«الهارب».. تاريخ ورمز سياسى ودينى

«الهارب».. تاريخ ورمز سياسى ودينى

الموسيقى لغة تخاطب وجدان ومشاعر البشر، ولن تخطئ أذن تستمع إلى موسيقى فى التمييز وفهم الرسالة التى توصلها، سواء أكانت موسيقى حزينة أو سعيدة أو حماسية أو عسكرية، أوغيرها.

 

الهارب
الهارب

بحثت الشعوب عن الخلود وأرادت إيصال رسائلها بصوت عالٍ، فكانت الموسيقى قادرة على صنع كل شىء، فيما يتعلق بحالتها الإنسانية، مترجمة حزنها أو فرحها أو حاجتها فى لوحات بديعة وغير مكتوبة ومحسوبة بدقة متناهية، تتناسب بشكل متناه ودقيق مع الحالة الوجدانية والذوقية ومنسجمة مع محيطها البيئى والتراثى.

لكل آلة موسيقية قصة، لكن هناك آلات ترتبط أكثر بثقافات وتراث الشعوب مثل آلة ” الهارب الشاعرية، والتى قلما تجد رجلا يعزف عليها فهى مرتبطة بالنساء العازفات بشكل خاص، كما أن الثقافات صورت الهارب بأنه آلة شاعرية ملائكية مرتبط بالوجد وقصص الحب.

الأصل التار

وبالعودة لأصل تلك الآلة الموسيقية، سنجد أنه تم العثور على أقرب الآلات شبها بالهارب لدى السومريين عام 3500 قبل الميلاد، وعثر على العديد من الأوتار فى المقابر الملكية فى أور، كما ظهرت فى لوحات جدران المقابر المصرية التى يرجع تاريخها إلى وقت مبكر حوالى 3000 قبل الميلاد، والتى تظهر أداة تشبه قوس الصياد، دون الركيزة التى نجدها فى الآلات الحديثة للهارب، وازدهرت الآلة فى بلاد فارس تشانج وتطورت إلى أشكال كثيرة، حتى القرن 17.

تتألف الآلة منذ بدايتها من ثلاثة أجزاء رئيسية؛ صندوق الصوت والرقبة والأوتار، وتختلف عن سائر الآلات الوترية فى أن أوتارها تنزل عمودية على صندوقها المصوت.

الهارب
الهارب

 

وتعتمد آلة الهارب على تجويف مجفف من الخشب، تشد عليه الأوتار فتصدر رنينا، وهذه الآلة كانت تتوظف فى الطقوس الدينية فى المعابد والاحتفالات مع الرقص، ومع تأثر الحضارات ببعضها، تنقلت الآلة وظهرت فى حضارات أخرى مثل الحضارة الآشورية وحضارة ما بين النهرين، ثم ظهرت فى آسيا ثم عند الإغريق، الذين صنعوا آلة مشابهة تسمى “آلة اللير” ثم انتقلت إلى الرومان ومنها إلى أوروبا حتى أصبحت من الآلات الكلاسيكية الأوروبية الشهيرة المهمة وجودها فى الأوركسترا والعزف المنفرد.

تطورت عند القدماء المصريين؛ فكبر حجمها وزاد عدد أوتارها وصنعت لها المفاتيح التى تثبت فيها الأوتار من العاج ومن الأبنوس، وذلك فى الأسرة العشرين، ويثبت ذلك نقش لآلتين من هذا النوع ضمن نقوش هذه الأسرة بمقبرة رمسيس الثالث، وهما أكبر حجما من الإنسان وغنيتان بالزخارف، وينتهى صندوق إحداهما برأس أبى الهول، يعلوه التاج الملكى المزدوج للوجهين البحرى والقبلى، وينتهى صندوق الثانية برأس يعلوه تاج الوجه البحرى.

الهارب
الهارب

قصة الهارب

عرف القدماء المصريون أنواعا مختلفة من هذا الآلات، أهمها “الصنج المنحنى وذو الحامل والكتفى والزاوى وغيرها”، وأوتار هذه الأنواع كلها تعزف مطلقة.. انتقلت هذه الآلات من مصر وانتشرت فى الممالك القديمة، ومنها انتقلت إلى البلاد الأوروبية فى العصور الوسطى، وشغف بالعزف عليها الشعراء المغنون المتجولون، وكانت فى ذلك الوقت ذات سبعة أوتار، يخصص كل وتر منها لنغمة من السلم الموسيقى، وظل الأمر على هذا الحال حتى النصف الثانى من القرن السابع عشر، حيث صنع “الهارب ذو الملاوى”، حيث يمكن عن طريق إدارتها باليد تغيير ضبط الوتر.

الهارب
الهارب

لم تهتد أوروبا إلى صناعة الهارب الحديث ذى الدواسات إلا فى أوائل القرن الثامن عشر، حيث أصبح فى مقدور العازف أثناء الأداء رفع أو خفض ضبط الوتر عن طريق الدواسات، وبعد قرن كامل أمكن استخدام الهارب بسهولة بعد صناعة الدواسات المزدوجة، وعندها أمكن إدخال الآلة فى الأوركسترا السيمفونى، وتراوح عدد أوتارها بين 45 و48 وترا، واشتهرت النساء بعزف الهارب، أشهرن عازفات الهارب المصريات ناهد ذكرى، وسميرة ميشيل، ومنال محيى الدين.

 

شكل الآلة

آلة الهارب مستمدة من القوس الموسيقى البدائى، وشاعت شيوعا عظيما فى القرون الوسطى، ثم فقدت شعبيتها حتى القرن الثامن عشر، عندما فكر صانع الآلات الموسيقية الألمانى هوخ بروكر فى تجهيزه آلة الهارب بدواسات تتحكم فى أطوال الأوتار. وفى عام 1686 طور الفرنسى سباستيان إيرارد هذا النظام، وبدأ منذ عام 1801 فى تصنيع أولى الآلات الهارب ذات الحركة المزدوجة، فسميت باسمه “هارب إيرارد”.

الهارب
الهارب

 

يبلغ طول الهارب فى شكله الحالى 170 سم، ومجاله الصوتى ستة أوكتافات ونصف، ويوجد فى أسفله دواسة تدعى “بيدال”، وذلك من أجل عزف بعض العلامات الموسيقية الخاصة كالدييزات أو البيمولات، والآلة من الآلات الموسيقية الهامة فى الفرق السمفونية وفرق الأوبرا، كما تستخدم أحيانًا مع فرق موسيقى الحجرة لإضفاء انطباع خاص، وهى منتشرة اليوم فى أوربا على نطاق واسع.

آلة الهارب لها خصوصية شديدة جدًا، فتنقسم الآلات إلى وترية وخشبية وآلات نفخ نحاسية وأيضًا البيانو، لكن الهارب يعتبر من الآلات النبرية مثل القانون ووليس له شبيه فى الآلات الكلاسيكية، وهو آلة وترية تحتوى على 45 وترًا، عبارة عن هيكل مثلث الشكل وطويل، ويتم العزف عليه يدويا بينما تضبط 7 بدالات فى أسفل الهارب فتتحكم بقوة شد الأوتار حسب النغمات الموسيقية المراد عزفها، وهى غير منتشرة نظرًا لارتفاع سعرها حيث يصل إلى أكثر من 70 ألف جنيه فى مصر.

العصور الوسطى

ظهر الهارب فى العصور الوسطى فى أوروبا الغربية، فى الفترة بين القرنين الثامن والعشر الميلادى، واحتوى وقتها على عشرة أوتار فقط إضافة إلى صندوق الصوت، ووصل الهارب إلى إيرلندا فى القرن الرابع عشر، وتم تطويره وتزويده بحوالى 30 و 36 وترا من النحاس الأصفر.

وخلال العصور الوسطى، أضيف عمود لدعم الأوتار، واستخدمت مواد صلبة مختلفة لصناعة الأوتار مثل النحاس الأصفر ومكنت هذه التغييرات من تطوير الأداة، ولإنتاج أحجام أكبر بنغمات أقوى.

تطور ومعالجة

أقرب تصوير معروف لإطار الهارب موجود فى الجزر البريطانية على حجر يرجع إلى القرن الثامن، وكانت الموسيقى جزءا هاما من الحياة فى أيرلندا القديمة، وكانت الهارب أداة الطبقة الأرستقراطية والنبلاء، لعبت للملوك وفى المحاكم، وكان قادرا على استحضار ثلاثة مشاعر مختلفة فى الجمهور: ضحك ودموع ونوم، وأصبحت بعد ذلك آلة شعبية يستخدمها المنشدون والموسيقيين فى الشارع مع إلقاء الشعر والغناء الشعبى.

واستخدم الهارب كرمز سياسى فى أيرلندا لعدة قرون، ومصدره غير معروف وكل الأدلة المتوفرة هى من الأدب الشفوى والكتابى القديم، فقد كان حاضرا بشكل أو آخر على الأقل منذ القرن السادس أو قبل ذلك، ووفقا للتقاليد، فإن ملك إيرلندا، بريان بورو لعب الهارب، كما فعل كثير من النبلاء فى البلاد فى ذلك الوقت، واعتمد الهارب كرمز لمملكة أيرلندا على العملة من 1542.

 

وتستخدم شركة جينيس للبيرة الأيرلندية الهارب شعارا لها، ومنظمات أخرى داخل أيرلندا، مثل الجامعة الوطنية فى أيرلندا، وجامعة كلية دبلن المرتبطة بها، كما أن للهارب دلالة دينية فى المسيحية.

بعض المصادر تفيد بأن هوتشبركر جاكوب، هو الذى أدخل الدواسات للهارب أول مرة عام 1697، وفى عام 1807 تم تطوير الدواسات ونالت براءة اختراع جرول تشارلز، ووسعت الدواسات من قدرات القيثارة للتحكم فى النغمات والسلم الموسيقى، ما أتاح لها دخول تدريجى لها في الأوركسترا الكلاسيكية فى القرن الثامن عشر.

الهارب لعب دورا صغيرا فى الموسيقى الكلاسيكية، وفى وقت مبكر استخدمه موزارت أو بيتهوفن، وسيزار فرانك فى سمفونيته لعام 1888 التى وصفت بأنها “ثورية”. وبدخول القرن 20، استخدم الهارب فى الموسيقى الكلاسيكية، وأدخله كاسبر ريردون إلى موسيقى الجاز، واستخدمه البيتلز سنة 1967.

بتدا/ غادة قدري

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *