المطران استفانوس مقبعة الدمشقي
علمنا من الاكليروس المجاهد، ولخوفنا من ان يدخل دائرة النسيان ويمحى ذكره من الذاكرات الدمشقية المعاصرة والتالية لذا بادرنا الى جمع ماتمكنا من كل المصادر المكتوبة والشهادات الشفهية لنبقيه في دائرة الذكر وادرجناه في النشرة البطريركية وفي كتاب المئوية لجمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية بقلمنا في كتابها واخيراً هنا في موقعنا ليتمثل لدى اكبر شريحة …
السيرة الذاتية وكهنوته
هو خليل بن يوسف مقبعة الدمشقي ولد وعاش في محيط البطريركية والمريمية حيث نشأ وترعرع ودرس في المدرسة الوطنية البطريركية الأرثوذكسية / مدرسة الآسية.
منذ حداثته كان زاهداً في الحياة راغباً في الحياة الرهبانية، فالتمس في السنة 1885 من البطريرك الانطاكي جراسيموس (1885-1892) السماح له بلبس الأسكيم الرهباني، فأرسله الى دير النبي الياس شويا البطريركي في الشوير، حيث قدم النذر واتشح بالاسكيم على يد رئيس الدير آنذاك الارشمندريت الارشمندريت أثناسيوس عطا الله (مطران حمص لاحقاً) فسماه استفانوس، ولما شُرطن أثناسيوس مطراناً على حمص في كاتدرائية بيروت، استدعى استفانوس ورسمه شماساً انجيلياً في كاتدرائية بيروت، والحقه بمعيته، فأقام في مطرانية حمص سنة، ثم برحها الى حماه لأسباب صحية. وفي السنة 1894 انتقل الى بيروت ليتولى ادارة مدرستها الاكليريكية التي احدثها بها مطران بيروت المتروبوليت غفرئيل شاتيلا الدمشقي (1870-1902) ويُدَّرسْ الموسيقى الرومية الكنسية فيها وبقي بمعية مطران بيروت غفرئيل شاتيلا متفقداً شؤون ابرشيته الواسعة التي كانت تضم الى بيروت كل جبل لبنان(1)، حتى انتخب السيد ملاتيوس الدوماني الدمشقي مطران اللاذقية القائمقامية البطريركية عام 1898 ثم بطريركا عام 1899 ولما جال جولته الرعائية الواسعة الابرشيات الانطاكية ومنها مدينة انطاكية والاسكندرونة، وتحقق في ماتحلى به استفانوس من النشاط والغيرة وحسن السيرة والسريرة، عينه رئيساً على دير سيدة البلمند في 7 نيسان 1901، فتسلم مهامه وأحسن في ادارة الدير حتى انتخابه مطراناً على ابرشية حلب والاسكندرونة، حيث رسمه البطريرك ملاتيوس ومطرانا حماه غريغوريوس جبارة واداسيس اغابيوس صليبا في الكاتدرائية المريمية بدمشق في 6 آب 1903.
عمل بجد ونشاط في سبيل ابرشية حلب، وبعد معاناة شديدة مع مجلسها الملي، تقدم باستقالته منها الى البطريرك غريغوريوس والمجمع الانطاكي المقدس، وعاد الى دمشق
في دمشق
بعد استقالته من مطرانية حلب والاسكندرونة عاد الى دمشق واقام في الدار البطريركية فعينه البطريرك غريغوريوس الرابع نائباً بطريركياً له في الشام بموافقة المجمع الانطاكي في ذات العام، فقام بعمله خير قيام، وكانت باكورة اهتماماته مع نخبة من الافاضل محبي عمل الخير يتقدمهم الارشمندريت الفاضل باسيليوس صيداوي تأسيس جمعية حب الرحمة والتسبيح وثم صارت جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام واتخذت شفيع البطريرك غريغوريوس اسماً لها، وتسلم رئاسة هذه الجمعية حال تأسيسها في عام 1912 وكان نائبه الارشمندريت باسيليوس بتكليف ومباركة من غبطته.
وبالرغم من انه تسلم رئاستها في ظروف عصيبة كانت البطريركية والمجتمع الارثوذكسي الدمشقي يمران بها من جهة الفقر والعوز وهجرة الشباب الى العالم الجديد هربا من جندية ظالمة فرضها المحتل التركي وتأمينا لعمل يكفي عائلاتهم التي بقيت في الوطن يرسلون لها مايقيها الفقر، ثم انقطاع الاتصالات والموارد نتيجة قيام الحرب العالمية الاولى وماتبعها من مجاعة سفر برلك سنوات الحرب، وصعوبة تأمين المال اللازم لاعالة اعداد كبيرة من الايتام وتدريسهم وتعليمهم الحرفة في مقر الجمعية واصلا لم يكن لها موقع ملك للجمعية، ومع ذلك استطاع علمنا وكادر الجمعية السير بصعوبة بالغة في هذه الدروب الوعرة.
اضافة الى مساعدته لغبطته كنائب بطريركي في اطعام الجياع من كل الاديان والمذاهب ورعاية الارامل والايتام في بيوتها والكم الهائل من النازحين الجائعين من بيروت وجبل لبنان وقد مات معظمهم جوعا على ارصفة دمشق، حيث تؤكد ثبوتيات تلك المرحلة ان مامجموعه 85 الف لبناني بكل اسف قضوا على ارصفة دمشق وكانوا يدفنون في مقابر جماعية.
موقفه من الشريف حسين والملك فيصل
عُرف عنه سيره بركاب البطريرك غريغوريوس في تأييده للثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي الهاشمي شريف مكة واولاده اولهم الامير فيصل الذي صار ملكاً على سورية، والقى يومها خطباً نارية في جموع المتظاهرين الرافضين لاتفاقية سايكس بيكو والانتداب الفرنسي على سورية وتأييد الملك فيصل ورافقه في زيارته الى المدارس الآسية لتقديم معونة مالية لها تقديراً لدورها الوطني المؤيد له ولابيه الشريف حسين، بعد زيارته البطريرك غريغوريوس في البطريركية شاكرا له دعمه في المؤتمر السوري تأييداً للملكة السورية وهو ملكها اي فيصل مجددا وعده للبطريرك بالحقوق والواجبات ذاتها نحو المسيحيين في المملكة(2). اضافة الى المظاهرات المنددة لوعد بلفور بوطن قومي لليهود في فلسطين… التي مثل فيها البطريرك غريغوريوس والقى عظة نارية مدوية، وقد حملته جموع المسلمين الدمشقيين على الاكتاف هاتفة بحياته وحياة البطريرك غريغوريوس وطافوا في شوارع دمشق…
“نحنا نحنا سوريية بوحدتنا الوطنية” وهاتفة بمقولة غبطته الشهيرة:
” الدين لله والوطن للجميع”
انتقاله الى الاخدار السماوية
في نيسان 1920 ترجل هذا الفارس الأرثوذكسي من على صهوة الخدمة للكرسي الانطاكي المقدس والوطن السوري ووحدته بدون تجزئة بكيانات اقليمية ضداً لسايكس بيكو وضداً لوعد بلفور وخدمة ابرشيته السابقة حلب ثم المجتمع الدمشقي وفقرائه وفي كل المواقع التي خدم بها، وكان آخرها خدمته حوالي عقد من الزمان تقريبا في جمعية القديس غريغوريوس مانحا الدموع من عيون الايتام. وجنزه غبطة البطريرك غريغوريوس بجناز مهيب في الكاتدرائية المريمية مع كلمة ابكت الحاضرين جميعاً ثم تم حمل نعشه على الاكتاف الى مقبرة القديس جاورجيوس في باب شرقي ودفن في مدفن المطارنة والكهنة تحت مقام القديس جاورجيوس.
وفي اول اجتماع لمجلس ادارة الجمعية بعد رقاده وكان برئاسة البطريرك غريغوريوس وتم فيه انتخاب الارشمندريت اثناسيوس كليلة رئيساً للجمعية خلفاً للراحل الكبير علمنا ،والارشمندريت باسيليوس صيداوي نائبا له وقد القى غبطته كلمة مؤثرة في علمنا …
رأينا
من خلال بحثنا في تراث اعلام كرسينا الانطاكي المقدس في كل العصور وخاصة في العصر الحديث وجدنا عندهم جميعاً حباً لايوصف واستماتة في سبيل الكرسي الانطاكي عامة وكنائس ابرشياتهم خاصة…
لقد ابدعوا وتفننوا في هذا الحب من خلال عطاء متجرد وعلمنا المطران استفانوس مقبعة احدهم ولاتزال رعية دمشق وماتبقى من آل مقبعة يفاخرون بقريبهم المطران استفانوس لمآثره التي نقلها لهم معاصروه.
حواشي البحث
1- فصلت ابرشية بيروت ولبنان وتوابعها الى ابرشيتي بيروت وجبل لبنان بقرار المجمع الانطاكي المقدس بعد وفاة المتروبوليت شاتيلا عام 1902واعتلى ابرشية جبل لبنان المتروبوليت بولس ابو عضل الدمشقي.
2-نشرت موافقة الملك فيصل على شروط البطريرك غريغوريوس بالتساوي في المملكة السورية للمسيحيين والمسلمين في الحقوق والواجبات في جريدة العاصمة اي الجريدة الرسمية السورية.
مصادر البحث
الوثائق البطريركية عن ابرشيتي دمشق وحلب
سجلات ووثائق جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين
شهادات شفهية
اترك تعليقاً