الإمبراطور الروميّ يوستنيانوس الكبير وإنجازاتِه التاريخية

الإمبراطور الروميّ يوستنيانوس الكبير وإنجازاتِه التاريخية

الإمبراطور الروميّ يوستنيانوس الكبير وإنجازاتِه التاريخية

الإمبراطور الروميّ يوستنيانوس الكبير وإنجازاتِه التاريخية
الامبراطور الرومي يوستنيانوس الكبير من أعظم، وربما أعظم، أباطرةِ الروم عبر التاريخ، حكمَ بين 1 آب 527 و14 تشرين الثاني 565. وصلَ الى الحكمِ بفضلِ خالِه يوستينوس الأول الذي حكم الأمبراطورية الرومية بين 518 و527، ورافقَه في الحكمِ وأصبحَ قنصلاً في سنة 521 ثمَّ إمبراطوراً مشاركاً له في 1 نيسان 527، أي قبل ثلاثة أشهرٍ من وفاتِه. يعودُ أصلُ هذَين الإمبراطورَين الى منطقةِ دردانيا في البلقان. كانَ يوستينوس رجلاً متواضعاً وشبهَ أمّي، لكنه وصلَ الى الحكم بفضلِ شجاعتِه وحنكتِه، وأتى الى القسطنطينية بإبن أختِه يوستنيانوس الذي تلقّى أفضلَ العلوم وأرقاها في العاصمة، وأتقنَ اللغةَ اللاتينية والفلسفةَ والبلاغةَ واللاهوت والقانون.
وصلَ يوستنيانوس الى الحكمِ في سنة 527م، أي بعد حوالي خمسين سنة من إنهيارِ الجزءِ الغربيّ من الإمبراطورية الرومية.
فثيوذوسيوس الأول الكبير كان قد قسمَ إمبراطوريتَه في سنة 396 الى جزئين، الجزء الشرقي وعاصمتُه القسطنطينية اوروما الجديدة والجزء الغربي وعاصمتُه روما القديمة، وأولى عليهما ولدَيه هونوريوس وأركاديوس. لكنَّ الجزءَ الغربي سرعان ما إنهار أمام هجمات الغوط الجرمانيين وإنتهى الحكمُ الروميُّ فيه في سنة 476م فيما يعرف بسقوط روما بيد البرابرة الجرمان،
وأعلنَ مجلسُ الشيوخ الغربي إنتهاء الدولة الغربية وأرسلَ شعائر الحكم والخضوع  الى الإمبراطور زينون في القسطنطينية، فتوحَّدَت الإمبراطورية مجدداً. لكنَّ الغربَ بقيَ تحت سلطة الجرمانيين، وبقيَ الكرسي البابوي في روما القديمة مضطهداً في ظلِّ الأوستروغوط الجرمانيين الذين كانوا يدينون بالآريوسية. مقابلَ ذلك، كان الشرقُ الروميُّ منقسماً، بعد مجمع خلقيدونية، بين المؤمنين بالطبيعة الواحدة (المونوفيزيين او اللاخلقيدونيين اليعاقبة السريان والاقباط والارمن والاحباش) والمؤمنين بالطبيعتَين اي الخلقيدونيين اي الارثوذكسيين  واللاتين الغربيين.
طوالَ حكمِه الذي دام 38 سنة، إستعانَ قسطنطين بشخصياتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ هامةٍ لعبَت دوراً كبيراً في تاريخ الإمبراطورية الروميّة. ومن أبرز السياسيين الذين عاونوه، نذكر يوحنا الكباذوكي الذي رافقَه بين 527 و541. أما أشهر قادةِ الجيش في عهده فهو بليساريوس الذي حقَّقَ الإنتصارات الكبيرة في شمال أفريقيا وإيطاليا. وخلفَ بليساريوسَ في قيادة الجيش جرمانوس إبنُ خالةِ يوستنيانوس ونرسيس الأرمني. لكنَّ ثيوذورا، زوجة يوستنيانوس، فكانت النجمَ الساطعَ في تلك الحقبة. كانت تصغرُه ب15 سنة، وكانت من أصولٍ وضيعةٍ في عالم السيرك وكانت يعقوبية المذهب متعصبة له واصلها من منبج وابنة كاهن منبج السرياني فقربت اللاخلقيدونيين وحمتهم واقاموا لهم عدة اديرة في القسطنطينية عاصمة الخلقيدونية، لكنها كانت ذات حكمةٍ كبيرة، وكان زوجُها يعتمدُ عليه كثيراً. توفيت سنة 548، وبقيَ الإمبراطور وفياًّ لها حتى رقاده في سنة 565.
بلغَت إمبراطوريةُ الروم في عهدِ يوستنيانوس أوجَّ إنتشارِها، لأنَّ هذا الحاكمَ وضعَ نصبَ عينَيه إستعادةَ الغربِ السليب: إسترجع أفريقيا الشمالية بين 533 و543 من الفاندال الجرمان الآريوسين، وفرضَ الإيمانَ الأرثوذكسي الجامع عليها. إسترجعَ إيطاليا من الغوط الجرمان الآريوسين بين 535 و561، وجعل الكنيسة حاكمةً لمدينة روما، وقضى على الآريوسية في إيطاليا. إسترجع جنوب إسبانيا في سنة 552 وطرد الغوط منها. وفي الشرقِ، تصدّى للفرس في عهد كوفاد وفي عهد إبنه كسرى أنوشروان، في حروب طويلة حتى معاهدة السلام سنة 561، وبنى أبراجاً كثيرة لحماية الحدود الشرقية. تصدّى أيضاً لهجمات البلغار والسلاف والهنغار والآفار في أوروبا الشرقية، وثبَّتَ الحدودَ عند نهر الدانوب. بنى علاقاتٍ تجاريةً وسياسية مع الحبشة المسيحية واليمن المسيحي، وحاول تطوير خطّ تجاري مع الشرق الأقصى عبر البحر الأحمر، بديلاً عن الخطِّ الذي كان يمرُّ بآسيا الوسطى.
يوسنتيانوس القانوني
وكان يوستنيانوس قانونياً كبيراً، بفضلِ العلوم المعمقة التي كانَ حصَّلَها في شبابِه: كلَّف وزيرَه يوحنا الكباذوكي تنظيم لجنةٍ لجمع القوانين الرومانية القديمة والحديثة وإجتهادات القانونيين، فأنجزوا Corpus Iuris Civilis الذي بقيَ الى اليومِ مرجعاً قانونياً كبيراً في العديد من الدول. وأصدر يوستنيانوس، بعد 535، العديد من القوانين الإدارية والمدنية والكنسية، جمعَت في Novelles. وكان يوستنيانوس من أعظم المشرِّعين الكنسيين، وكلَّف الأساقفة إدارةَ القضايا الإجتماعية في المدن. وخصَّصَ السنوات الأخيرة من حكمِه لتعزيز الكنيسة وتنظيمِها. إعترف بكليتَين للحقوق في القسطنطينية وبيروت ونظَّمَهما، وأقفل أكاديميتّي الإسكندرية وأثينا ذات الميول الوثنية.
انجازاته
وحقَّقَ عهدُ يوستنيانوس إنجازاتٍ فنِّيةً وأدبيةً لافتة، إذ كان العهدَ الذهبي للأدب الرومي، حينما لمعَت أسماءُ بروكوبيوس، أغاثياس، رومانوس المرنم، كيرلّس من سكيثوبوليس، إفاغريوس، سويروس الأنطاكي الخ… وبنى يوستنيانوس كاتدرائية آجيا صوفيّا في خمس سنوات، والعديد من كنائس القسطنطينية وكافة المدن الكبرى، وأشادَ الأديارَ في المدن وجميع المناطق (دير القديسة كاترينا، دير سيدة صيدنايا البطريركي، دير القديس حنانيا الرسول في ميدان دمشق وهو اليوم كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية)، وبنى المستشفيات والملاجئ لليتامى والثكالى وللنساء الشاردات.
لعِبَ يوستنيانوس دوراً تاريخياً كبيراً في تطوير الأرثوذكسية الجامعة وحمايتِها. كان لاهوتياً ضليعاً، وله كتابات وأشعار دخلَ بعضُها في القداس الإلهي. ويجمعُ المؤرخون بأنَّ يوستنيانوس كان أرثوذكسياً مخلصاً، وقد سعى في عهده لإنتصار الأرثوذكسية الجامعة ودحض الهرطقات المسيحية واليهودية، ومحاربة الوثنية وإلغائها. وشرَّعَ في اللاهوتِ وتنظيم الكنيسة، كما تدخَّلَ في الطقوسِ اليهودية لحمايتِها من الهرطقات. كان يسعى بشدةٍ لمصالحةِ الخلقيدونيين والمونوفيسيين، ودعا للمجمع المسكونيّ الخامس في القسطنطينية سنة 553. لكنه فشلَ في تحقيقِ الوحدةِ المسيحية، فنشأت في زمنه الكنيسة القبطية والكنيسة السريانية، وكوّنتا لهما هيكليةً إكليريكية.
التنظيم الاسقفي المسكوني
نظَّم الإدارة الكنسية مؤسساً لخماسيةِ البطريركيات الأرثوذكسية، ووضعَ تقسيماتٍ إداريةً كنسية شبيهة بالتقسيمات الإدارية للدولة الرومية. فصلَ عيد الميلاد عن عيد الظهور الإلهي، ونقل عيد دخول المسيح الى الهيكل من 14 الى 2 شباط، وأنشأ عيد البشارة في 25 آذار. كما أعلنَ الأول من أيلول رأسَ السنة الرومية.
تعرَّضَ عهدُ يوستنيانوس لمآسي وعوامل طبيعية وصحية وإقتصادية كثيرة وخطيرة: فإبتداءً من سنة 520، حدثَت مآسي طبيعية في العالم، منها سقوط نيزكٍ ضخم، تراكم 18 شهراً من الزلازل في أنطاكيا بين 525 و528، ظلام دامسٌ على الأرض بين 536 و537، جوعٌ ونقص في الطعام بسببِ غيابِ الشمس، وباء الطاعون سنة 541 وموت 300,000 شخص في القسطنطينية، زلزال بيروت والمشرق المدمِّر في سنة 551، فيضان النيل وزلزال القسطنطينية سنة 557. وكان لهجوم الفرس على المشرق، في عهدِه، نتائجُ خطيرة كتدمير المدن في سوريا والرها وما بين النهرين، وتوقُّفِ الإنتاج الزراعي بسبب الحروب في المشرق والعوامل الطبيعية القاسية والأوبئة، وهجرةٍ جماعيةٍ من المشرق، وهي كلُّها عواملُ ساعدت لاحقاً في ظهور الإسلام وإنتشاره.

 

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *