راية الحضارة الرومية...

الحضارة الرومية…

الحضارة الرومية…

اسم حضارتنا هي “الحضارة الرومية” لكن جذورنا “مشرقية” او “من الاناضول” او “من اثينا” او من “بيروت” او من “اللاذقية” … او من دمشق او من انطاكية… لا فرق . نحن نختلف عن غيرنا في اننا اخذنا حضارة لنا مميزة باتساع رقعتها الجغرافية ، “حدودها كل المسكونة” … وكانت عاصمتها “روما الجديدة” اي القسطنطينية . ومنها اخذنا اسم حضارتنا “الروم” ، ف”صنعناها” و”اثريناها” وبنيناها ، واعطيناها خصوصياتنا ومميزاتنا المشرقية و”امتزجنا بالقوميات جميعها” في كل هذا المدى المتوسطي الذي وحدته الامبراطورية الرومية  انذاك . نحن لم نتميز “بنعرة اقليمية انفصالية” ولا “بنعرة قومية تقسيمية” … بل تمسكنا ب”كل المدى المتوسطي المشرقي” … واعطيناه الوجه المسيحي … ومزجنا الحضارات الوثنية القديمة ، وجعلنا “المسيح محورها الاوحد” ، ودمرنا الهتها الصماء ، وخرج من هذا الامتزاج “العرقي “حضارة مميزة” اسمها “حضارة الروم” امتدت من دمشق الى القسطنطينية الى أثينا … الى كل الارض . وفي كل الارض ، وحيثما حلت حضارة الروم ، حملت “بعضاً من المشرق الانطاكي” وبعضا من جزيرة كريت ، وبعضا من اثينا ، وبعضا من اورشليم … هذه حضارتنا الغنية ، حيث تكون تحمل في طياتها “كل الحضارات القديمة” ، وهذه مميزات الروم في هذا المشرق …
أن البحر المتوسط كان هو المحور الذي تمحورت حوله حياة الفينيقيِّين والإغريق ، فتفاعلوا وتزاوجوا ، وخلقوا معاً ابنتهما المسماة : ” الحضارة الهلينية بلغتها اليونانية” ، والتي أخذت الطابع المسيحي “الرومي” فيما بعد ، وهي التي ينتسب إليها يونانِيُّو اليوم والقَبارِصة والروم في المشرق الأنطاكي والأوروشَليمي .

شعار الكنيسة  الرومية الارثوذكسية
شعار الكنيسة الرومية الارثوذكسية
حصل التمازج “الشرقي الفينيقي – البلاسجي اليوناني” لتنشأ منه حضارة مميزة اسمها “الحضارة الهلينية” ، انتشرت في الساحل المشرقي “سوريا- لبنان- فلسطين” وقبرص واليونان ، وتطورت بشكل طبيعي جداً وأعطت الحضارة “الرومية” .
اسم “الروم” هو اسمنا الثابت كمجموعة معينة من الناس ، وهو الاسم الذي نتناقله من جيل لجيل ونحافظ عليه ، ولذلك ينبغي لنا ، كي نعرف هويتنا الحقيقية، أن نبحث في من هم “الروم” تاريخيًا. أما التسميات العارضة الأخرى فكانت تتغير تبعا للظروف. فتارة يصفوننا بالروم (العثمانيين) أو بالروم (العرب) أو بالروم (السوريين) أو غيرها، حسب تقلب السلطات الحاكمة، وتغير التقسيمات السياسية للدول في المنطقة، وتبدل أسمائها وحدودها .
أما التعبيران “البيزنطيون” و “الروم” فيفيدان المعنى نفسه . لكن تعبير “بيزنطيون” لم يطلقه البيزنطيون على أنفسهم أبدا . بل أطلقوا على أنفسهم اسماً واحداً هو “الروم” Ρωμαίοι أو Ρωμιοί وتلفظ ” Romaíoi ” والمصادر العربية كذلك عرفتهم في دمشق او في القسطنطينية او اثينا ب “الروم” فقط.

الغاية من اطلاق اسم بيزنطي المشبوه على الروم

أما تعبير “بيزنطي” فتعبير علمي أطلقه علماء التاريخ الغربيون من فاتيكانيين وبروتستانتيين بدءاً من القرن السادس عشر وتنامى جداً في القرن التاسع عشر ولم يكن دارجا على لسان الشعب، والغاية منه نزع المسيحية عن الامبراطورية الرومية والصاق تسمية بيزنطة الوثنية بها، او في الحد الادنى نزع وراثة الامبراطورية الرومانية بقسمها الشرقي جغرافيا وعاصمتها القدس عن الامبراطورية الرومانية التي قوضها البرابرة الجرمان واكتسحوا روميةالسنة 471م .
لا بد لنا أيضا، أن ننسى التقسيمات المصطنعة التي نشأت حديثا بين دول معينة  سورية، لبنان، الأردن، فلسطين وفق تقسيم سايكس بيكو، وسقوط الخلافة العثمانية ونشوء دولة تركيا، قبرص، اليونان” ، لأن هذه الدول لم تكن كما هي اليوم: ولا كانت قد اتخذت أسماءها المألوفة اليوم ، ولا حدودها، ولا كانت اللغات المنتشرة فيها شبيهة باللغات الموجودة اليوم . وبالتالي فهي لم تكن موجودة كدول إطلاقا ولا حتى كقوميات.
وبالتالي فلننظر إلى هذا المدى الجغرافي الواسع، ” كأرض واحدة ولايوجد على الاطلاق عنصر بشري واحد بقي بمفرده في هذا المدى وتحديدا في سورية الطبيعية بأقاليمها المصطنعة واسم سورية اكسب هذه الاقوام اسم سوريين وليس العكس على الاطلاق….ا، كل هذه الاقاليم المصطنعة عبارة عن وحدة جغرافية واحدة لا تتجزأ ”  ومنطق التاريخ واهجرات يبطل كل ادعاء بوحدانية شعب وتملكه الارض التي يعيش فيها لمجرد انه تكلم باللغة السائدة فيها وعلى هذا يصح لبريطانيا ان تتملك سكان اوسترايا واميركا الشمالية وكذلك للبرتغال ان تتملك البرازيل ولاسبانيا ان تتملك الارجنتين وسائر اميركا الجنوبية والمكسيك والفيليبين !!!
ومن نافلة القول ان نجد في كل مدينة من مدن سورية قوميات عديدة ولغات عديدة، وهؤلاء يتفاعلون مع بعضهم البعض، بشكل طبيعي. فقد مرت على هذه الرقع الجغرافية العديد من الاقوام التي منها ماذاب في مجتمعاتها ومنها ماحافظ على نفسه كطائفة دينية/ مسيحية كانت ام مسلمة/ وعدد هذه الاقوام اليوم في سورية حوالي 18 وعدد الطوائف هي 18… ولكن المرفوض ادعاء طائفة دينية ملكية وطن والكثير من ابناء الطائفة اتوا من مهاجر متعددة وسكنوا في المكان الذي تسود فيهذه الطائفة واعتنقوا مذهبها فهل صاروا من قوميتها؟
  إن سرت في الشارع، لرأيت اناساً عرب اللغة  من مسيحيين ومسلمين او يونانيي اللغة و آراميي اللغة وأرمنيي اللغة أو فارسيي اللغة يشترون بضائعهم وحاجياتهم من متجر واحد، ويسكنون في شارع واحد، ويتزاوجون ، ويتفاوضون ، ويتحاورون ، ويتقاتلون … ويتنقلون بين مدينة ومدينة بسهولة تامة ، بين أنقرة وبيروت ، بين أثينا ودمشق ، بين أنطاكية والقدس ، بين عمان والقسطنطينية ، بين اللاذقية وكبادوكية …. بدون اية عوائق.
وفي عام 335 م أسس الإمبراطور قسطنطين عاصمة للإمبراطورية الرومية وكان بها مقر بطريركية الكنيسة الرومية الأرثوذكسية وهي كاتدرائية آ آجيا صوفيا وهي تسمية رومية للحكمة الالهية.
وقد سميت القسطنطينية ب “روما الجديدة” بسبب عظمتها وقوتها وأهميتها التي ضاهت بها روما القديمة عاصمة الامبراطورية الرومانية الوثنية وفيما بعد تغلبت عليها وأصبحت اهم مدينة في عصرها …
ومن القسطنطينية “روما الجديدة” اخذ الروم اسمهم كجامع لهم وليسوا فقط عنصر يوناني صافي.
يدعي اصحاب نظرية الشعب الواحد وامتلاكه للوطن وحده بسبب لغته الطقسية المطورة عن اللغة الارامية التي تسمى الارامية الفلسطينية اي التي تحدث بها الرب يسوع ان اليونان غادروا عندما تم دخول المسلمين الى دمشق وبعد معركة اليرموك ودخول حمص…الخ الى آسية الصغرى ونقول صحيح ذلك ولكن ليس من رحل هم الروم بل اليوناننيين الاصل وكانوا يسكنون اساسا من بعد فتوحات الاسكندر والحضارة العلنستية في كل الحوض الشرقي للبجر المتوسط…
الروم في هذا المشرق، هم مزيج من الشعوب التي سكنت هذه الأرض على التوالي منذ بدء البشرية. قبل الفينيقيين ، الشعوب الأولية، ثم الكنعانيون وشعوب البحر “من جزيرة كريت” والحثيون والآراميون واليونانيون بشكل خاص الذين امتزجوا مع الفينيقيين مشكلين الحضارة الهلينية بلغتها اليونانية ، وفيما بعد الحضارة الرومية بلغتها اليونانية ودينها المسيحي …
من حيث العرق نحن مزيج أعراق، ذاب بعضه ببعض، واتخذ “الحضارة الرومية” حضارة مميزة له، واللغة الرومية” لغة مميزة له. اللغة “الرومية” اي اليونانية ، كانت اللغة التي احتلت المقام الأول لدى روم المشرق، سواء من حيث أنها كانت لغة أكثريتهم في هذا الشرق وكتب “الواقدي والبلاذري وغيرهم تشهد بأن العرب لما اخضعوا بلادنا السورية حدثوا الروم بالرومية”، أو من حيث لغة كنيستهم الرسمية التي كانت منذ البداية اللغة الرومية. مع العلم أن معظم الفينيقيين اعتنقوا المسيحية في الكنيسة الرومية .
الروم في مشرقنا هم الذين يتبعون القسطنطينية سياسياً، ويرفضون استقلال المشرق عن الامبراطورية الرومية، ويتكلمون اللغة اليونانية “الرومية”، وقداسهم في سورية هو نفسه في القسطنطينية، والحانهم هي نفسها الألحان الرومية، وهم طبعاً المناضلون الشرسون عن المجمع الخلقيدوني وعن استقامة الرأي الارثوذكسية بدون تحريف وهرطقات كما علمها العهد الجديد والمجمع الرسولي والمجامع المسكونية السبعة .
أنتَ أمام رقعة واحدة شَكّلت في يومٍ من الأيام نسيجاً حضارياً وثقافياً وعرقيًا مترابطاً.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *