داخل الكاتدرائية المريمية

العمارة الكنسية الرومية

العمارة الكنسية الرومية

العمارة الكنسية الرومية

تمثل العمارة الرومية إحدى المراحل أو الفواصل التاريخية الهامة في مسيرة الحضارة المعمارية العالمية، وقد اقترنت بولادة المسيحية (فجر المسيحية) في أوربة،حيث كان يطلق عليها تسمية الإمبراطورية الرومانية الشرقية، او امبراطورية الروم…

رومية ام بيزنطية

ومنذ القرن السادس عشر اسماها علماء الكنيسة الغربية الامبراطورية البيزنطية لنزع صفة الرومانية عنها بما يعاكس الواقع التاريخي ولحر الرومانية فقط بروما العاصمة وحصر القديس بطرس بروما القديمة فقط…!

اما البيزنطية فهي نسبة لمدينة بيزنطة المندثرة التي تعود الى القرن السادس قبل الميلاد كمركز تجاري اغريقي عريق، والتي بنى قسطنطين الكبير عاصمة امبراطوريته الجديدة القسطنطينية على انقاضها، وحظر بالتالي اقامة اي معبد وثني فيها او اي طقس وثني لأنه ارادها عاصمة الامبراطورية المسيحية، ولهذا السبب (الوثنية) نقل العاصمة من روما مركز الحبر الاعظم الوثني الى القسطنطينية متمسكا بالتسمية الامبراطورية الرومانية بعاصمتها الشرقية القسطنطينية، لذا صار الغرب يطلق عليها اما امبراطورية الروم البيزنطيين والروم هنا تعني اليونان، والبيزنطية نسبة الى بيزنطة كما سلف بيانه، ونحن نؤكد على تسمية الامبراطورية الرومانية الشرقية، بدلاً من الامبراطورية البيزنطية.
يعتبر الإمبراطور قسطنطين مؤسس الأمبراطورية الرومانية الشرقية، الذي جعل من القسطنطينية (بيزنطة سابقاً) عاصمتها عام 335م.
وكانت الإمبراطورية االرومانية الشرقية تضم هضبة الأناضول بآسيا وأجزاء من اليونان وجزر بحر إيجه وأرمينية وآسيا الصغرى والشام ومصر وفلسطين وليبيا وتونس والجزائر وأجزاء من شمال بلاد النوبة. وكانت هذه الإمبراطورية تأخذ طابعا إغريقيا في الثقافة والعلوم حيث حافظت علي التراث الإغريقي والروماني ، كما تأثرت بحضارات وفنون الشام ومصر وبلاد الإغريق ومابين النهرين.
الطرز المعمارية الرومية
رغم تأثرهم بالتراث الإغريقي والروماني وكذلك حضارات الشام ومصر استطاع الروم استحداث ثقافاتهم وطرزهم المعمارية الخاصة بهم ولاسيما في بناء الكنائس والقصور والحمامات والمكتبات والمستشفيات والخانات والأسواق المغطاة وبيوت الضيافة علي طرق القوافل . وظلت الإمبراطورية قائمة حتي اسقطها العثمانيون بقيادة  السلطان محمد  بغزو القسطنطينية واستباحتها عام 1453 م. وكانت معبرا للقوافل التجارية بين الشرق والغرب .
إن من أهم الصفات والمعالم المميزة للعمارة الرومية تأثرها بظروف وعوامل بلادهم الجوية ( ذات الجو الحار نسبياً ) ، والتي تجلت في وجود الاسطح المستوية مشتركة معا مع القباب ذات الطابق الشرقى الأصيل ،والفتحات الصغيرة الضيقة للشبابيك المرتفعة نسبيا عن منسوب الأرضية ،وتلك الحوائط الغير منكسرة ،والعقود المتكررة التى تحيط بالأفنية الداخلية ،كل هذه العوامل كونت الخواص المعمارية لهذا الطراز الرومي في الامبراطورية الرومانية الشرقية .وقد اشتهرت العمارة الرومية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام، حيث بنيت القباب إما بالطوب اللبْنْ أو الحجر أو بنُظمْ الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية.
وينتقل الشكل النصف كروي بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصور.
وعلى أثر ذلك تطور المسقط الأفقى للكنائس فى ذلك العصر بما يتمشى مع استعمال القباب،فأصبح المسقط عبارة عن صحن مربع كبير فوقه القبه الرئيسة، و له أذرع أربعة تكون معه شكل صليب، و سقف كل من هذه الأذرع على شكل قبو أو نصف قبة، أما الأركان الاربعة المحصورة بين الصحن وتلك الاذرع فكانت أسقفها اما قباب صغيرة أو “مصابات”.
وقد اشتهر المهندسون فى ذلك العصر بالابداع والتفوق فى التكوين المعمارى لهذه القباب مع بعضها من كبيرة وصغيرة ونصف قباب، مما جعلها فريدة من نوعها على مر الزمن. وأهم ما يلاحظ أيضاً أن أبراج أجراس الكنائس لم تظهر فى هذه المنشآت فى ذلك العصر.

داخل كاتدرائية السيدة الشهيدة في طرطوس
داخل كاتدرائية السيدة الشهيدة في طرطوس

أما من حبث الوجهات الخارجيه لتلك الكنائس، فقد كانت بسيطة قوية معبرة، ذات صف واحد أوأكثر من الشبابيك الصغيرة لإنارة الأجنحة الصغيرة حول الصحن الكبير، والشرفات الداخلية أعلاها، والتى أخذ إستعمالها فى الإنتشار. وأما من حيث التفاصيل المعمارية الداخلية فكانت أقرب ما تكون لتفاصيل العمارة الرومانية، وأساسها الطراز الأيوني والطرازين الكورنثي والمركب، وذلك بعد إدخال عدة تعديلات على هذا الطراز بما يتناسب والطراز الجديد.
وأهم هذه الإبتكارات والمستحدثات فى هذا الشأن، هو ما ظهر من امتداد تيجانها إلى الخارج، ووضع جلسة مربعة أعلى هذه التيجان مباشرة، وذلك لتحسين حمل العقد الذى يبتدىء من هذا المنسوب مباشرة، وبدون إستعمال التكنة الرومانية المعتادة، وكذا إستدارة زوايا هذه العقود لإستمرار عمل الموزابيك على بطنياتها، كالتى يتم عملها على الحوائط الرأسية تماماً.
واشتهرت العمارة الرومية أيضاً بالأيقونات الملونة، وقد عرفت مخطوطاتهم بالتزيين والخط البديع وتهميش الصفحات ووضع العناوين. وكذلك عرفوا بإبداعهم في صناعة ابواب القصور والقلاع المصفحة، ونسج الحرير الملون وصناعة الأختام من الرصاص والسيراميك (الفسفساء) والزجاج الملون وسك الدنانير الرومية الذهبية، والتي كانت متداولة في الإمبراطورية .
ومن ناحيه التأثيرالجيولوجي لبيئة البلاد، لم يكن الحجر(كماده أساسية من مواد البناء) موجوداً في هذه المنطقه، بينما توفر الطمي الذي استعمل في عمل الطوب أو الحجارة المكسرة في الخرسانه.
وعلى ذلك فكان لابد من استيراد تلك المواد الهامة المطلوبة لإقامه المباني التذكارية على وجه الخصوص فكان يستورد الرخام مثلا من المحاجر التي تقع في منطقه حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقيه بالنسبه الى القسطنطينيه، و لذلك نجد أن العماره الرومية تأثرت كثيرا بتلك الأحجار الضخمة التي كانت تبنى بها المباني التذكارية والتي كانت تستخرج من تلك البلاد.

الطراز البازليكي

كنيسة الصليب المقدس بدمشق من الكنائس الكلاسيكية الرومية
كنيسة الصليب المقدس بدمشق من الكنائس الكلاسيكية الرومية

هو نمط معماري مقتبس من البازيليكي الروماني (المعابد الرومانية) التي تتميز بكونها مساحة مستطيلة مقسمة بواسطة مجموعة من الأعمدة إلى ثلاثة اروقة أكثرها اتساعاً الرواق الاوسط، وتكون هذه الأروقة عمودية على هيكل الكنيسة وفيها المائدة والمذبح المقدسين وحنية الهيكل في صدر الهيكل او قدس الاقداس.
وقد ظل الطراز البازيليكي الطراز السائد في عمارة الكنائس في الدولة الرومانية الشرقية حتى القرن السادس المسيحي، بينما ظل منتشراً في أوربة إلى القرن الثامن المسيحي، ويعتبر الطراز البازيليكي واحدا من أربعة طرز معمارية استخدمت في عمارة الكنائس المسيحية.
فإلى جانب الطراز البازيليكي هناك التصميم المركزي مثل الكنائس المستديرة أو المعتدلة الأضلاع، وهناك الكنائس المغطاة بقبة مركزية وأنصافها مثل كاتدرائية آجيا صوفيا في القسطنطينية..
أما الطراز الرابع فهو طراز رومي ظهر في القرن السادس المسيحي، وهو ما يعرف بالتصميم االفرنجي، وفيه تعلو قبة مركز تقاطع أضلاع الصليب المتساوي الأضلاع.

كنيسة المهد
بعد أن تم السماح للمسيحية في الإمبراطورية الرومانية الشرقية وذلك في عهد الإمبراطور قسطنطين باطلاقه براءته الشهيرة المسماة “براءة ميلان” من مدينة ميلانو عام 314م بحرية المسيحيين في دينهم الذي كان محظوراً ويعاقبوا عليه، ووقف الاضطهادات بحقهم، أمرت والدته القديسة “هيلانة” في عام 335م بإنشاء أول كنيسة مسيحية في أراضي الدولة الرومانية وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط وهي كنيسة المهد، تلك الكنيسة التي تعرض بعض أجزائها للدمارعدة مرات.

شُيدت كنيسة المهد منذ أن أمرت ببنائها القديسة هيلانة في القرن الرابع االمسيحي على النمط البازيليكي، وقد استخدمت الأحجار الضخمة في بناء جدران الكنيسة الخارجية، لذلك بدت وكأنها أحد الحصون الحربية، ومما زاد من الشعور بهذا الإحساس: باب الكنيسة الذي أنشئ في العصر العثماني للحد من الكارهين للمسيحية الجيوش من الدخول إلى الكنيسة للانحناء اولاً ولغايات أمنية ثانياً، ويتميز الباب بصغر حجمه، ولكي يستطيع الشخص الدخول من خلاله لا بد أن ينحني كما لو أنه سيدخل إلى أحد الكهوف أو المغارات.
وتتميز كنيسة المهد من الداخل بالبساطة. فهي تحتوي على أربعة صفوف من الأعمدة الضخمة المصنوعة من الحجر ذات طراز كورنثي، وتنتهي بتيجان من أوراق نبات الأكانتس بطابعها الإغريقي.

كنيسة المهد
كنيسة المهد

وتقسم صفوف الأعمدة الكنيسة إلى ثلاثة أروقة أوسعها الرواق الأوسط، وتتعامد هذه الأروقة على الهيكل وبداخله المذبح والمائدة المقدسين للكنيسة، ويفتح هذا الهيكل على فناء الدير الأرثوذكسي، ويؤدي هذا الفناء إلى سلسلة من الكهوف التي أعدت للدفن.
احتوت كنيسة المهد على العديد من الفنون، كفنّ الخشب والتصوير الجداري والفسيفساء والأيقونات والرخام، مثلها في ذلك مثل باقي الكنائس الأثرية التاريخية، فقد زينت أعمدتها بصورزياتية فريسك تمثل صوراً لبعض القديسين، كما تم تغطية جدران الكنيسة الداخلية بالفسيفساء الملونة جميعها تدل على مهارة الصانع ودقة الفنان، كما ذُهِبَّتْ أجزاء كثيرة من الأعمدة أثناء العصور الوسطى.
أما أرضيات الكنيسة فقد صنعت من الرخام والموزاييك، وقد رممتها بطريركية اورشليم الرومية الارثوذكسية في عام 1842م. أما سقف كنيسة المهد فقد كان منذ إنشائها وحتى الغزو الفرنجي من خشب الأرز، وسقفها الحالي يرجع إلى القرن الرابع عشر المسيحي، كما ازدانت الكنيسة ببعض الصور المائية عن بعض الأساطير الفارسية الساسانية التي تأثرت بها الفنون الرومية المسيحية.

أعيد بناء كنيسة المهد في القرن السادس المسيحي في عهد الإمبراطور يوستنيانوس حيث كبّر البازيليكا, وفي وقت لاحق أضيفت ثلاثة أمكنة جانبية للصلاة على أنقاض المبنى المثمن الأضلاع. وتمت إقامة درجات تسهل الوصول إلى المغارة .

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *