ترتيلة المرأة الخاطئة

ترتيلة المرأة الخاطئة

ترتيلة المرأة الخاطئة

مـا قصـة ترتيـلة: إن المـرأة التـي سقـطت فـي خـطـايـا كثـيـرة، التـي نصليـهـا في الختن الثالث؟!..

من كتب تلك الترتيلة الخالدة ؟

من أجمل التراتيل التي من الممكن سماعها هي تلك التي ترتل يوم الثلاثاء العظيم والتي تعرف بترنيمة كاسياني وتجعل المرتلين يحلقون في ادائها عابرين السماء للوصول الى مجد الهنا الرب يسوع المسيح في الفردوس، وتجعل المؤمنين خاشعون مندهشون من عذوبة الكلمات واللحن  ويطربون وايما طرب…
هذه الترتيلة التي تعد من الروائع السبع الارثوذكسية هي منسوبة للقديسة كاسياني كاتبة التسابيح التي كتبتها. والأجمل هي قصة هذه الطروبارية وهذه قصتها:
علمنا من مؤرخ الكرونوغراف الرومي سيميون ماجيستروس (990 م) أن إفروسيني ، والدة الإمبراطور ثيوفيلوس وابنة قسطنطين السادس ، في محاولتها ان تُزَوّج ابنها ، في عام 830 م ، نظّمت في قاعة تريكليني المهيبة لقصور القسطنطينية تجمع كبير لأجمل فتيات الإمبراطورية. كان الحضور كبيرًا من “العذارى الجميلات”. وعندما اصطففن، جالسين على أرائك فاخرة، جاء الإمبراطور ثيوفيلوس أمامهن ليختار زوجته وإمبراطورة المستقبل، ويعطي لمن يختار تفاحة ذهبية.
القديسة كاسياني كانت راهبة في هذه المرحلة وعندما سمعت الخبر وهي كانت شديدة الجمال ملمة بالشعر والمنطق ورجاحة العقل فرأت بأنها قد تكون الامبراطورة وبذلك تساعد الفقراء وتبني الكنائس وتعيش حياة مليئة برفاهية .
اعتذرت من رئيسة الدير التي عارضتها وترجتها كثيراً ان تتراجع عن قرارها وبينت لها انها تخون السيد بهذا العمل
لكنها لم تسمع فخلعت اللباس الرهباني وتركت قلايتها وانطلقت إلى الحياة …… في يوم الحفل ذهبت الى القصر.
الأجمل كانت كاسياني التي أبهر جمالها الشاب ثيوفيلوس. وبالفعل لفتت نظر الامبراطور ….
ووقعت عينه عليها فأعجبته، فقال لها باللغة الرومية :
“بالمرأة حصل الأسوأ” … في إشارة منه لحوّاء…
ترتيلة المرأة الخاطئة
ترتيلة المرأة الخاطئة
فأجابته:
“وبالمرأة حصل الأفضل”… في إشارة منها لوالدة الاله…
لكن هذا الجواب أحرج الامبراطور، فاختار غيرها … ثيوذورا… زوجة له.
ومع ذلك ، وصف ثيوفيلوس هذه الإجابة الذكية حقًا بأنها تحتوي على بعض التظاهر والسطحية ، لذا فقد أعطى التفاحة لثيودورا الجميلة أيضًا ولكن المتواضعة أيضًا.
تأثرت القديسة وبكت ورأت انها خسرت نذورها وخسرت نفسها ولم تصبح امبراطورة
طلبت من الراهبة الام العودة الى الدير ….وافقت الام الراهبة بعدتها شرط ان تعود مبتدئة وتأخذ غرفة بجانب الباب الرئيسي للدير وليس في قلايات الراهبات
لكن الامبراطور لم يستطيع ان ينساها وبدأ يبحث عنها في كل مكان. وتوقع ان تكون مختبئة بأحد الاديار وصل للدير، وبالرغم من احتجاج الأم الرئيسة والراهبات، الا انه دخل الى الدير واقتحم قلالي الراهبات… وقد وصل الخبر اليها وكانت تكتب طروبارية “المرأة الخاطئة” على النحو التالي، وفيها تشبه ذاتها بتلك المرأة الخاطئة وتستذكر قصتها الواردة في الانجيل المقدس:
” يارب ان المراة التي سقطت في خطايا كثيرة لما شعرت بلاهوتك اتخذت رتبة حاملات الطيب (وهي تقصد بحاملات الطيب النسوة مريم ام يسوع ومريم المجدلية وسالومي… اللواتي اتين باكراً الى القبر ليطيبن جسد يسوع على عادة اليهود) ووصفت حالة الخاطئة وكتبت: “…وقدمت لك طيوباً قبل الدفن منتحبة وهاتفة: “ويحي لقد حصل لي شغف الفجور وعشق الخطيئة ليلاً قاتماً فاقد الضياء، فاقبل ينابيع دموعي يامن يجتذب البحر بالسحب وانعطف لزفرات قلبي يامن احنيت السموات بتنازلك الذي لا يدرك، فأقبل قدميك الطاهرتين وأنشفهما بضفائر رأسي، اللتين لما طن صوت وطئهما في مسامع حواء في الفردوس.” هنا دخل الملك الى قلايتها وكانت قد اختفت من وجهه فنظر الى الطاولة وشاهد الورقة ( بابيروس ) والقلم ودواة الحبر مكشوفة فقرأ ما كتبت، وعندما وصل الى آخر كلمة كتبتها قبل دخوله واختفائها وان ذلك بسببه … أماهو فمسك القلم وأضاف بخط يده هذه العبارة الواقعية:” جزعت واستترت خوفاً”
ووضع القلم وانصرف وقد بات مقتنعاً بأنها لاتريده وعندها انصرف وحراسه من الدير… وعندما انصرف ، خرجت من مخبأها وقرأت ما أضافه، وتيقنت بدورها انه فهم المقصود، فاطمأنت وأضافت الجملة الأخيرة على خاطرتها هذه :” فمن يفحص كثرة خطاياي ولجج أحكامك، فيا مخلصي المنقذ نفسي لا تعرض عني أنا عبدتك، يا من له الرحمة التي لاتُحصى.”
———————-
إنّ المرأة الخاطئة – قطعة مستقلّة النّغم نظم الراهبة كاسياني المتوحّدة باللحن الثّامن – وقد استوحت المتوحدة كاسياني حادثة سكب المرأة الخاطئة الطيب على السيد في هذه الترنيمة
يا رب إن المرأة التي سقطت في خطايا كثيرة لما شعرت بلاهوتك اتخذت رتبة حاملات الطيب وقدمت لك طيوبا قبل الدفن منتحبة وهاتفة : ويحي لقد حصل لي شغف الفجور وعشق الخطيئة ليلا قاتما فاقد الضياء، فاقبل ينابيع دموعي يا من يجتذب مياه البحر بالسحب وانعطف لزفرات قلبي يا من أحني السموات بتنازله الذي لا يدرك، فأقبل قدميك الطاهرتين وأنشفهما بضفائر رأسي، اللتين لما طن صوت وطئهما في مسامع حواء في الفردوس جزعت واستترت خوفا. فمن يفحص كثرة خطاياي ولجج أحكامك. فيا مخلصي المنقذ نفسي لا تعرض عني أنا عبدتك، يا من له المراحم التي لا تحصى.
“يا رب إن المرأة التي سقطت في خطايا كثيرة، لما شعرت بلاهوتك، اتخذت رتبة حاملات الطيب، وقدّمت لك طيوباً قبل الدفن منتحبة، وهاتفة: ويحي، لقد حصل لي شغف الفجور وعشق الخطيئة ليلاً قاتماً فاقد الضياء، فاقبل ينابيع دموعي،
يا مـَنْ يجتذب مياه البحر بالسحب، وانعطف، لزفـرات قلبي
يا من أحنيت السموات بتنازلك الذي لا يدرك، فأقبّل قدميـك الطاهرتين وأنشفهما بضفائر رأسي، اللتين لما طـنَّ صـوت وطئهما في مسامـع حواء في الفردوس، جزعـت واستتـرت خوفـاً. فمن يفحـص كثـرة خطـاياي “ولجـج أحكـامك”. فيـا مخلصي، المنقذ نفسي، لا تعرض عني أنا عبدتك، يا من له المراحم التي لا تحصى.”
ترتيلة المرأة الخاطئة
ترتيلة المرأة الخاطئة

المرأة الخاطئة وسكب الطيب على السيد

علمتُ بأنّ رجلاً فرّيسيًّا قد أولم ليسوع في منزله. لم أتلقَّ دعوةً رسميّة! وعلى ذلك، حملتُ نفسي، وأخذتُ معي قارورة طيب، واقتحمتُ المكان الذي اتّكأ فيه. حسنُ اللياقات! ما لي ولحسن اللياقات! أقوال الناس! ما لي ولما سيقوله الناس! ما يهمّني، كلّ ما يهمّني، أن يتوب  يسوع عليَّ (لوقا 7: 36- 50)!
عندما دخلتُ، رميتُ نفسي أمامه، أبكي، وأمسح قدميه بضفائر رأسي، وأدهنهما بالطيب الذي معي. وقفتُ من خلف، وأقمتُ طقسي بإتقان ورع! كنتُ أودّ أن يتقدّم عملي وجهي! لم أمثّل. لو كنتُ أريد التمثيل، لَمَا أتيت إلى هنا! هل أردتُ أن تخفي رائحة الطيب رائحة نجاستي؟ نعم، ولا! نعم، لكون هذا واقعي الذي قدّمتُهُ إلى قدميه. ولا، لكون  يسوع يستحقّ كلّ التكريم منّي ومن سوايَ.

 

لم يكلّمني  يسوع. لم يرفضني، ولم يكلّمني. بقيتُ في مكاني. وسمعتُهُ يقول لمضيفه “إنّ عندي شيئًا أقوله لك”. وقال ذاك: “قل، يا معلّم”. لم أسأل نفسي: لِمَ لم يكلّمني أنا، بل هو؟ فأنّى لامرأةٍ مثلي أن تنتظر أن يكلّمها  يسوع؟ شكرت لله أنّه لم يطردني، أنّه لم يعتبر دخولي عليه تطفّلاً؟ وأخذ  يسوع يخبر قصّةً عن “مَديونين كان لمُداينهما على أحدهما خمسمائة دينار (أي ما يوازي أجرة عمل فلاح خمسمائة يوم!) وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان، سامحهما كليهما”. سمعتُهُ بانتباه صامت. ولمع ببالي أنّ ما قاله كان لي ولمضيفه بآن! أيضًا، لم أسأل نفسي: لِمَ أخبرنا هذه القصّة؟ شعرتُ بأنّه يردّ على أمر، قاله سمعان، لم أسمعه؟! وماذا سيقول فرّيسيّ؟ هل سوى أنّني امرأة خاطئة؟ أنا لا ألومه! وبصدق، قَبْلَ أن يختم  يسوع قصّته بسؤاله مضيفه: “أيّهما يكون أكثر حبًّا له؟”، نزلتْ القصّة سلامًا عليَّ، وأدركتُ أنّني بين يدين أمينتين. كيف أدركت؟ مَن يرني، يعرف! موقعي! أجل، موقعي! فأنا كنتُ ما زلتُ عند قدميه! لم تكن لي خبرةَ مَن يرتضون الكلمة من فوق. وهناك، أمام قدميه، أُنعم عليَّ بأن أختبر! ومن أسفل أيضًا، سمعتُ سمعان يجيبه: “أظنّه ذاك الذي سامحه بالأكثر”. وسمعتُ  يسوع يبارك له صواب حكمته!

من موقعي، عدتُ لا أعرف من أين ينبع العطر. من القارورة. من قدميه. من فمه. غدا البيت كلّه عطرًا. وأخذتُ أترنّح من شدّة تضوّعه. وزاد على ترنّحي أنّني سمعتُ  يسوع يكلّم سمعانَ مضيفَهُ من جديد إنّما فيما وجهه إليَّ! أنا في موقعي، عيناي إلى قدميه، عرفتُ من عطر فمه أنّ وجهه إليَّ! قال له: “أترى هذه المرأة (لا بدّ من أنّه أشار إليَّ!). أنا دخلتُ بيتك فلم تسكب عليَّ ماءً، وهذه بلّت رجليَّ بالدموع، ومسحتهما بشعر رأسها. أنت لم تقبّلني، وهذه، منذ دخلتُ، لم تكفَّ عن تقبيل قدميَّ. أنت لم تدهن رأسي بزيت، وهذه دهنت قدميَّ بالطيب”. أعاد طقسي (حركةً حركة)! ارتضى طقسي! كدتُ أجنّ من الفرح! كدتُ أقول في نفسي: قتلكِ الله، يا امرأة، هل كنتِ تتصوّرين أنّك ستغدين موضوع مقابلة؟! ومَن يروي الموضوع؟  يسوع الذي أتيتُ إليه صاغرةً لا ترجين منه سوى أن يقبل توبتك! يا لهنائك! هل سمعتِهِ؟ هل تنشّقتِ عطرَ تقبُّلِهِ ما فعلتِهِ؟ ابقي في مكانك! إيّاكِ أن تبتعدي! كنتِ تحسبين أنّك قد أتيتِ، لتغسلي قدميه بعطرك. وها هو يعطّرك كلّك من أعلى رأسك حتّى أخمص قدميك! أنتِ لم يمرّ ببالك هذا النوع من الاستحمام قَبْلاً! وكان لكِ عطرُهُ حميمًا بدلاً من الماء! هل سمعتِهِ جيّدًا؟ اعتبركِ أنتِ مضيفته! غدوتِ صاحبة الدار الذي ينزل فيه! لا تقولي، بعدُ، إنّك غير مدعوّة رسميًّا! إيّاك أن تعتبري أنّك مدنّسة لا علاقة لك بموائد الأبرار! هل سمعتِ ما قاله؟ البيت بيتك! فافرحي بقبوله أن تستضيفيه في بيتك أنت!
كان وجهه ما زال يفيض عطرًا عليَّ. كدتُ أغرق في بحر عطره! وانتشلني! لا، بل زادني ترنّحًا بقوله لسمعان عنّي: “أقول لكَ إنّ خطاياها الكثيرة مغفورة لها، لأنّها أحبّت كثيرًا. والذي يُغفَر له قليل يُحِبّ قليلاً”. ثمّ وجّه كلامه إليَّ بفمِهِ عينِهِ، بعطرِهِ عينِهِ. قال: “مغفورة لك خطاياك”!

لم أنتبه إلى سوى أنّني أسبح في بحر من العطر. هي دعوة إلى طعام! أعرف! تضمّ أشخاصًا عديدين! أعرف! بتُّ مدعوّة (أو صاحبة الدعوة!)! أعرف، أعرف! ولكنّني لم أنتبه. كنتُ كما لو أنّني، وحدي، أسبح، في بحر قدميه، تدفعني أمواج حوار، يجري فوقي، إلى دخول عمق لم أعهده من قَبْلُ! وردّتني إلى القاعة، التي كنّا فيها، أصواتُ بعض المتّكئين معه، كلّ المتّكئين، تهمس تستفسر: “مَن هذا الذي يغفر الخطايا أيضًا؟”. لم أقدر على أن أتبيّن إن كان هذا الهمس اعتراضًا. وإن كان، فعاد لا يهمّني. أنا لم أقتحمه كُرمى للناس، بل كُرمى له وحده. الذي يقوله هو، هو ما يهمّني. هل يتصوّرون أنّني لم أكن واثقةً بأنّه يغفر الخطايا؟ الخطأة يعرفون، قَبْلَ سواهم، مَن يقدر على المغفرة! وأنا أتيتُ إليه! أنا أحبّه كثيرًا. هو مَن قال. وعلامة الحبّ الكثير غفران كثير. إنّها النتيجة التي تليق بالحبّ!

ثمّ أضاف إلى عطري عطرًا بقوله: “إيمانك خلّصك، فاذهبي بسلام”. هل كان يردّ على الذين تهامسوا؟ بصدق، لا أعرف! ما أعرفه أنّه ارتضى إيماني، وسالمني. كلّ الذين كانوا متّكئين إلى مائدة سمعان أكلوا من طعامه. أمّا أنا، فأطعمني ذلك السِفر الذي كتب فيه أنّه يحبّني! المتّكئون، بعد أن غفر لي، كلّهم انشغلوا بالهمس. أمّا أنا، فلم أوقف انشغالي بالعطر! أتيتُ أحمل عطرًا يزول. وسكب عليَّ عطر رحمته. أتيتُ غريبةً منبوذة. وصرفني بعد أن ارتضى حبّي له وإيماني به، ليبقى عطره عليَّ عطرًا لا يزول!

فبشفاعـات القديسة كَسْيـاني أيهـا المسيـح إلهنـا، ارحمـنا وخلصنـا، آميــن.