جداريّة البشارة.(القرن الثالث المسيحي)

جداريّة البشارة.(القرن الثالث المسيحي)

جداريّة البشارة.(القرن الثالث المسيحي)

العَلاقَةُ بينَ المُؤمِنِ والأيقُونَةِ وَطِيدةٌ جِدًّا وهي مُتَجَذِّرَةٌ في عُمقِ الإيمانِ المَسيحيّ مُنذُ الأيَّامِ الأُولى لِلمَسيحِيَّة، فهناك جداريّات عديدة تعود إلى القرون الثلاثة الأولى تم عرضها.
ففي دياميس روما وتحديدًا دياميس بريسكيلا، نشاهد جداريّة في السقف لعيد البشارة مِن القرن الثالث المسيحي تظهر ملاكًا ليس له أجنحة كما عاد وساد لاحقًا، يمد يده نحو والدة الإله وهي جالسة على العرش.

للتذكير جلوس والدة الإله على العرش هو أقدم التصاوير لوالدة الإله.

جداريّة البشارة.(القرن الثالث المسيحي)
جداريّة البشارة.(القرن الثالث المسيحي)
تعتبر هذه الجداريّة مِن أقدم التصاوير لحدث البشارة الإلهيّ. كما تؤكّد كغيرها مِن الجداريّات القديمة جدًا التي تظهر فيها والدة الإله، مكانة العذراء مريم منذ البدء عند الجماعات المسيحيّة الأولى، فنحن نكرّم القدّيسين وهي أولهم، ونعبد الرب الخالق.
حركة الملاك تترجم ما قاله لوقا الإنجيلي: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». (٣١:٣١-٣٣).
الملاك هو جبرائيل الذي ذكره الإنجيلي لوقا وتكلّم عنه النبي دانيال: “وَكَانَ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَا دَانِيآلَ الرُّؤْيَا وَطَلَبْتُ الْمَعْنَى، إِذَا بِشِبْهِ إِنْسَانٍ وَاقِفٍ قُبَالَتِي. وَسَمِعْتُ صَوْتَ إِنْسَانٍ بَيْنَ أُولاَيَ، فَنَادَى وَقَالَ: «يَا جِبْرَائِيلُ، فَهِّمْ هذَا الرَّجُلَ الرُّؤْيَا». فَجَاءَ إِلَى حَيْثُ وَقَفْتُ، وَلَمَّا جَاءَ خِفْتُ وَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي. فَقَالَ لِي: «افْهَمْ يَا ابْنَ آدَمَ. إِنَّ الرُّؤْيَا لِوَقْتِ الْمُنْتَهَى». (١٥:٨-١٨).
وهذا ما عاد وأكّده بولس الرسول: “ولَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ” (غلاطية ٤:٤).
فوقت الْمُنْتَهَى ومِلْءُ الزَّمَانِ يكتملان بالرب يسوع المسيح وكلّ تدبيره الخلاصي، مِن تجسّده إلى المجيء الثاني العظيم.
وتكريم والدة الإله أعلنته الكنيسة جليًّا في مجمع أفسس عام ٤٣١م.
وهناك فسيفساء جميلة جدًا لحدث البشارة في سانتا ماريا ماجوري – روما، معاصرة لهذا المجمع، إذ كانت زخرفة الكنائس المسيحيّة المبكّرة، وخاصة البازيليكا، في الغالب بالفسيفساء.
نشاهد في هذه الفسيفساء والدة الإله جالسة كإمبراطورة على العرش، وتحت رجليها منصّة إشارة لرفع مكانتها، وترتدي فستانًا ذهبيًّا فخمًا وهي مرصّعة بالجواهر، ويحيط بها الملائكة بلباس أبيض برّاق وحول رأسهم هالة القداسة.
ويوجد فوقها مِن جهة اليسار حمامة متّجهة نحوها إشارة إلى الروح القدس الذي حلّ عليها.

وفوقها مِن جهة اليمين ملاك، وهو الملاك جبرائيل، يطير نحوها بجناحيه.

جداريّة البشارة.(القرن الثالث المسيحي)
جداريّة البشارة.(القرن الثالث المسيحي)
وفي الجهة اليمنى ملاك يشرح ليوسف خطيب مريم انطلاقا ممّا ذكره متّى الإنجيليّ: “وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: “يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.”(متى ٢٠:١-٢٣).
ملاحظة: عدم وجود هالة القداسة حول رأس والدة الإله ويوسف خطيب مريم لا يعني أنّهما ليسا قدّيسين، بل لأن الهالة لم تكن بعد قد أصبحت شائعة كما سنراها بعد قرنين تقريبًا.
خلاصة، الفن الكنسيّ هو مِن صميم الإيمان المسيحيّ منذ البداية. فكما الكَلِمَةُ المَكتُوبَةُ في الأناجِيلِ، كَذلكَ هِيَ الكَلِمَةُ المَرسُومَةُ في الأيقُونة. وكما أنَّ الإنجيلَ مُقَدَّسٌ، فالأيقُونَةُ أيضًا مُقَدَّسة. ومَن أساءَ الفَهمَ تَقولُ له الكَنيسةُ، لَيسَ الوَرَقُ في الكِتابِ المُقَدَّسِ مُقَدَّسًا ولا الحِبرُ، بل مَا تَحمِلُهُ الكَلِماتُ مِن معانٍ

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *