المتروبوليت العلامة اللاهوتي والحقوقي جورج خضر

القومية أو الثقافة في الكنيسة

القومية أو الثقافة في الكنيسة

في ردنا على من يتمسك بقومية كنيسته وان الجميع منها في الاصل، وانهم تبعوا الملك الرومي فصاروا روميون او ملكيون ارضاء للملك نقول هوذا الرد ولكن عليكم ان تدركوا ان الكنيسة ليست قومية هي كنيسة الرب يسوع اي ليست من هذا العالم، وان  المذهب يختلف جذرياً عن اللغة فالكثير من ابناء سورية وبلاد الشام تحدثوا بالآرامية التي صارت عند الكثيرين تسمى السريانية ولكنهم خلقيدونيين بينما الكنيسة السريانية لاخلقيدونية ويتناولون مثالاً ليس واقعي عن سكان معلولا والقلمون الذين يتحدثون الارامية المتواترة شفهيا ولكنهم ليسوا سران المذهب اي لاخلقيدونيين…
والحال ذاته في مصر فالكنيسة القبطية في كلماتها القبطية جذور اللغة اليونانية ولايعني ان الخلقدونيين ان تكلموا بالقبطية صاروا لاخلقيدونيين…
كفى مهاترات وتعصب بدون مبرر ولنترك كل على عقيدته طالما يعتبرها هي القويمة والله يجازي الجميع …

قال العلامة اللاهوتي والحقوقي والمعلم الانطاكي المتروبوليت المتجلي جورج خضر في القومية او الثقافة في الكنيسة

المتروبوليت العلامة اللاهوتي والحقوقي جورج خضر
المتروبوليت العلامة اللاهوتي والحقوقي جورج خضر
منذ العهد الرسولي نشأت الفتنة القومية في الكنيسة فجاء في سفر أعمال الرسل: “وفي تلك الأيام اذ تكاثر التلاميذ حدث تذمر من اليونانيين (أي اليهود المتحدثين باليونانية في فلسطين) على العبرانيين أن أراملهم كنّ يغفل عنهن في الخدمة اليومية” أي الإعاشة (1:6). انصهار المؤمنين بالإيمان الواحد والقرابين الواحدة لم يؤتِ ثمرا اجتماعيا. وتماسّت القوميات وطعنت بالكيان المسيحي فقد قال كثيرون من المؤرخين ان الخلاف الذي نشأ في السنة الـ451 في المجمع الخلقيدوني بين أصحاب الطبيعة وأصحاب الطبيعتين يخفي خلافا بين اليونانيين وأهل سوريا ومصر وأرمينيا. وما من شك ان الانقسام الكبير في السنة الـ1054 بين رومية والقسطنطينية لم يغب عنه اختلاف الحضارتين اللاتينية والإغريقية. ولا ريب أيضاً أن القومية هي الداء الوحيد الذي يؤثر على العلاقات اليوم بين القسطنطينية وموسكو وبين الرئاسة الروحية اليونانية في القدس وشعبها العربي.
غير إن الكنيسة الأرثوذكسية أبسلت (حرمت) في المجمع القسطنطيني المنعقد السنة الـ1871 الذين “أحبوا العرق وفرقوا بين الأجناس البشرية وأثاروا الفتن القومية”. العنصرية إذًا منبوذة. وما سمي اليوم كنيسة موسكو أو كنيسة بلغاريا أو صربيا لا تغطي مفاهيم قومية. تشير فقط إلى كيانات جغرافية من حيث انك إن عشت في موسكو مثلا، كائنة ما كانت قوميتك، تنتسب إليها كأي روسي. ولذلك لا معنى لقول القائلين أن الكنائس الأرثوذكسية قومية. هذا محظر بقرار مجمع السنة الـ1871 الذي أشرنا إليه. على هذا الأساس إذا سميت كنيسة هذه المنطقة إنطاكية فلا يشير ذلك إلى أية جنسية إذ يقيم بيننا في كل الأبرشيات أرثوذكسيون أجانب يتمتعون بكل حقوقهم كمؤمنين في هذه الرعية أو تلك.
المسيحي يعيش في وطن ويحبه ويندمج به ولكن هذا انطلاقا من هذه الأرض وتاريخها وإيمانه حافز لخدمة الوطن ولكن الوطن قد يكون تعدديا وحتى إذا كان من لون واحد أو شبه واحد يبقى للكنيسة كيانها المستقل عن كل وطن وعن كل تغزل بالأوطان. فأنا لست لبنانياً لكوني مسيحياً أو انطلاقا من إيماني بالإنجيل. أنا مسيحي لكوني مؤمنا بالمسيح ومعمداً وواحداً في المسيح مع كل الذين يؤمنون به وقد أكون مع الأرثوذكسيين الأجانب على اختلاف أو خلاف.
* * *
يبقى التراث الثقافي الذي ورثناه من التاريخ. فهذا يصلي بالسريانية وذاك بالعربية. إلا أن هذا لا يعني إن ثمة ماهية سريانية أو عربية ولا يعني كذلك إن السريانية أو العربية تدخل في التعريف عن مسيحيتي. اللغات أدوات ثقافة. والثقافة ليست جزءاً من الكيان الكنيسي. أنا لا اعترض على تكتل سرياني قائم على لغة مذاهب مختلفة حتى النفور العقائدي إذا كان المراد من ذلك إحياء تراث عظيم والإحسان به إلى من يجهله. والاعتزاز مقبول. الاعتداد غير مقبول. غير أن التوضيح يقضي أن نقول أن الإنجيل في جوهره مستقل عن الأرض وأزمنتها ومستقل تالياً عن اللباس التاريخي الذي ارتدته الكلمة.
الفاصل القطعي بين ما هو للكنيسة وما هو ليس لها هو الفاصل بين ما هو خالق وما هو مخلوق. فالمسيح وحده ومن اليه من الأبرار هم الذين ننتسب إليهم. أما الثوب التاريخي الذي ارتضى السيد راعياً تاريخياً أن يرتديه فليس بشيء. هكذا كانت الثقافات اليونانية والآرامية والعربية واللاتينية مخلوقة. فقد تكون العبادات في هذه الكنيسة أو تلك متصلة بالفلسفة أو كانت الفلسفة نوعاً من النفخة أو إطارًا للعبادات. فلك أن تتبين مثلاً أن جماليات الليتورجيا البيزنطية لا تخلو من اتصال بالحكمة الإغريقية. ولكنا لسنا اغريقاً اذ نأتي من الإنجيل وحده ومن تأملات القديسين في الإنجيل. نحن ندرس الميراثات البشرية لا لنتبناها ولكن لنحب يسوع المسيح. من لا يكفيه يسوع المعلق عاريا على خشبة الصليب هذا يريد أن يفتخر بالخلائق. لذلك يبتدع نظريات تتعلق بعظمة هي من هذا العالم. على سبيل المثال التساؤل عن الروم الأرثوذكس وما قد يتباهون به قوما من هنا إلى بطرسبرج والى أقاصي الدنيا ما هو إلا سؤال عن “زينة الحياة الدنيا”. أما القديسون من بلدنا واليونان ورومانيا وما إليها فلم يكن لهم أي انتساب في نفوسهم إلى غير حوض المعمودية وما أثارته الكأس المقدسة من فكر. فلا تهمنا الأقوام التي قال سفر الأعمال إنها سمعت بشارة بطرس بعد حلول الروح القدس يوم العنصرة (بعضها لم يبق مسيحياً) ولكن ما أراد الكتاب إيحاءه أن هذه جمعها الروح الإلهي في فهم واحد للرسالة. أما من افتخر منها أن أجداده كانوا هناك فهذه خلاصة التفه “ليكون الفضل لله لا منا”.
إن الكنيسة حافظة للوحي وليست حافظة لبلاغة العرب أو لحكمة اليونان. ولكن قد نتعرف جمالات الله في تراثات الشعوب لنتعزى ونتمكن من مد الجسور بين الإنجيل وهذه الشعوب. وهكذا رأى غير أب من آبائنا أثر المسيح قبل ظهوره في الفلسفة الإغريقية. غير أن المسيحية ليست مبنية على أية فلسفة ولا مختلطة بما عداها أي لم تأت العقيدة تلفيقاً بين الإنجيل والفلسفة. وعلى هذا المنوال ما كانت الكنيسة مزجاً تاريخياً بين مقدساتها وأية امة من الأمم. فأنا لبناني وشرقي مثلا بجسدي أي ترابيتي.
ويحلو لي ذلك ومرتبط ذوقي بهذا. غير أن هويتي الكنسية لا علاقة لها بجسد هذا العالم وذاكرته وعصبياته. وإذا ووريتُ في التراب فيوارى الوطن فيك ويحفظ الروح القدس عظامك ليبعثها في اليوم الأخير ويسألك الله عما فعلته بمعموديتك.
* * *
لنا في كنيستي في الأحد الأول من الصوم نص كبير يحتوي على تبريكات وعلى إبسالات يخرج بها الهراقطة بأسمائهم من الكنيسة. ومن الأشياء التي نتنكر لها بعض “التعاليم اليونانية” ويراد بها أجزاء من الفلسفة. هذا كله لنذكر أن الله لا يؤبد إلا الأبدي. وهذا ينطبق على ما نرفضه في الحضارة الحديثة وفي ما شذّ عن الإلهام الإلهي أو ناقضه.
أجل لك أن تستخدم عبارات قديمة أو تستغني عنها وفق حاجتك التربوية. القالب لا يهم. المهم أن تبقى أمينا وان تخيط ثوبا جديدا للحقيقة الأبدية التي استُودعت وهذا ما يعلل تغييراً في الطقوس أحياناً أو في التنظيم. إن جسد المسيح ليس له ثوب واحد. فقد مزق الأثمة ثوبه قديما. ولك أنت بالحب أن تبدله ولكن الجسد الإلهي العاري يبقى معبودا. ويسوس الكون والتاريخ. والكلمة الإلهي الذي هو المسيح ينشىء الكلمات التي يريد ليبلغ العقول اليوم فلا يتراكم عندنا ما ينبغي زواله. وهذا يتم في كل تيار نهضوي حقيقي.
إذا كان ما قلته هو الرؤية التي نزلت على الكنائس فلا يفرقنها تاريخ أو اعتزاز بتاريخ ولا تفرقنها لغة. فنحن في هذا المشرق واحد أكنا سريانا أم بيزنطيين أم أرمن لكون الإنجيل واحداً. والتراثات التي انوجدت لحفظ الإنجيل نتبادلها ويستغني كل فريق بالفريق الآخر. وهذا يكون له ترتيب إذا ارتضى لنا أن نكون كنيسة واحدة. وليس لنا أن نتفق على الأمور الزائلة إذ يحتفظ كل منا بجذوره التاريخية والثقافية ونتشاور في حركية التلاقي الدائم لتأتي تعابيرنا وتجسيداتنا موافقة للعصر الحديث وموافقة أولا لأداء البشارة بالإنجيل الواحد لأن ما يريده الله منا أن نخلص للكلمة كما حلت في بركات الروح. فلا تعزل أحدا ذاكرته التاريخية إذ يكون قد وضعها في خدمة التلاقي وتسرب الإنجيل الحي في الأقوام جميعا.
وبفضل هذه الحرية التي نكون قد اكتسبناها من المسيح تقوى طاقتنا على ملاقاة الذين ليسوا من الإنجيل إذ يرون آنذاك أن لغتنا لغتهم وثوبنا ثوبهم وآلامنا آلامهم. نكون من البلد الواحد والمنطقة الواحدة بانتسابنا إلى كل بهائها الإنساني لأننا وإياهم نكون نوراً طلعنا من أرض واحدة وذاكرة من الأرض واحدة. لا بد من انصهار للمسيحيين بالروح الإلهي الواحد ليكتمل الانصهار الحضاري بيننا وبين هذا المشرق العظيم.

للمتربوليت جاورجيوس (خضر) جبل لبنان .

 

 


by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *