المماليك وتأثيرهم السلبي على المسيحية في انطاكية العظمى وسائر المشرق

المماليك وتأثيرهم السلبي على المسيحية في انطاكية العظمى وسائر المشرق

المماليك وتأثيرهم السلبي على المسيحية في انطاكية العظمى وسائر المشرق

مقدمة

ادى توسع المغول واتجاههم نحو الغرب الى فرار عدد من القبائل التركية من وجههم. والتجأ بعض هؤلاء الى آسية الصغرى واستقروا فيها ودخل البعض الآخر الشرق العربي. واهم هؤلاء الخوارزميون.

ولما جلس الملك الصالح ايوب سابع الملوك الايوبيين على عرش السلطنة في مصر، رأى أن يختار لنفسه جنوداً خاصة يثق بهم فابتاع من هؤلاء المتشردين ومن غيرهم عدداً كبيراً جعلهم جيشه الخصوصي. وبنى لهم ثكنة في جزيرة الروضة في مياه النيل فعُرفوا بالمماليك البحرية نسبة الى “بحر النيل” وكانوا يسمون الحلقة ايضا لأنهم أحاطوا بسلطانهم وحموه من كل اعتداء. ورتب الصالح لبعض هؤلاء دروساً في الادارة والحرب فتحققت آماله وظهر من بينهم رجال فاقوا ساداتهم. وفي السنة 1250م قام ايبك أحد هؤلاء وقضى على سيده الايوبي واتخذ لنفسه لقب الملك المعز ايبك وأسس دولة المماليك البحرية1250-1381 وكان العدد 28 سلطانا حكموا دولة  المماليك البحرية.

الظاهر بيبرس البندقداري

الظاهر بيبرس وهو مطرح تدوينتنا وترتيبه الخامس في سلسلة سلاطين المماليك البحرية وحكم من 1260 الى 1277م

انقسم الفرنجة على بعضهم، فتحارب البنادقة مع اهل جنوا (1257م) وقضى آل باليولوغوس على امبراطورية الفرنجة في القسطنطينية (1261م)

وعاد السلطان الرابع وهو الظاهر قطز بعد عين جالوت الى مصر. وفيما هو في طريقه اليها اتفق بيبرس البندقاري مع فريق من المماليك على اغتياله. وقامت ارنب بين يديه فساق عليها فتبعه المماليك المتآمرون. فلما بعدوا تقدم منه مملوك اسمه انص وشفع في شخص فأجابه قطز فأهوى لتقبيل يده فحمل بيبرس على قطز وطعنه غيلة في قلبه في قلبه. ثم أعلن نفسه سلطاناً باسم الملك الظاهر بيبرس. ودخل القاهرة (1260م) فخضع له الامراء والشعب.

كان بيبرس طويل القامة مفتول العضلات اسمر اللون، ازرق العينين قوي الادارة والارادة شديد الجرأة عالي الهمة.

كان تركي الأصل ينتمي الى قبيلة القبجاق. وقد عرض للبيع في سوق حماة فهالت خشونته اميرها فلم يرغب فيه. فابتاعه الامير بندقدار لسلطان مصر. فعُرف ببيبرس البندقداري.

ولم ترض دمشق عن عمل بيبرس واعترفت بسنجر الحلبي اميراً عليها. فقام بيبرس في السنة 1261م الى دمشق وقضى على سنجر واوانه فاستتب له الملك في جميع الأراضي السورية خارج الامارات اللاتينية.

وفي السنة 1262م شهد جماعة من البدو أن شخصاً اسود اللون اسمه أحمد هو ابن الظاهر بالله محمد بن الامام الناصر العباسي عم المستعصم آخر الخلفاء العباسيين في بغداد. فعقد بيبرس مجلساً حضره العلماء واثبت فيه القاضي نسب احمد هذا فبايعه الملك وسائر الأمراء بالخلافة وسمي المستنصر بالله. فأضحت القاهرة مقر الخلافة العباسية وأكسب بيبرس حمه صبغة شرعية.

بيبرس والروم

وحالف بيبرس بركة خان امير مغول القبجاق ضد هولاكو صاحب فارس، وتودد الى ميخائيل الثامن فسلفس الروم وقاهر اللاتين في القسطنطينية ورجاه ان يُبقي مضيقين مفتوحين له وللقباجقة بني جنسه لتتم الصلة بين مصر وجنوب روسيا عن طريق البحر.

وكان خان القباجقة في روسية قد سبق له ان تدخل في شؤون البلقان. فوافق ميخائيل على اقتراح بيبرس وازوج خان القباجقة من بنت له غير شرعية. وفتح المضايق للمماليك مقابل اقامة بطريرك ارثوذكسي في الاسكندرية 1262م. ثم حالف الفسيلفس السلطان المصري للصمود في وجه كارلوس آنجو.

بيبرس والفرنجة

وتهيأ الجو لمحاربة الفرنجة، فقام بيبرس في السنة 1263م على رأس جيش قوي وهاجم الناصرة. فاستولى عليها وخرب كنيستها “وشاهد خرابها وقد سُوي بها الى الأرض” وأغار على عكا فغنم في ضواحيها وركب عنها.

وفي السنة 1264م دعا هولاكو جميع امرائه الى اجتماع عام عقده في معسكره بالقرب من تبريز. واشترك في الاجتماع كل من داود ملك الكرج وهاتون ملك ارمينيا وبوهيموند امير أنطاكية. فأشاد هولاكو بالصداقة المغولية البيزنطية ولام هاتون وبوهيموند على موقفهما من افتيميوس البطريرك الأنطاكي واغتاظ وشدد لأنهما اكرها هذا البطريرك على الخروج من انطاكية .

ومات هولاكو في الثامن من شباط سنة 1265م، وتوفيت زوجته المسيحية في صيف السنة نفسها. فجال بيبرس جولة ثانية واستولى على قيصرية فلسطين في السابع والعشرين من شباط سنة 1265م فدك ابراجها وخرب حصونها وابنيتها وفي السادس والعشرين من نيسان سقطت ارسوف في يده. ودخل حيفا منتصرا فبطش فيها بطشاً.

وأنفذ بيبرس في صيف السنة 1268 جيشين كاملين احدهما الى عكا وصفد والثاني الى كيليكيا وارمينية الصغرى. ولم يقو على عكا فحاصر صفد ودس بين صفوف المحاربين الوطنيين وبوق ان عفوه يشمل الجميع عند الاستسلام. فاستسلم المحاربونولكن بيبرس حنث بوعده.

نكبة مسيحيي قارة والقلمون الشرقي بأمره

وترامى الي بيبرس ان سكان قارة بين دمشق وحمص يغيرون على القوافل الاسلامية. وفي موقع آخر انهم يسرقون المسلمين ويبيعونهم بالخفية من الافرنج، فأمر ببعض كبارهم ورهبانهم، واخذ صغارهم مماليك، وحول كنيستهم  الكاتدرائية في قارة الى جامع. وفي موضع آخر انه فعل المنكرات ذاتها بكل مسيحيي القلمون الشرقي وخرب كنائسهم حتى انتهت المسيحية في العديد من هذه البلدات، ولم يبق الا قلة في ديرعطية ومعلولا وبخعا وعين التينة ويبرود…

وجاء اليه وفد من مسيحيي عكا يرجونه السماح بدفن من سقط منهم خارج اسوارهم فأجابهم:”اذا كنتم تطلبون جثث شهداءكم فانكم ستجدونهم بين ظهرانيكم.”

ثم اندفع الى ساحل البحر وخرَّب وقتل وسبى. وقاد الجيش الثاني قلاوون الشهير. وارتكز بادىء ذي بدء الى حمص وشن منها هجوما خاطفا على القليعات وحلبا وعرقة فاستولى عليها وعاد الى حمص. ثم انتقل الى حماة حيث انضم اليه ملكها المنصور. وقاما منها الى حلب فكيليكية. وكان هاتون قد توقع هذا الهجوم فأسرع الى تبريز يطلب معونة ابن هولاكو. وصمد ابنا هاتون لاوون وطوروس في مضايق الأمانوس. فتحاشى قلاوون هذه المضائق وانحدر الى كيليكية بطريق سروندكار. وسقط طوروس في ميدان القتال ووقع لاوون في يد قلاوون اسيرا.

سقوط انطاكية 1268م ونكبتها على يده

وبعد ان شل بيبرس نشاط ارمينيا الصغرى أنفذ جيشاً الى انطاكية وذلك في خريف 1266م. لكن الانطاكيين رشوا القادة فعاد الجيش عن انطاكية بدون قتال. فثار ثائر بيبرس وانزل العقاب بالمسؤولين وامر باعدامهم،

وولم يكتف بذلك بل  طبق سياسة التطهير العرقي والديني والابادة الجماعية على انطاكية ففتك بمسيحييها لأنهم على دين الفرنجة وقضى علي مائة الف منهم من رجال ونساء واطفال وخرب المدينة ومحيطها وساق من بقي حياً اسرى وسبايا الى مصر ونقل مصريين الى انطاكية بدلاً عنهم… وكان في البداية قد امر  بحراسة ابواب المدينة وبالقتل والنهب  فلم يسلم من الذبح والابادة سوى بضعة آلاف التجأوا الى القلعة. ولدى استسلام هؤلاء جرى بيعهم بأبخس الأثمان  نظراً لكثرتهم بلغ ثمن الصبي اثني عشر درهماً وثمن البنت خمسة فقط. وكومت الحلي الفضية والذهبية أكواماً  ووزعت الدراهم على الفاتحين بالكيل لكثرتها. في بعض المراجع وبالذات البطريركية فان عدد الذين تم بيعهم مائة الف وان فريقا منهم قد سيق الى مصر حيث بيع هناك وتم احضار مصريين واسكانهم في انطاكية. ادعى بيبرس  بكل اسف انهم فرنجة، او لأنهم كالفرنجة مسيحيين لذا كان كل هذا البطش بمسيحييها ما افرغ انطاكية من السكان  المسيحيين تماماً.

كانت هي  الكارثة كبرى وقد دمرت انطاكية تدميراً كاملاً والتهمت النيران معظم احيائها. وخربت كنيسة القديس بولس، وكنيسة القديسين قوزما وداميانوس، وبقية معالمها الدينية والحضارية.

وكذلك فعل بسكان المدن الميتة الممتدة بين سهول ادلب وحلب وكانت حية عامرة بسكانها المسيحيين الروم فجعلها ميتة ولم يبق نها بعدما امر باعمال النيران فيها الى جدران واثار تحكي عن عظمة حضارتها وتبكيها بآن وتبكي من التعصب الجاهل والكاره..!، وكذلك  فعل بسرجيوبوليس ( الرصافة) نكبها وقتل مسيحييها من غلبية رومية وأقلية سريانية… وجعلها بواقعها الحالي اطلالاً ينعق فيها البوم…وتابع في طريق عودته بفعل المنكرات بحق المسيحيين في كل مكان وصله في بلاد الشام وهدم الجانب الغربي من كاتدرائية الاربعين في حمص وكنيسة السيدة في حماه، لذا وبفضل سياسة الابادة المسيحية التي اتبعها وقام بها انخفضت نسبة مسيحيي سورية من 60% من السكان الى 20% قتلا او اعتناق الاسلام خوفاً من القتل والسبي…!

خسارة انطاكية اقتصاديا

وكان العراق قد اصبح مغولياً فتحولت بضائع الشرق عن انطاكية الى اياس في كيليكية. فتضاءلت تجارة انطاكية وقل الاعتناء بها والاهتمام بأمرها وامست قرية قائمة وسط خراب كبير. فهجرها رؤساء الدين واتجهوا نحو دمشق مركز السلطة الى البلاد.

العودة الى عكا

عاد بيبرس الى عكا في ايار السنة 1267م ، ولجأ الى الخداع فأمر جنوده برفع الاعلام الصليبية التي أُخذت من الهيكليين والاسبارتية فتمكنوا من ملاصقة الاسوار، لكنهم اضطروا الى التراجع واكتفوا بتخريب الضواحي.

نكبة يافا

وفي اوائل العام 1268م عاد بيبرس الى القتال فاستولى على يافا، وخرب ابنيتها ونقل رخام قلعتها واخشابها الى مصر لبناء جامعه فيها. ثم حاصر قلعة الشقيف وقصفها بالمجانيق فاستسلمت في منتصف نيسان. فسمح للنساء والاطفال بالنزوح الى صور واسترق الرجال. ووصل الى طرابلس في اول ايار فقاتل صاحبها بوهيموند السادس وعاث في ضواحيها مخرباً ثم انتقل الى وادي العاصي.

واستغل بيبرس بقاء بوهيموند في طرابلس ، فأنفذ جيشه الى أنطاكية. وكانت حاميتها معظمها من الاهالي وعبارة عن عدة آلاف مقاتل، فلم تقو على حماية جميع ابراجها واسوارها وحاول محافظها سمعان مانسل الاغارة على جيش بيبرس فأُسرْ. وكان بيبرس قد احتل السويدية ومضايق بيلان فعزل خصمه عن البحر وعن ارمينية الصغرى.

وفي الثامن عشر من ايار ثغر( فتحوا ثغرة) المماليك السور بالقرب من القلعة وتدفقوا منه الى داخل المدينة.

مساعي نقل الكرسي الانطاكي من انطاكية الى دمشق

وتوفي البطريرك الانطاكي افتيميوس الثاني في السنة 1268م فانتخب الاكليروس الأنطاكي ثيودوسيوس الرابع بطريركاً على انطاكية. وفاوض الفسيلفس ميخائيل الرابع بيبرس  سلطان المماليك في امر بطاركة الكرسي الانطاكي فاعترف السلطان برئاستهم وسمح بانتقالهم من انطاكية الى دمشق.

لكن انتقاله  من انطاكية الى دمشق  فعلياً ورسمياً فقد تم في عام 1344م بعد مفاوضات بين اغناطيوس الثاني البطريرك الانطاكي ووالي دمشق، ويقال انه صديقه، استمرت من 1342 الى 1344. عندها توحدت سلسلة اساقفة دمشق التي تبدأ باول اساقفتها حنانيا الرسول بسلسلة بطاركة انطاكية التي تبدأ ببطرس الرسول وصار البطريرك الانطاكي هو اسقف دمشق وقد جمع السلطتين معا منذ 1344 وحتى الآن وكان اول بطريرك في دمشق هو اغناطيوس الثاني.

 

 

 

 

 

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *