الأناجيل قد كُتبت في زمن مبكّر، بخلاف ما يدّعي كثيرون

الأناجيل قد كُتبت في زمن مبكّر، بخلاف ما يدّعي كثيرون

الأناجيل قد كُتبت في زمن مبكّر، بخلاف ما يدّعي كثيرون

أولها إنجيل مرقس، بعد 13 عاماً فقط
من موت وقيامة ربّنا يسوع المسيح

ربّما لاحظ بعضنا، أن المقطع الإنجيلي الذي يتلوه الكاهن (أو المطران) على باب الكنيسة الخارجي صبيحة القيامة، في الخدمة التي ندعوها “الهجمة”، هو من بشارة القديس مرقس (16: 1-8). وقد ارتأينا أن نعرض في عجالة لهذا السِّفر الرائع، فيما يتعلق بزمن كتابته وكذلك تاريخ تدوين إنجيلي متى ولوقا.

كما هو الحال مع الأناجيل الأخرى، فإن التاريخ الدقيق لكتابة مرقس غير مؤكّد. وبسبب عدم وجود أية إشارة واضحة إلى تدمير أورشليم عام 70، فإن إنجيل مرقس يرجع تاريخه إلى ما قبل تلك السنة. ومن ناحية أخرى، فإن تأكيد الإنجيل القوي على عدم فهم التلاميذ لرسالة يسوع، بل وهروبهم عندما تم القبض عليه، يعني ضمناً تعرّض الكنيسة المسيحية التي كُتب فيها وإليها، نعني في مدينة روما، لاضطهادٍ شديد، والذي يبدو أنه اضطهاد روماني.

الأناجيل قد كُتبت في زمن مبكّر، بخلاف ما يدّعي كثيرون
الأناجيل قد كُتبت في زمن مبكّر، بخلاف ما يدّعي كثيرون

معظم علماء الكتاب المقدس يؤيدون هذا التاريخ، أي أثناء اضطهاد نيرون (حكم من 54 إلى 68)، لأنه بينما تعرض المسيحيون في أماكن مختلفة لضغوط متنوعة وسوء المعاملة، فمن المعروف أن الجماعة المسيحية في روما وحدها هي التي قد عانت من اضطهاد روماني منظّم قبل عام 70 م. لكن في واقع الأمر، لم يكن الاضطهاد في عهد نيرون (بين عامي 64 و 68) هو أول اضطهاد روماني ضد المسيحيين في روما. لقد سبقه طردُ كلوديوس لليهود من روما (بين عامي 49 و 53) الذي شكّل أيضاً اضطهاداً ضد العديد من المسيحيين فيها، إذ كان معظمهم إمّا من خلفية يهودية قبل تنصّرهم، أو وثنيين مهتدين إلى اليهودية قبل أن يصبحوا مسيحيين. وقد تمّ ذلك في زمنٍ كان الرومان لا يزالون ينظرون فيه إلى المسيحية على أنها مجرّد طائفة يهودية.

الإشارات إلى طرد اليهود من روما على يد الإمبراطور الروماني كلوديوس، الذي حكم من 41 إلى 54، تظهر في أعمال الرسل (18: 2)، وفي كتابات المؤرخين الرومانيين سوتونيوس وكاسيوس ديو. ويتفق العلماء بشكل عام على أن هذه الإشارات الثلاث تشير إلى نفس الحادثة: يشرح كاتب أعمال الرسل (18: 1-18) كيف التقى الرسول بولس ببريسكلا وأكيلا، ويذكر طرد اليهود من روما. التاريخ الدقيق غير مؤكد، لكن الفترة الزمنية لطرد اليهود من روما هي من يناير 41 إلى يناير 53.

تظهر الأدلة الداخلية أن الأناجيل الإزائية قد كتبت بعد موت يسوع المسيح وقيامته بوقت قصير نسبيًا. تحتوي الروايات الإنجيلية الثلاث على نبوءات يسوع فيما يتعلق بخراب أورشليم والهيكل (مرقس 13؛ متى 24؛ لوقا 21)، لكن لا نجد في أيّ منها ما يسجّل تحقيقها بالواقع. ونعلم يقيناً أن الرومان، في عهد تيطس، قد دمّروا المدينة والهيكل في عام 70. وتالياً، فمن المرجح أن كتابة الأناجيل الثلاثة الأولى قد تمت في وقت ما قبلَ هذا الحدث، وإلا لكان تدميرها قد ذُكِر.

كون جميع الأناجيل الإزائية (الأناجيل الثلاثة الأولى: مرقس، متى، لوقا) مكتوبة من منظور أن مدينة أورشليم لم يتم تدميرها والهيكل لا يزال قائماً، تعطي دليلاً على وجود تاريخ مبكّر. يقدّم لنا سفر أعمال الرسل، الذي كتبه لوقا الإنجيلي، فكرةً عن تاريخ كتابة الأناجيل الثلاثة الأولى. إنه يذكر أبرز الأحداث في حياة الرسول بولس وخدمته، ويختتم الكلام عن بولس عندما كان الرسول في روما ينتظر محاكمته أمام قيصر. إذن كُتب سفر الأعمال بينما كان بولس لا يزال على قيد الحياة، لأن موته لم يُذكر البتّة. وبما أن هناك أدلة قوية على أن بولس استشهد أثناء اضطهاد نيرون (حوالي عام 65)، فيمكن تأريخ سفر أعمال الرسل إلى عام 62 تقريبًا. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يساعدنا على تأريخ الأناجيل الإزائية.

بمجرد أن نعرف أن إنجيل لوقا قد كتب قبل سفر أعمال الرسل، يمكننا تأريخ إنجيل لوقا في وقت ما حوالي عام 60، أو حتى قبل ذلك. وقد تكون هناك أدلة أخرى تشير إلى تاريخ أبكر لإنجيل لوقا، نستشفّها مما كتبه بولس عن أخٍ، معروفٍ بين الكنائس بالإنجيل. هنالك شهادة قديمة تشير إلى أن هذه الفقرة تشير إلى لوقا وإنجيله المكتوب. إذا كان الحديث عن لوقا والإنجيل الذي كتبه، فعندئذ نتأكد أن قد تمّ عام 55، وهو تاريخ كتابة بولس المذكورة.

بالنسبة لمسألة تأريخ إنجيل مرقس، هناك بعض العلماء الذين أكّدوا زمن كتابة مرقس في حوالي عام 55-59. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من العلماء، فإن تاريخ مرقس بعد عام 55 غير وارد، نظرًا لأن مرقس كان الأقدم بين الأناجيل، كذلك لأن متى الذي يبدو أنه استخدم مرقس كمصدر، يُعتقد أنه قد كتب إنجيله عام 55، قبل وقت وجيز من كتابة لوقا.

بناءً على ذلك، مع الأخذ في الاعتبار التقليد الكنسي لقبرص وأورشليم والإسكندرية، القائلين بأن نسخة من إنجيل متى قد دفنت مع الرسول برنابا إبان استشهاده في قبرص عام 57 (وقد عُثر عليها في القرن الخامس ونُقلت إلى القسطنطينية)، مضافًا إلى شهادة المؤرّخ الشهير يوسابيوس، الذي ذكر أن مرقس كتب الإنجيل “عندما كان بطرس وبولس وفيلون معاً في روما”، أي عام 43، بالإضافة إلى شهادة هسيخيوس الذي يؤكّد كتابته “بعد الصعود بعشر سنوات”، يمكننا أن نستنتج أن إنجيل مرقس قد كُتب في وقت ما بين عام 40 (وهو أبكر تاريخ ممكن لـكتابته) وعام 49 (العام الذي ترك فيه روما وانتقل إلى الإسكندرية، ليؤسس هناك الكنيسة بتوجيه من بطرس الرسول). على الأرجح، إذاً، أن ذلك كان فيما لا يزال مرقس وبطرس معاً في روما، حيث تمت كتابة إنجيل مرقس، أي 44-49 م.

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *