الامير فلاديمير مؤسس المسيحية في كييف

الموسيقى الكنسية الرومية في روسيا

الموسيقى الكنسية الرومية في روسيا

الموسيقى الكنسية الرومية في روسيا

نظرة تاريخية

مرت الموسيقى الكنسية  الرومية في روسيا بأربع مراحل وهي التالية

الترتيل الرومي السلافي بين القرن العاشر وسنة 1500، تطوّر الترتيل الروسي بين سنة 1500 وسنة 1600، تمايز الترتيل الروسي وتثبيت معالمه بين 1600 و1660، وأخيراً تحديث النصوص الليتورجية والإنقسام الكنسي الروسي

أ- المرحلة الأولى

الترتيل الرومي السلافي من القرن العاشر حتى سنة 1500

لعب القديسان كيرلّس ومثوذيوس دوراً كبيراً في تبشير الشعوب السلافية في القرن التاسع. كان القديس كيرلس ذائعَ الصيت وقد لُقِّب بالفيلسوف إذ كان يُعتبر عالماً وكان يتكلم عدة لغات، اللغة البلغارية المحكية، اليونانية، اللاتينية، العبرية، الخزرية، التركية، السريانية والسامرية. وكان الإمبراطور يعهد إليه بمهام تتعلّق بنشر الإيمان الأرثوذكسي خارج الإمبراطورية. أرسله الإمبراطور إلى الخان الأكبر للخزر بناء على طلب الأخير، لأن المسلمين واليهود كانوا يحاولون كل من طرفه إستمالة الخزر إلى اليهودية أو الإسلام، لأن الخزر لم يكونوا قد اختاروا لهم ديناً ليتبعوه بعد. دخل كيرلُس في نقاش لاهوتي مع الطرفين وأثبت صوابية التعاليم المسيحية ما دفع الخزر إلى إعتناق المسيحية.

الأميرة اولغا الروسية المعادلة للرسل
الأميرة اولغا الروسية المعادلة للرسل

ثم في العام 863، وصلت إلى القسطنطينية بعثة من لدن أمير مورافيا، المدعو راتيسلاف. جاؤوا يطلبون من الإمبراطور أسقفاً ومعلّماً قادراً على تعليمهم بلغتهم الإيمان المسيحي الذي سبق لهم أن تلقّوه جزئياً من المرسلين الفرنجة. غير أنَّ هؤلاء المرسلين كانوا يكرزون باللاتينية ويقيمون الخدمة الليتورجية بلغة غير مفهومة للشعبِ السلافي. جعل هذا الأمر اقتبال المسيحية بين السكّان قليلاً فلزم الأكثرون عاداتهم الوثنية. وعد الإمبراطور بإيفاد رجالٍ قادرين على تعليم الشعب بلغتهم عن الخلاص بيسوع المسيح دون أن يعمل على فرض اللغة اليونانية عليهم. كُلِّف كيرلّس، الذي كان من مواليد ثيسالونيكيا، من الإمبراطور القيام بهذه المهمة فوضع الأبجدية السلافية. وإذ استعانَ بأخيه مثوديوس وتلاميذ آخرين من أصل سلافي انكبّ بسرعة على ترجمة القراءات الإنجيلية والليتورجية على مدار السنة بالأحرف السلافية الجديدة التي إخترعَها شخصياً، وكذلك القدّاس الإلهي وكتاب الساعات وكتاب المزامير. وكانت ثيسالونيكيا همزة الوصل بين الروم والعالم السلافي. وبنتيجة هذا العمل الشاق، إنتشرَت الحضارة الروميّة والمسيحية الأرثوذكسيةُ في العالم السلافي بالحسنى ودون ضربةِ كفٍّ وسلمياً، بإختلاف الحضارات والأديان والمذاهب الأخرى.

الموسيقى الرومية وهي على قائمة التراث الانساني
الموسيقى الرومية وهي على قائمة التراث الانساني
توفي القديس كيرلًس حوالي سنة 869 ، أما أخوه القديس ميثوديوس فقد توفي حوالي سنة 885 .
 عن دورِ هاذين القديسَين في إدخالِ الموسيقى الكنسية الرومية الى البلادِ السلافية، يقول الاستاذ رولان خيرالله عضو الجمعية الثقافية الرومية بأنه، في زمن القديسين كيرلُس وميثوديوس، لم يكن هناك كتب موسيقى كنسية رومية منشورة بعد، لأن أوَّل كتاب للتراتيل الكنسية الرومية المكتوبة موسيقياً قد صدر عن دير الستوديون في القرن العاشر بعد زمن القديسَين المذكورين.
من جهة أخرى، في زمن القديسين كيرلُس وميثوديوس، كانت الكتابة الموسيقية الأورشليمية منتشرة في الأديار والكنائس، وكانت تستعمل في إنشاد الترتيل حيثما كانت منتشرة. قد يكون أن القديسَيَّن نقلا إلى المدن السلافية بعض التراتيل الرومية باللغة السلافية غير أن هذا لا يعني أنهما قد نقلا إلى المدن السلافية نظام الموسيقى الكنسية الرومية السائد في الكنائس الأرثوذكسية الرومية.

إذاً كيف دخلت الموسيقى الكنسية الرومية المدن السلافية؟

هناك رأي يقول بأن جبل آثوس، الذي بدأ إزدهارَه في تلك الفترة، أصبح، بعد تلك المرحلة، مركز الموسيقى الكنسية الرومية في العالم الأرثوذكسي، وكان رهبان من كافة المدن السلافية والرومية يأتون على حد سواء إلى جبل آثوس ليتعلموا نظام الموسيقى الكنسية الرومية وأساليب الترتيل الكنسي الرومي ودراسة نظام العلامات الموسيقية الكنسية الأورشليمية المنتشرة في الأديار والكنائس الرومية في تلك الحقبة. وكانوا ينقلون هذا النظام الموسيقي الرومي وعلاماته الموسيقية ويقومون بنشره في مدنهم كلٌ بلغته. وقد سمي هذا النظام الموسيقي الكنسي الرومي في المدن السلافية بـ Znamenny من كلمة znamia وتعني الترتيل بواسطة العلامات الموسيقية.
هذا ما يفسر على الأرجح دخول نظام الموسيقى الكنسية الرومية ونظام علاماتها الموسيقية إلى الكنائس السلافية.

 واقعة اختيار الأديان

القديسان كيرلس ومتوديوس
القديسان كيرلس ومتوديوس
وكانت مدينة كييف، في القرن العاشر، أهمّ الحواضر الروسية، وكان يحكمُها أميرٌ وثنيّ يُدعى فلاديمير. بعد انطلاق إضطهاد الوثنيين بحق المسيحيين في مدينة كييف والإضطرابات التي سادت المدينة، تأمّل الأمير فلاديمير مطوّلا في تلك الأحداث، وقرَّر إرسال بِعثة لتجولَ على دولِ المسلمين واليهود والمسيحيين شرقاً وغرباً ليتبيّنَ دين الحق بين تلك الأديان ويختارَ الدينَ الأفضلَ لدولته.
عندما وصلت البِعثة، عند تنفيذ مهمَّتها، إلى مدينة القسطنطينية، دخلت كاتدرائية آجيا صوفيا أثناء إقامةِ القداس الإلهي فأصابَها الدهش مما عاينته أثناء إقامة القداس الإلهي. وعند عودتها إلى مدينة كييف، بلّغت الأمير فلاديمير عن كل ما شاهدته أثناء جولتها وخصوصاً في مدينة القسطنطينية قائلة له: “لم نعلم ما إذا كنا في السماء أم على الأرض، ولا يوجد على الأرض جمالٌ روحيٌّ بهذا الجمال”.
عندها قرَّر الأمير فلاديمير تبني إيمان الكنيسة الأرثوذكسية كما في مدينة القسطنطينية. وقرَّر أن يعتمد بشرط أن يقبلَ الإمبراطور الرومي “باسيليوس” تزويجه من أخته “آنا” ، وإذا رُفض طلبُه سوف يقومُ بتدمير مدينة القسطنطينية.
معمودية فلاديمير امير كييف والمعمودية الجماعية للروس

بعد أن أقنعَ الإمبراطور شقيقته آنّا بالزواج من فلاديمير، أرسلها مع كهنة إلى المدينة القريبة من كييف التي كان قد احتلّها الأمير فلاديمير، وكان حينها مصاباً بمرض خطير في عينِه. فأشارَت عليه الأميرة “آنا” بأنَّ عليه أن يعتمد فوراً كي يًشفى من مرضه. وعندما اعتمدَ، شُفيت عينه فوراً من المرض وتزوَّج من الأميرة “آنا”. واعتمدت خاصتُه أيضاً، وأمرَ الشعبَ بالذهاب إلى نهر دنيبر ليعتمدَ أيضاً، وأنَّ كلَّ من يرفضُ المعمودية يُعتبر عدواً للدولة، وكان ذلك في العام 988 مسيحية.

نشأة المسيحية في روسيا
نشأة المسيحية في روسيا
تغيّر سلوكُ الأمير فلاديمير بعد اعتماده وصار مسيحياً، فهدمَ الهياكل الوثنية وأطاحَ بآلهتها وبنى مكانَها الكنائسَ وعضدَ المساكين وصارَ محباً لشعبه فطوّبته الكنيسة الروسية قديساً. وهو يعتبر، كالقديسَين كيرلّس ومثوذيوس، معادلاً للرسل.
عندما حصلَ هذا الحدث، وحتّى القرن الثالث عشر، كانت الموسيقى الكنسية السلافية monophonique كما الموسيقى الكنسية الروميّة. كان يقودُ الخدمَ الطقسية رجالُ إكليروس يونانيون وبلغاريون، وقرّاءٌ ومرتلون يستخدمون في القراءات الليتورجية اللغة اليونانية واللغاتِ السلافية القديمة، وكانوا يستخدمون التراتيلَ اليونانية الأصلية. تمّ تدريجياً ترجمةُ التراتيل اليونانية الأصلية إلى اللغة السلافية، أما النغماتُ الموسيقية الرومية والعلاماتُ الموسيقية فبقيت على حالِها بدون تغيير في حين أنها كانت تخضعُ للتطوير تباعاً في الكنائس الأرثوذكسية الرومية.
في القرن الثالث عشر، وبسبب الإجتياح الذي تعرَّضت له الإمبراطورية الرومية من قبل الفرنجة وسيطرتِهم على أراضيها وتجزئتِها، تقلَّصَت العلاقاتُ بين الأراضي الروسية والإمبراطورية الروميّة. علاوة على ذلك، تمّت السيطرةُ على أجزاء واسعة من الأراضي الروسية من قِبلِ غزوات التتر. مع تراجعِ مدينة كييف الروسية وإنخفاضِ العلاقات الروحية والإقتصادية والسياسية والثقافية التي كانت تربطُها بقوةٍ بالإمبراطورية الرومية، بدأت الكنيسة الروسية بتطوير استقلالِها الذاتي.
بعد سقوط مدينةِ كييف وتراجع دورِها، ظهرت خلال القرن الرابع عشر مراكزُ دينية ونشاطاتٌ ثقافية عديدة في سائر المناطق الروسية. إنتشرت الكنيسة الأرثوذكسية وثقافتُها شمالاً في إماراتٍ روسية مستقلّة متعدِّدة وعلى رأسها إمارة Novgorod. تقع نوفغورود في غرب روسيا، قريباً من سان بطرسبيرغ الحالية، وتخضعُ لتأثيرات غربية. وأصبحت إمارة Novgorod أهمَّ مركز روحي وثقافي للكنيسة الروسية لعدّة قرون، وتأسَست فيها أهمُّ مدرستَين للترتيل حيث إبتدأ التطورُ والتغييرُ يظهران في الموسيقى الروميّة السلافية. وفي النصف الثاني من القرن الخامس عشر، باتت هناك أعدادٌ كبيرة من المخطوطات الموسيقية السلافية مكتوبة بنظام Azbuki وهو عبارةٌ عن لائحة علامات موسيقية بأحرفِ الأبجدية السلافية وقد أُعطِيَ لكل علامةٍ موسيقية إسمٌ بالسلافية. وبعد العام 1500، لم يعدْ للعلاماتِ الموسيقية السلافية في المخطوطاتِ الموسيقية السلافية أيُّ رابطٍ بالعلامات الموسيقية الرومية على مستوى الأداء الموسيقي.

ب – المرحلة الثانية

الترتيل الكنسي الروسي وتطوره من سنة 1500 حتى سنة 1600

مع نهوضِ موسكو في القرن السادس عشر كمركزٍ سياسيٍّ جديد، توحّدت كلُّ الإمارات الروسية وأصبحت أمةً واحدة تحت حكم القيصر إيفان الرابع الرهيب و انتقلَ المركزُ الروسي الأرثوذكسي من مدينة فلاديمير (كييف) إلى موسكو. تمّ ترفيعُ رئيسِ الأساقفة إلى رتبة بطريرك على كل الكنيسة الروسية. كما تمّ نقلُ كلِّ مدارس الترتيل الكنسي الروسي من إمارة Novgorod إلى مدينة موسكو، وخضع تقليدُ الترتيل القديم إلى تحديثٍ شامل.
خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر، ظهرَت أنواعٌ جديدة من الترتيل الكنسي الروسي متنوِّعة الأنغام كما ظهر نوعٌ من الترتيل القائم على نظام الـ Polyphonie أي متعدّد الأصوات، وكان هناك خلافٌ كبير حول هذا النمط من الترتيل. غير أن العلاقات القوية بين إمارة Novgorod وأوروبا الغربية لا سيما مع كنيسة روما القديمة جعلَ التأثيرَ الغربي ممكناً في هذا المجال، وفي المقابلِ كانت القسطنطينيةُ قد سقطَت بأيدي العثملانيين وإنحسرَ تأثيرُها المباشرُ في الدولةِ الروسية.

في نهاية القرن السادس عشر، أخذت الأنغامُ الموسيقية الكنسية أشكالاً مطوّلة جداً وبالغةَ التعقيد، فكانت تزيدُ من وقت الخدم الطقسية إضافة إلى أنَّ العلامات الموسيقية أصبحت بالغةَ التعقيد والتنفيذ أيضاً. كما أنَّ الإستعمالَ الثابتَ للغةِ الروسية القديمة صعّب على الناس فهمَ اللغة الليتورجية القديمة للكنيسة السلافية، فكانت الحاجةُ ماسةً إلى تحديث كتب التراتيل الكنسية السلافية.

الامبراطورية الرومية
الامبراطورية الرومية

ج – المرحلة الثالثة

تحديد واستقرار الترتيل الكنسي الروسي من سنة 1600 حتى سنة 1660

في العقدَين الأخيرين من القرن السادس عشر، تحوّلَت الحاجةُ إلى تحديث النصوص الليتورجية والعلامات الموسيقية إلى حالةٍ طارئة. أصبحت روسيا بطريركية مستقلة في سنة 1589 وإنتُخبَ البطريرك أيوب، وإعترف به البطريرك المسكوني إرميا الثاني في عهد القيصر الروسي فيودور، ونال طرسَ الإعتراف من كنيسةِ القسطنطينية، وبدأت حينئذٍ في روسيا نهضة روحية جديدة.
حصلت محاولاتُ تحديثٍ عديدة من قبل المرتلين من مدارس الترتيل الكنسي في موسكو، غير انهم لم يتَّفقوا على تحديث موحّد، فكان التناقضُ سيدَ الموقف خصوصاً أنَّ تحديثَ العلامات الموسيقية قد إبتدأ في سنة 1600 أما تحديث النصوص الليتورجية فابتدأ في سنة 1660 .

د – المرحلة الرابعة

تحديث النصوص الليتورجية والإنقسام الكنسي الروسي

ظروفٌ ثلاثة تسبَّبَت بتحديثِ النصوصِ الليتورجية

‌أ- حكم القيصر أليكسي ميخائيلوفيتش والبطريرك نيكون إذ هما المسؤولان عن إدخال الخصائص الأوروبية الغربية إلى الموسيقى الكنسية الروسية.
‌ب– بسبب ترابط الأراضي بين كييف الأوكراينية الخاضعة لنفوذِ البولونيين والليتوانيين والأراضي الروسية الموسكوبية، بدأت الثقافة الغربية تدخل إلى موسكو. إبتدأ استقطابُ المرتلين الأوكراينيين إلى موسكو خصوصاً من جهة البطريرك نيكون، وهم الذين أدخلوا نظام الترتيل المتعدد الأصوات Polyphonique ، وألّفوا جوقات ترتِّل على هذا النظام الموسيقي.

‌ج– تحت إشراف القيصر أليكسي، شرع البطريرك نيكون في تحديث النصوص الليتورجية، معتمداً على النصوص اليونانية المعتمدة في بطريركيات القسطنطينية وأنطاكيا وأورشليم. لقي هذا التحديث إعتراضاً واسعاً داخل الكنيسة الروسية، وكانت ردة فعل القيصر ألكسي والبطريرك نيكون قاسية وغير متسامحة تجاه المعترضين الذين باتوا ملاحَقين من الدولة والكنيسة، وتمّ فرزُهم عن الكنيسة بقرار من المجمع الكنسي الروسي. أما الذين لم يقبلوا التحديث فعُرفوا بما يُسمى بالـ Old Believers أو المؤمنون القدامى . تبعَت هذه الجماعة نظامَ النغمات والنصوص الليتورجية القديمة مما عمّق الإنقسام داخل الكنيسة الروسية. وفي المقابلِ، أعطت الكنيسة الروسية بركتَها لممارسة الترتيل الكنسي المتعدّد الأصوات من قبل جوقات محترفة. ومنذ ذلك الحين، سادَت هذه العادةُ في الكنيسة الروسية.

المطران ميخائيل السوري يعمد الروس في كييف في نهر دنيبر بالمعمودية الجماعية
المطران ميخائيل السوري يعمد الروس في كييف في نهر دنيبر بالمعمودية الجماعية

بالاقتباس من حلقة تيلي لوميير عن الموسيقا الرومية في روسيا / الاستاذ رولان خير الله / الجمعية الثقافية الرومية

بتصرف واضافات

 

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *