كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت

الشيخ ابو عسكر يونس نقولا الجبيلي البيروتي

 

كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت

الشيخ ابو عسكر يونس نقولا الجبيلي البيروتي

 

 

الشيخ ابو عسكر يونس نقولا الجبيلي البيروتي…

(ولد نحو سنة 1801-وتوفي سنة 1887)

المقدمة…

وددت الكتابة عن هذا العلم الانطاكي ابن جبيل من ابرشية بيروت وجبل لبنان(1) الذي تدين له الأبرشية وكرسينا الانطاكي المقدس بالكثير ومعظمنا (ان لم نقل كلنا) يجهله ويجهل مآثره، ومن باب الوفاء ابحث في اعلام كرسينا الانطاكي المقدس في كل ارجاء جغرافية الكريم لأسلط عليهم بعض الضوء واعيدهم الى الذاكرات احياء نستكثر بخيرهم وفضلهم وندعو لهم بالذكر المؤبد الحميد…

من هؤلاء كان الشيخ(2) ابو عسكر يونس نقولا الجبيلي اللبناني في اثناء القرن الثامن عشر، وسيرته وطيدة العلاقة بتاريخ بيروت ولبنان وحوادث والي عكا الجزار احمد باشا والامراء الشهابيين وغيرهم… لذا تدوينتنا مطولة وتحمل تفصيلات كثيرة من المواقع والشؤون التي لم تطبع في كتاب على حدة فضلا عن ان معظمها لايزال طيّ الكثير من المخطوطات النادرة التي نحاول دوما ان نكتشف مجريات الاحداث التاريخية المعروفة في ذاكرات الناس… وكل قصدنا  في موقعنا هنا تسليط الضوء على اعلامنا الانطاكيين الارثوذكسيين من بطاركة ومطارنة وكهنة وعلمانيين استمراراً لنهجنا في تسليط الضوء عليهم وعلى تاريخنا الانطاكي الارثوذكسي في النشرة البطريركية منذ احداثها عام 1991 وغيرها من المجلات والكتب…برجاء الحصول على رضى ربنا له المجد وبراً بكرسينا الانطاكي المقدس في كل جغرافيته في الماضي واليوم. وبكل اسف لم نتمكن من العثور له على صورة شخصية وحتى ولو كانت تخيلية…

شعار مطرانية بيروت الارثوذكسية
شعار مطرانية بيروت الارثوذكسية

في تدوينتنا هنا استناد على كتاب ” تاريخ اساقفة بيروت” للمقدسي(3) عبد الله بن ميخائيل طراد البيروتي(4) نزيل طرابلس الشام اذ ذاك انجزه سنة 1824م، و”تاريخ الدر المرصوف في حوادث الشوف للقس حنانيا المنير الزوقي اللبناني”(5) و”تاريخ الرهبنة الحناوية”له ايضاً، و”تاريخ لبنان وسورية” للقس روفائيل كرامة الحمصي الذي عاش في القرن 18 وكلا القسين من الرهبنة الحناوية الكاثوليكية، وكتاب”تاريخ ظهور الكثلكة لميخائيل بن جرجس الصباغ الدمشقي الارثوذكسي وهو ابن عم رجل المبرات القديس المنسي ديمتري بن نقولا شحادة الصباغ الدمشقي الارثوذكسي (الذي اشرنا اليه كثيرا وخاصة تلمذته لقديس دمشق يوسف الدمشقي في آسية دمشق 1836 وزمالته لأعلامنا ملاتيوس الدوماني وغفرئيل شاتيلا وغفرئيل جبارة…وقيامه بالدور الأكبر في تعريب السدة الانطاكية وتدريسه التلاميذ الانطاكيين  في خالكي (روفائيل هواويني الدمشقي القديس وجراسيموس مسرة اللاذقي…) و(جرجي مرقص الدمشقي في روسيا…))… و”تاريخ الامير حيدر الشهابي الشملاني” و”أخبار الأعيان في جبل لبنان” لطنوس الشدياق، و”تاريخ الخوري ميخائيل بريك” و”تاريخ الدكتور مخائيل مشاقة” وغيرها من المطبوعات.

اسرة نقولا

نشأت اسرة نقولا الارثوذكسية في مدينة جبيل اللبنانية(6)، وهي سورية حورانية خرجت من ازرع وتقرب بعض فروعها من حكام جبيل وقتئذ كالامراء المعنيين والسيفين والشيوخ الحماديين وغيرهم، فولوهم بعض الأعمال الادارية والكتابية فقاموا بأعبائها أحسن قيام، من مشاهيرهم الذين ذكروا في اثناء القرن 17 الشيخ جرجس نقولا(7) الذي اشتهر من اولاده الياس والياس ولد نقولا وجرجس …ونقولا والد علمنا هنا.

جبيل والتقلبات السياسية وتأثيرها على الاسرة

وكانت مدينة جبيل في ذلك العهد تتنازعها الأغراض والمآرب وتعبث بسكانها ايدي المطامع وجور الحكام وهي من المدن العريقة في القدم التي عاصرت الفينيقيين وغيرهم، واشتهرت بأبنيتها وآثارها وبأنها منشأ  المؤرخ فيلون  الجبيلي وغيره، فكانت تتبع في القرون المتأخرة طرابلس الشام واحياناً صيدا، وتارة تتبع دمشق الشام رأساً.

ومن النكبات التي خربتها كانت محاصرة الأمير فخر الدين المعني حاكم لبنان اياها سنة 1618م وإخراجه سكانها منها بالقوة، وقطع اشجارها واحراقها…ثم تولى امرها المشايخ الحماديون، وفي سنة 1676م كان حسن باشا والي طرابلس، فقرب منه الحماديين وترك لهم جباية الضرائب والاموال الأميرية التي كان الوالي حسن باشا يفرضها على السكان، فاستقووا به وعاثوا في بلاد جبيل والبترون فساداً واضطهدوا سكانها فنزحوا عنها ولاسيما المسيحيون منهم الذين نزحوا الى نواحي كسروان وبيروت، وبينهم آل نقولا، للنجاة من جورهم حيث لقوا الامن والامان في تلك المناطق.

جبيل قديماً
جبيل قديماً

اضطر الوالي حسن باشا  الى نزع الحكم من ايدي الحماديين وولى ابن الحسامي وابن النمس حكم جبيل فازداد شر الحماديين انتقاماً فارسل الوالي قبلان باشا خليفة حسن باشا في الولاية عسكراً لقصاصهم ومصادرتهم فسكنت الخواطر.

وفي آخر هذه السنة استقدم النازحين عنها، ورغبهم في السكنى بها مجدداً، فعاد بعضهم ومنهم اسرة نقولا اصدقاء آل الحسامي ولم يكد المقام يستقر بهم والعيش يصفو لهم، حتى زاد في الطين بلة ان والي طرابلس ارسلان باشا بن احمد آغا المطرجي فرض على مقاطعاته الاموال الاميرية الفادحة والضرائب الباهظة مثل الجوالي(8) والصرصار والبلدار والصليان ولم يستثن احداً منها، فشق الامر على آل نقولا لأنهم كانوا قد اعتادو لتقربهم من حكام تلك البلاد وتوليتهم بعض الشؤون عندهم ان يعفوا من مثل هذه الضرائب. فتركوا المدينة قاصدين  صيدا. التي كانت اذ ذاك اقل قلقاً من طرابلس.

فجاء بعض بني نقولا  بينهم نقولا وجرجس ولدي الياس بن جرجس نقولا المذكورين، واختاروا قرية ساحل علما قرب جونيه على شاطىء البحر موطناً جديداً لهم، فطابت لهم الاقامة فيها. وتقرب نقولا وجرجس من الامراء الشهابيين الذين خلفوا الامراء المعنيين في الحكم، ولاسيما نقولا فانه نال حظوة فاتخذوه دهقاناً(9) يدير شؤون عقاراتهم ورفعوا منزلته.

فرزق نقولا في ساحل علما أربعة ذكور هم يونس وسالم ومنصور والياس فيونس علمنا الذي لم يرزق الا بابنة  وحيدة، ورزق الباقون سلالات منهم سالم ولد عبد الله وعبد الله ولد نقولا  ونقولا ولد سليم كبير الاسرة البيروتية…

في منتصف القرن الثامن عشر انتقل نقولا وجرجس بأولادهما من ساحل علما الى مدينة بيروت وتوطنوها…وكانوا يعرفون اولاً بآل نقولا حتى منتصف القرن 19 ثم تغلب عليهم لقب الجبيلي نسبة الى موطنهم الاول في مدينة جبيل الى يومنا…

وهذه الاسرة وجيهة نبغ منها افراد خدموا الكنيسة الارثوذكسية والوطن والحكومة وابرزهم في القرن 18 كان علمنا الشيخ يونس…

السيرة الذاتية

ولد الشيخ يونس بن نقولا بن الياس بن جرجس بن نقولا الجبيلي في اوائل القرن 18 في قرية ساحل علما كما مر، فترعرع على الوجاهة والفضل، وكان والده نقولا متصلاً بالأمير حيدر الشهابي حاكم امارة جبل لبنان نافذ الكلمة لديه، ثم اتصل بخدمة ولده الامير ملحم الذي خلفه في الحكم سنة 1729 اما اخوه الامير احمد الشهابي حاكم كسروان، فاتخذ الشيخ يونس هذا كاتباً. ثم انتقل الشيخ يونس الى خدمة اخيه الامير ملحم حاكم جبل لبنان وصار كتخداه (كاخيته)(10) ولما انتحر الشيخ ابو ظاهر بطرس الشدياق  في سجنه في طاقة القصر ببيروت سنة 1747م لأنه كان من خاصة الامير ملحم فتغير عليه وسجنه وصار الشيخ يونس هذا مستشار الامير يعتمد عليه في جميع شؤونه ويثق بصدقه وامانته.

بيروت في القرون الماضية
بيروت في القرون الماضية

سنة 1747 كان قد ولد للامير ملحم الأمير يوسف، فوكل امور تربيته الى علمنا الشيخ يونس والى الشيخ سعد الخوري صالح من رشميا وهذا كان من المقربين من الأمير النافذي الكلمة عنده.

وكانت منزلة الشيخ يونس تزداد رفعة يوماً فيوماً لدى الامراء وحكام صيدا الذين كثيراً ماكان الامير الحاكم يرسله اليهم مندوباً لفض ماينشأ من مشاكل في ولايته فيحل معضلاتها بصائب تفكيره فعُرف الشيخ يونس بميله الخاص الى الامير ملحم وولده الامير يوسف وسلالته.

في اواخر النصف الاول من القرن 18، كان متسلم مدينة بيروت ياسين بك فسعى الامير ملحم مع والي صيدا لعزله وتولي المدينة سنة 1748م، فسكن الامراء الشهابيون فيها. وتسلم الديوان الشيخ يونس لمهارته في الكتابة ونبوغه في الحساب ومقدرته في ادارة العمل المالي والاداري في الديوان اضافة الى مقدرته في حل  المشكلات والعوائق الناشئة في هذا العمل ما اراح الشهابيون اليه.

بنى الامير ملحم وانسباؤه بعض دور ومحلات لهم في بيروت سنة 1749 وخاناً وقيسارية باسم الامير الحاكم وكل ذلك تم بمناظرة وعناية علمنا الشيخ يونس علمنا الذي سعى بتنظيم المدينة وعمارتها، فكانلطيفا دمثاً محباً للناس، يساعد الجميع بدون تعصب وتشيع، ويساعد المشاريع الخيرية لجميع الطوائف بلا تمييز فأحبه الجميع وتهيبوه.

خلاف الروم الارثوذكس والكاثوليك

ولما استفحل الخلاف في ابرشية بيروت الارثوذكسية بين الروم الارثوذكس والمنشقين الكاثوليك، اغتنم الرهبان الكاثوليكيون هذه الفرصة “فأغروا”الشيخ سعد الخوري كاخية الامير يوسف” وزينوا له اضطهاد الارثوذكسيين ” على ماعنده من الميل الى ذلك” فأطلقت يده في الضغط عليهم، وعذب اناساً منهم وصادراموال آخرين  وقتل جماعة من نبلائهم واخذ منهم عدة كنائس وسلمها الى الكاثوليكيين وقتل من المتقدمين بين الارثوذكسيين اثنين اتهمهما بالخيانة احدهما عبد الله ابن مالك  والثاني اسعد العازار”(11) وكثر الاعتداءعلى بعض الكنائس والاديار الارثوذكسية  بغياب المسيحيين الارثوذكس  الذين هربوا الى الجبل بنتيجة الفتنة وسببها الحرب بين الروس والعثمانيين …

كان لعلمنا الشيخ يونس اليد الطولى في  وقف الفتنة وحل المشاكل بصفته متقدماً في طائفته الارثوذكسية كما فعل في دير مار الياس شويا (البطريركي) الذي اعاده من استيلاء الكاثوليك عليه الى كنيسته الارثوذكسية، وبالتالي اعطاء دير يوحنا السابق ودير النبي اشعياء للروم الكاثوليك. فحسم الخلاف واستقر كل فريق في ادياره، وكانت تتم تغذية الخلاف بين الفريقين من الحكام طمعاً بالمال و”بلص” الفريقين بالمبالغ الباهظة.  لكن بحكمة ورجاحة عقل علمنا لم يطل عهد هذه الخلافات فكان له ولغيره الدور في التهدئة والتسوية وهدأت ثورة التعصب.

مطبعة القديس جاورجيوس الارثوذكسية ببيروت

شعر الشيخ يونس بحاجة الكنيسة الارثوذكسية الى مطبعة عربية لطباعة الكتب الطقسية بعد ضياع مطبعة حلب الارثوذكسية التي انشأها البطريرك اثناسيوس الرابع في العقد الاول من القرن 18(12). وكانت هذه المطبعة العربية هي الاولى في مشرقنا، فقام الشيخ يونس بمباركة من البطريرك سلفستروس القبرصي وهو الذي اعد لهذا المشروع منذ ان كان في دير القديس سابا في بوخارست-رومانيا، وقد لعب الشيخ يونس الدور الاساس في تأسيس “مطبعة بيروت” هذه مستفيداً من مساعدة ابناء الكنيسة الارثوذكسية الاغنياء فأنشأوا “مطبعة القديس جاورجيوس الارثوذكسية” في اول النصف الثاني من القرن 18 ذاته. وقد  نشرت المطبعة حال استكما علمنا معداتها وادواتها من مطبوعاتها  كتاب “المزامير” بالعربية سنة 1751م في 367 صفحة بقطع صغير وله مقدمة في 30 صفحة يرجح انها للشماس عبد الله ابن الفضل الانطاكي(13) وتشبه حروف مطبعة القديس جاورجيوس حروف مطبعة حلب القديمة لمؤسسها خالد الذكر البطريرك اثناسيوس الدباس الدمشقي.

ثم طبع كتب “السواعي” و”القنداق” و”التعليم المسيحي” سنة 1753 و لاتزال تلك موجودة في خزائن كتب الكنائس والاديرة.

توقفت هذه المطبعة اواخر النصف الاول من القرن 19 ثم جددت في بيروت مرتين باسم “مطبعة القديس جاورجيوس الارثوذكسية” ثم عطلت سنة 1895 (عند المعلوف1895، وعند قيصر دباس1890 الذي يؤكد بيع ادواتها الى ابراهيم الاسود في برمانا).

وفي سنة 1755م رمم الشيخ يونس باشارة من الامير ملحم قلعة بيروت التي هدمت  صاعقة مدمرة اجزاء واسعة منها، وجعلها منيعة الاركان.

ترميم دير النبي الياس شويا (البطريركي)

في 18 تشرين الاول 1759 ضربت هزة ارضية شديدة منطقة سورية الكبرى وتكررت في ليلة مرفع صوم الميلاد في 15 تشرين الثاني 1759م  دمرت الكثير من الابنية و… في بعلبك ودمشق ووادي التيم وجبل لبنان ورأس بعلبك  وانطاكية  وصيدا…  وأصيب دير النبي الياس شويا الذي كان يسمى دير المحيدثة بأضرار فادحة فتهدمت كنيسته كلها، وغرف الدير العليا ماعدا الاقبية،  وكان رئيس الدير الخوري صفرونيوس ابن يونس الصيقلي البيروتي، وكان على بيروت اسقفها  ايوانيكوس القبرصي، فسعى علمنا الشيخ يونس بترميم الدير واعادة اعمار كل ماتهدم منه  جاء البناء الجديد متقن العمارة جميلها، وأُرخ هذا التجديد على ثلاثة احجار باقية الى يومنا وعلى احدها:”ان تجديد هذا الدير كان باسقفية المطران يوانيكيوس ورئاسة الخوري صفرونيوس وملاحظة الشيخ يونس نقولا سنة 1759″ والحجران الباقيان كان احدهما فوق باب الكنيسة الشمالي والثاني فوق الباب الغربي.

دير النبي الياس شويا البطريركي
دير النبي الياس شويا البطريركي

استيلاء الكاثوليك على كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت

في عام 1764 استولى الكاثوليك على كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت وكان الوجيه الكاثوليكي جرجس الدهان قد استغل عطف الامراء الشهابيين عليه، فرسم نسيبه القس الحناوي الكاثوليكي يواصف الدهان قساً  باسم تيودوسيوس، واستولى المنشقون الكاثوليك بزعامته على هيكل النبي الياس في الجانب الشمالي من الكاتدرائية الارثوذكسية  وصار يقدس لهم فيه، فتكدر مطران بيروت الارثوذكسي ناوفيطوس وعمي لشدة تأثره.

ومازاد الخطورة حضور كيرلس طاناس الى بيروت للاستيلاء على رعيتها الارثوذكسية واخضاعها له ودفع مبلغاً كبيراً من المال الى الامير ملحم الشهابي حاكم بيروت آنئذ واستولى على الكنيسة كلها واحضر اسقفين من الجبل وشرطن القس ثيودوسيوس الدهان مطراناً على بيروت، بحياة مطرانها القانوني نيوفيطوس. واكره المذكور وهو قد صار ضريراً كما مر على النزول الى الكنيسة وألبسه البطرشيل والأموفوري في اثناء شرطونية ثيودوسيوس مطراناً على بيروت، ومطرانها الشرعي نيوفيطوس لايزال على رأس ابرشيته بالرغم من فقده البصر. على ان هذا الاستبداد لم تطل مدته اكثر من اسبوع واحد. فإنه على اثر بلوغ الخبر بقرب وصول البطريرك سلبسترس مصحوباً بالأوامر السلطانية ببطريركيته على انطاكية وبنفي كيرلس طاناس اسرع هذا والاسقف تيودوسيوس الذي تشرطن منه وهربا الى الجبل. فاسترجع الارثوذكسيون كنيستهم(14) بهمة الشيخ يونس  لما عاد الى بيروت في نفس العام 1764 حيث استعاد كاتدرائية القديس جاورجيوس واتفق مع الكاثوليك على ابقاء هيكل النبي الياس في ايديهم فبنوا عليه  كنيسة النبي الياس وهي كاتدرائيتهم الحالية.(15)

الجزء الاعلى من ايقونسطاس كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية المذهب
الجزء الاعلى من ايقونسطاس كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية المذهب

كتب البيروتيون الارثوذكسيون بعد استرجاع الكنيسة الى البطريرك سلفستروس بماجرى،  وبرغبة نيوفيطوس لتقدمه في السن وفقد بصره في الاستعفاء من منصب المطرانية، وطلبوا  من سلبسترس شرطنة اسقف بدلاً منه. وكان سلبستروس في طريق عودته من القسطنطينية عائداً الى مقره بدمشق وزار ابرشية ارضروم. فأخذ عريضتهم وهو في هذه الابرشية وشرطن لهم شماسه يوانيكيوس القبرصي وارسله حالاً. وبوصوله استلم الكرسي بكل هدوء بعد ان تنزل له نيوفيطوس(16) وجاء للخوري قسطنطين الباشا المخلصي ان نيوفيطوس تفرغ عن كرسيه وابرشيته على يد كيرلس طاناس لثيودوسيوس دهان ولكنه لم يذكر مراجعه.(17)

عندما رسم البطريرك سلبستروس  يوانيكوس القبرصي خلفاً لناوفيطوس مطراناً لبيروت. سعى الشيخ يونس هو واعيان الارثوذكس في بيروت بترميم كاتدرائية القديس جاورجيوس لكن مطرانها ايوانيكوس منعهم، ثم اغتنموا فرصة غيابه في دمشق لطبخ الميرون مع البطريرك سلبستروس وفي بعض المخطوطات ان البطريرك سلبستروس ارسله بالميرون الى قبرص في هذه السنة، كما افاد الخوري ميخائيل بريك ايضاً فهدموا الكنيسة، ووسعوا نطاقها واتموا بناءها في 1767م قلما عاد المطران ايوانيكيوس الى بيروت وعرف بما تم اغتاظ منهم.

وفي الاحد الثاني من الصوم الكبير في 4 آذار سنة 1767 وكان الناس في الكاتدرائية يحضرون القداس الالهي هبط عليهم سقفها فجأة، فاستشهد تحت الانقاض 87 شهيداً من الرعية، وجاء في تاريخ القس حنانيا المنير الزوقي الحناوي ان سقوط السقف حدث في 26 شباط سنة 1767 وان عدد الضحايا هو مائة، ولكن شهادة المعلوف تتفق مع تاريخ الخوري ميخائيل بريك وهو الارجح اي ان العدد هو 87 شهيداً.

الاوضاع السياسية

في سنة 1767 نوى محمد باشا العظم والي صيدا مهاجمة بيروت اقتصاصاً من الامير منصور الشهابي. وبينما هو يتأهب لذلك نُمي الخبر الى البيروتيين، فغادروا بيروت ولاسيما المسيحيون منهم وذهبوا الى جبل لبنان. ثم عزل  السلطان العثماني والي صيدا محمد باشا العظم في اثناء ذلك، ولم تتم مهاجمة بيروت ولكن بقي النازحون عنها في الجبل ثلاثة اشهر. ولما هموا بالعودة نوى الارثوذكسيون تجديد بناء كاتدرائية القديس جاورجيوس المهدمة، وكان الساعي الى ذلك هو علمنا الشيخ يونس هذا فاستقدم من مدينة اللاذقية(18) بنَّاءً اسمه عبد الله ابو الياس ووكله بالهندسة والبناء. وعين ناظراً للعمال جرجس العسلي من اعيان مسيحيي صور. فأُنجز بناؤها في اول آذار سنة 1772م وذهّبَّ علمنا على نفقته ايقونسطاسها الخشي البديع المحفور.(19) وبنى له ضريحاً تحت مذبحها، وعندما جدد مطران بيروت جراسيموس مسرة بناءها وجد فيها ضريح علمنا فرتبه في الكنيسة الحديثة.

بروز احمد باشا الجزار

احمد الجزار
احمد الجزار

اكرم الامير يوسف الشهابي احمد باشا الجزار  في دير القمر وكان لاجئاً فاراً لامركز له وهوالباني الاصل( بشناقي) وقد خدم عند امراء مصر وقتل كثيرين لذا لُقب بالجزار…وارسله الامير الى الشيخ يونس في بيروت ورتب له نفقة من الجمرك ببيروت وكان بادارته وبهذا تمكنت الصداقة بينهما…

ومرت على بيروت ظروف قاسية بسبب السياسة وتقاتل ولاة الدولة العثمانية فيما بينهم في الثلث الاخير من القرن 18 واستولى الجزار على بيروت اول عهده وحصن اسوارها ومعروف عنه بطشه حتى بمن احسن اليه وخاصة الامير يوسف الشهابي ولي نعمته ومجيره.

فاستنجد الامير يوسف بالشيخ ظاهر العمر حاكم عكا ضد الجزار فاستجار الاخير بالاسطول الروسي المرابط في قبرص الذي حاصر بيروت بأربعين سفينة حربية وضربها بالمدفعية فهرب المسيحيون الى الجبل ودخل الروس بيروت فهرب احمد الجزار…

مالبث الجزار ان اخذ ولاية صيدا وقويت شوكته وصارت بيروت تحت ولايته، وحدثته نفسه بالاستيلاء على كل سورية وفلسطين …

ومع كل هذه التقلبات والخصام الدامي بقي الشيخ يونس نائلاً رضى الامير يوسف الشهابي من جهة وعدوه اللدود احمد الجزار من جهة اخرى.

فرض الامير يوسف على مسيحيي بيروت ضريبتين كبيرتين مكررتين فعارضه الشيخ يونس متولي الجمرك البيروتي لأنه كان غيوراً على بيروت وعلى سكانها  كثير الرفق بالناس عالماً بما تحدثه الضرائب الكثيرة الباهظة من الضغط وقلة المال والضيق ووقف الحال، وكان علمنا واسع الثروة ينفق من جيبهمساعداً الفقراء من كل البيروتيين، فحسده فارس الدهان الذي عينه الامير مناظراً للشيخ يونس بنظارة ديوان الجمرك لأن الامير تغير رضاه على الشيخ يونس لمعارضته له في فرض الضرائب مرتين على البيروتيين، وكان لفارس الدهان الكاثوليكي الحظوة الكبرى عند الامير بشير الشهابي الكبير منازع الامير يوسف على حكم جبل لبنان…ولكن الشيخ يونس بقي مثابرا في حنانه على الناس  منهم انه تشفع لدى الجزار بشأن  كثيرين اراد الجزار الاقتصاص منهم وكانت منهم الراهبة المارونية كاترينا لتي لجأت اليه هرباً من قصاص الجزار.

تدخل لفض الخلاف بين الامير يوسف واخويه سيد واحمد على حكم البلاد، وكان الجزار مع الاخوين ضد الأمير يوسف ومن معه من مشايخ الشوف وبعض الامراء اللمعيين، وجرت معارك دامية بين الفريقين، فتدخل الشيخ يونس وأصلح بين الجزار والامير يوسف فاستتب الحكم للأميريوسف.

لقب ابو عسكر

في سنة 1780 نقل الجزار كرسي الولاية من صيدا الى عكا، واستتب له النهي والامر، ورضي عن الامير يوسف، فوضع الشيخ يونس ناظرا للجمرك في بيروت واقال فارس الدهان وفوض للشيخ يونس تنظيم الشرطة  ببيروت. فقام يونس بما أوكل الجزار اليه احسن قيام.

في هذه الاثناء كان الجزار ذاهباً بعسكره من عكا الى طرابلس، فلما دنا من بيروت لاقاه الشيخ يونس بحفاوة عظيمة وقدم طعاماً لعسكره على نفقته، فسر الجزار من كرمه واعجب بشهامته، ودعاه “يا أبا عسكر” فاشتهر الشيخ يونس منذ ذلك الحين بلقب “ابي عسكر”.

وقع خلاف بين مطران بيروت وجبل لبنان الكاثوليكي اغناطيوس صروف والرهبنة الشويرية الكاثوليكية على بعض الاديار مثل دير سيدة النياح في بقعاتا(كسروان) ودير القديس سمعان العمودي في وادي الكرم (المتن) وكان البطريرك  الكاثوليكي يميل الى مطرانه الذي اراد  ان يستولي على امطوش الرهبنة الحناوية في بيروت وكنيسته ويطرد الرهبان منها، وكان المطران يحاول اقتاع كاثوليك بيروت ان يقولوا ان الكنيسة لهم وليست  للرهبنة المذكورة، ولكن لم يتفق الجميع معه على ذلك، في حين ان البطريرك وافقه بالرغم من مخالفة الرعية لهما، فلما بلغ الخبر الى الجزار ارسل الى الشيخ يونس ان يمنع المطران من ذلك ففعل.

في سنة 1784 م ضرب الطاعون مصر وفتك بالناس فتكاً ذريعاً  حتى كان يموت 1000 شخص يومياً ففرت الناس ولجأت الى بيروت فأكرمهم علمنا وسهل امورهم بسعيه عند الامير لأجل ايوائهم.

وفي نيسان من العام ذاته ثقل قلب الجزار على الامير يوسف وطلب جمع الاسلحة من جبل لبنان فأبى الامير والاقطاعيون ذلك، فحاصر الجزار بيروت بعدما دارت معارك انتصر فيها معارضو الجزار وسقط من قواته العديد…ففر الامير الى جبال اللاذقية بعد لجوئه الى جبيل ووجه الجزار قواته اليها بقصد ايقاع القبض عليه.

هذا الشأن اثر كثيراً على الشيخ يونس حتى خرج الدم من فمه ولزم الفراش، لأنه وقع بين الاثنين فهو الذي ربى الامير، وفي الوقت ذاته هو معتمد الجزار، ولما علم الجزار بمرضه ارسل طبيبه سليمان صوان الارثوذكسي ولما عرف الطبيب القصة، قام بنقلها  للجزار الذي كان يحب الشيخ يونس فعلى الفور رفع الحصار عن جبيل، واستقدم الامير يوسف اليه والبسه الخلع على الجبل فسري عن الشيخ يونس وشفي من دائه بزوال السبب…

ثم عاد فكرهه مجدداً وحاصر بيروت وقام بجمع السلاح من المسيحيين وثقل قلبه عليهم، وامرهم بتغيير ملابسهم، ولبس اللباس الذي خصصه للمسيحيين تنزيلاً لهم. ولكنه ابقى لباس الشيخ يونس عليه وسمح له ان لايغير شملته المقصبة اعتباراً لمقامه الرفيع لديه.

ونتيجة لازدياد شراسة احمد الجزار وبطشه بأقرب المقربين واستيلائه على ارزاق الناس من الحرير والقمح والقطن والزيت والسمن والصابون… بالمصادرة، وفرض الاتاوات، وقتل اعيان المسيحيين، ومنهم ميخائيل ابن حنا السكروج واخوته  الذين كانوا يديرون خزينة الجزار. في نفس الوقت في عام 1785م كف الجزار يد علمنا من ديوان بيروت وسلمه الى فارس الدهان الذي قام بعدها بعد سنة بالوشاية بالشيخ ابي عسكر فأمسكه الجزارفي بيروت وصادره بمبالغ فاحشة ولكن لما توسطه المذكور قَبِلَ منه اقل من هذه القيمة لأنه كان يكرمه بالرغم من وشايات الكارهين واولهم الدهان المذكور.

في السنة التالية 1787 امسك الجزار بفارس الدهان واخيه وابن اخيه وصادرهم بمبلغ كبير فتوسط علمنا بهم فقبل مبلغاً اقل.

كل من عرف الجزار وفتكه وقرأ الحوادث التي كانت بعهده  عرف عنه انه مثال الغدر والمكر والظلم وقد “كان يذكر الله ويذبح” على قول المؤرخين المعاصرين…

لقد غدر بالمقربين منه قبل الخصوم وصادرهم وشوَّههم حتى انه قتل 400 جارية عنده بحرق وجوههن على المنقل، وهو يدوس على رأس الواحدة حتى الموت… وقد اعدمهن كلهن لمجرد الشبهة بخيانة جنسية ارتكبتها احدهن مع احد عماله…

لقد سجن المقربين وضايقهم ونكل بهم تنكيلاً وهم من اشد المخلصين له فقطع رأس ابراهيم حنا القالوش الصفدي(20)من خاصة المشايخ الزيادنة وشنق ولي نعمته الامير يوسف الشهابي حاكم جبل لبنان وبعض خاصته، وهم الشيخ غندور السعد وابراهيم عزام وولده خليل وذبح الشيخ محمد القاضي وهرس عظام الشيخ عبد الله مفتي عكا. وقتل مخائيل السكروج وشقيقه بطرس ولدي حنا السكروج وجدع انف كل من حنا العوراء وحاييم فارحي اليهودي وهذا صلم اذنه وفقأ عينه اليمنى فوق ذلك، وصادر مال الياس اده وسجن فارس الدهان حتى مات بالسجن.

علمنا نجا من غدر الجزار بحكمته ودرايته وربما كان هو وحده من خاصته الذين لم يلحقهم منه اذى فمات موتاً طبيعياً بلا فتك ولامكر ولكنه لم ينج من مصادرته…!

فوق كل ذلك فان لأبي عسكر اليد الطولى بالمداخلات مع الجزار بشأن البيروتيين واللبنانيين وكثيراً ماكان يتشفع بمن تحامل عليهم.

ولما ضويق مسيحيو بيروت مرة ارسل علمنا كتاباً الى الجزار مع احدهم المدعو سلمون ايوابت فقبل وساطته بسرور ورفع عنهم التكاليف واجابه على رسالته كما كان يكتب له دائماً بقوله:

“فخر أمثاله الصادق بأقواله محسوبنا الشيخ يونس نقولا” واستقدمه اليه الى عكا والبسه الخلع الفاخرة بواسطة الوجيهين الشقيقين مخايل وبطرس السكروج الارثوذكسيين وكانا من اخلص عماله، وهما  في الوقت ذاته من اصدقاء علمنا (قتلهما الجزار لاحقاً) واسند الجزار كما اسلفنا له ادارة شؤون الجمرك في بيروت وادارة نظام البلد وفرض عليه ان يضع المتسلم والتفكجي باشي ممن يخنارهم هو ويدير جفاتلك(21) البلدة التي كانت اولا ملك الامراء الشهابيين واستولى عليها وصارت بكاليك.(22)فعاد علمنا الشيخ يونس الى بيروت وعين متسلما عليها احمد آغا الطرطوسي واستلم هو ادارة الجمرك ووضع تحت يده شقيقه سالم وارسل منشورا باسم الجزار الى مسيحيي بيروت ان يعودوا اليها من الجبل وطلب منهم ترميم بيوتهم التي خربها الجند ويمارسوا اعمالهم بشكل طبيعي، فنزل المسيحيون البيروتيون من الجبل الى بيروت ونفذوا ماطلبه الشيخ يونس لأنهم كانوا يثقون به ويعلمون غيرته عليهم ودرجة حبه لهم.

وكتب بالتالي الى مطران بيروت الارثوذكسي مكاريوس صدقة (23) والى مطران بيروت للكاثوليك اغناطيوس صروف(24) ليعودا مع الرعايا من الجبل الى بيروت، فنزلا ولم يبق في الجبل الا فارس الدهان واخوته لأنه كان غنياً ويكره الشيخ يونس ويسيء الظن به ودوما كان يوشي به للجزار مع ان الشيخ يونس كان يحبه ويعامله معاملة حسنة.(25)

وفاته

عرف الشيخ يونس طباع الجزار ولكنه لم يسلم من غدره بالرغم من اعتداله في مواقفه ومحبة الجزار له، لذلك اراد ان يتملص فذهب الى بلدته المنصورية وهي تحت دير القلعة في بيت مري ترويحا للنفس وبعداً عن المداخلات والخلافات المستمرة بين الجزار والامراء الشهابيين فلبث فيها مدة مرتاحاً ولكن الجزار لم يشأ بعده عنه لسداد آرائه وطيب عنصره.

في بلدته اصيب بمرض”ريح اللاوص” واشتدت وطأته عليه حتى عجز الاطباء عن شفائه فتوفي يوم الاثنين في 18 آذار1787 (26) وطُيِّرَ نعيه الى بيروت وجبل لبنان فصعد المطران مكاريوس صدقة اسقف بيروت واعيانها من جميع الملل الى المنصورية، ونقلوا جثته الى بيروت بموكب حافل تحف به الجماهير الحزينة على فقده. واقاموا له في بيروت مأتماً عظيماً اشترك فيه المسيحيون والمسلمون من كل الطوائف، ونُعي علمنا الى الجزار فتأثر كثيراً وارسل من قبله المعزين باسمه، (وعين اخاه  سالم في خدمته خلفا لأخيه اكراما لذكراه) ومشت الناس بجنازته من داره قرب سوق الفشخة الى كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية التي تدين له، فأودع الجثمان في الضريح الذي شيده لنفسه بجانب الكاتدرائية وهو من جددها، وبكاه الجميع معددين صفاته ومتحسرين على فقده لأنه كان عضد الفقراء وغوث المحتاجين من بيروت والجبل على اختلاف اديانهم ومذاهبهم بدليل الحشد الكبير منهم في جنازته، ونُقش على الضريح التقريظ التالي(27)

“حيا  الاله  ضريح من ………….ساد البوادي والحضر

اي يونس الشيخ الذي …………..فيه   لقد   تم    القدر

وسقاه من روض الجنان………..غيوث  عفوٍ    كالدرر

وحباه   من رضوانه …………..رحمات  تاريخ   اغر” (1201 هجرية)

لم يترك علمنا الشيخ ابو عسكر يونس سوى ابنة كما مر عند ذكر اسرته.

صفاته واعماله

كتب عنه القس حنانيا المنير الزوقي الراهب الكاثوليكي الحناوي في كتابه ” الدر الموصوف في تاريخ الشوف” فقال

“كان علمنا رجلاً عاقلاً وديعا محمود السيرة والسريرة كما مر معنا، وكان له منذ حكم الامير ملحم الشهابي متسلما ديوان بيروت ولم ينازعه احد عليه وكان محبا للجميع محبوبا من الجميع معتبرا عند الجمهور حتى انه عند مروره في الاسواق في طريقه الى عمله قامت اليه الناس محيية فلا يملك ان يرد التحية بكل الفاظها…”

“…كان مسيحيا ارثوذكسياً نقياً وتناقلت الالسنة ذكر محبته للجميع. حتى انه وبدلا من السعي لعقاب مواطنه سيد احمد الزوين السليط اللسان الذي تهجم على اخيه وشتمه فقابله بتقديم هدية له فكاد المذكور ان يذوب خجلا وفي المساء جاء سيد احمد ومع كل قومه الى بيت ابوعسكر معتذرين جميعا منه ومن شقيقه. وقال لشقيقه الذي تضايق من ابي عسكر :” ياجاهل واي انتقام افضل من اكرامنا لرجل نمتن عليه بقبولنا له.””

ومما يروى عن تدينه وماتناقلته الناس انه رأى بعض العوائد الذميمة  قد تفشت بين المسيحيين تبرجاً وتزيناً  في حياتهم وخاصة في الكنائس اذ كانوا يزينون عمائمهم بالورود  والبعض منهم كان يحمل زجاجة ماء صغيرة ليضع بها الورود لتبقى منتعشة وفي ذلك خروج عن آداب الكنيسة، فأزعجه ذلك كما ازعج المطارنة…واتفق( ولكي يحمل الناس على ترك هذه العادات والاقلاع عن هذه الحالة فعل مثلهم ودخل الى الكنيسة) مع المطران على ان يفعل مثلهم وعلى ان ينهره المطران عليها… وهذا ماحصل فخشيت الناس والتزمت بالاقلاع عنها بتاتاً وحمل الناس على الوقوف في الكنيسة بخشوع وسكون وصمت.

وكان ينصح الحكام الذين يقربونه اليهم، وكان يقف منهم المعارض لظلمهم، ويترفق بالناس على اختلاف اديانهم  وهو ماظهر بعد وفاته حيث ان الامير يوسف  الذي كان علمنا مربيه وقيم اعماله واستاذه ازداد جورا فقتل نسيبه الامير بشير حاكم راشيا ومرافقه عبد الله مالك الارثوذكسي  من راشيا ايضا وسمل عيني اخيه الامير سيد احمد الذي فر من وجهه لقتله اخيه.

بالنتيجة فان علمنا كان روح المسيحية بعصره وقد أنشأ معاهد خيرية كثيرة وتعهد المدارس والكنائس بعنايته…

ارثوذكسياً

– رمم كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت ووسع نطاقها كما مر وعمل ايقونسطاسها وذَّهَّبه على نفقته ايضا هذا الايقونسطاس الفخم الجميل المذهب

– شيد كنيسة قريته المنصورية الارثوذكسية في النصف الثاني من القرن 18

– شيد كنيسة ارثوذكسية اخرى لهم في المكلس.

– شيد كنيسة ارثوذكسية في وادي شحرور الفوقاني.

– جدد كنيسة دير النبي الياس شويا، وبنى بعض غرف في طبقته العليا.

– سعى بتكثير اوقاف الكنائس

وللطوائف الاخرى

– ساعد الكاثوليك في بناء كاتدرائيتهم ببيروت كاتدرائية مار الياس عندما استولوا على هيكل مار الياس في كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية كما مر.!

–  بنى كنيسة للموارنة في المكلس بجانب الكنيسة الارثوذكسية التي شيدها (اعلاه)

– بنى كنيسة مارونية في وادي شحرور

* ساعد ببناء الجوامع  في بيروت وترميمها

* ساعد ببناء كنس اليهود في بيروت وترميمها

بعض مما قيل فيه

-عندما قبل الجزار استقالته كتب له الكتاب التالي:

“فخر امثاله الصادق بأقواله محسوبنا الشيخ يونس نقولا

بعد السؤال عن حالك قد شفقنا على شيخوختك. المراد نلتزم بيتك وتكون طيب الخاطر مرتاح البال من نحونا متقيد بالدعاء لنا. وتسلم الكمرك وجميع اقلام ميرة بيروت ومسقفاته الى محسوبنا فارس الدهان والسلام.

احمد الجزار”

لم يطل الوقت على الدهان فكف  الجزار يده وامر بسجنه وبمصادرته بألف كيس دراهم وارسل الى شيخنا يونس نقولا منشوراً باعادته الى عمله وهو:

“انني قد تحققت صدق خدماتك وخيانة غيرك وانك لاتنكرني  ولا تعمل قصوراً في خدمة أفنديك لتنظر منه كل مايرضيك. وان تكون مباشراً لتحصيل الغرش المطلوب من فارس الدهان لأنه رجل خائن والسلام”

ولكن لحسن اخلاق علمنا كان يوصي المتسلم والسجان بملاطفة الدهان وتخفيف عذابه مع ان هذا كان يؤذيه وقأذى شقيقه سالم وسجنه تشفياً.

كتبت عنه مجلة المشرق الكاثوليكية

” للشيخ يونس نقولا الجبيلي المشهور بأبي عسكر شهرة كبيرة عند الروم فإنه هو الذي بنى كنيستهم سنة 1761م ثم خربت عند انتهائها ومات تحت ردمها كثيرون سنة 1767م فجدد الشيخ يونس بناءها ونجز سنة 1772م وكان له نفوذ عظيم عند الجزار فوكل اليه نظارة ديوان(كمرك) بيروت وفوضهُ في تنظيم شرطتها وبه دعيت بعض أزقة البلدة المعروفة الى اليوم بفشخة ابي عسكر عند سوق الخضرة وكانت وفاته سنة 1787م ةدفن قرب كنيسة الروم وقد وُجد قبره منذ زمن قليل(28) فنقلت بقاياه الى الكنيسة الحديثة. وكان واسع الثروة ذا بصيرة وحزم انشأ بعنايته مطبعة الروم الارثوذكس في اواسط القرن الثامن عشر…الخ”

اصدقاؤه ومعارفه

كان لعلمنا الشيخ يونس نقولا الكثير  الكثير من المعارف من اعلى الطبقات الى المواطنين البسطاء بالناس اذ قلما رآه أحد وكاتبه لم يتعلق بمحبته فكان من اصدقائه المخلصين له الذين يكرمهم ويحترمهم كثيرا

البطريرك السوري صفرونيوس الكلسي بطريرك اورشليم فالقسطنطينية المشهور بمعارفه.

البطريرك السوري انثيموس الانطاكي او الدمشقي بطريرك اورشليم مؤلف  كتاب “الهداية” وغيره.

البطريرك سلبستروس القبرصي 1724 بطريرك انطاكية للروم الارثوذكس

نيوفيطوس مطران بيروت الارثوذكسي

خليفته ايوانيكيوس القبرصي مطران بيروت

المطران مكاريوس صدقة مطران بيروت الارثوذكسي

المطران اغناطيوس صروف مطران بيروت للكاثوليك

الكونت جوني المسكوبي اميرال الاسطول الروسي المرابط في قبرص الذي جاء لمساعدة ظاهر العمر الزيداني كما مر معنا وهو الذي فاوضه واتفق معه على  رفع الحصار عن بيروت.

حنا ماريتي الرحالة الايطالي الذي دخل بيروت في شهر تموز سنة 1767م

صديقه الحميم الشيخ احمد البربير الذي تولى القضاء في جبل لبنان زمن الامير يوسف الشهابي

وتلميذه الشيخ عبد اللطيف فتح الله المفتي البيروتي الحنفي

الشيخ عمر اليافي

والاعلام من العلمانيين والادباء والقناصل والموظفين الرفيعين…

ابراهيم الصباغ، ميخائيل البحري، والدكتورسليمان صوان الارثوذكسي طبيب الشيخ ظاهر العمر ثم الجزار. ويوسف قسيس الكاثوليكي وابراهيم مشاقة صديقه. وابراهيم حنا قالوش الصفدي والشيخ طه قائد الاكراد عند الجزار ويوسف مارون والياس اده وغيرهم الكثر.

الخاتمة

كما اسلفنا… اردنا في كتابتنا هنا عن هذا العلم الارثوذكسي الشيخ يونس نقولا جبيلي ان نعيده الى الاذهان ونلقي بعض الضوء على سيرته وانجازاته المبرورة وان كنا تعبنا كثيراً في البحث والكتابة والمقارنة و… لتترحم الناس عليه خاصة واهم آثاره ككاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت بناء وايقونسطاساً بديعا، ودير النبي الياس شويا البطريركي وبقية الكنائس التي اوجدها خدمة لكنيسته الارثوذكسية في بيروت وجبل لبنان تشهد على مبراته.

الشيخ يونس هو احد العظماء في كرسينا الانطاكي المقدس الذين افنوا اعمارهم لأجله وقدموا كل مايملكون…

هكذا صرف هذا المحسن الكريم حياته في العمل بحكمة وتدبير وخوف الله حتى انشد الناس له بعد وفاته

هيهات ان يأتي الزمان بمثله………………………..ان الزمان بمثله لبخيل

حواشي البحث

1) نكرر ماسبق مراراً واشرنا اليه وهو ان ابرشية بيروت كانت ومعها جبل لبنان ابرشية واحدة الى مطلع القرن 20 عندما تمت قسمتها الى ابرشيتين عام 1902 نتيجة مناشدات كثيرة جداً وعرائض جماعية من رعايا انحاء جبل لبنان يرجون فيها  وبالحاح وتوسل البطريرك ملاتيوس الدوماني(1898-1906) والمجمع الانطاكي المقدس ذلك وان يكون لهم مطران خاص لأن الابرشية كبيرة ومترامية الاطراف وتحتاج كل منطقة الى مرور عدة سنوات ليزورها المطران ومطرانيته في بيروت.(الوثائق البطريركية بيروت وجبل لبنان)

البطريرك والمجمع ارتأوا التريث اكراماً لمطران الابرشية غفرئيل شاتيلا الدمشقي(1870-1902) الذي افنى حياته وقدم كل مايملك من جيبه الخاص لاحياء موات اديرة الجبل واوقافه طيلة زمان مطرانيته (الوثائق البطريركية)

بوفاة المطران غفرئيل قرر المجمع المقدس فصل الابرشية وانتخب مطرانا لها بولس ابو عضل الدمشقي وتحددت حدود ابرشيته بواقعها الحالي تحت تسمية ابرشية جبيل والبترون وتوابعهما… ثم انتخب لمطرانية بيروت جراسيموس مسرة اللاذقي ومنحت ابرشية بيروت بلدة سوق الغرب من جبل لبنان تابعة لها وصار دير القديس جاورجيوس فيها مقراً صيفياً لمطران بيروت. وكانت الابرشية قبل القسمة تحت تسمية ” ابرشية بيروت ولبنان ومايليهما” بمعنى ان تسمية لبنان كانت تنصرف فقط الى جبل لبنان وهو متصرفية ذات حكم خاص في ظل الدولة العثمانية تم ترتيب وضعه بمؤتمر دولي لحفظ حقوق المسيحيين والدروز… وخاصة بعد مذابح المسيحيين في الجبل من 1849-1860.التي قضت على مئات الالوف من مسيحيي الجبل ودير القمر وزحلة والاقضية الجنوبية راشيا وحاصبيا ووادي التيم والبقاع الغربي…

2) “الشيخ” هنا رتبة اجتماعية بمكانة مميزة وجمعها “مشايخ القوم”.

3) “المقدسي” نسبة اما الى من تبرك بزيارة القدس”بيت المقدس” (وفق التسمية الشائعة فيما مضى) وقدس الى قبر ومهد السيد له المجد في فلسطيننا المقدسة، او انه ابن “بيت المقدس” او القدس، وقد تكنى بهذه التسمية حين اعتماد الكنيات في بلاد الشام بدءاً من القرن 17 ولكن هنا لاينطبق على كاتب المخطوط  المقدسي هذا فهو ابن بيروت ولكنه كان مقيماً في “طرابلس الشام” وتقال طرابلس الشام تمييزاً لها عن طرابلس الغرب عاصمة ولاية  ليبيا وفق ذاك الزمن تحت الاحتلال العثماني.

4) له ايضاً مخطوط جميل  خطه بيده اسمه”ادبيات فلاسفة اليونان” أنجزه في آخر حزيران سنة 1797مسيحية بخط جميل وفي آخره حواشٍ خطها بقلمه عن حوادث عصره منها، أنه لما احتل الفرنسيون مصر بقيادة نابليون ” الحملة الفرنسية على مصر 1798-1801) وزحفه الى بلاد الشام، فَّرَّ البيروتيون الى جبل لبنان. ولما ترك الفرنسيون عكا في اول آب سنة 1800 ذهب المؤلف بعياله من لبنان الى طرابلس واستوطنها، وربما كان هو جد اسرة “طراد” الارثوذكسية العريقة في لبنان.

5) اورد  معلمنا العلامة المرحوم الاستاذ عيسى اسكندر المعلوف وصف معظم هذه المخطوطات في كتابه الشهير “دواني القطوف في سيرة آل معلوف” وعائلات مؤلفيها ، كذلك وصف بعضها في مجلة النعمة البطريركية السنة الاولى في مقاله”التواريخ النصرانية”

6) لذا تكنت العائلة بالجبيلي نسبة الى جبيل.

7) ذكر الشيخ جرجس هذا في كثير من المخطوطات ومنها “تريودي” بمكتبة دير النبي الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير، خطه يوسف بن الخوري حبيب بن بسترس سنة 1660 مسيحية في زمن المطران فيليبس اسقف بيروت وفيه حاشية أن المطران باعه للقس شحادة بن الخوري شحادة بن الخوري جرمانوس من جبيل باثني عشر قرشاً اسدية بشهادة جرجس نقولا وابي كرم الريشاني.

8) كثرت الضرائب وتنوعت وقل من عرفها لتمييزها وبالنسبة لضريبة “الجوالي”  وهي جمع الجالية وهم الذين تركو موطنهم فسميت جزيتهم باسمهم.

9) “الدهقان” رئيس القرية او الاقليم.

10) الكتخدا والكتخداي تسمية فارسية معناها معتمد او مدبر اشغال والعامة تسميه كاخية ومن معاني هذه التسمية كاتم الاسرار او النائب. وتحل محلها الكلمة الافرنجية “سكرتير”.

11) نشأة الروم الكاثوليك: الحقائق الوضية ص 120-121 – د. اسد رستم كتاب”كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى/ الجزء الثالث ص164-165

12) كما اوردنا في مدونتنا هنا بموقعنا عن البطريرك المذكور وبمدونتنا عن الطباعة العربية بموثعنا هنا ايضاً…

13) انظر مدونتنا هنا  في موقعنا بعنوان “منتخبات… الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي”، ومدونتنا الاسبق بعنوان “الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي”

14) د. اسد رستم كتاب كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى/ الجزء الثالث ص149- 150.

15) عيسى المعلوف الشيخ ابو عسكر 1910 ص540

16) نشأة الروم الكاثوليك: الحقائق الوضية ص110-112 – د. اسد رستم”كنيسة انطاكية…”ج3 ص150

17) تاريخ الطائفة الملكية للخوري قسطنطين الباشا ج2 ص 318- د. رستم المصد  السابق ذاته والصفحة ذاتها.

18) كان اللاذقيون في ذلك العهد من امهر البنائين لأن علمنا الشيخ يونس لما جدد دير انبي الياس شويا البطريركي سنة 1759 كان رئيس البنائين الذين كان عددهم 14 بنّاءً هو الخوري ابراهيم اللاذقي كاهن الدير واحد رهبانه.

19) يعد ذلك الايقونسطاس الخشبي من اجمل آثار النجارة والحفر الشرقي وقد كُتبَ عليه انه أُنجز بسعي الشيخ يونس والمطران مكاريوس صدقة وصانعه هو وهبة النجار الدمشقي والد مطران طرابلس صفرونيوس النجار الدمشقي المتوفي 1882 ومن الجدير ذكره ان فن النجارة وحفر الخشب هو من اختصاص الفنانين الدمشقيين ومنهم عائلتنا التي كانت مكونة من المرحومين جدي فارس وابنيه عمي نقولا ووالدي جورج وشقيقي الاصغر الشهيد مروان وقد تركت هذه العائلة كرسي البطريرك والمطران في كنيسة الصليب المقدس وكل ماهو موجود من اعمال خشبية محفورة ومذهبة من ابواب الهيكل الثلاثة الى الايقونسطاسات والطاولة وحاملات الايقونات والايقونات و”ابانا الذي… “هي من انتاج وتقدمة الوالد رحمه الله من1984 الى حين انتقاله الى الحضن الالهي 1996 قدمها الى الكنيسة المذكورة لراحة نفس شقيقي الشهيد مروان وعن صحته وصحة العائلة والتذكار المؤبد اضافة الى قطع محفورة في الكاتدرائية المريمية وكنائس كيرلس الكاثوليكية وحرستا الارثوذكسية و…غيرها…حفرها ونقشها بازميله المبدع.

20) ابراهيم القالوش هو الجد المؤسس لأسرة حنا العربيلي الدمشقية الشهيرة  والاصل من سكان بلدة عربين من ريف دمشق الشمالي الشرقي بعدما هربت العائلة من ظلم الجزار الى وادي النصارى ثم انتقلت الى عربين. من الاسرة الدكتور ابراهيم عربيلي الشهير في دمشق وبيروت ونيويورك.

21) كلمة تركية معناها العقارات والمزارع والقرى الخاصة بالحكومة ولكنها شبه اقطاع للرعية.

22) اصل معناها التركي مايخص البيك ويراد بها العقارات والاسواق التي هي تصرف الحكومة وتدبيرها.

23) مكاريوس صدقة هو طرابلسي الاصل.(انظر ترجمته هنا في موقعنا)

24) هو دمشقي ارثوذكسي الاصل من بني المخلع الدمشقية الارثوذكسية الشهيرة ومنها العديد من المطارنة الارثوذكس.

25)عرفت اسرة الدهان في بيروت بقدمها وقد ورد ذكرها في عام 1570  وقد صارت كاثوليكية زمن كيرلس طاناس واستولوا على كاتدرائية بيروت الارثوذكسية، ثم اقامتهم كنيسة مار الياس لهم من هيكل مار الياس في كنيسة القديس جاورجيوس كما مر معنا. وكان فارس هذا  يناظر الشيخ يونس وبالرغم من قربه من الجزار الا انه لم يسلم من مكره فسجنه سنة عام 1790 وتوفي في السجن وكان الشيخ يونس قد اوصى بحسن معاملته بالسجن بالرغم من كل المكائد التي دبرها له… لم ينصف المؤرخون الدهان بشهاداتهم عنه امثال القسين روفائيل كرامة وحنانيا المنير الكاثوليكيين وقد وصفوه بالبخل وانه لايبالي بالمعروف، وكم حمل البيروتيين المسيحيين وسواهم من المغارم بعكس الشيخ يونس، ويشهد على ذلك “تاريخ الامير حيدر الشهابي” ايضاً ص862. ولما مات الشيخ يونس وكان شقيقه سالم في هذا العمل الى سنة 1791  سعى الدهان لعزله من الجمرك واستلم منه مابعهدته وكان كل شيء مضبوطا ووفق الاصول، ومع ذلك ولكرهه له ولشقيقه سجنه تشفياً منه، واحضر مباشر الديوان وكتب له اسماء بعض الارثوذكسيين والموارنة والكاثوليكيين الذين يميلون الى آل نقولا وآذوهم وصادروا اموالهم، لكن فارس الدهان لسوء تصرفاته هذه ربما لقي مصيره  ولم تكد تنتصف سنة ادارته للجمرك حتى امر الجزار بالقبض عليه ومات  بالسجن مصادرا كما مر.

26) وفي تاريخ اساقفة بيروت للمقدسي عبد الله مخايل طراد البيروتي انه توفي يوم الاثنين في ذذ آذار سنة 1789م من السبة الثانية من الصوم. وفي الدر المرصوف للقس حنانيا المنير انه توفي سنة 1205 هجرية الموافق 1790م

27) قيل انه من نظم الشيخ احمد االغر احد اعلام بيروت وتولى امانة الفتوى(1783-1857م)  وله ديوان شعر رقيق …ربما نظم هذا التخليد بعد ذلك حيث انه عند وفاة الشيخ يونس  كان بعمر 3 سنوات!!، ويقول المعلوف انه ربما كان من نظم الشيخ احمد البربير الشهير المولود عام 1747 والمتوفي 1811م وله اشعار رقيقة نُشرت بمجلة المشرق وهذا كان من معاصري علمنا واصدقائه، ويقول المعلوف ايضاً انه:” قد ظهرت قبرية علمنا عند تجديد الكنيسة والابيات غير ظاهرة فصححتها أنا وصديقي الألمعي الشيخ رشيد نفاع الذي أفادني شيئاً عن اسرته فاشكر له عنايته وتدقيقه.”

28) عندما جدد مطران بيروت جراسيموس مسرة الكاتدرائية مطلع عهده(1902-1936) اكتشف القبرونقل الرفاة الى الكاتدرائية بعد تجديدها وفاء لذكر هذا العلم الارثوذكسي البار…

من مصادر البحث

– زيتون. جوزيف/ كتاب “الآسية مسيرة قرن من الزمان”دمشق 1991

-جوزيف زيتون سيرة القديس يوسف الدمشقي / كتاب الآسية 1991 والنشرة البطريركية 1992

-عيسى اسكندر المعلوف مجلة النعمة البطريركية دمشق  1910مشاهير الملة -الشيخ ابو عسكر يونس نقولا اللبناني. وقد استفدنا منه كثيرا

– رستم. اسد كتاب كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى الجزء الثالث

-نشأة الروم الكاثوليك لمجهول

-الحقائق الوضية، وتاريخ الشام للخوري ميخائيل بريك.

-غطاس قندلفت مجلة المنار البيروتية 1899 ” تاريخ البطاركة الانطاكيين”

-.  دباس. انطون قيصر ونخلة رشو “تاريخ الطباعة العربية في المشرق” 2008

-عيسى اسكندر المعلوف” دواني القطوف في سيرة بني المعلوف”

-مركز الحريري الثقافي كتاب “لبنان في تاريخه وتراثه”

-ميخائيل مشاقة”مشهد العيان بحوادث سورية ولبنان”

– المقدسي عبد الله بن ميخائيل طراد البيروتي الارثوذكسي” تاريخ اساقفة بيروت”

-القس حنانيا المنير الزوقي اللبناني الحناوي الشويري”تاريخ الدر المرصوف في حوادث الشوف “

– “تاريخ الرهبنة الحناوية”له ايضاً

-القس روفائيل كرامة الحمصي الحناوي الشويري “تاريخ لبنان وسورية”

-ميخائيل بن جرجس الصباغ الدمشقي الارثوذكسي “تاريخ ظهور الكثلكة”

وغيرها من مخطوطات ومطبوعات…

 

 

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *