سبق لها أن غابت عن مجمع نيقية بسبب خضوعها للحكم الفارسي الجائر، بعكس بقية أرجاء الكرسي الأنطاكي المقدس، وبقية الكراسي الرسولية التي كانت خاضعة للحكم الرومي. وعندما وصلت الرسالة الحاوية حرم مجمع أفسس بحق نسطوريوس،

نسطوريوس واليه ينتسب الآشوريون
نسطوريوس واليه ينتسب الآشوريون

رفض الجاثليق الآشوري (وقتها) داديشو الموافقة عليها، طالما أن نسطوريوس يقول: “أن في المسيح طبيعتين وأقنومين في شخصية واحدة، وان مريم هي أم الطبيعة البشرية فيه.” وتسمت الكنيسة بوصف النسطورية. ويدافع لاهوتيو هذه الكنيسة عن موقف كنيستهم بقولهم: “من هنا كان اتهام هذه الكنيسة بالنسطورية، وقد ألبسوها هذه التسمية في كل كتب التاريخ الكنسي والمدني في الشرق والغرب، وهذا ما ترفضه الكنيسة الآشورية” ويتابعون بالقول:” بأن إيماننا نحن أيضا كما تلقيناه من الرسل مار توما ومار أدي ومار ماري هكذا يقول، يسوع المسيح هو اله حق من اله حق من طبيعة أبيه، وإنسان حق من طبيعة أمه”.

نسطوريوس
نسطوريوس

عذابات الكنيسة الآشورية

لم يكن الحال في كنيسة المشرق الآشورية بأحسن حالاً من بقية المسكونة، فكما كان الاضطهاد على أشده في أرجاء الأمبراطورية الرومانية إلى أن كانت براءة ميلان السنة 313 بإطلاق حرية العبادة في الأمبراطورية، كذلك كانت الاضطهادات على أشدها بحق المسيحيين في المناطق الخاضعة للحكم الفارسي، ومن أهم الشهداء كان الجاثليق مار شمعون برصباي (320- 341)، وترتيبه 12 بسلسلة رؤساء هذه الكنيسة، ومعنى اسمه ” الذي صُبغ بدمه” لأنه استشهد على يد الملك الفارسي شابور الثاني بعد أن رفض الخضوع لطلبه، بان يجحد إيمانه المسيحي، ويعبد النار والشمس، ويعتنق المجوسية. ولم يستطع برصباي الاشتراك بمجمع نيقية 325 م، بسبب المخاطر التي كانت تعترض مسيحي المنطقة على يد الفرس، الذين كانوا يقومون بذبحهم في الطرقات، وبعث برسالة إلى الملك قسطنطين يعتذر فيها عن الحضور، ويؤكد تأييده الكامل لكل ما يصدر عن المجمع… ومن هنا تم قبول الآشوريين بقانون الإيمان النيقاوي، من دون المشاركة إلا برسول شخصي من قبل الجاثليق الذي وباستشهاده عام 341 بدأت سلسلة عذابات الكنيسة الآشورية، بعذابات دموية من قبل الفرس. فراحوا يلجأون إلى جبال حكياري، والى روسيا والى آسية الصغرى هرباً. وكانت هذه الكنيسة قد تنظمت بقيادة بابا بن أكاي أسقف المدائن ساليق وطيسفون (310 – 329) مطلع القرن الرابع وقد جمع هذا الأسقف تحت سلطانه مسيحيي المملكة الفارسية، ولُقب بالجاثليق، أي الرئيس أو الأب العام، وهو من جعل المدائن مقر كرسيه، واستقل عن الكنيسة الأنطاكية، ولكن الانفصال النهائي تم عام 474، وكُرس في المجمعين الآشوريّين عام 486 وباباي عام 497 وعُرفت بالكنيسة النسطورية أو كنيسة فارس واتخذ جاثليقها لقب بطريرك.

العهد الإسلامي

فتح العرب المسلمون العراق، بعد انتصارهم على الدولة الفارسية بمعركة القادسية عام 639م، وفتحوا بلاد فارس بمعركة نهاوند عام 643، وقد طال فتحهم مناطق وجود الآشوريين الذين استكانوا لهم، وعلى الرغم من أن العديد من أبناء الكنيسة الآشورية اعتنقوا الإسلام، وخصوصاُ في اليمن وعُمان وقطر وجنوب فارس، إلا أن النساطرة نموا نمواُ سريعاُ، وتكاثرت أبرشياتهم لتشمل أجزاء من آسية الصغرى، ووسط وشرق آسية وجنوبها في اندونيسيا، والتيبت والصين واليابان والهند وسيلان وعمرت أديرتهم، وقد انتقل كرسي البطريركية أيام العباسيين من ساليق وطيسفون إلى بغداد، حيث لايزال إلى اليوم على الرغم من فترات انتقال قسرية، وقد نُقل الكرسي أيام البطريرك تيموثاوس الملقب بالكبير( 780- 823) الذي اهتم إلى ذلك بتنشيط المدارس والإرساليات التبشيرية…

من الجدير ذكره أن هذا البطريرك، كان قد اجتمع بالخليفة العباسي المهدي في بغداد، وتناقشا في المسيحية والإسلام (2) كما أن البطاركة الآشوريين السابقين له كانوا قد تسلموا نسخة العهدة النبوية المنسوخة بيد معاوية بن أبي سفيان والموقعة من 35 صحابياً(3) وهذه العهدة اليوم محفوظة في اسطنبول بعد أن انتزعها في عام 1843 الحاكم التركي بدرخان بك من يد آخر بطريرك معاصر، وهو أبراهام شمعون السابع عشر، وأوقع ما لا يوصف من الظلم بالمسيحيين، بينما يبدو جلياُ في واقع الأمر ان الآشوريين عاشوا في ظل العرب المسلمين في سلام وازدهار(وهذا ليس غريباً إذ أن الظلم والاضطهاد كان في معظم الأحوال يقع على المسيحيين العرب من الحكام المسلمين غير العرب، لأن المسلمين العرب ومع اعتزازهم بإسلامهم، إلا أنهم في معظم الأحوال، كانوا يُغّلبون البعد القومي على البعد الديني في علاقاتهم مع المسيحيين، وخاصة في زمن الأمويين والعهود الأولى الزاهية في العصر العباسي قبل أن تتولى الحكم العناصر

الأعجمية…) وقد تولى العديد من النساطرة مواقع مهمة في بلاط الخلفاء العباسيين، واستعانوا بالعلماء والأطباء والمعربين منهم أمثال حنين بن اسحق وابن بختيشوع وابن الطيب والكندي وابن ماسويه.

الكنيسة النسطورية والمغول والتتار

عندما اكتسح هولاكو آسية الصغرى وبغداد، أعمل السيف في رقاب أهلها من مسلمين ومسيحيين، وفي مقدمهم الخليفة العباسي المعتصم… ويذكر التاريخ أن مياه دجلة اصطبغت بدماء الضحايا، وبحبر المخطوطات التي ألقوها في دجلة لتدمير الثقافة.

إلا أن أوضاع الكنيسة النسطورية ما لبثت أن عادت إلى طبيعتها، لاسيما وان الكثير من المغول كانوا قد اعتنقوا المسيحية منذ القرن السابع، لدرجة أن احد المغول المسيحيين باولاها الثالث تبؤا السدة البطريركية 1283-1317 ناقلاُ مقرها إلى ماراغا ببلاد المغول. وقد شهد الرحالة الايطالي ماركو بولو في أدبيات رحلته إلى الصين على انتشار الكنيسة النسطورية ويذكر انه التقى البطريرك النسطوري باولاها المذكور في بلاط الأمير المغولي ايلخان، ويقدر المطران روفائيل بيداويد أن عدد أتباع هذه الكنيسة بثمانين مليون نسمة موزعين في 250 أبرشية و30 رئاسة أساقفة من مصر إلى اليابان مروراً ببلاد الرافدين وفارس والهند وسيلان وتركستان وبلاد المغول والصين واليابان وجنوب آسية واندونيسيا.

غير أن هذه الكنيسة، تعرضت مطلع القرن 14، ومع اعتناق المغول الإسلام، ومجيء تيمورلنك لمضايقات هامة قضت على وجودها في المناطق الشرقية، ولم يبق من أبنائها، سوى قسم ضئيل في أنحاء من العراق وإيران ولاسيما في الموصل وكردستان.

الكثلكة

أقر البطريرك شمعون الرابع 1437-1477 ضماناً لاستمرار البطريركية النسطورية المهددة بالزوال، مبدأ انتقال السدة البطريركية وراثياً، من العم إلى ابن أخيه أو ابن عمه، وقد شمل هذا المبدأ مع الوقت المطرانيات، واستمر حتى عام 1973 حين ألغته رئاسة الكنيسة.

ويذكر في هذا المجال أن النساء اللواتي كن تحملن مرشحاً لتولي السدة البطريركية، كن تمتنعن عن تناول اللحوم طوال فترة الحمل، كما أن المرشح كان يُمنع عن ذلك بدوره قبل توليه السدة وبعد توليه إياها.

ولما توفي البطريرك شمعون السابع عام 1551، خلفه ابن أخيه شمعون الثامن. لكن الراهب يوحنان سولاقا رُشح للمنصب وانتُخب من قبل مجمع الأساقفة في الموصل بطريركا لكنيسة مابين النهرين، كما اقر المجمع اتحاد هذه الكنيسة بروما، وقد سافر البطريرك إلى روما مقدماً صورة إيمانه الكاثوليكي حيث أعلنه البابا يوليوس الثالث بطريركاً على الكنيسة الكلدانية عام 1553، باسم يوحنا فكانت الكنيسة الكلدانية ثاني كنيسة شرقية تخضع للكرسي الروماني الكاثوليكي بعد الكنيسة المارونية التي خضعت لروما عام 1191 مع بداية الغزو الإفرنجي للمنطقة العربية.

وكانت قد جرت محاولتان سابقتان للاتحاد بروما لم يكتب لهما النجاح

الأولى في عهد البطريرك سبر يشوع الخامس ( 1226- 1256 ) الذي استقبل بعض المبشرين الدومينيكيين، وأرسل عام 1247 الراهب شمعون الملقب عطا موفداً خاصاً إلى البابا إينوثينسيوس الرابع يحمل صورة إيمانه الكاثوليكي، وطلباً للاتحاد بروما.

والثانية أيام البطريرك المغولي ماريولاها الثالث الذي أوفد الراهب برصوما الصيني الأصل بالاتفاق مع الأمير المغولي أراغون بهذا الخصوص.

بادر البطريرك الكلداني يوحنا إلى جعل مقر البطريركية في مدينة آمد (ديار بكر)، وأقام خمس أبرشيات، رسم لها خمسة أساقفة لكل من آمد والجزيرة وماردين وسعرت وحسن كيفا، ولكن ما لبث (ووفقاً لرواية الكنيسة الكلدانية) البطريرك

النسطوري شمعون الثامن أن حّرّض الأمير التركي ضده فألقى القبض عليه وقتله عام 1555، وكان أول شهيد للإتحاد بروما. ومع ذلك استمر نمو الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، انتقل الكرسي إلى أورميا وسلماس في أذربيجان، وكان المطران يوسف أسقف ديار بكر قد اعتنق الكثلكة عام 1683 واستحصل من السلطان العثماني على فرمان يقر به بطريركاً مستقلاً على ديار بكر وماردين وتوابعهما، قبل أن يمنحه البابا لقب بطريرك الكلدان عام 1683… ثم نقل البطريرك هرمز الكرسي البطريركي إلى الموصل 1838إلى عام 1950 حيث نقله البطريرك يوسف السابع إلى بغداد.

الآشوريون وخطر الإبادة

شعار الكنيسة الكلدانية
شعار الكنيسة الكلدانية

عاش الآشوريون مع الأرمن والأكراد في مناطق متقاربة ومتداخلة تحكمها المصالح الاقتصادية وتحاربوا معهم طويلاً، وتعرضوا ومنذ القرن 19 لبدايات إبادة جماعية على يد بعض أمراء الأكراد، لاسيما بدرخان بك أمير بوطن، ونوري بك أمير جولا مارك. ولكن الدولة العثمانية فرضت سلطتها على أقسام من كردستان ونفت الزعيمين الكرديين، وسمحت بعودة الآشوريين المهجرين إلى مناطقهم، وكان ذلك بإيعاز من الانكليز ومباركتهم.

مجازر الأكراد والأتراك بحق الآشوريين
مجازر الأكراد والأتراك بحق الآشوريين

تمكن الآشوريون بفضل تنظيمهم، وخضوعهم لسلطة بطريركهم الروحية والمدنية في قودجانس، من المحافظة على لغتهم الأم الآرامية الآشورية التي تكلم بها السيد المسيح (بعدما انتقلت مع اليهود العائدين من السبي البابلي إلى فلسطين، وأصبحت تسمى الآرامية الفلسطينية) ومن حماية أنفسهم من أعدائهم حتى مطلع الحرب العالمية الأولى حتى طالتهم المجازر التركية والكردية بتدبير من الأتراك الاتحاديين حيث كان الشبان الآشوريون (كالأرمن) يساقون إلى معسكرات الجيش التركي ويرمونهم بالرصاص مع اغتصاب وإبادة النساء والأطفال… وقد تولت أمور التصفية الدموية هذه العصابات الكردية، التي كانت تقطع الطريق على الهاربين من الفئات المسيحية، وتقوم بإبادتهم. وقد استطاع القادة الآشوريون مع رجالهم المسلحين ان يجتازوا الطريق ويصلوا إلى قودجانس حيث مركز البطريركية،

سيفو المذابح التركية بحق الآشوريين والكلدان والسريان.. بداية لتتريك الهوية القومية...
سيفو المذابح التركية بحق الآشوريين والكلدان والسريان.. بداية لتتريك الهوية القومية…

ولما لاحظ الأتراك استبسال الآشوريين، وتفضيلهم الشهادة على الاستسلام للأتراك والأكراد، ودفاعاً عن مسيحيتهم، فألقوا القبض على هرمز شقيق البطريرك بنيامين الذي كان يتلقى علومه الجامعية في اسطنبول، وهدد حيدر بك البطريرك برسالته له بإعدام شقيقه إن لم يستسلم الآشوريون ،فما كان من البطريرك إلا أن أجابه بأنه لن يُؤخذ بأساليبه الرخيصة هذه، وأضاف:” وليكن أخي فداء لأبناء أمتي ولن نستسلم حتى آخر رجل فينا حماية لأنفسنا ولمسيحيتنا.” عنده نفذ حيدر بك أمره بإعدام شقيق البطريرك، وزودت الأكراد بكل الأسلحة والذخائر الموجودة في المستودعات، وادعت أن الآشوريين استعانوا بالروس، وهي الذريعة ذاتها التي ادعوا بها على الأرمن.

مجازر ارتكبها الاتراك  والأكراد بحق الارمن والآشوريين والسريان واليونان...
مجازر ارتكبها الاتراك والأكراد بحق الارمن والآشوريين والسريان واليونان…

وفي 11 حزيران 1915 هاجمت العشائر الكردية، تدعمها الوحدات التركية المدججة بالسلاح مواقع الآشوريين من كل الجهات، وقد استطاع المقاتلون المسيحيون فتح الطريق، وإيصال النساء والأطفال وقطعان الغنم إلى إيران، وخاضوا حرباً ضروساً لمدة أربعة أشهر قضوها وحدهم دون أية مساعدة إلى أن وصلوا إلى سلاميس، ومن ثم إلى أذربيجان في إيران، وتوزعوا على مناطقها وبذا يكونوا قد هُجِّروا من مناطقهم.

لبى البطريرك بنيامين، إثر جلاء الآشوريين القسري دعوة القيصر الروسي نقولا حيث التقاه أواخر عام 1915، وتباحثا في شؤون الآشوريين، وكان القيصر يطمح في انضمامهم إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وقد وعده القيصر بمنح شعبه الاستقلال فور انتهاء الحرب. وبالفعل فقد سمح الروس للمقاتلين الآشوريين بمهاجمة الأكراد بحماية الروس، وانتصر الأشوريون في العديد من المواقع، وسقطت بيدهم قرى كردية كثيرة. وفي 3 آذار 1918 دعا إسماعيل آغا البطريرك بنيامين إلى اجتماع ودي في كوناشاهير وفي نهاية الاجتماع، قّبّله أمام الحضور وودعه بكل احترام ولكن ما كادت أقدام البطريرك ومرافقيه تخطو بضع خطوات أمام الباب حتى اخترق الرصاص ظهورهم من بنادق جماعته المرابطة حول مكان الاجتماع، وما أن سمع الآشوريون بمصرع بطريركهم بهذه المكيدة الغادرة حتى انقضوا على موقع إسماعيل آغا، ودارت معركة طاحنة تمكن إسماعيل من الهرب متخفيا بين النساء والأولاد الذين سهل لهم الآشوريون الابتعاد عن مواقع القتال. وانتقل إلى مكان آخر ليحارب الآشوريين وقُتل أثناء المعركة.

طلائع الجيش التركي  تدخل القرى الأرمنية والآشورية والسريانية واليونانية بهدف الابادة فطريقة القتل والابادة الوحشية واحدة بحق المسيحيين في آسية الصغرى وكيليكيا وارمينيا التاريخية...
طلائع الجيش التركي تدخل القرى الأرمنية والآشورية والسريانية واليونانية بهدف الابادة فطريقة القتل والابادة الوحشية واحدة بحق المسيحيين في آسية الصغرى وكيليكيا وارمينيا التاريخية…

لم يفِ الروس بتعهداتهم التي كانوا قد قطعوها، وذلك بسبب خروجهم من الحرب وقيام الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917، وحل البريطانيون محلهم في إعطاء الوعود، وأعادوا الآشوريين غالى شمال العراق بعدما احتلوا العراق، وادخلوا الآشوريين في فرق ليفيز التي شاركت في قمع التمرد الشيعي والكردي الذي استفحل عند نشوء المملكة العراقية.

وكان الآشوريون برئاسة بطريركهم أشعيا شمعون الحادي والعشرون يطمعون بوفاء الانكليز بوعودهم بإعطائهم وطناً قومياً، لذلك تعاونوا معهم دون أن ينتبهوا إلى ما سيكون لهذا التعاون من نتائج سلبية على علاقاتهم المستقبلية مع جيرانهم من العرب والكرد.

وبقرار من عصبة الأمم ضمت تركيا عام 1925 منطقة حكياري إليها،

آغا بطرس من ابطال التاريخ الآشوري
آغا بطرس من ابطال التاريخ الآشوري

 

وهي قلب الدولة الآشورية المنشودة فاضمحلت فكرة الوطن القومي بعد أن تأترك ربع الآشوريين سكان هذه المنطقة، أو تأكردوا. أما آشوريو العراق فطالبوا بحقهم في وطن مستقل إلا أن حكام العراق، وفي ظل الشعور القومي العربي، رفضوا ذلك… فكان أن تمرد الآشوريون عام 1932 على الحكم دون جدوى وفي أيار 1933 وضع وزير الداخلية العراقي البطريرك اشعيا في الإقامة الجبرية في العراق ليحمله على التخلي عن سلطته الزمنية على رعيته،

بيان المنظمة الآثورية الديموقراطية في ذكرى الشهداء الآشوريون في 7آب
بيان المنظمة الآثورية الديموقراطية في ذكرى الشهداء الآشوريون في 7آب

وفرض على الآشوريين مشروعاً يقضي بمغادرتهم العراق في حال رفضهم له، وقد رفضه زعماء بعض القبائل الآشورية وانتقلوا إلى سورية، واجتمعوا مع السلطة الفرنسية المنتدبة فيها التي أفهمتهم بأن لا أمل لهم في إقامة وطن قومي لهم، وعند رجوعهم هاجمتهم القوات العراقية والأكراد واليزيديين وشهدت مناطقهم في الموصل خلال أيام 5 و6 و7آب1933 مجازر، وسقط لهم ضحايا كثيرون من الفلاحين ويحتفل الآشوريون في العالم بذكرى هؤلاء الشهداء في هذه الأيام من كل عام… وجدير ذكره أن الانكليز المنتدبين على العراق تخلوا عنهم، ولم يقدموا لهم أية حماية برغم وعودهم لهم.

ونُزعت عن البطريرك جنسيته العراقية بقرار من رئيس الوزراء العراقي، ورحل إلى قبرص، ومنها لجأ إلى الولايات المتحدة، ولم يعد إلى بغداد إلا في عام 1948 بعدما قبل بالخضوع للسلطات العراقية، ففقد مصداقيته لدى رعيته التي اعتبرت فعله هذا ضرباً من الأنانية، وتخلياً عن الكفاح من اجل جمع شمل الآشوريين، ولو في وطن مستقل حتى لو كان في البرازيل كما كان الاتجاه وقتها.

وكرد فعل على ما سبق، ظهرت لجنة التحرير الآشورية

في ذكرى الشهيد الآشوري...
في ذكرى الشهيد الآشوري…

في منطقة الجزيرة السورية، حيث حل عدد من الآشوريين اللاجئين، وتهدف الى تحرير الآشوريين كما ظهرت الكنيسة الرسولية الآشورية الأميركية في شيكاغو كمجموعة دينية آشورية مستقلة على رأسها أحد أعضاء عائلة البطريرك شمعون نفسه.

احصائيات الآشوريين في العالم

يتوزع الآشوريون بعد نكبتهم الجديدة في العراق عام 1933على النحو التالي

لا يتجاوز عدد الآشوريين في الشرق الأوسط ال200000 نسمة منهم حوالي الربع في سورية، حيث يعيشون بكرامة ورغد في قرى أقاموها على ضفاف الخابور في الجزيرة السورية.

أما في العراق فكان عددهم إلى ماقبل الغزو الأميركي 2003 حوالي 70000 نسمة، وقد تناقص عددهم بشكل حاد جداً، بعد استشهاد عدد كبير منهم، ودمار كنائسهم ولجوئهم إلى سورية وهي الوعاء الحاضن والمحب، لكل شقيق وافد في طريقهم إلى المنافي، كحال أكثر من مليون ونصف مسيحي عراقي كانوا ضحية هذا الغزو الأميركي، و5000 نسمة في لبنان و30000 نسمة في إيران وثمة أعداد أخرى منهم في ايطاليا وأميركا الشمالية واستراليا والهند.

أما الأبرشيات فهي 12 متروبوليتية وأبرشية: 3 في العراق، 2 في كل من ايطاليا وأميركا الشمالية، 1 في كل من الهند وإيران واستراليا وسورية ولبنان ومن المنتظر أن تقام أبرشيات جديدة كلما ازداد الانتشار. لا رهبنات في الكنيسة الآشورية ولغتها الطقسية هي الآرامية الآشورية لغة السيد المسيح. ولها مقران بطريركيان الأول في بغداد والثاني في شيكاغو ويسير أتباع البطريركية الأولى وفق التقويم اليولياني ويعيدون الفصح شرقياً بينما يسير أتباع بطريركية شيكاغو وفق الطقس الغريغوري الغربي.

جاثليق كنيسة المشرق الآشورية وسط خريجين من الشعب الآشوري
جاثليق كنيسة المشرق الآشورية مار دنخا وسط خريجين من الشعب الآشوري

وفي سورية تغير اسم: “البطريركية الآشورية النسطورية” المعتمد بالقرار 60 ل.ر الصادر عام 1936 وفيه لائحة الطوائف في سورية ولبنان بقرار من رئيس مجلس الوزراء السوري إلى اسم: “البطريركية الرسولية الآشورية” وذلك في أواخر القرن 20، وينعم الآشوريون في سورية كبقية المسيحيين بالرعاية والاحتضان ولهم نائب في مجلس الشعب السوري.

الكنيسة الكلدانية حالياً

لم يتعرض الكلدان إلى ما تعرض له إخوتهم الآشوريين من مآسي ومجازر كما مر، ويبلغ عددهم في الشرق الأوسط حوالي نصف مليون نسمة، يتوزعون تقريباً كالتالي: 450 الفاً في العراق وقد هاجر معظمهم بعد الغزو الأميركي للعراق وتعرضهم ايضاً علمانيين واكليروس للقتل كبقية المسيحيين، 30 الفاً في إيران، 5 آلاف في سورية، 10 آلاف في لبنان، كما يعيش حوالي 400 ألف كلداني في الانتشار( مصر وتركيا والولايات المتحدة وكندا وأوربا واستراليا)

مجمع الكنيسة الكلدانية
مجمع الكنيسة الكلدانية

وتتوزع الأبرشيات كما يلي: 9 أبرشيات في العراق والبطريركية في بغداد و3 رئاسة اساقفة في إيران، أبرشية في تركيا( ديار بكر)، أبرشية في سورية(حلب)، وثانية في لبنان، وثالثة في مصر، إضافة إلى اكسرخوسية في الولايات المتحدة أنشئت عام 1982. إضافة إلى رهبنة رجالية هي الرهبنة الأنطونية للقديس هرمز ورهبنتان للنساء هما جمعية راهبات القلب الأقدس (أنشئت عام 1915 ومقرها الموصل) وجمعية راهبات الكلدان “بنات مريم المحبول بها بلا دنس” ( أنشئت عام 1922 ومركزها بغداد) إضافة إلى إرسالية بلجيكية (آباء الفادي الأقدس) اعتنقت الطقس الكلداني هي في خدمة كلدان لبنان، أما اللغة الطقسية فهي الكلدانية أي السريانية الترتية، وقد أُدخلت عليها لغلت محلية كالعربية والانكليزية لتسهيل مشاركة المؤمنين في الصلوات.

حواشي البحث

1– جاثليق أو كاثوليكوس وهي كلمة يونانية تعني الجامع، وهي هنا بمثابة نائب البطريرك

2- ثمة مخطوطات عن هذه المناظرة وموجودة نسخة منها في دائرة الوثائق البطريركية بدمشق.

3- توجد نسخة أصلية عن هذه العهدة النبوية محفوظة في دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي في منطقة الحصن بوادي النصارى.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *