الخميس العظيم وتأسيس سر الشكر
هل تناول التلاميذ جسد ودم يسوع يوم الخميس العظيم بعد العشاء اليومي؟
كثيرًا ما تتعرض الكنيسة لأفكار وروح دنيوي غريبين عنها، ومن هذه الأفكار والروح الدنيوي القول: «أن قبل التناول لا يوجد صوم لأن التلاميذ في يوم الخميس العظيم تناولوا طعام العشاء اليومي ثم بعد ذلك تناولوا جسد دم يسوع المسيح المعطى لهم منه، إعتمادًا على قول الكاهن في القداس الإلهي للقديس يوحنا الذهبي الفم “وكذلك أخذ الكأس بعد العشاء قائلاً، إشربوا منها كلكم. هذا هو دمي”».
لنتابع معًا ما ذُكر في الإنجيل في ضحد قولهم هذا!.
عن يوم الخميس العظيم السابق لعيد الفصح اليهودي الذي فيه أسس يسوع سر الشكر يقول لوقا الإنجيلي: “وقرب عيد الفطير، الذي يقال له الفصح” (لو 1:22). ويوضح متى الإنجيلي هذا القول للإنجيلي لوقا بذكره قول يسوع لتلاميذه “تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح” (مت 1:26). بهذا يكون يوم الخميس هذا هو اليوم الأول للفصح اليهودي الذي يؤكل وفيه «فطير الفصح اليهودي»، ويوم الجمعة هو اليوم الثاني يوم الذي فيه أيضًا يؤكل «فطير الفصح اليهودي»، ويكون يوم السبت هو يوم عيد الفصح اليهودي وفيه يُذبح حَمَل الفصح اليهودي ويؤكل.

كما يقول لوقا الإنجيلي عن يوم الخميس هذا الذي يؤكل فيه «فطير الفصح اليهودي»: “وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يُذبح فيه الفصح” (لو 7:22)، ويحدد متى الإنجيلي الوقت الذي جلس فيه يسوع مع تلاميذه لأكل فطير الفصح، بقوله: “ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر” (مت 20:26).
ثم يذكر الأنجيلي لوقا بالتفصيل أحداث يوم يوم الخميس هذا الذي يُؤكل فيه «فطير الفصح اليهودي»، بقوله عن يسوع: “ولما كانت الساعة اتكأ (يسوع) والاثنا عشر رسولًا معه، وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يُكْمَل في ملكوت الله” (لو 14:22-16). هذا يوضح أن يسوع لم يشاركة تلاميذه بالأكل من فطير الفصح اليهودي.
ويُكمل الأنجيلي لوقا قوله عن يسوع، بالقول: “ثم تناول كأسًا وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم. لأني أقول لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله” (لو 17:22و18). هذا أيضًا يوضح أن يسوع لم يُشارك أيضًا تلاميذه في كأس الفصح اليهودي.
إن عدم مشاركة يسوع لتلاميذه بالأكل من فطير الفصح، وقوله لهم: “لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يُكْمَل في ملكوت الله” (لو 16:22)، وعدم مشاركته أيضًا لتلاميذه بالشرب من كأس نبيذ الفصح اليهودي، وقوله لهم: “لأني أقول لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله” (18:22)؛ ذلك أن ملكوت الله لم يُكْمَل ولم يأتي على الأرض بالفصح اليهودي، بل كماله وإتيانه على الأرض يكون بتقديم يسوع ذاته ذبيحة على الصليب وإهراق دمه.
ثم يقول لوقا عن يسوع: “وأخذ «خبزًا» وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم. اصنعوا هذا لتذكاري” (لو 19:22). كما يقول: “وكذلك الكأس أيضًا بعد «العشاء» قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم” (لو 20:22). بهذا العمل ليسوع تمم الفصح اليهودي وأظهر أنه مُقدِّم الذبيحة والذبيحة التي تُقدَّم؛ أي أنه رئيس الكهنة (كما في العهد القديم)، وفي نفس الوقت كان هو حَمَلُ فصح العهد الجديد. مؤسسًا بذلك فصحًا جديدًا من أجل خلاص العالم هو حَمَله المذبوح على الصليب ولمرة واحدة لأجل خلاص العام، كما شهد له النبي يوحنا المعمدان بقوله عنه: “هوذا حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم” (يو 29:1).
عن قول يسوع لتلاميذه بعد أن كسر الخبز: “اصنعوا هذا لذكري”، هو وصية لهم، وبهم لمن بعدهم من المؤمنين به، بأنه عليهم أن يكسروا الخبز وأن يتناولوا النبيذ تذكارًا له ولما فعله له المجد. في قول يسوع “لتذكاري”، التَّذْكِرة هي ما تُسْتَذْكَرُ به الحاجة أو ما يُستحضر به الشيء، وكل قداس إلهي هو استذكار واستحضار لما فعله يسوع في يوم الخميس هذا وأوصى بصنعه.
إن قول لوقا عن يسوع: “وكذلك الكأس أيضًا بعد «العشاء»”، يوضِح أن «العشاء» الذي تناوله التلاميذ هو «الخبز» الذي هو جسد يسوع الذي يُبذل من أجلهم وبهم لجميع من يؤمنون به، وليس العشاء اليومي. والذي من بعده شرب التلاميذ نبيذ الكأس الذي هو دم يسوع الذي يُسفك عنهم وبهم لجميع مَن يؤمنون به.
وقد فهم تلاميذه هذا، أن العشاء هو تناول جسد يسوع وليس العشاء اليومي. فكانوا يقيمون الصلوات طوال الليل صائمين وقبل الفجر كانوا يكسرون الخبز، أي التناول من جسد ودم يسوع الإلهِيَيّن، (أع 20:7-11). وفيما بعد حَضَت الكنيسة أيضًا الشعب المؤمن على الاستعداد الروحي والجسدي بترتيبها صومًا إنقطاعيًا قبل التناول من سر الشكر.