الارشمندريت باسيليوس صيداوي الدمشقي

الارشمندريت باسيليوس صيداوي

الارشمندريت باسيليوس صيداوي

السيرة الذاتية

ولد في دمشق حوالي منتصف العقد الثامن من القرن 19 واسمه اسعد والده حنا صيداوي وهولجهة ابيه وامه كان ابن عائلة  دمشقية مكينة جداً في ايمانها الارثوذكسي وفي ممارستها الطقوس من صوم الاصوام وممارسة طقوس العبادة في الكنيسة والبيت.

والده حنا كان قد ورث اباً عن جد وجاهة الرعية الارثوذكسية الدمشقية، وكان عضواً في الجمعيات الخيرية الارثوذكسية، ثم في مجلسها الملي حال احداثه وفق التنظيمات العثمانية وقتئذٍ وفي اخويات الكنيسة.

في هذا الجو ولد وعاش علمنا اسعد وتلقى تعليمه الأساسي في المدرسة الوطنية الارثوذكسية الدمشقية / مدارس الآسية الأرثوذكسية الدمشقية، حيث تابع في تلقيه التربية المسيحية الارثوذكسية الحقة.

دراسته اللاهوتية وكهنوته

الارشمندريت باسيليوس صيداوي الدمشقي
الارشمندريت باسيليوس صيداوي الدمشقي

على ذلك تاقت نفسه بشغف الى اعتناق الرهبنة، فأوفده البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي (وهو المجاهد الانطاكي العظيم من اجل الكرسي الانطاكي منذ شموسيته، فمطرانيته على ابرشية اللاذقية، وختم هذا الجهاد في فترة تعيينه قائمقام بطريركي عام 1898  فبطريركيته 1899-1906) اوفده الى المدرسة الاكليريكية الانطاكية اللاهوتية التي احدثها غبطته في دير سيدة البلمند البطريركي التي كان قد افتتحها عام 1900 لاعداد اكليروس وطني أنطاكي مؤهل لخدمة الكرسي الانطاكي المقدس والكنيسة الارثوذكسية عامة.  وقد رسمه شماساً انجيلياً في الكاتدرائية المريمية اثناء دراسته في مدرسة البلمند،  حيث بقي فيها الى نهاية العام الدراسي 1902، ثم أوفده الى كييف في وكرانيا وكانت اوكرانيا من قوام الامبراطورية الروسية وكنيستها  بأبرشياتها جزء من الكنيسة الارثوذكسية الروسية، وكان سيمنار كييف اللاهوتي  يعد من اهم المعاهد اللاهوتية الارثوذكسية الروسية، لذلك قصد غبطته بايفاده الى هذا المعهد اللاهوتي العالي ان ينال علمنا الطامح لخدمة الكرسي الانطاكي وابرشية دمشق التأهيل اللاهوتي على اعلى المستويات، نظرا لحاجة الكرسي الانطاكي الى اكليروس مؤهل لاهوتيا ليعود الى سابق تألقه كأول كرسي تأسيساً وعطاء وفيه دعي المسيحيون بهذه التسمية الشريفة قبل اي مكان آخر في العالم، وهناك  في كييف تمت رسامته كاهنا بطلب من البطريرك ملاتيوس عام 1905.

بعد انتهاء فترة الدراسة اللاهوتية ونجاحه بامتياز، وحصوله على الاجازة اللاهوتية العليا عاد الى دمشق زمن البطريرك غريغوريوس حداد (1906-1928) ووضع نفسه بتصرف غبطته فسلمه امانة سره وترجمانه الخاص للمراسلات باللغة الروسية، وعينه سكرتيراً شخصياً له، ومنحه رتبة  ارشمندريت، و بالاضافة الى مهامه في الدار البطريركية… كلفه غبطته بادارة المدارس البطريركية الارثوذكسية في ابرشية دمشق، وكانت: هي مدرسة الآسية للذكور ونظيرتها للاناث في دمشق القديمة بموقعها الحالي، ومدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية في القصاع، ومدرسة القديس نيقولاوس التي كانت داخل الصرح البطريركي، اضافة الى كل مدارس قرى الابرشية الفسيحة، وكان منها المدارس التي افتتحتها الجمعية الامبراطورية الفلسطينية- الارثوذكسية في البلدات والقرى التي كانت تفتقر الى المدارس البطريركية وتركتها الجمعية الفلسطينية لبعدها الى متابعة البطريركية بدمشق، فرعاها جميعها باقتدار شديد ادارة وشؤون مالية بالرغم من الضائقة المالية الشديدة وخاصة في  زمن مجاعة سفر برلك، و مارافقها من جائحات الجراد المتتالية التي ضربت كل سورية وقضت على الاخضر واليابس، وتفيد الوثائق البطريركية ان غبطته اوكل اليه امر المدارس الارثوذكسية في ابرشية بصرى حوران وجبل العرب الفقيرة جدا حتى اطراف سهل الحولة وطبريا وهي متداخلة مع ريف دمشق وقضاء وادي العجم والقنيطرة وقراها التي كانت موجودة وقتئذ قبل اندثار المسيحية فيها بتأثيرهجمات الرعاع الجهلة في ماسمي الثورة السورية بين عامي 1925-1927 وماتلاها من نكبات طائفية انتقاما من الانتداب الفرنسي على سورية، وكان يجول على هذه القرى حتى ايام الثورة مشددا رعاياها ومتفقدا احوالهم ومدارسهابدون توقف لتدبير امورها التعليمية والادارية والمالية، ودفع الرواتب للعاملين فيها فأجاد  في ماقام به ما اكسبه احترام ومحبة غبطته وتقديره لامانته ومقدرته التربوية والرعوية وحكمته وجرأته في مواجهة الصعاب، فنال احترام الجميع حتى من الاديان الاخرى بدون استثناء.

البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي 1898- 1906/ مطران اللاذقية 1864-1898
البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي 1898- 1906/ مطران اللاذقية 1864-1898

تأسيس جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام

ونظرا لخبراته هذه في التربية والتعليم والادارة والمالية كان قد  اشركه غبطته  بتأسيس هذا الصرح التربوي والاجتماعي الارثوذكسي بعد تكاثر عدد الايتام وفاقدي الرعاية الوالدية نتيجة الهجرة المكثفة بسبب المظالم التركية، اشركه في عام 1912 مع المطران استفانوس مقبعة الدمشقي (مطران  ابرشية حلب المستقيل)  الذي كان نائباً بطريركياً  عن غبطته في دمشق في تأسيس “جمعية حب الرحمة والتسبيح” التي تغير اسمها الى “جمعية الفديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام”  الى اسم البطريرك غريغوريوس وتغير هدفها من ايجاد المرتلين الاكفاء وتأهيلهم وتأمين رواتبهم لكنائس الكاتدرائية والابرشية، الى جمعية تهتم  برعاية الايتام الذكور وتأهيلهم علمياً ومهنياً لاكسابهم مهنة يعتاشون منها مستقبلاً،وقد ضم الميتم مدرسة علمية  وورشات مهنية(مدرسة صناعية) فقاما معا بتأسيس الجمعية ومدرستها  العلمية والصناعية مع مجموعة مؤسسي الجمعية من الرجالات الدمشقيين الافاضل.

وكان انه وفي اثناء عمله في مرافق البطريركية وادارة المدارس البطريركية، ونظراً لشغور مركز رئاسة دير القديسة تقلا البطريركي في معلولا، فقد كلفه غبطته في فترة الحرب العالمية الاولى وما رافقها من مآسي برئاسة هذا الدير العريق المتجذر بالتاريخ كأقدم الأديرة في بلاد الشام، حيث ساسه بحكمة واقتدار، ونشير في ذلك الى ان رئاسة هذا الدير الرهباني للراهبات الى ارشمندريت مكلف من البطريرك الانطاكي…

ساس الارشمندريت باسيليوس الدير بحكمة واقتدار من عام 1913 وحتى 1917 في أصعب الظروف التي كان يمربها الوطن وكرسينا الانطاكي فترة الحرب العالمية الاولى ومآسيها من مجاعة مخيفة وجائحات جراد،  ملوالهروب الجماعي الى اميركا والعالم الجديد، وهجوم الرعاع باستمرار على الدير ليعود بعدها الى دمشق ويلتحق مجددا بخدمة البطريرك غريغوريوس وليلتحق مجددا بجمعية القديس غريغوريوس التي ساهم في تأسيسها عام 1912. ثم عاد الى مسؤولية نائب رئيس الجمعية بعد وفاة المطران المؤسس استفانوس مقبعة وتعيين غبطته للارشمندريت اثناسيوس كليلة عام 1920 الى فترة زمنية ليست كبيرة الى القيام بمهام المكتب البطريركي ونييابة رئاسة المحكمة الروحية في الصرح البطريركي.

ثم عاد غبطته وكلفه  أيضاً بتولي مدارس الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الارثوذكسية الروسية بعد سقوط الامبراطورية الروسية (وتحول الحكم قيها الى الشيوعية بنتيجة قيام الثورة الشيوعية عام 1917) وايلولة مدارسها الى البطريركية والابرشيات الانطاكية، لتستمر في مهماتها التربوية حتى في اصغر القرى ولقطع الطريق وقتئذ امام الاستلاب الممنهج الذي اتبعته الرهبنات الكاثوليكية والارساليات البروتستانتية لأولاد الرعية الارثوذكسية بمدارسها ومعظمها باتت بالمجان وخاصة في القرى الجبلية الفقيرة فأفلح علمنا في تحقيق هدف التحصين وحظي باحترام كل من عمل معهم اضافة الى تلك الرعايا، واستمر في عمله فترة الازمة البطريركية المؤسفة التي بدأت بعد وفاة البطريرك غريغوريوس عام 1928 واستمرت الى عام 1931 حين تولى السدة الأنطاكية البطريرك الكسندروس الدمشقي 1931-1958 الذي كان يعرف مقدرة علمنا من امد بعيد واعطاه قدره اذ كان مستشاره الشخصي في الامور التربوية اضافة الى ادارة شؤون المكتب البطريركي وحسن رعايته للرعايا الدمشقية التي كلفه برعايتها اضافة الى ماسبق من اعمال اتينا على ذكرها.

ولقد استمر علمنا في مسؤولياته التربوية بتكليف من البطريرك الكسندروس  في ابرشيتي دمشق وحوران الى نهاية العقد الرابع من القرن 20.

البطريرك غريغوريوس الرابع
البطريرك غريغوريوس الرابع

ثم تقدم باستقالته ليرتاح ويبقى فقط في عمله البطريركي والرعائي في كنيستي المريمية والصليب مع اطلالات الى مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية حيث اتذكره في طفولتي كتلميذ في الصفوف الابتدائية في هذه المدرسة متفقداً لتلاميذها بحب عندما يدخل على صفوفنا مبتسما ومباركا ومداعبا، وكان ذلك على ما اذكر بين اعوام 1957 الى عام 1959 حتى تقاعده نهائيا نتيجة مرضه، وأذكر انه كان يسأل كل منا عن دراسته واهله والصلوات التي يحفظها وتكون زيارته الى مدرستنا خاصة مطلع كل اسبوع ليتأكد ان كنا قد اتينا الى كنيسة الصليب المقدس بالأمس وحضرنا القداس الالهي يوم الاحد جماعيا مع تلاميذ المدرسة كما كان الحال وقتها اذ كان على تلاميذ المدرسة الحضور صبيحة الاحد لحضور القداس الالهي مع كل المدرسة وادارتها والمعلمات، اذ كنا نفرح بشدة نتسابق لقبلة يده وهو يربت على اكتافنا ويبارك رؤوسنا بيده، حين يمر بين المقاعد، ونرتل امامه ماتعلمناه في كل درس ديانة، وأذكر انه غالبا  هو من كان يناولنا القربان المقدس في اسبوع التهيئة في عيدي الميلاد والفصح بالمناولة الجماعية المدرسية كالعادة، رغم انه وكما اسلفت كان قد تقاعد من المهمة التربوية…لكن حبه للشأن التربوي والتعليمي كان دافعه لزيارة مدرستنا ومدرسة الآسية حتى اخر لحظات عمره.

انتقاله الى الاخدار السماوية

البطريرك ثيودوسيوس ابو رجيلي
البطريرك ثيودوسيوس ابو رجيلي

امضى شيخوخة صالحة موقرة من الجميع رئاسة روحية ورعايا وتلاميذ… ثم اصيب بفالج  عام 1960اقعده نهائياً عن الخدمة، فشاء غبطة البطريرك ثيودوسيوس ابو رجيلي الذي تابع في توقيره، و لذلك تكريما لشيخوخته وعطائه النقي، ان يكون نزيل جمعية القديس غريغوريوس التي خدمها مؤسسا ومتابعا ردحا طويلاً من الزمن في دار المسنين التي احدثتها الجمعية ودشنها غبطته في عام   1959 ليجد فيها الرعاية الصحية المطلوبة، فبقي فيها نزيلاً مكرماً حتى وفاته في 11نيسان 1965 وشيع بجنازة حافلة جداً الى كنيسة الصليب المقدس وجنزه البطريرك ثيودوسيوس متقدما كل الاكليروس البطريركي، ثم وري الثرى في مدفن الكهنة في مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية.

خصاله

الطيبة والدعة وعزة النفس ونظافة الكف، وحسن التدبير، والرعاية و الطاعة المطلقة للرئاسة الروحية، والاستماتة في الخدمة، والعطاء غير المحدود، واتفوق في الادارة والشأن التربوي ومحبة التلاميذ لذا برع في ادارة المدارس، وكان مدبرا صالحاً في دير القديسة تقلا البطريركي ورعى الرهبنة النسائية بما يليق…

حباه الله بصوت جميل جدا ومعرفة متميزة في الموسيقا الرومية واجادة في الترتيل اضافة الى الوعظ لتمكنه من اللاهوت الارثوذكسي القويم…

الخاتمة بعد كل ماذكرناه عن علمنا، لايمكننا الا ان ان نضيف عبارة انه كان ملاكا بشرياً…

 

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *