النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان

النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان

النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان

يوحنّا اسم عبري مؤلّف من كلمتين: “يهوه أي الله،  و”حنان” أي الرأفة.

تقيم الكنيسة الأرثوذكسيّة في اليوم السابع من شهر كانون الثاني من كلّ عام تذكاراً حافلاً للنبي السابق المجيد يوحنا المعمدان على غرار العيد الجامع لوالدة الإله الذي احتفلنا به في اليوم التالي من عيد الميلاد المجيد. هكذا جرت العادة في بعض الأعياد السيّدية.

ولد القدّيس يوحنا المعمدان من والدين تقيين وهما الكاهن زكريا واليصابات.

له مكانة كبيرة في الكنيسة إن من ناحية رسالته وإن من ناحية مكانته في الليتورجيا.

-تعيد الكنيسة الارثوذكسية للقدّيس يوحنا المعمدان
ستّة أعياد على مدار السنة وهي على الشكل التالي

*تذكار مولده في 24 حزيران

*تذكار قطع رأسه في 29 آب

*تذكار الحبل في 23 ايلول

* تذكار العيد الجامع في 7 كانون الثاني.

*تذكار وجود اول وثاني لهامته في 24 شباط

* تذكار ثالث لوجود هامته في 25 آيار.

يوحنا انتمى الى مراتب الملائكة... ملاك يسير أمام الرّب.
يوحنا انتمى الى مراتب الملائكة… ملاك يسير أمام الرّب.

– القدّيس يوحنا المعمدان أعظم من نبيّ

الرّب يسوع تكلّم عنه وعن لباسه ورسالته: ” إبتدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنا: “ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحرّكها الريح؟ لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أانسانا لابساً ثياباً ناعمة؟ هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك. لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبياً ؟ نعم اقول لكم وأضل من نبي.  فإن هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه.” (متى 7:11-11)

يشرح القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن عظمة النبي يوحنا فيقول

” تنبأ الأنبياء الآخرون عن يسوع أنّه قادم، أمّا يوحنا فأشار بإصبعه أنّه جاء حقًا، قائلاً: “هوذا حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم”
(يو1: 29). لميكن المعمدان مجرّد نبيّ، ولكنّه عمّد المسيح أيضًا.

بهذا حقّق نبؤة ملاخي إذ تنبأ عن ملاك يسير امام الرّب. يوحنا انتمى إلى طغمة الملائكة، ليس حسب الطبيعة، بل بسبب أهمية رسالته. إنها تعني أنه الرسول الذي يعلن مجيء الرّب”

قطع رأس القديس يوحنا ورقصت سالومة بالرأس المقدس تشفيا
قطع رأس القديس يوحنا ورقصت سالومة بالرأس المقدس تشفيا

طروبارية السابق المجيد

“تذكار الصدّيق بالمديح، امّا أنت أيها السابق فتكفيك شهادة الرّبّ، لأنك بالحقيقة قد ظهرت أشرف من كلّ الأنبياء، إذ قد إستأهلت أن تعمّد في المجاري من قد كرزوا هم به، لذلك إذ شهدت عن الحق مسروراً، بشّرت الذين في الجحيم بالإله الظاهر في الجسّد، الرافع خطايا العالم والمانح إيانا الرحمة العظمى.”

الليتورجيا او الخدمة الطقسية تخبر المؤمنين عن القدّيس يوحنا أنه

– هو الوسيط بين العهدين القديم والجديد، وخاتمة الأنبياء. (صلاة السحر- الأودية السادسة).

– هو مقام من الشريعة والنعمة في آن، مختتماً الأولى ومفتتحاً الثانية. (صلاة السحر – الأودية التاسعة).

– هو خاتمة الناموس، وباكورة النعمة الجديدة. (صلاة السحر- الأودية السابعة).

– هو مساوِ للملائكة بسيرته الغريبة، وقد أجاز حياته كمثل ملاك على الأرض، وسكن القفر “منذ عهد الأقمطة.” (صلاة السحر– ذكصا الإينوس).

– هو نموذج الزهد والبتولية، وحياة التوبة واللاهوى.

– هو زعيم الرهبان، وساكن القفار.

– هو لا يكفّ عن الإعداد لمجيء السيّد فينا.

شهادة القدّيس يوحنا للمسيح هي في كلّ جيل ولكلّ جيل. “أعدّوا طريق الرب. أجعلوا سبله قويمة”.

أسماؤه وألقابه

القدّيس يوحنا المعمدان له عدّة أسماء أو ألقاب مرتبطة برسالته

1- ملاك الصحراء

هذه التسمية أو اللقب هو نتيجة نبؤة أتت في سفر ملاخي في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبًا.

كلمة ملاخي هي كلمة عبرية تعني “ملاكي” أو “رسولي”. وهي تعني هنا ملاك الرّب المرسل من قبله والذي يُعلن خلاصه.

أتى هذا السفر في خضم مرحلة فساد كبيرة جدًا عند الشعب اليهودي، فقد طلّق رجال يهوذا زوجاتهم اليهوديات وتزوّجوا بوثنيات، وعاشوا في زنى وغش وظلم للبائسين، وأهملوا خدمة الهيكل ودفع العشور والتقدمة ودنّسوا السبت، وكانت مخافة الله شبه معدومة.

.كان بعضهم يفسّر أقوال الأنبياء تفسيراً زمنياً أي يحدّها ويحصرها في فترة الحكم الملوكي الأرضي، وبالتالي لم يدخلوا في مقاصد الله وتدبيره الخلاصي.

أيقونة الظهور الإلهيّ – دير السيّدة – كفتون
أيقونة الظهور الإلهيّ – دير السيّدة – كفتون

بالمقابل ساد منطق القوّة والشر بشدّة، فأمام المجاعات التي اجتاحت الشعب شكّوا في محبة الله لهم، وقالوا إنّه لا فائدة تجنى من فعل الصلاح وطاعة الوصايا، فالشرير والمتكّل على ذاته هو الذي ينجح، لذلك يحدثهم السفر عن حقيقة خطاياهم وريائهم الذي أوصلهم إلى هذه الحالة المظلمة.

وأبرز دعوة دعاهم إليها النبيّ هي التوبة وترك خطاياهم لتعود لهم البركات.

والجدير بالملاحظة أن النبيّ ملاخي ذهب أبعد من التوبة ليقول بمجيء المسيح الذي سيأتي بالخلاص وملء البركات. لذلك فلقد تنبأ ملاخي عن مجيء المسيح بصورة واضحة.

هذه النبوءة ينتهي بها الكتاب في العهد القديم لتلهب القلوب بانتظار المسيح شمس البر، وبهذه النبوءة ينتهي زمن الأنبياء، فلن يأتي أنبياء بعد ملاخي، وأوّل من سيأتي هو القدّيس يوحنا المعمدان، الملاك الذي يهيئ الطريق أمام المسيح.

وهنا كان من المترض أن يأتي دور الكتبة والفرّيسيين والكهنة الذين كان يجب أن  يفسّروا النبوءات بروح العفة والطهارة. 

الآية وتفسيرها

نقرأ في الإصحاح الثالث من هذا السفر “هاأنذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله، السيّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرّون به هوذا يأتي قال رّب الجّنود (ملاخي1:3) ”

استمدّت الكنيسة تفسير هذه الآية من الإنجيليّ مرقس (٢:١) إذ هذا ما قام به القدّيس يوحنا المعمدان.

وكلمة ملاك في هذه الآية مذكورة مرّتين

* في المرّة الأولى تمثّل المرسَل أيّ الملاك الذي سيرسله الرّب ليعدَ طريقه، إذ أن المتكلّم هنا هو ربّ الجنود، أي الله نفسه.

* في المرّة الثانيّة تعني المسيح الذي هو ملاك العهد. والذي سيأتي قبله من يهيئ الطريق أمامه كملاك أيضًا. وهذا هو الارتباط بين اسم النبي وموضوع نبؤته.

فهذه الآية هي تهيئة لمجيء المسيَّا وجواب لأيّة تسبقها مباشرةً، يظهر فيها استهزاء الأشرار واستخفافهم بمجيء الربّ وخلاصه: “أين إله العدل؟” (17:2).

وتتوافق هذه الآية مع أمرين
الأمر الأوّل ما قاله الملاك جبرائيل عن الصبي يوحنا لزكريا الشيخ والده:”ويرد كثيرين من بني اسرائيل إلى الرّب إلههم. ويتقدّم أمامه بروح ايليا وقوّته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكيّ يهيئ للرب شعبا مستعدا” (لوقا16:1-17).

الأمر الثاني ما تنبّىء به زكريّا بنفسه بعد أن حل الله رباط لسانه فور ولادة يوحنا، وتدوين اسمه على لوحٍ: “وأنت أيّها الصبي نبي العلي تدعى لأنّك تتقدّم أمام وجه الرّب لتعد طرقه” ( لوقا 76:1).

واضحٌ أنّ النبي يوحنا يسير ليعلن رسالة نبويّة إلهيّة مسيانيّة. إنّها رسالة استلمها من السماء لأهل السماء، أيّ البشريّة التي أضاعت غالبيّتها هويّتها الحقيقيّة.

لقد خُتم العهد القديم بهذا الوعد بانتظار صاحب الأسفار أن يفتتحها بنفسه ويحقّقها بتجسّده، وبما تبع هذا التجسّد من صلبٍ وقيامة.

النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان
النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان

المفارقة هنا هي التالية

“الخلاص ليس بالانتماء الجسدي العضوي لإبراهيم أب الآباء، بل بمجيء ذاك الذي ترجّى إبراهيم مجيئه أيّ الرّب يسوع المسيح، “وأمّا المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله لا يقول وفي الأنسال كأنّه عن كثيرين بل كأنّه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح”(غلاطية 16:3).

يؤكّد النبي ملاخي أن المسّيا الرّب يأتي بغتة إلى هيكله، الذي يطلبه الأتقياء، خائفوا الربّ، منذ أيام آدم وحواء. إنهم ينتظرونه بفرحٍ عظيمٍ.

– “كانوا “ينتظرون تعزية إسرائيل” (لو٢٥:١)، وفداءً في إسرائيل (لو٣٨:١)، إذًا هو “مُشتهى كلّ الأمم” (حجي٧:٢). يجد الناس كلّهم فيه مسرّة قلوبهم.
“يأتي بغتة”: وهنا معنى زمني واسخاتولوجي (أخرويّ).
فعن ميلاده الزمني أكّد الكهنة أنّه يولد في بيت لحم أفراتا، لكنّه جاء بالنسبة إليهم بغتة، إذ لم يتهيأوا لمجيئه، رغم معرفتهم بذلك.
وبالنسبة إلى مجيئه الاسخاتولوجي أي المجيء الأخروي (الثاني، في آخر الأزمنة)، فيسوع هو فاتح الأسفار والكتب، وهو الديّان العادل.

– “إلى هيكله”والهيكل هنا هو أبعد بكثير من الهيكل الحجري، بل هو الإنسان نفسه. العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشّرون (لو22:7).

صحيح أنّ المسيح لم ينقض الناموس ولا الشريعة، ولكنّه بالمقابل ذكّر اليهود والفريسيين أن الله جعل السبت لخدمة الإنسان وليس العكس. وصحيح أنّه علمّنا احترام الهيكل وحرمته، إلّا أنّه أكّد أنّه يريد أن يسكن في قلوبنا.”أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا” (إرميا 33:31).

2- خاتمة أنبياء العهد القديم

هو آخر نبيّ أعلن مجيء الرّب يسوع فكان وسيطًا بين العهدين القديم والجديد.

الأناجيل الأربعة ذكرته بدورها

فجاء في بدء إنجيل مرقس ما يلي:”صوت صارخ في البرية، كما هو مكتوب في الأنبياء: «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. صوتُ صارخٍ في البريّة:أعدّوا طريق الربّ، اصنعوا سبله مستقيمة».(مرقس٢:١)

كذلك نقرأ في إنجيل متى:”توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات. فان هذا هو الذي قيل عنه باشعياء النبي:”صوت صارخ في البرية: اعدوا طريق الرب. اصنعوا سبله مستقيمة” (متى 1:3)

وأيضًا في إنجيل لوقا: “فجاء (يوحنا) إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. كما هو مكتوب في سفر أشعياء النبي: “صوتُ صارخٍ في البريّة أعدّوا طريق الرّب اصنعوا سبله مستقيمة. كلّ واد يمتلئ وكلّ جبل واكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقَا سهلة ويبصر كلّ بشر خلاص الله”. (3:3-6)

وخاتمةً في إنجيل يوحنا في الإصحاح الاوّل:”وهذه هي شهادة يوحنا، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه:«من أنت؟» 20 فاعترف ولم ينكر، وأقر”اني لست أنا المسيح”. 21 فسألوه:”اذًا ماذا؟ ايليا أنت؟” فقال:”لست أنا”. “النبي انت؟” فاجاب:”لا”. 22 فقالوا له:”من أنت، لنعطي جوابًا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟” 23 قال:”أنا صوت صارخ في البرية: قوموا طريق الرّب، كما قال اشعياء النبي”

3- السابق Πρόδρομος

كلمة سابق تعني الذي يأتي قبله:  هذه هي قداسته أنّه إعتبر نفسه لا شيء أمام إلهه.

“وكان يكرز قائلاً: ” يأتي بعدي من هو أقوى منّي الذي لست أهلاً أن أنحني وأحلّ سيور حذائه. أنّا عمدتكم بالماء وأمّا هو فسيعمّدكم بالروح القدس”. (مرقس 6:1)

“لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ[u1] .”(يو3: 28-30)

كونه السابق نشاهد دائمًا في الإيقونسطاس (أي حامل الأيقونات) أيقونة القدّيس يوحنا المعمدان على يسار أيقونة السيّد أيّ الرّب يسوع.

4- الصابغ

كلمة الصابغ مشتقّة من فعل صبغ وهذا يعني التغطيس الكامل من أجل محو ما هو قديم وأخذ حلّةً جديدة.

ولهذا الفعل معنى لاهوتيٍ كبير جدًا في المسيحية فهو يشير إلى موت وقيامة يسوع.

جواب يسوع لابني زبدة  بشأن طلبهما الجلوس عن عن يمينه وعن يساره، هو خير جواب لكلمة اصطباغ ويعطي المعنى الكامل والحقيقي لفعل صبغ وكلمة ” الصابغ”: “لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟” قالا له: نستطيع. فقال لهما: “أمّا كأسي فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان. وأمّا الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه الاّ للذين أعد لهم من أبي” (متى:22:20)

فعل ” صبغ ”  باللغة اليونانيّة βαπτίζω Baptízō وترجم إلى اللغة الإنكليزية To Baptize.

وإذا امعنا النظر لوجدنا ما يلي:”هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار” (مت 11:3). النار هي حارقة الخطايا وأيضًا هي قوّةً. فعمادة الرّب لا تعادلها أي معمودية أخرى. وهذا ما قاله قبلً النبي أشعياء:”إذا غسل السيّد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق (أش4:4)”

الخصائص المشتركة في أيقونات القدّيس يوحنا المعمدان

 رشاقة قامته كان طعامه جراداً وعسلاً  برّيًا.

– الطابع النسكي كان مجاهداً من أجل الله ودائم الإستعداد.

– الاستشهاد لم يساوم على الحق وفال لهيرودس جهارًا خطيئته.

( صفحة البطريركية بتصرف)

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *