المجمع المسكوني الثالث – مجمع أفسس
نسطوريوس والمجمع المسكوني الثالث
٤٢٨–٤٤١
شغور الكرسي القسطنطيني
نسطوريوس
حمية نسطوريوس واندفاعه
والدة الإله
اللاهوت والناسوت
وعلَّمت الكنيسة منذ البدء أن مخلصنا الوحيد إله كاملٌ، وإنسان كامل، رب واحد لمجد الله الآب، فقام آريوس وأنكر على الكنيسة الاعتقاد بطبيعة لاهوت الكلمة المتأنس، فعقدت المجمع المسكوني الأول وحكمت عليه وعلى تعليمه، وقررت حقيقة كمال لاهوت المخلص؛ ثم قام أبوليناريوس وقال بنقص في طبيعة المسيح البشرية، فعلَّم أن اللاهوت في المسيح قام مقام العقل في الإنسان، فعقدت الكنيسة المجمع المسكوني الثاني وحكمت على أبوليناريوس، وقررت حقيقة كمال ناسوت المخلص. ولكن الكنيسة لم تعين بعبارات محدودة مضبوطة وجه العلاقة بين الطبيعتين الإلهية والبشرية، ووجه الاتحاد بين اللاهوت والناسوت، فأدى هذا إلى تفاوت في فهم التعبير، ونشأ عنه اختلاف في التعليم وخصام ونزاع أفضى إلى الانشقاقين النسطوري والأوطيخي.
الإسكندرية وأنطاكية
وقالت الإسكندرية بكمال الطبيعة البشرية في شخص المخلص وبكمال الطبيعة الإلهية، ولكنها لم تعين وجه اتحاد الطبيعتين، فقالت مثلًا بالاتحاد الطبيعي والاتحاد الشخصي والاتحاد الجوهري بين الطبيعتين، وبعضهم نظر إلى الطبيعة الإلهية بنوع خصوصي، فقال بطبيعة واحدة متجسدة، وما عني بذلك سوى الاتحاد الحقيقي بين لاهوت الكلمة وناسوته، وأن الإله المتأنس شخص واحد وليس اثنين؛ لأن كلمة طبيعة كانت عندهم بمعنى الشخص والأقنوم، ولكن أحدًا منهم لم ينكر الطبيعتين بمعنى الجوهر اللاهوتي والعنصر البشري، ونظرًا لامتداد بدعة آريوس ووجوب محاربتها كان كلام الإسكندريين في لاهوت المخلص أكثر من كلامهم في ناسوته، وهكذا فإنهم سموا سيدتنا مريم والدة الإله، وقالوا إنها ولدت إلهًا وإن الإله وُلِد وتألَّم وصُلِب.
وهكذا فإن أساتذة المدرستين علموا تعليمًا مستقيمًا، ولكن بمناهج مختلفة وبانتقاء عبارات معينة قضت باستعمالها ظروفهم الخصوصية، فالمصريون الإسكندريون توخوا العبارات التي أوضحت كمال اللاهوت حذرًا من بدعة آريوس، والأنطاكيون طلبوا إيضاح كمال الناسوت حذرًا من بدعة أبوليناريوس، وآريوس إسكندري وأبوليناريوس لاذقي أنطاكي!
وقام في الكنيستين والمدرستين أناس تطرفوا فسقطوا في الضلال، فإن نسطوريوس الأنطاكي تطرف في التعليم بالطبيعتين إلى حدٍّ قال عنده بشخصين أو أقنومين، وأوطيخة الإسكندري كما سنرى تطرف في التعليم باتحاد الطبيعتين إلى حدٍّ قال عنده باختلاطهما طبيعة واحدة لا يميز بعدها بين اللاهوت والناسوت، وهاتان البدعتان أدتا إلى عقد المجمع المسكوني الثالث للنظر في بدعة نسطوريوس، وعقد المجمع المسكوني الرابع للبت في بدعة أوطيخة، وعقد المجمع المسكوني السادس للنظر في بدعة المشيئة الواحدة التي تفرعت عن بدعة الطبيعة الواحدة.
نسطوريوس وإكليروس القسطنطينية
كيرلس ونسطوريوس
كيليستينوس ونسطوريوس
وكتب كيرلس أيضًا إلى رؤساء الكهنة في الشرق راجيًا التدخل لهدي نسطوريوس وردِّه عن الضلال، وكان بين هؤلاء الذين كتب كيرلس إليهم أكاكيوس أسقف حلب، وقد زاد سنه على المائة، فكتب هذا الشيخ إلى كيرلس يرجوه أن يجتهد في إطفاء نار الخصومة ضنًّا براحة الكنيسة.
البنود الاثنا عشر
الدعوة إلى مجمع أفسس (٤٣٠)
الجلسات
وفي الثاني والعشرين من حزيران سنة ٤٣١ اجتمع في كنيسة السيدة في أفسس مائة وخمسون أسقفًا برئاسة كيرلس أسقف الإسكندرية، فهرع ممثل الإمبراطور إلى هذه الكنيسة يؤكد أن الإمبراطور لا يرضى عن مجامع ناقصة، ويرجو الانتظار ريثما يصل وفد أنطاكية، فامتنع الآباء عن الإصغاء، وكادوا يطردون ممثل الإمبراطور طردًا من الكنيسة، فاضطر هذا الممثل أن يدوِّن احتجاجه ويعلنه للجمهور.
دستور الإيمان
استقلال كنيسة قبرص
بيان إمبراطوري
في خلقيدونية
ورجع الأساقفة إلى أوطانهم وهم على شقاق لا على سلام واتفاق، وبعد رجوعهم عقد الأنطاكيون مجمعين أحدهما في طرسوس والآخر في أنطاكية، وأعادوا حرم كيرلس وبنوده.
مهمة أرسطولاوس
بولس أسقف حمص
اتفاق وسلام
وكان أرسطولاوس قد عرَّج على أنطاكية حاملًا رسالة بيَّن فيها كيرلس موقفه النهائي من المسالمة، وقد أوجب فيها قطع نسطوريوس ونبذ تعاليمه، ولم يُشِرْ بشيء إلى بنوده الاثني عشر، فقبل يوحنا وأرسل إلى كيرلس نص اعتراف كان قد حرره ثيوذوريطس في أفسس، فوافق كيرلس عليه وتم التفاهم بين الإسكندرية وأنطاكية، وإليك أهم ما جاء في هذا الاعتراف:
اختلاف الكلمة في أنطاكية
واختلف الأساقفة الأنطاكيون في أمر هذا الاعتراف، فاعتبره ألكسندروس منبج انتصارًا لكيرلس واندحارًا ليوحنا وأتباعه، وقال هذا القول معظم أساقفة قيليقية الأولى والثانية كما يتبين من مقررات مجمع عين زربة في ربيع السنة ٤٣٣، وتفرقت الطرق بأساقفة وادي الفرات، فبعضهم أيد ألكسندروس والبعض الآخر عاد إلى الشركة مع يوحنا رئيس الكنيسة، وبين هؤلاء أندراوس أسقف سميساط ويوحنا أسقف مرعش.
إبعاد نسطوريوس
فاتحة الفصول الثلاثة
وانتمى نسطوريوس إلى مدرسة أنطاكية، فنزع إلى أستاذته فيها إلى ثيودوروس الموبسوستي وديودوروس الطرسوسي، ولكن أحدًا من الباحثين في قضيته في أفسس والإسكندرية لم يُثر هذا النسب العلمي، ولا سيما وأن كلًّا من ثيودوروس وديودوروس كان قد توفي على إيمان وتقوى.
ورحَّب بروكلوس بالوفد الأرمني ودرس نصوص ثيودوروس المحمولة إليه، فألفاها تتطرف في التفريق بين «ابن الله» و«ابن الإنسان» إلى درجة يصعب عندها القول بوحدانية الأقنوم، فشجبها ودوَّن «اعترافًا» خصوصيًّا عُرف باسمه، ودفع بهذا النتاج كله إلى الوفد الأرمني موصيًا بوجوب قبوله وتوقيعه.
وفاة يوحنا وكيرلس وبروكلوس
وتوفي يوحنا أسقف أنطاكية في السنة ٤٤١ أو ٤٤٢ وخلفه ابن أخته دومنوس، ثم لحق بيوحنا كيرلس أسقف الإسكندرية (٤٤٤)، فتولى الرئاسة بعده الأرشدياكون ديوسقوروس. وفي السنة ٤٤٦ انتقل بروكلوس أسقف القسطنطينية، فرقي سدة الرئاسة بعده فلافيانوس الكاهن، وبوفاة هؤلاء الثلاثة أصبح ثيودوريطس أسقف قورش زعيم الكنيسة الأوحد في الشرق كله.
ثيودوريطس (٣٩٣–٤٥٧)