المتروبوليت المتقدس أثناسيوس عطا الله
المتروبوليت المتقدس أثناسيوس عطا الله
متروبوليت حمص وتوابعها
مقدمة
تولد أجيال، وترحل أخرى، والخالدون منهم والباقون في الضمائر قلة… وخاصة منهم الذين يتركون أثراً بناءً في الوطن والكنيسة…
المطران اثناسيوس عطا الله هو من اولئك الخالدين
احد اهم ابرز أعلام الكرسي المقدس، ورواد النهضة الوطنية، فقد خلف الكثير من المآثر الإنسانية الخالدة، والخالدون كما قلت هم قلة…
ولأن التوثيق لم يكن كافيا لنقل ماتركوه من جليل أعمالهم، لذا يعسر على البحاثة والمدققين والمنصفين ان يعطونهم حقوقهم كاملة…
ولكن يشفع لنا عند اولئك وخاصة بعد مرور عقود او ربما مئات من السنين على انتقالهم اننا نسعى بما اوتينا لتوثيق ما امكننا مستعينين ببعض الروايات الشفهية وان كان بعضها يلعب به الهوى والميل الشخصي، وهو مايجب ان يبتعد عنه المؤرخ…
من هو؟
هو مطران من مطارنة الكرسي الانطاكي المقدس…
لعل اصدق وصف يمكن ان نطلقه عليه هو القديس… لكننا في محدوديتنا البشرية آثرنا ان نطلق عليه وصف ” المتقدس” الذي اوردناه هنا عنه في تدوينتنا…
انه رائدٌ بكل مقاييس الريادة…بعثَ نهضة ابرشية حمص وهو من اسس غسانيتها التربوية الشهيرة وفيها القسم الداخلي لإعداد الطلبة الاكليريكيين، هو المؤسس لكل جمعياتها الخيرية والعلمية والأدبية التي مدت نورها الى، وعلى، كل ابناء حمص بغض النظر عن الدين والمذهب… وحملها هؤلاء الأبناء معهم الى المهاجر والى دمشق عاصمة الكرسي الانطاكي وقلبه النابض…وسواها…
وقبل حمص بعث المكانة الروحية لدير النبي الياس شويا البطريركي الشهير في ضهور الشوير حافظ عليه ونمى اوقافه واقام فيه رهبنة حديثة وفق مقاييس عصره….
هو المتروبوليت العلامة والباني للأجيال الاكليريكية … وهو الذي أعد المجاهد روفائيل هواويني فصار قديساً انطاكيا وارثوذكسياً عالمياً، والبطريرك العلامة المعمار التلميذ الحاذق الكسندروس طحان والذي لازمه في الدير… ثم في حمص… فصار بطريركاً حكيما ومعماراً يشهد له القصر البطريركي الدمشقي/ الدار البطريركية…وغيرهما الكثر الكثيرين…
هو المتواضع الذي بالرغم من الالحاح والترشيح والترغيب والضغوط المحبة من رفاق الدرب المطارنة الاعلام اعتذر عن قبول منصب بطريرك انطاكية وسائر المشرق…
هو المطران الذي كان هو بواب المطرانية في حمص… والعشي فيها… والناظر للتلاميذ الداخليين… كي يوفر رواتب من ذكرنا لمصلحة ابرشيته ومطرانيته الفقيرة التي رعاها ونماها برموش العين وشغاف قلبه الكبير والطيب…
ومن ابتسامته العذبة في الصورة ندرك عظمة هذه الطيبة…
انه العلم الانطاكي الأشهر منذ الثلث الأخير للقرن 19 والربع الاول من القرن 20
المتروبوليت المتقدس أثناسيوس عطا الله فليكن ذكره مؤبداً.
سيرته الذاتية
هو اسعد بن الياس بن عطا الله من بلدة الشويفات في جبل لبنان، ولد في 11آذار سنة 1853 وتم عماده يوم عيد البشارة في 25 آذار ذاته.
تعلم علومه الابتدائية في مدرسة البلدة، ثم في مدرسة سوق الغرب الأرثوذكسية الداخلية التي كان يديرها المرحوم المعلم يوسف العربيلي الدمشقي السنة 1866، وتلقى فيها علوم العربية وسواها اضافة الى اليونانية، والموسيقى الرومية التي برع فيها، وبقي في هذه المدرسة الى السنة 1870، حيث اجتاز اختباراتها بتفوق.
في البطريركية بدمشق
استرعت سيرته وتفوقه العلمي والموسيقي ودماثته انتباه البطريرك ايروثيوس في دمشق، فاستدعاه اليه، واحله في الصرح البطريركي مشمولاً برعايته، وقد توسم فيه ان يكون من خدام مذبح الرب واسراره الطاهرة اللائقين. رسمه راهباً متوحداً ووشحه بالاسكيم الملائكي الرهباني عام 1871 وسماه اثناسيوس (كشفيعه القديس اثناسيوس وهو المجاهد عن الايمان القويم في مجمع نيقية) وتابع دراسته في المدرسة البطريركية (الآسية). ثم رسمه شماساً انجيلياً في العام التالي اي عام 1872، وصحبه معه في حاشيته الى القسطنطينية، حيث أقام ستة أشهر ثم عاد الى دمشق مع غبطته.
وفي عام 1876 رفعه الى رتبة ارشيدياكون الكرسي الأنطاكي اي رئيس شمامسة الكرسي الأنطاكي المقدس، عينه استاذا للموسيقى ولليونانية في المدرسة البطريركية الدمشقية (الآسية) وتولى التوجيه والاشراف على الطلبة الاكليريكيين فيها.واستمر بهذه المهمة حتى عام 1879.
في خالكي
استأذن غبطته فأوفده الى مدرسة خالكي اللاهوتية في القسطنطينية وطالع على اساتذة مدرسة خالكي مدة طويلة كان فيها يصل الليل بالنهارفي اكتساب المعارف الروحية، مما اتعب عينيه واصيبا بألم فحتم عليه رئيس الدرسة بموجب شهادة طبية ان يعود الى ةطنه، ويطالع لنفسه. وهناك اتقن اليونانية والفرنسية والعثمانية.
العودة الى دمشق
عاد الى دمشق عام 1880 وتولى منصبه السابق لدى معلمه البطريرك ايروثيوس، وليزاول التعليم مجدداً في المدرسة البطريركية (الآسية) واستمر في ذلك حتى عام 1883 حيث عكف خلال هذه الفترة في اوقات فراغه على الاطلاع على مخطوطات وكتب آباء الكنيسة العظام ومؤلفاتهم، وتثقف على يد معلمه البطريرك، واصاب عنده المكانة الرفيعة.
كهنوته،ورئيساً لدير مار الياس شويا
في عام 1883 رسمه البطريرك كاهناً وارشمندريتاً معاً كالعادة في الكنيسة اليونانية، واقامه رئيساً لدير النبي الياس شويا البطريركي في منطقة ضهور الشوير بجبل لبنان، وبقي هناط ثلاث سنوات متفانياً في الخدمة، ونظم أحوال الرهبنة فيها ونظم امور الرهبان والكهنة المعيشية والروحية ووضع لهم برامج للتثقيف الروحي وقراءة الانجيل المقدس وسن لهم القوانين المناسبة وسهر على تطبيقها.
في نفس الوقت، جمع عدداً من تلاميذ المنطقة، وأعدهم للرهبنة وأخذ يدرسهم بنفسه اللغتين العربية وآدابها واليونانية وآدابها، اضافة الى بقية العلوم الروحية والطقسية والليتورجيا، واعتنى جداً بالترتيل واصوله وكان منهم كهنة في المنطقة.
أما على صعيد الاحداثات في الدير، فقد بنى غرفة استقبال لائقة في الدير لاستقبال الضيوف على كون الدير بطريركي، ورمم الكثير من غرفه لتكون لائقة بسكن الرهبان.
ووطن النفس على انه يوم تتوفر الامكانيات، سيقيم في الدير مدرسة كبرى وجامعة لمنفعة الكرسي الأنطاكي المقدس بحلة بطريركية، لكنه لم يستطع انجاز ماحققه بسبب الصدع الذي ضرب في االأبرشية الحمصية بين المطران ديونيسيوس (يوناني من الأناضول 1865-1885) وبعض الرعية فانتدبه البطريرك على راس وفد لرأب ذات البين، فحقق السلام في الأبرشية، فأحله الشعب الحمصي منزلة سامية نظراً لمارأوا من فضائله.
مطراناً على حمص
في عام 1885بعد وفاة مطران حمص ديونيسيوس المحكي عنه بعشرة ايام، اجتمع وجهاء ومتقدموا الحمصيين وانتخبوه بالاجماع مطراناً على الأبرشية، ورفعوا عريضة كبيرة بذلك الى البطريرك ايروثيوس الذي كان في شيخوخة متناهية فلبى دعوة ربه قبل ان يتمكن من النظر بطلبهم.
ثم ارتقى السيد جراسيموس (يوناني 1885- 1891) السدة البطريركية الأنطاكية، أعاد الشعب الحمصي الالتماس السابق، فوعدهم خيراً، ودعاه اليه فأقام عنده خمسة أشهر فأحبه البطريرك جراسيموس جداً وتمنى ان يبقيه لديه ليكون يده اليمنى كنائب ووكيل بطريركي ولتدبير مهام ابرشية دمشق، وقد لاحظ تفانياً من علمنا بمتابعة قضايا الرعية والاستماع الى شكاويها ومحاولة التصدي لعلاجها، غير ان الحاح ولجاجة الرعية الحمصية حال دون اتمام مناه، وماكان البطريرك يتمناه، ويتوافق مع رغبة علمنا ومسعاه لإقامة الجامعة المنشودة في دير النبي الياس شويا البطريركي.
رشحه البطريرك جراسيموس لأبرشية حمص بموجب القانون الكنسي فانتقاه الروح الالهي ورسمه البطريرك واعضاء المجمع الأنطاكي مطراناً على ابرشية حمص وتوابعها في الكاتدرائية المريمية بدمشق في عيد البشارة 25 آذار سنة 1886 ( كان عماده طفلاً يوم عيد البشارة) بعد ثلاث سنوات تقريباً على رئاسته دير النبي الياس شويا البطريركي، حيث ترك آثاراً حميدة على صعيد رعايا المنطقة (كالشوير والمحيدثة وبيت غرين وشويا) وظلت الالسنة تتحدث عن اعماله ومناقبيته لفترة طويلة. بما في ذلك ابناء الرعية المارونية ورئاسة رهبنة ديرشويا للطائفة المارونية.
أعماله الرعوية في حمص
وصل الى ابرشيته حمص في 5 نيسان يوم سبت لعازار، فاستقبله الشعب الحمصي استقبالاً منقطع نظيره بمشاركة السلطات الرسمية، ورئاسات الطوائف الأخرى.
عقد علمنا منذ الدقيقة الأولى لحلول الروح الالهي عليه، منتدباً على هذه الأبرشية، أن يقوم بخدمتها بكل ما أتاه الروح وبما فطر عليه هو.
“شاد الكنائس للتقى وبنى المدارس للهدى، أكرم به حبراً غيوراً رقى العقول بهمة شماء وكان بحمص في إيمانه نار ونور.”(1)
بدأ المطران اثناسيوس إصلاحاته الروحية فور وصوله، فكانت اول اعماله تأسيس جمعية للفقراء. وصارت حمص خالية من الفقراء ونهج في نهجه هذا سواء الجهات الرسمية وسواء بقية الطوائف وصارت حمص خالية من اي فقير ومتسول.
كما أخذ يقيم الصلوات باللغة العربية بعد أن كان معظمها يقام باليونانية(2)، وانشأ جوقة ترتيل دربها بنفسه، وشرع يلقي العظات باستمرار بشكل لم تعهده حمص من قبل وخاصة في الآحاد والأعياد والصوم الأربعيني المقدس، اهتم بتعليم الشعب الايمان الأرثوذكسي، فخصص يومي الثلاثاء والخميس من كل اسبوع ليفسر لهم الانجيل، ويشرح لهم العقيدة الأرثوذكسية، فازداد تعلق المؤمنين به لما كان يتحلى به من تقوى وغيرة ومحبة أبوية نحو الجميع، ولما يتمتع به من علم زاخر وصوت عذب رخيم حتى دعي ” بلبل الشام”وصار الاقبال على حضور الصلوات كثيفاً جداً في عهده.
عمران الكنائس والمدارس
ولما ضاقت الكنائس الحالية عن استيعاب المصلين نتيجة هذه النهضة الروحية، وخاصة كاتدرائية الربعين شهيداً تتسع للمصلين، فجدد بناءها ووسعها عام 1890، وبنى كنيسة سيدة التلة، ثمبنى كنيستين جديدتين في المدينة وهي كنيسة القديس جاورجيوس عام 1894، وكنيسة القديس انطونيوس عام 1910، ثم راح يبني الكنائس في سائر قرى الأبرشية او يجدد الموجودة منها، ويعد لها الكهنة المؤهلين للخدمة، والمشهود لهم بالعلم والحكمة مع الفضيلة والتقوى.
وتشهد له حمص سعيه الحثيث برفع جرس كاتدرائية الأربعين شهيداً منذ انجازه تجديدها عام 1890 بعد معارك شرسة خاضها ضد المشايخ المتعصبين الذين كانوا يرفضون سماع صوت جرس للكنيسة ، ومع المجلس المحلي للمدينة والولاية وصولاً الى مركز السلطنة مستعيناً بالبطريركية في دمشق، وفي عام 1892 تم رفع الجرس وسط فرح عارم(3) في حمص.
اما بخصوص المدارس، فإنه منذ تسلم عصا رعاية ابرشيته، لم يكن في حمص سوى مدرستين صغيرتين (240 تلميذاً وتلميذة و6 معلمين) فأخذ يشيد المدارس بمؤازرة الشعب الغيور وعم الجمعية الأمبراطورية الفلسطينية الأرثوذكسية الروسية(4)، حتى بلغ عدد المدارس التي أسسها بحلول عام 1911 ست عشرة مدرسة للذكور والإناث ضمت (2250 تلميذا و54 معلماً) وقد صارت محط انظار الجميع وقبلة للتلاميذ يقصدونها من سائر انحاء الديار السورية (وكانت تشمل اللبنانية قبل ان يقيم الفرنسيون دولة لبنان الكبير عام 1923 ثم الجمهورية اللبنانية 1927 بضم اقضية كثيرة اقتطعت من سورية الحالية اليها)
كانت الدروس التي تعطى قبله للتلاميذ مقتصرة على مبادىء القراءة والخط والحساب والجغرافية لكن المطران أثناسيوس أضاف اليها النحو والصرف ومبادىء الجبر والهندسة ومسك الدفاتر والعلوم الطبيعية والجيولوجيا كما أدخل الى منهاج التعليم اللغتين الفرنسية والعثمانية الى جانب الموسيقا الكنسية والتاريخ الشريف.
وكانت أحد اهم المدارس التي أنشأها هي “المدرسة الداخلية العلمية الأرثوذكسية” او المدارس الغسانية الشهيرة وذلك في عام 1910 وأقام فيها فرعاً لتأهيل الكهنة لاهوتياً وليتورجياً درس فيها عدد كبير من الرهبان الذين صاروا من احبار الكرسي الأنطاكي (5)، وصارت هذه المدرسة مع بقية المدارس الحمصية قي قمة التعليم،،واستقبلت في عامها الدراسي الأول 53 طالباً داخلياً مع 50 تلميذاً خارجياً يتلقون العلوم العالية بالعربية والانكليزية على أيدي أمهر الأساتذة المحليين والاختصاصيين الذين استحضرهم من سائر الديار الشامية (ومنها اللبنانية والفلسطينية) أما بحصوص المتميزين من التلاميذ فكانت تتلى عليهم مبادىء اللغات العثمانية والروسية والفرنسية إضافة الى دروسهم.
وكانت هذه المدارس وطنية بالمطلق ككل المدارس الارثوذكسية عامة والانطاكية خاصة، كما كانت مدارس البطريركية (الآسية) بدمشق لاتميز بين جميع ابناء الوطن ومن كل الأديان، او بين الأغنياء والفقراء.
ولمساعدة العائلات المستورة التي كان اولادها يعملون لمساعدة ذويهم، بادر الى تأسيس مدارس ليلية ليقبل فيها من تضطرهم ظروفهم للعمل نهاراً كما كانت مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الأرثوذكسية بدمشق منذ 1884، ولباعه الطويل في التعليم أولاً في دمشق (1872- 1883) ثم في دير النبي الياس البطريركي في ضهور الشوير ( 1883-1886) وايماناً منه بتفعيل الدور الشعبي في شؤون المدارس والتعليم اضافة الى إحداثه ادارات ووكالات المدارس، بادر الى تخصيص أحد ايام الأسبوع للتداول مع ابناء الرعية في مايعود بالنفع على المدارس، وفي جمع مايمكن من المال للانفاق على المحتاجين من التلاميذ والمعلمين، ويوماً آخر للاجتماع بالمعلمين لإرشادهم استناداً الى خبراته الطويلة في التربية والتعليم. وكثيراً ما كان يدخل الى الصفوف ليلقي بنفسه دروساً أنموذجية ويحث التلاميذ على الاجتهاد والفضيلة، وكان يتولى بنفسه ترتيب البرامج، ويسهر على حسن سير التدريس ويتابع نتائج الامتحانات وتكريم المتفوقين.
لقد كانت مدارس حمص الأرثوذكسية برعايته وارشاده منارات للعلم والأخلاق في عصر مظلم،، خرجت أجيالاً من الشباب الوطني المثقف، فكان منهم المؤرخ والطبيب والمربي والأديب. حملوا رسالة النهضة ولعبوا دوراً في اليقظة العربية، كان منهم من ادباء المهجر.
ايفاد الطلاب الى المعاهد الاكليريكية
وقد اوفد العديد من الطلبة الأكفاء من ابناء العائلات المستورة في حمص ودمشق… الى خالكي وروسيا كان منهم الطالب الكسندروس طحان (البطريرك الكسندروس الثالث 1931-1958)، الذي اوفده الى اكاديمية خالكي في القسطنطينية ومنهم من أرسلهم الى روسيا ومعاهدها كبطرسبورغ وقازان كالقديس روفائيل هواويني (مطران اميركا الشمالية1893-1915) والمطران بولس ابو عضل اول مطران لجبل لبنان (1902-1936) وغيرهم الكثير ممن تبؤا مراكز متقدمة في الدولة، وفي العلم والاقتصاد، وكان من الذين يعول عليهم في الايفاد السيد الغيور ديمتري نقولا شحادة الدمشقي المقيم في القسطنطينية (1846- 1890).
وبذلك وفى بالعهد الذي قطعه على نفسه حين وصل أبرشيته، وقدخطب في رعيته قائلاً:” ها اني مستعد بعد الاتكال على الله أن أجتهد غاية الاجتهاد لأجل إصلاح شؤون الطائفة… وأن أكون خادماً اميناً حريصاً على نشر المعارف والعلوم الدينية والأدبية”
تأسيس الجمعيات الخيرية والأدبية
اهتم علمنا المطران اثناسيوس بأن يُشرك الشعب في هواجسه الروحية والعلمية والخيرية في الأبرشية، فشكل لهذه الغاية مايزيد على عشر جمعيات، وسن لها قوانينها ووضع لها تنظيمها، فأحسنت القيام بمهامها وكانت له خير معين، نذكر منها:
1- جمعية عضد الفقراء (1886) للاهتمام بالفقراء وتطبيب المرضى. كما ذكرنا اعلاه.
2-جمعية القديس اليان الحمصي لدفن الموتى (1892) للعناية بدفن موتى الفقراء والغرباء.
3- جمعية الغاية الجليلة لنشر الفضيلة (1896) لترقية آداب ابناء الرعية وتثبيتهم في الايمان الأرثوذكسي إزاء التبشير الغربي اللاتيني والبروتستانتي.
4- جمعية الاقتصاد في العوائد (1896) لإبطال العوائد البعيدة عن روح الايمان المسيحي التي كان يمارسها الشعب الحمصي في الأفراح والمآتم، فتستنزف ماله.
5- جمعية الانشاءات الخيرية (1898) لتشييد المباني العمومية لخير الرعية.
6- جمعية المنكوبين (1903) لإعالة البائسين والمنكوبين بوباء الكوليرا الذي ضرب حمص في ذلك ، وفتك بحياة الكثيرين من سكانها.
7- جمعية تربية اليتامى(1904) التي شيدت ميتماً ضم في العام 1906 عشرين من اليتيمات اللواتي فقدن أهلهن في ذلك الوباء، وأشرفت على تهذيبهن وتعليمهن. ولعل ميتم الذكور الحمصي الحالي كان بنفس النشأة والجمعية.
انجازاته الوطنية وفرادتها على صعيد حمص
كان علمنا المطران اثناسيوس رائداً للنهضة وسباقاً الى تحقيق عدد من الانجازات التي انفرد بها
1- شكل اول جمعية اقتصادية وطنية في حمص، وربما في سورية، لرفع مستوى صناعة النسيج المحلي وجعله منافساً في جودته للمنسوجات الغربية، وهي شركة مساهمة تحت رئاسته ضمت عدداً من تجار المنسوجات الحمصية المشهورين.
2- اسس في عام 1897 اول جمعية نسائية هي ” جمعية نور العفاف” تألفت من خريجات مدارس الأبرشية الواتي نشأن على التقوى، ونشطن في العمل الخيري ومساعدة الفقراء. ومن مآثرها المستوصف الذي شيدته عام 1903 بجوار كاتدرائية الربعين لمعالجة المرضى مجاناً، ومستشفى الحميدية الأرثوذكسي (1912).
3- أوجد في حمص أول مطبعة (6) فأصدر ت جريدة حمص عام 1909 لتوثيق الصلة بين ابناء الوطن المقيمين والمغتربين.(7)
4- أنشأ عام 1896 في حمص أول دارٍ للكتب وأول قاعة للمطالعة استفاد منها مواطنو حمص لأنها كانت مكتبة عمومية فتحت ابوابها لجميع الناس.
5- أدخل الكهرباء الى حمص لأول مرة في تاريخها عام 1911 (8)
6- أسس أول مسرح في حمص، وكان يشرف بنفسه على تدريباته في عام 1897 في بستان الديوان ولايزال قائما الى الآن.
7- طبع اول كتاب لمجموع الصلوات باللغة العربية (1890)، وضمنه بعض القصائد الدينية من ظمه وأشهرها القصيدة الرائعة بمناسبة سبت لعازر واحد الشعانين: “افرحي يابيت عنيا” بلحن حجاز كار.
تلاميذه
كثيرون هم الذين درسوا عليه، وتدرجوا بتشجيعه في مراتب الكهنوت، حيث لعبوا دوراً هاماً في حياة كنيستنا الأنطاكية، نخص منهم القديس روفائيل هواويني مؤسس ابرشية اميركا الشمالية، البطريرك الكسندروس طحان وقد تبناه منذ كان عمره عشر سنوات، المطران ابيفانيوس زايد مطران حمص، ثم مطران عكار، المطران استفانوس يوسف مطران حلب، المطران بولس ابو عضل اول مطران لأبرشية جبيل والبترونبعد إحداثها، المطران باسيليوس الدبس مطران ابرشية عكار وتوابعها، الارشمندريت انطونيوس مبيض معاون مطران حلب، الشهيد المحامي رفيق رزق سلوم من شهداء 6 أيار 1916 على اعواد مشانق الغدر التركي عام 1916 وكان من احرار العرب كما بث فيه معلمه المطران اثناسيوس.
صفاته
كان علمنا معماراً وبَّناء حكيماً، مقتدياً بقول الرسول” اقتدوا بي كما أنا مقتد بالمسيح” وواعظاً مجيداً تأخذ عظاته بمجامع القلوب، معلماً عز نظيره، وكان آية الدهر في الصوت الرخيم وعلامة عصره في فن الموسيقى الرومية،
كان فقيراً وغنياً لم يكن يملك مالاً حتى انه حين تولى رئاسة دير النبي الياس استدان اجرة الطريق من أحد ثقاته ويكتفي بالملبس الخشن(9) وكان غنياً برعايته وانفاقه بدون حساب على موفديه مما يرده وكانوا من ابناء العائلات الفقيرة في مدارس خالكي وروسيا …
وكان متفانياً في الاحسان الى الفقراء من اية ملة كانوا. كان صاحب قلب نقي مسامح لمن ابغضه، طاهر متعفف ورغم تعففه كان بعضهم يحاول الايقاع بهو الاساءة الى سمعته مما لامجال لذكره هنا. (10). متواضع وديع… هادىء الطباع…
وقد قيلت في مآثره الكثير من القصائد التقريظية…
رقاده بالرب
واظب المطران أثناسيوس على رعاية القطيع الذي ائتمنه الرب يسوع المعلم الالهي مدة 37 سنة بدون كلل او ملل بغيرة رسولية قل نظيرها شملت الكنيسة والوطن على حد سواء وكما كان لرعيته فأحياها بعد يباس، حتى رقد بالرب في 23 تشرين الثاني 1923، عن عمر يناهز السبعين عاماً حافل بالعطاءات الانسانية والوطنية والروحية، فُجع برحيله المسلمون كما المسيحيون، مغتربون ومقيمون، ودفن في ساحة الكاتدرائية، وفي عام 1929 أقام له ابناء ابرشيته نصباً كبيراً فوق ضريحه وأطلقوا اسمه على أحد شوارع مينة حمص اعترافاً بفضله وتخليداً لذكراه كباعث نهضة ومصلح اجتماعي وروحي..
حواشي البحث
1- كان سلفه المطران ديونيسيوس يونانياً من الأناضول.
2- نقولا عوض، انظر رزق الله عبود، المرجع نفسه، ص 243.
3- كانت قضية تعليق الأجراس في الكنائس محظورة ولايسمح بها الشرع كما كان لايسمح ببناء كنائس جديدة الابإذن شرعي وفقاً للشريعة الاسلامية ولم يكن من السهل ابداً السماح ببنائها.
4- الجمعية الأمبراطورية الفلسطينية الأرثوذكسية الروسية. اسسها عام 1882 الغراندوق سرجيوس عم القيصر الروسي نيقولاووس ومركزها الناصرة- فلسطين وقد اهتمت بتشييد المدارس والمؤسسات الخيرية والمياتم وتطبيب المرضىن وانتخبت الجمعية المطران اثناسيوس عطا الله عضوا عاملاً فيه عام 1889 ثم عضواً شرفاً في عام 1896.
5- منهم البطريرك الياس الرابع والمطران فيليبس صليبا (ابرشية اميركا الشمالية) والمطران اسبريدون خوري (زحلة)…
6- تبرع بها المغترب الحمصي في البرازيل بشارة عيسى المحرداوي.
7- لاتزال هذه الجريدة تطبع الى بدء مأساة الوطن السوري حيث توقفت بعد استباحة حمص القديمة ودمار الحي والمطبعة وسرقة ماكيناتها منذ 14 آذار 2011 وحتى تاريخه.
8- المولدتان الكهربائيتان تبرع بهما المغترب الحمصي في البرازيل عبده يوسف تقلا، واستمرت الكهرباء تنير المطرانية والمدرسة الداخلية والمطبعة الى أن صادرهما المحتل العثماني قبيل الحرب العالمية الأولى.
9- امين خير الله ، كتاب الرج الزاكي في تهاني غبطة البطريرك الأنطاكي 1899.
10- شهادات شفهية عديدة، وأولهم والد مثلث الرحمات الأسقف ديمتري حصني وآل حصني من اعيان حمص الأرثوذكسيين.
مراجع البحث
د. اسد رستم كتاب كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى.
امين ظاهر خير الله كتاب “الأرج الزاكي …”
الشماس بولس عبد الله ، النشرة البطريركية
منير عيسى أسعد، تاريخ حمص، ج2، حمص، 1948.
رزق الله عبود ، تذكار اليوبيل لسيادة الحبرالجليل، حمص 1911
جريدة حمص 1959 اليوبيل الذهبي.
جريدة حمص 1985 اليوبيل الماسي.
اوثائق البطريركية وثائق دمشق وحمص..ودير مار الياس شويا.
Beta feature
اترك تعليقاً