العوامل التاريخية والسياسية والديمغرافية والإجتماعية والطبيعية التي سهَّلت دخولَ العربِ المسلمين الى بلاد المشرق

العوامل التاريخية والسياسية والديمغرافية والإجتماعية والطبيعية التي سهَّلت دخولَ العربِ المسلمين الى بلاد المشرق

العوامل التاريخية والسياسية والديمغرافية والإجتماعية والطبيعية التي سهَّلت دخولَ العربِ المسلمين الى بلاد المشرق

 ماهي العوامل التاريخية والسياسية والديمغرافية والإجتماعية والطبيعية التي سهَّلت دخولَ العربِ المسلمين الى بلاد المشرق في القرن السابع وإحتلالِهم لهذه الأقطار، مبعدين عنها الدولةَ الروميَّة؟

مقدمة

 شهدت إمبراطورية روما القديمة المنتشرة حول البحر الأبيض المتوسط سنة 313 نشرَ مرسوم ميلانو الذي أعلنه قسطنطين الكبيروفيه أطلقَ للمسيحيين في الامبراطورية الرومانية حريةَ المعتقدِ والعبادة، والذي أتاحَ، في سنة 325، إنعقادَ المجمع المسكونيّ الأول برئاسةِ الإمبراطور قسطنطين الكبير ذاته. وفي سنة 330، إنتقلَت العاصمةُ من روما القديمة الى القسطنطينية التي أنشأها قسطنطين في موقع بيزنطة تلك المدينة القديمة التي تعود الى القرن السابع قبل الميلاد على ضفةِ البوسفور. وأصبحَت المسيحيةُ دينَ الدولة الرسميّ في عهد ثيوذوسيوس الأول الكبير في سنة 380، وحُرِّمَت عبادةُ الأوثانِ في سنة 390.
كانت إمبراطوريةُ الروم المسيحيةُ دولةً أمميةً، بمعنى أنها كانت تضمُّ شعوباً كثيرة، لها تقاليدُها وعاداتُها وثقافاتُها ولغاتُها، دون تمييزٍ بينَها، أما اللغةُ الرسمية للدولة فكانت اللاتينية واليونانية. لكنَّ الكنيسةَ إعتمدَت منذ صياغةِ الأناجيل والرسائل على اللغة اليونانية الوسطية المسماة Koine. وكانت لغة الادارة والحكم والادب ومن المكوّنات العرقية في الدولةِ الرومية، يجبُ ذكرِ الإغريق الذين كانوا يسكنون اليونان وسواحل الأناضول والمشرق وشمال ليبيا، والآراميين السريان الذين كانوا يسكنون داخل المشرق من شرق الفرات الى ما بين النهرين، والأرمن في ولاية ارمينيا وكيليكيا واليهود (خاصةً في ولايات فلسطين الثلاثة) والمصريين (الأقباط)في مصر والعرب (في شرق الأردن والرها وجبل العرب)، والبربر في أفريقيا الشمالية والغول في غرب أوربة، وغيرهم من الشعوبِ القديمة.

 العاملان  الرئيسان اللذان سهَّلا دخولَ العربِ المسلمين الى المشرق المسيحي

اولا الإنشقاقات الدينية بين المسيحيين بين اصحاب الطبيعتين واصحاب الطبيعة الواحدة وانحياز الاخيرين الى المسلمين وهم “اللا خلقيدونيين” وكانوا هم السريان في سورية والاقباط في مصر وضد الدولة الرومية وعقيدتهاواتباعها اصحاب الطبيعتين والمشيئتين ” الخلقيدونيين”  وكانوا من الروم ولغتهم اليونانية…
ثانياً والحربُ المستمرة بين الامبراطوريتين الجبارَتين الروم والفرس.
يضافُ إليهما عاملَان أقلّ أهميةً
اولا العوامل الطبيعية السلبية وفي مقدمها الزلزال الكبير الذي ضرب المشرق في سنة 551مسيحية.
ثانيا الإنتفاضاتُ الدينيةُ والقوميةُ التي حصلَت في الشرق، وأبرزُها إنتفاضات الأقباط في مصرعلى الدولة الرومانية وعلى الكنيسة الرومية-  وإنتفاضة الأرمن في أرمينيا على الدولة الرومانية، وإنتفاضات اليهود والسامريين المستمرة على الحكم الروماني التي كانَت القوانين الروميّة تضيِّقُ عليهم وتسعى لإدخالِهم في المسيحية وعلى المسيحيين في فلسطين والتي ادت الى ذبح عشرات الالوف من المسيحيين الفلسطينيين.
ويذكرُ بأنَّ اليهودَ تعاونوا مع الفرس ضدَّ الروم، وإرتكبوا مجازرَ ومذابحَ في فلسطين وأنطاكية بحقِّ المسيحيين الروم كما اسلفنا.
كانت الإنشقاقاتُ الدينية والإنقساماتُ السببَ الأولَ  والاهم في إضعافِ الدولة الروميةِ في الشرق. وكانَ المسيحيون، منذ أوائل المسيحية، وخاصةً عندما إعتنقَت الإمبراطورية الرومانيةُ المسيحيةَ، يتساءلون عن ماهية المسيح (Christologie )، أهو إلهٌ فقط، أم إنسانٌ فقط، وما هي العلاقة بين هاتين الطبيعتَين. وقد أدَّى هذا التساؤلُ الى ظهور هرطقاتٍ مختلفة، وكلمة هرطقة تعني رأياً مختلفاً.
كان الأباطرةُ، عند ظهور الهرطقات وتفاقمِها، يدعون لعقدِ مجامع يفصلُ فيها البطاركةُ والأساقفةُ واللاهوتيون بين هذه الآراءِ ويحدِّدون العقيدة الجامعة المستقيمةَ الراي. ومن أبرزِ الهرطقات التي لعبَت دوراً كبيراً في تهديدِ وحدةِ الدولة الرومية هرطقةُ آريوس التي عولِجَت في المجمع المسكوني الأول (325) في نيقية، وهرطقة نسطوريوس التي عولجَت في المجمع الثالث سنة 431 في إفسس (والتي نتجَ عنها هربُ نسطوريوس الى بلاد الفرس وتأسيسه الكنيسة التي تدعى حالياً الأشورية)
الهرطقة المونوفيزية التي أدَّت الى إنشقاقٍ كبيرٍ في مجمع خلقيدونية (451) والذي نتج عنه تأسيسُ الكنائس المونوفيزية القائلة بالطبيعة الواحدة والتي إنتشرت في مصر والمشرق وأرمينيا.
لقد إتخذَ هذا الإنشقاقُ بُعداً قومياً لغوياً السريان في سورية، والاقباط في مصر، والارمن في ارمينيا، تسببَ في إنقسامٍ شعبيٍّ وفي عداءِ هذه الشعوبِ الشرقية للسلطة المركزية الرومية التي كانت تنادي بعقيدة الطبيعتَين.
أما الحربُ بين الفرس والروم فدامَت 26 سنة بين 602 و628، وأنهكَت الدولتَين كلياً. كانت الدولةُ الفارسيةُ دولةً عظيمةً في حينِه، تمتدُّ من بلادِ ما بين النهرين غرباً الى تخومِ الهند شرقاً ومن القوقاز شمالاً الى سواحل الجزيرة العربية واليمن جنوباً، وكانت تدينُ بالزرادشتية. وكان أهمَّ ملوك الفرس في ذلك العصر كسرى الثاني الذي كانت له زوجات عديدات منهن ماريا الرومية وشيرين الآرامية المونوفيزية. في سنة 602، هاجمَ الفرسُ بلادَ الروم، وإكتسحوا المشرق ومصر والأناضول. وفي سنة 610، حصلت إضطراباتٌ داخلية في أنطاكية قتل أثناءَها اليعاقبةُ واليهودُ  في مدينة انطاكية البطريركَ أنستاسيوس الثاني  الانطاكي لأنه رومي وشنَّعوا بجثتِه. ولما دخلَ الفرسُ الى هذه البلادِ، تحالفَ معهم اليهودُ والنساطرةُ واليعاقبة، وكان لليهودِ دورٌ كبيرٌ في مساعدةِ الفرس في إحتلالِ أورشليم وتهديم العديد من الكنائس والأديرة، خاصةً كنيسة المهد، وفي الإستيلاءِ على الصليبِ المقدس ونقلِه الى طيسفون، عاصمة الفرس، بالقربِ من بغداد الحالية، وفي قتلِ 57000 ألف مسيحي رومي وسبي 35000 مواطن بمن فيهم البطريرك الأورشليمي زخريا. ولم ينحسرْ الهجومُ الفارسي الا بعد وصول الفرس الى شواطئ القسطنطينية في سنة 626مسيحية، وقد أنقذت والدةُ الإله المدينةَ بعد أن جالَ البطريرك سرجيوس حاملاً أيقونتَها على أسوار المدينة. إستعاد الامبراطور هرقل الصليبَ بعد هجومٍ مضاد وقهرَ الفرسَ في كافة المناطق الشرقية. لكنَّ الدولتَين صارتامرهقتين وهو العامل الاساس الذي سهل انتصار المسلمين بعد انضمام اللاخلقيدونيين اليهم، وكان الشعبُ الرومي بأطيافه العرقية والعقيدية منقسماً على أسسٍ دينية.

دخول المسلمين سورية

بدأ دخولُ المسلمين سنة 632، أي بعد 4 سنوات من إنتهاء الحرب،
وكان هذه الدخولُ سهلاً بسببِ دعمِ اليهود والسريان للمسلمين الذين فضّلوا العربَ المسلمين على الروم، وإستقبلوهم أحياناً كمحرِّرين ومنقذين. وقد تصرفَ المسلمون بحكمةٍ سمحَت لمن كان لا يقاومُهم من السكانِ السريان والنساطرة بالبقاءِ في مدنِهم وقراهم والعيشِ بسلام في الدولة الإسلامية واستولوا على الكنائس والاديار الرومية، لكن المسلمين لم يعفونهم من الجزية المفروضة على المسيحيين، وهذه دفعت بالكثيرين من هؤلاء الى اعتناق الاسلام للحصول على المكاسب، سواء باسقاط الجزية عنهم أولتبؤا الوظيفة العامة.
لكنَّ المدنَ التي كان يسكنُها الرومُ كدمشق وطرابلس والمدن الفينيقية الساحلية وفي مصر الاسكندرية فقد قاومَت الهجومَ االاسلامي بضراوة، ولم تسقط الاّ بعد حصاراتٍ طويلة ومنها دمشق بالخيانة كخيانة الراهب اليعقوبي يونان وتسهيل دخول قوات خالد بن الوليد من باب دمشق الشرقي، وانحياز قوات الغساسنة وكانت لاخلقيدونية بقيادة جبلة بن الايهم للمسلمين في معركة اليرموك وانتقالها من نصيرة لجيش الروم الى عدو له وقاتلت الى جانب المسلمين ومكنت خالد من تحقيق النصر.
ان ما وردَ في سورةِ الروم في القرآن التي كتِبَت أثناء الحرب الرومية الفارسية والتي تنبأت بإنتصار الروم النهائي في الحرب.

الخاتمة

نختم هذه العجالة بإستنتاجٍ أساسيٍّ يقول بأنَّ كلَّ أمةٍ وكلَّ دولةٍ تنقسمُ على نفسِها تنهارُ وتفشل، وهذا ما حصلَ مع الروم في تلك الحقبة عندما إنقسمَ الشعبُ وإنقسمَت الكنيسةُ على ذاتِها، مشرِّعين بلادَهم للمسلمين العرب الذين غزوها بسهولةٍ مُستفيدين من الوهن الداخلي والنزاعاتِ المُشرذمة للأمةِ المسيحية.
(برنامج تراث من نور/تيلي لوميير محافظ بيروت الاسبق نقولا سابا) بتصرف واضافات

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *