نواعير حماه

حماه من أقدم المدن المأهولة في التاريخ

حماه من أقدم المدن المأهولة في التاريخ

 مدخل 
منذ العصر الحجري الوسيط (7000ق.م.)، كانت الحياة البشرية عبارة عن حياة بدائية بسيطة، حيث كانت التجمعات البشرية غالباً في الكهوف والمغاور سهلة الحماية والقريبة من مصادر المياه، ومن ثم انتقلت إلى تجمعات سكنية بسيطة بعد اكتشاف الزراعة في العصر الحجري الحديث (5000 ق.م.) حيث ظهرت التجمعات والمجتمعات الإنسانية شبه المنظمة والمكتفية ذاتياً ، وبدأ تشكل نواة ما يطلق عليه اسم “المدينة”.
اكتُشف وفي مواقع متعددة ضمن مدينة حماه الحالية عدة آثار تعود إلى الفترات المذكورة
، سواء في المغاور الموجودة ضمن منطقة “جرف الجراجمة” أو في منطقة “الشير”، أو من خلال الآثار التي وجدتها البعثة الدانماركية التي نقبت في منطقة قلعة حماه.

ومن الجدير بالذكر أن مدينة حماه تتكون من عدة طبقات وما يعرف منها سبع طبقات فقط، أما حفريات وتنقيبات القلعة فقد أظهرت أنها تبلغ ثلاث عشرة طبقة.
 الموقع

تقع المدينة ضمن منطقة الهضاب الكلسية التي حددت مسار نهر العاصي في المناطق الوسطى من البلاد، وبجوار منطقة سهل الغاب ( الذي كان غابات مليئة بالحيوانات) مما اكسبها استقراراً اجتماعياً واقتصادياً وزراعياً وسياسياً تنظيمياً، وجعلها مكتفية ذاتياً.
وتقع أيضاً على مسار الطريق الرئيسي الطبيعي الذي يربط السهول الشمالية مع السهول الجنوبية للبلاد، وعلى مسار الطريق الرئيسي الطبيعي الذي يربط السهول الشرقية مع الجبال الغربية والسهول الساحلية. هذا عدا عن قربها من تخوم البادية السورية (التي كانت غابات وأراض خصبة). مما أكسب المدينة أهمية استراتيجية كبيرة على مدى التاريخ.
 الاسم 
ورد في مكتشفات وثائق ” إيبلا ” أن الاسم القديم لحماه كان ” إيمات “، ويعود الاسم – حماه – إلى المصدر اللغوي الآرامي الشرقي من اسم ” حاماثا ” او”حامات” الذي يعني القلعة أو الحصن، حيث كانت أدوات التعريف في اللغة الآرامية ( ث + ا ) تتوضع في آخر الكلمة، (كما عرفت لاحقاً باسم ” آرام حاماث ” كما “آرام دمشق” و”آرام بيت عديني”)، ومع مرور الزمن وتغير اللهجة وتطور اللغة أهملت أدوات التعريف وأصبح الاسم المعتمد هو ” حماه “. اطلق عليها زمن السلوقيين اسم ” ابيفانية” نسبة للإمبراطور”انطوخيوس أبيفانيوس”، واستمر هذا الاسم مترافقاً مع اسمها الأساسي إلى ما بعد العصرين الروماني والبيزنطي حيث اقتصر على ” حماه ” فقط
.

مدينة النواعير
تلقب ب “مدينة النواعير” نظراً لانفرادها عن مدن العالم بنواعيرها المتميزة بحجمها وعددها وطريقتها، وتلقب أيضاً ب “مدينة أبي الفداء” نسبة إلى الملك الأيوبي “عماد الدين اسماعيل بن علي” الذي حكمها حوالي عشرين عاماً ونالت في عهده ازدهاراً، وكان عالماً جغرافياً فلكياً ومؤرخاً.
لمحة تاريخية
يمكن تقسيم الموضوع إلى ثلاث مراحل (العصور القديمة والآراميين – العصرالروماني الغربي والشرقي– العصر  الإسلامي).
آ – العصور القديمة والآراميون
تعتبر مدينة حماه من أمهات المدن السورية، ومن إحدى أهم المدن المأهولة حتى الوقت الحالي. وقد كشفت تنقيبات البعثة الدانماركية (1931 – 1938 ) في قلعة حماه عن وجود ثلاث عشرة طبقة يرجع أقدمها إلى العصر النيوليتي، مما يؤكد أن نواة المدينة تشكل في الألف السادس قبل الميلاد، وكان سكانها يعملون بالزراعة وبعض أنواع الصناعات المحلية.
امتزجت شعوب وأقوام كثيرة ضمن النسيج المجتمعي لمدينة حماه، ونظراً لأهمية موقعها فقد كانت مقصداً للعديد، سواء المهاجرين طالبي الاستقرار أم الحملات الحربية التي احتلتها تبعاً لمراحل الضعف والقوة التي كانت تمر بها خلال تاريخها. ومن الملاحظ أن الحروب التي كانت ضمن منطقة الهلال الخصيب كانت حروباً داخلية تهدف للسيطرة على خيرات البقعة الجغرافية الواسعة في البلاد وتنظيمها في إطار سياسي إداري واحد يسمى باسم الأسرة الحاكمة.
ونظراً لعدم وجود توثيق تاريخي لكل العهود المسماة ما قبل التاريخ (أي قبل اختراع الكتابة)، فإنه يمكن التأكيد والقول بأن مدينة حماه قد بدأت بالتشكل منذ الألف الخامس قبل الميلاد، وأصبحت مدينة مسورة(محاطة بسور) في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، ثم خضعت خلال هذه الألفية لسـيطرة السـومريين حيث حصل خلال الفترة تمازج وتفاعل كبيران مع حضارة “إيبلا”. ثم حكمها الأكـاديون حتى مجيء الآموريين(أي البنائين) الذين استوطن قسم منهم سهل شنعار– ويجزم البعض أنهم البابليون نسبة إلى عاصمتهم بابل- واستوطن القسم الآخر أواسط الفرات في الشام وتسموا بالعموريين نسبة إلى عامورووالتي تعني غرب بابل باللغة الحورية،(ويذكر هنا أنه قدمت البلاد هجرة جديدة وباتجاه السواحل الغربية حيث تسموا بالكنعانيين – وتعني “الصباغ الأرجواني” باللغة الحورية لأنهم من صبغ الأردية بهذا اللون. وكذلك الفينيقيين – من كلمة “فينيكس” اليونانية وتعني “الصباغ الأرجواني” أيضاً).

حماة مدينة النواعير
تطورت حماه خلال فترة العموريين وازدهرت من جراء تفاعلها مع البابليين ، ثم لحقت بالمملكة البابلية حيث ازدهرت خلالها إلى حين غزوها من قبل الهكسوس عام 1750 ق.م. حيث تم تدميرها جزئياً ، ازدهرت حماه مجدداً لمدة خلال زمن الحوريين والميتانيين حتى ظهور الحثيين كقوة عظيمة حيث خضعت حماه لهم بعد تدميرها ، ثم استولى عليها الفراعنة بعد تغلبهم على الحثيين في عهد الفرعون تحوتمس الثالث وبقيت تحت سيطرتهم لمدة خمسين عاماً 1400 – 1350 ق.م. ، فترة تل العمارنة ، حيث شهدت البلاد خلالها الازدياد في قوة وسيطرة الآرامييين .
توسعت حماه وازدهرت في العهد الآرامي وتوسعت المدينة إلى خارج أسوار القلعة، وتطورت إلى مملكة يخشى جانبها، وتمكنت من صد العديد من محاولات السيطرة الآشورية، وكان من أشهرها محاولة الملك الآشوري ” شلمنصر الثالث” في عهد ملك حماه الآرامي ” آرخوليني” 845 ق.م. الذي تمكن من تكوين حلف قوي من ملوك الممالك الآرامية، وتواجه الجيشان في معركة “قرقرالأولى” شمال غرب أفامية والتي اندحر فيها جيش الآراميين، ورغم ذلك صمدت حماه وبقيت مملكة آرامية حتى خضعت للآشوريين في عهد الملك “صارغون الثاني” عام 720ق.م. بعد انتصاره ضد ملك حماه وحلفائه في معركة ” قرقر الثانية ” التي غنم فيها 200 مركبة حربية و 600 حصان واسـتولى على حماه وأحرق قلعتها وأدخل 1500 من رجالها في جيوشه (كما ورد في الوثائق المكتشفة ) .
بعد انهيار المملكة الآشورية على يد الكلدانيين خضعت حماه لسيطرتهم إلى أن تغلبت عليهم جيوش الفرعون المصري ” نخاو الثاني” الذي ضم حماه إلى مملكته 607 ق.م.، حتى عهد الملك الكلداني ” نبوخذ نصر” الذي طرد الفراعنة من عموم البلاد وأدخل حماه في مملكته عام 604 ق.م. وعين عليها حاكماً آرامياً يدير شؤونها.
 ازدهرت المدينة خلال هذه الفترة وامتدت إلى خارج أسوار القلعة وأنشئت فيها أحياء وشوارع ومحلات تجارية وحرفية، وتطورت إلى مملكة امتدت إلى مناطق واسعة إلى الشرق وحتى الجبال الغربية. ويعتقد أن الخندق الذي كان يحيط بالقلعة قد نفذ خلال هذه الفترة.
وفي العهود الآرامية كانت المنازل تتكون من باحة داخلية – قد تكون في نهاية البناء أو في بدايته – وغرف محيطة أو مطلة عليها مع وجود طابق علوي لبعض المنازل يتم الوصول عليه بواسطة درج ثابت وتستخدم غرفه للمنامة. كما تم العثور على نظام لأقنية تغريغ الحمولة مما يؤكد التحسين في الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتم استخدام الآجر في البناء والحجر المنحوت لبعض المساكن مما يشير إلى وجود مستويات اجتماعية مختلفة أو كان الأمر تمييزاً لطبقة معينة. وكان في المدينة شوارع ومحلات تجارية وحرفية صغيرة  كما وجدت آبار بأعماق مختلفة كانت مخصصة لتخزين المواد، إضافة إلى تطور كبير في الأدوات المنزلية والحربية والزراعية الأمر الذي يؤكد وجود صلات كثيرة مع الممالك السورية المختلفة. كما عرفت المدينة تطوراً ملحوظاً في صناعة الخزف والفخار والعاج.
امتدت المدينة إلى خارج القلعة – المدينة وباب الجسر حالياً -، ثم توسعت فيما بعد إلى مناطق أخرى، وكان هذا الامتداد ناجم عن الزيادة في أعداد السكان والحاجة إلى محلات تجارية وحرفية جديدة، إضافة إلى أعداد الوافدين إليها، للأسف فقد اندثرت أغلب الآثار ضمن المناطق المذكورة بسبب تعدد طبقات البناء فيها منذ قرون كثيرة وتغيير الكثير من ملامحها الجغرافية، ويمكن التأكيد أن المدينة كانت ذات مستويات منخفضة عن المستوى الحالي، (من خلال ملاحظة انخفاض منسوب الكنيسة القديمة عن مستوى الشوارع المحيطة بمقدار أربعة أمتار تقريباً، وانخفاض منسوب الجامع الكبير بمقدار متران تقريباً) . كما عرفت حماه تطوراً كبيراً في مجال الزراعة والري، حيث تم اختراع النواعير لأعمال الري والسقاية وإيصال المياه إلى الأماكن المرتفعة عن طريق الأقنية.
سقطت حماه فيما بعد بيد “كورش” الفارسي 562 ق.م. الذي قام بتدمير المدينة وحرق قلعتها، بقيت حماه تحت حكم الفرس حتى اندحارهم أمام “الاسكندر المقدوني” في معركة “إيسوس” 331 ق.م، وبعد وفاته خضعت حماة لقائده ” سلوقس نيكتاروس”- ومنه كانت الأسرة السلوقية-، حيث ازدهرت حماه مجدداً في عهد الامبراطور “انطوخيوس ابيفانونيوس” الذي أطلق اسم “ابيفانيا” عليها، وتوسعت في عهده حيث وأنشئ في المدينة أحياء جديدة على الطراز الأغريقي متأثراً بالبيئة المحلية. وتم تحسين القلعة وتحصيناتها كما تم تسوير المدينة.

وقد تم الكشف– ضمن القلعة – على جزء لا يستهان به من المدينة الهلنستية وبخاصة في الجزء الجنوبي منها  ومن بينها أبنية تحمل ملامح الإقامة الحكومية وبعض المعابد. إلى أن دخلت حماه تحت الحكم الروماني عام 64 ق.م.
كانت حماه وثنية المعتقد بأغلبها، ولعدة آلهة، إنما يلاحظ وجود تسمية لإله يطلق عليه (هدد) أو(حدد) بمعنى “الواحد” أو “المفرد” باللغة الآرامية، كما تم الكشف عن أثر لمعابد في القلعة، ومن المعروف أن وجود المعابد يدل على السمو والرقي في الشؤون الاجتماعية وحتى الاقتصادية، إضافة إلى أنه يؤكد عمق الفلسفة الروحية من خلال البحث في أصل الوجود والخلق وبخاصة وجود تسمية الإله ” الواحد – المفرد” الذي يؤكد رفعة النظرة الروحية لدى الآراميين. ونذكر هنا أن الكنيسة القديمة – التي لا تزال لغاية الآن – الموجودة ضمن منطقة “المدينة”، كانت معبداً للإله “هدد” قبل تحويلها إلى كنيسة – وهي تقع تحت مستوى الأرض الحالي بما يقارب أربعة أمتار-  كما أن الأسود البازلتية التي كانت موضوعة كأساس سطحي إضافي لأعمدة أبواب القلعة كانت تتوضع كذلك في مدخل قصر الحاكم ومدخل المخازن ودور العبادة، ذلك للتأثير النفسي بأن الأسود هي حراس الآلهة وأن من يقتحم المكان الموضوعة في مدخله يتعرض للموت، وقد وجد هذا الأثر حديثاً خلال عمليات إعادة ترميم الكنيسة القديمة.

ومن المهم الإشارة هنا إلى بقاء بعض المفردات الآرامية ضمن اللهجة الحموية المحكية وإلى يومنا هذا ، مثل كلمتي ( يابو – يامو ) اللتان تشيران إلى الأب – الأم، كما أن كسر حرف الألف في كلمة (لحاف) إلى”لحيف” خلال النطق والمتداولة في حي الجراجمة وبعض مناطق الحاضر هي آرامية النطق، وفي مراجعة معجم اللغة الإيبلاوية لمؤلفه “جوزيف باجون” بالتعاون مع البروفسور الإيطالي “باولو ماتييه” مكتشف إيبلا، تظهر العديد من المفردات المتداولة لغاية اليوم في بعض الأحياء من حماه ومناطقها، مثل كلمات (خيّو– بيّو – أمّو…) أي (اخوه – أبوه – أمه…) وكذلك تعبير (مينون – مينو) اللتان تعنيان” من هم ؟– من هو؟ “، إضافة إلى تعبير (صوب) الذي يعني ” قرب”. ونذكر في هذا السياق أنه كان يطلق على مناطق التوسع لمدينة حماه خلال العهد الآرامي- في حي المدينة حالياً – تعبير ( صوبا حاماثا ) أي بمعنى ” قرب القلعة “.
ب- العصر الروماني الغربي والشرقي الرومي
استمر ازدهار حماه ونموها في العصر الروماني، وازدادت أهميتها الزراعية والتجارية، فتم تطوير أساليب السقاية وتم إنشاء العديد من النواعير الإضافية والقناطر الحجرية. وقد شجع الرومان سياسة التحضر لسهولة السيطرة على المجتمعات المستقرة مقارنة بالمتنقلة من جانب، وللحاجة إلى ازدياد القوة البشرية المقاتلة حين التعرض للهجوم، إضافة إلى وجود الحامية العسكرية.

آفامية الاثرية
آفامية الاثرية
كان للأساليب التي اتبعها الرومان أثر في ازدهار حماه، فقد تم تجديد بناء القلعة وسورها من الحجر الأبيض وأنشئت شبكة من الطرق المرصوفة لربط حماه بالمدن الأخرى إضافة إلى طرق رئيسية ضمنها، وأعيد تنظيم المدينة وفقاً للأسس التنظيمية الرومانية، كما تم إنشاء حي جديد ومبان جديدة تحمل الطابع الهيلنستي المحلي . كما أنشأ الرومان معبداً للإله “جوبيتير”- الجامع الكبير حالياً – .
تأثرت حماه وضعف مركزها وأهميتها من جراء الحروب بين الامبراطوريتين الرومانية والفارسية، والثورات التي قام بها الأهالي ضد الرومان والقمع العنيف لها، كما تعرضت للغزو من قبل الفرس عامي 255 – 260 للميلاد، لكنها عادت واستقرت نسبياً عام 261 م.
بعد انتصار الملك أذينة على الفرس وتحريره للولاية السورية بكاملها. ألحقت حماه بولاية أفامية الإدارية في بداية العهد البيزنطي (القرن الثالث للميلاد)، كما أصبحت حمص عاصمة لولاية فينيقية الداخلية (التي تضم دمشق، وهيليوبوليس/ بعلبك، وبالميرا/ تدمر)، مما أدى إلى التراجع في دور حماه بتراجع دور مجلسها المحلي لحساب السلطة المركزية في أفاميا، إضافة إلى ضعف وتدهور الحركة التجارية إليها.
صمدت المدينة ونشأت فيها بعض المهن الصناعية البسيطة التي تعتمد على المنتجات الزراعية المحلية كمعاصر الزيتون الحجرية، إضافة إلى بعض المهن الحرفية التي تعتمد على البيئة والإبداع والمهارة اليدوية ( كالفسيفساء وبناء الحجر وصناعة الفخار)، هذا عدا عن الاهتمام بالزراعة رغم عدم تطور أدواتها، فنشأت عدة إقطاعيات ومزارع كبيرة مجاورة لحماه.
تعرضت المدينة لعدد من حملات الروم ضد أهالي بلاد الشام بسبب اختلاف العقائد الدينية (كهوية وطنية قومية) وذلك منذ منتصف القرن الرابع للميلاد، مما أدى إلى هجرة العديد من سكانها إلى المزارع والأرياف والمرتفعات الجبلية، كما كان للازدياد في الضرائب ذات التأثير السلبي، هذا إضافة إلى تعرضها لغزوات متبادلة ما بين المناذرة والغساسنة طلباً للسيطرة والنفوذ من جانب ونتيجة لتحالفاتهم مع الفرس والبيزنطيين من جانب آخر، فقد استولى عليها المناذرة عام 554 م. بعد انتصارهم على الغساسنة في معركة “يوم حليمة” ثم خضعت بعدها للغساسنة على عهد ” الحارث بن جبلة “، وكان البعض من القبيلتين يستقر زمناً في حماه وتخومها مما يؤكد حقيقة النسيج الاجتماعي الواحد، (وعلى سبيل المثال فإن بعضاً من “بني كلب” – حلفاء المناذرة – قدم إلى حماه وأقاموا فيها، ثم غادر بعضهم في عصور لاحقة إلى الجبال الغربية المتاخمة ضمن ما يطلق عليه الآن “قرية البيضا” المجاورة لمدينة مصياف، ومن هنا فإن البعض من أهالي الحاضر، وأهالي قرية البيضا يتبادلون لقب أبناء العم حين اجتماعهم ).

مطرانية وكاتدرائية حماه الارثوذكسية
مطرانية وكاتدرائية حماه الارثوذكسية

وفي العصر  الرومي الوسيط، حين اعتبار المسيحية الدين الرسمي للدولة 389م، توسعت المدينة وأنشئت عدة أحياء وأبنية وحمامات عامة تحمل الطابع الرومي (الهلنستي المحلي إضافة للأعمدة والتيجان والنقوش والزخارف وعناصر معمارية متعددة). وتم تحويل المعابد الوثنية إلى كنائس ( معبد الإله “حدد” إلى كنيسة، ومعبد “جوبيتير” إلى كنيسة القديس “يوحنا الذهبي الفم” ومن هنا كانت التسمية للحمام الملاصق للباب الغربي لها والذي يعرف ب “حمام الذهب” وكانت المياه تصل إلى الحمام بواسطة قناطر حجرية تصل من ناعورة “الحنانية” وهي” المحمدية ” حالياً )، كما تم إشادة كنائس أخرى ضمن المدينة وفي بعض المناطق المرتفعة والملاصقة لها ( تل الدباغة وحي الجسر والعاقبة القديمة – ما بين المحطة وحي المدينة)، وعدد من الأديرة( ومنها – في حي المحطة حالياً – : دير مار سرجيوس، وفي حي الشريعة حالياً – : دير مار باراباس)، كما تجدر الإشارة إلى أن ما يطلق عليه حالياً اسم “ضريح أبو العضيمات” باللهجة الحموية المحكية، هو ضريح البطريرك “نوح” المدفون عام 1510م في “الكاتدرائية” التي كانت في “تل الدباغة”، وكان يقصد طلباً للشفاء من الأمراض نظرا لإنسانيته وفعله الدؤوب للخير خلال حياته، واطلق عليه “أبو العظيمات” بعد شفاء بعد القاصدين للزيارة من أمراضهم، ومع مرور الزمن حوِّل الاسم باللهجة المحكية إلى “أبو العضيمات” ولا يزال مكان الضريح في منطقة تل الدباغة حالياً بجوار منازل آل عدي وتعود ملكيته إلى المدينة أو إلى مديرية الأوقاف بحماه . ويذكر هنا أن الكاتدرائية الأثرية التي تم الكشف عنها في حي “المدينة” وعن أرضيتها الفسيفسائية تعود إلى الربع الأول من القرن الرابع للميلاد ( يمكن القول بأن حي الحاضر قد بدأ بالنشوء ضمن هذه الحقبة بسبب ذكره عند العرب الزائرين للمدينة فيما بعد)، كما تم في ذات الوقت تقريبا إحاطة المدينة بسور من الحجارة (لم يبق له أثر حالياً).
كما قدم إليها مجموعات يهودية، وكان لهم “كنيس” فيما يسمى حالياً “منطقة باب القبلي”. والجدير بذكره ضمن هذا السياق والذي أكدته الكتابات المنقوشة على مختلف الأماكن، أن أهالي حماه من أشاد أبنيتها تصميماً وتنفيذاً وقد تهدم أغلبها من جراء الزلازل والغزوات والحروب التي مرت على المدينة، وأعيد استخدام حجارتها فيما بعد في أبنية شيدت في عصور لاحقة.
بقيت اللغة الآرامية هي اللغة السائدة بين عموم السكان قاطبة ارثوذكسيين ويعاقبة، وكانت الادارة تكتب باللاتينية وفي العصر البيزنطي صارت باليونانية، وكان موظفو الدولة الذين كانوا يتعاملون بليونانية الرسمية، وقد استمر الأمر كذلك في عموم الفترة البيزنطية. بينما كانت لغة الشعب الارثوذكسي آرامية هذا نظراً لاعتماد اللغة الآرامية من قبل أغلبية سكان حماة وكل سورية كلغة وطنية.

حماه الجميلة
حماه الجميلة

وتجدر الإشارة إلى أن دور مدينة حماه الثقافي لم يكن له وجود يذكر بسبب تنامي دور أفامية كمركز ديني ثقافي مهم ودور إنطاكية والإسكندرية كمركزان دينيان ثقافيان فلسفيان عالميان في ذاك الزمن.
جمعت حماه بين المذهبين الرئيسين، الأرثوذكسية بدايةً ثم السريانية (اليعاقبة) وكانت الغالبية من الموظفين في المدينة من الارثوذكسيين. كما ان اغلبية السكان هم من الارثوذكسيين الخلقيدونيين كما انتشر فيها المذهب الماروني بدءاً من النصف الثاني من القرن الخامس للميلاد والموارنة لغتهم الطقسية هي الآرامية ولكن كانت عقيدتهم الارثوذكسية (حين كان مركزها الرئيسي في أفامية وكانت لهم أبرشية كبيرة ودير ضخم فيها في القرن السادس للميلاد).
سقطت حماه بيد الفرس عام 622 م. وبقيت تحت سيطرتهم سبعة أعوام وتعرضت خلالها لضيق شديد، إلى حين انكسارهم أمام الامبراطور البيزنطي “هرقل” عام 629 للميلاد. وقد ضعفت اقتصادياً خلال خضوعها للفرس وبسبب الثورات الداخلية وصغرت مساحتها وتقلص دورها التجاري والصناعي، وتم إلحاقها بحمص إدارياً بعد طرد الفرس.
ج – العصر العربي والإسلامي
فتح العرب المسلمون حماه على يد “أبو عبيدة عامر بن الجراح” عام 638 م. الذي أقام فيها فترة من الزمن ، وحين تقسيم الأجناد – الأراضي والنفوذ – كانت حماه من نصيب القيسية وحمص من نصيب اليمانية، وخلال بدايات العهد الأموي حصلت معركة “مرج راهط” التي انتصر فيها اليمانية أنصار الأمويين على القيسية أنصار عبد الله بن الزبير، فنشبت المشاحنة بين المدينتين منذ ذاك الوقت، وقد ساند الأمويون حمص لتحالفهم مع اليمانية فتم إتباع حماه لحمص طوال الفترة الأموية، ومع ذلك فقد كانت تتبع لحماه عدة نواحي وكان ارتباطها قوياً مع أفاميا، وتوسعت تجارتها ونشأت بها أحياء جديدة كما قدم إليها مجموعات من العرب قطنت فيها، وبقيت عدة كنائس وأديرة كما كانت عليه قبل الفتح.
ومن الأحياء الجديدة الحي الذي يسمى بالجراجمة، فقد نشأ في منتصف الفترة الأموية وقد تسمى باسم قاطنيه الوافدين من بلدة “جرجوم”. ومن الجدير ذكره أن البلدة المذكورة كانت تقع في جبال “اللكام” – لواء الاسكندرونة السوري حالياً – وكان أهلها وجوارها حلفاء للآراميين ثم للبيزنطيين بعد انتشار المسيحية بينهم، وخلال بدايات العصر الأموي تم عقد معاهدة صلح بين “معاوية بن أبي سفيان” والبيزنطيين بسبب الحاجة إلى استقرار الأوضاع في الثغور الشمالية، وقد تم تجديد هذه المعاهدة في بداية حكم “عبد الملك بن مروان” عام 685 م ، وبعد استقرار ملكه وجه حملة عسكرية قوية عام 707 م. لتأديب الروم وحلفائهم الذين استغلوا انشغاله في توطيد أركان الحكم وقاموا بشن العديد من الغارات على سواحل بلاد الشام ، استولت الحملة على بلدة “جرجوم” ودمرتها، وتم استقدام أهلها إلى بلاد الشام الداخلية وتركت لهم الحرية باختيار أماكن إقامتهم، وقد تكنى المكان الذي قطنه بعضهم في حماه باسمهم .

قلعة حماة من الجو
قلعة حماة من الجو


بقيت حماه تتبع لحمص في بدايات العصر العباسي، ثم ضعف مركزها وعانت كثيراً بسبب تأجج العصبيات القبلية بين القيسية واليمانية، ثم عانت مجدداً من جراء الصراعات التي دارت بين قوى متعددة خلال فترة زمنية تقارب 200 عام كغزوات البيزنطيين من جانب، ودخول المدينة ضمن سيطرة وحكم أسر متعددة ذات أصول عرقية مختلفة من جانب آخر، كالقرامطة والطولونيين والإخشيديين والحمدانيين والمرداسيين والتركمان والفاطميين، إضافة إلى النزاعات القبلية العربية التي دخلت على خطوط تلك الصراعات، هذا عدا عن تزايد هجمات وغزوات الأعراب إليها وعلى جوارها بسبب اضطراب وفقدان الأمن، فتركها الكثير من أهلها كما كان حال جوارها كالبلعاس والأندرين ودير الأقواس “قصر بن وردان” ، وقد تهدم العديد من البنى المعمارية والحضارية الموجودة في المدينة وجوارها وتقلصت مساحة الأشجار والأراضي الزراعية لحساب البادية والتصحر خلال الفترة المذكورة. ويذكر هنا أن العناصر غير العربية قد سببت خراباً في المدينة وجوراً كثيراً بحق أهاليها المسيحيين بينما كان الحمويون يتعاطفون معهم ويساندوهم خلال محنهم .
وقد طبعت حماه الجميع بطابعها – كما هي سورية – فكل من قطن فيها انصهر في مجتمعها واعتبر نفسه منتمياً لأرضها ولاسمها.
خضعت حماه للسلاجقة الأتراك الذين جاروا فيها، فتناقص عدد سكانها كثيراً. ثم دارت حروب ضارية بين ملوك دمشق وحمص وحلب والموصل للسيطرة عليها انتهت باستيلاء الأتابك عماد الدين زنكي عليها عام 1156 م./ 551هـ. وقد تعرضت المدينة في حكم ابنه نور الدين محمود (الشهيد) إلى زلزال شديد عام 1157 م./ 552هـ . ( مع شيزر –أفامية- التي رثاها أميرها أسامة بن منقذ بقصيدته المشهورة) فأعاد نور الدين ترميم أسوارها وإصلاح قلعتها وبنى الجامع الذي يحمل اسمه إضافة إلى البيمارستان .
دخلت حماه تحت سيطرة الأيوبيين 1169 م./ 565هـ. حيث توسعت رقعتها وسيطرتها الإدارية 1184 م./ 580 هـ. فشملت منبج والمعرة وسلمية وشيزر وبارين “بعرين” – التي كانت مدينة عامرة ضمنها دير وكنيسة وحصن كبير ومنازل كثيرة – ومصياف والرستن ، لكن المشاحنات والمعارك الحربية والصراع على النفوذ بين كل من الملك الكامل/مصر،الملك المعظم/دمشق،الملك أسد الدين شيركوه/حمص،الملك طوران شاه/حلب، ولمدة تتجاوز 70 عام، أثرت جميعها سلباً على حماه بشكل كبير فتعرضت للحصار والتخريب أكثر من مرة وتقلصت رقعتها ولم يبق لها سوى المعرة ، كما تضرر أهاليها كثيراً.
وضمن هذا السياق تذكر حادثة طريفة/قاسية جرت عام 1299 م/653 هـ. بين حمص/أسد الدين شيركوه، وحماه/الملك المظفر حيث أعاد السيطرة على سلمية وانتزعها من حمص فأرسل شيركوه جنوده وأعاد السيطرة على سلمية وقطع المياه عن قناة الري الواصلة من سلمية إلى بساتين حماه، كما قام بإشادة سد على نهر العاصي وحول به الماء عن حماه إلى الأودية قرب الرستن، فتضررت حماه كثيراً إلى أن انهار السد بسبب الضغط وعادت مياه العاصي إلى مجاريها (ومن هنا يحلو للحموي التندر على الحمصي بمحاولته قطع العاصي بقشور البصل).

قلعة حماه
قلعة حماه


وقد وصفها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان(1224م/621هـ) بأنها “لم تكن بمثل ما هي عليه اليوم بل كانت من عمل حمص”، وبأنها “مدينة قديمة جاهلية” ( أي أنها كانت موجودة قبل دخول الإسلام ؟؟ لا كما يقول البعض أنها جاهلية متخلفة) . والجدير ذكره خلال ما سبق، أن حماه لم تسقط أبداً بيد الفرنجة خلال غزوات الفرنجة”، فقد تم عقد هدنة بين الحمويين والفرنجة (عام 1097م/491هـ)، كما انصرفوا عنها مقابل ألفي دينار ذهب خلال الغزو الثاني (عام 1140 م/504هـ)، ودافع عنها أهلها دفاع المستميت خلال الغزو الثالث ( 1169 م/565هـ) بعد أن تمكن الفرنجة من اختراق تحصينها وإدخال مجموعات مقاتلة إلى المدينة حتى تم للحمويين إخراج المقتحمين منها وملاحقتهم إلى خارج أسوارها حيث بقيت المعارك لأربعة أيام إلى أن اضطر الفرنجة للانسحاب، أما الغزو الرابع فقد كان عام ( 1224 م/627هـ) حيث تصدى الحمويون للفرنجة خارج حماه على طريق بارين ونشبت معركة كبيرة انهزم فيها الأعداء.
تعرضت البلاد لغزو التتار بدءاً من العام 1298 م/657 هـ بقيادة هولاكو، خرج حينها ملك حماه “المنصور الثاني محمد” مع جنوده إلى دمشق ثم إلى مصر وانضم إلى السلطان المملوكي”قطز”، وترك نوابه لإدارة شؤون حماه فقاموا بتسليم مفاتيح المدينة إلى هولاكو مقابل الإبقاء عليها وعلى حياة أهلها، فعين عليها عاملاً( نائباً) لتولي شؤون المدينة وأمر ملك حمص “الأشرف موسى بن إبراهيم بن شيركوه” بعد أن سلم له مدينته – بتدمير قلعة حماه وسورها، امتثل الأشرف للأمر، وقام بتهديم القلعة وحرق ذخائرها والكتب الموجودة فيها، فبادر أحد وجهاء حماه المدعو “إبراهيم بن الإفرنجية” – ويقال أنه الجد الأكبر لعائلة “فرنجية” في جبال زغرتا اللبنانية- بالتفاوض مع مندوب هولاكو وقدم له عطايا كثيرة من الذهب كرشوة ليمنع الأشرف من تدمير سور حماه، وكان له ذلك. ثم حدثت موقعة “عين جالوت” الشهيرة 1159م/658 هـ وانهزم فيها التتار وعاد الملك المنصور إلى حماه وتم ترميم قلعتها وما كان قد هدم منها.
تعرضت البلاد خلال الفترة من 1265 م /664 هـ إلى 1302 م/ 702 هـ إلى ست غزوات من التتار انتصرت فيها جيوش البلاد على الغزاة في عدة معارك جرت بأغلبها في سهول حماه وحمص، سقطت خلالها حماه مرة واحدة تسليماً ولمدة بسيطة ثم أعيد تحريرها.
وخلال الفترة المذكورة وعند انقطاع هجوم التتار ساهمت الجيوش الحموية في تحرير سواحل البلاد من الفرنجة وتحرير “عكا” عام 1270 م/688 هـ وفي الحروب التي نشبت في بلاد الأرمن، كما ساندت قوات الأيوبيين في المعارك والحروب الداخلية ضمن البلاد.
وقد عانت حماه كثيراً خلال الفترات المذكورة سواء من جراء الحروب أم من جور الحكام – وبخاصة خلال السنوات الثلاث التي سبقت تعيين أبي الفداء ملكاً عليها.

قصر العظم في حماة الشقيق الأصغر لقصر العظم الدمشقي
{قصر العظم في حماة الشقيق الأصغر لقصر العظم الدمشقي
تم تعيين عماد الدين إسماعيل بن الأفضل (أبي الفداء) ملكاً على حماه عام 1310 م /710هـ، وأعطي له لقب السلطان، وكانت فترة حكمه وحتى وفاته عام 1331 م /732هـ ، فترة ازدهار لحماه، وأصبحت مركزاً هاماً من المراكز التي تقصدها القوافل التجارية.
ثم عانت المدينة تحت سيطرة المماليك بعد عزل ابنه عن ملكها، كما تعرضت لغزوات متلاحقة من العرب الموالي الذين “أمعنوا في القرى والمزارع ودخلوا أطراف المدينة أكثر من مرة وهدموا وخربوا فيها”، كما أصابها مرض الطاعون عام 1348 م وأمعن بأهاليها فتكاً.
وقعت حماه تحت سيطرة تيمورلنك 1401 م/803 هـ بعد هزيمة الجيوش العربية عند سور حلب ومن جملتها الجيش الحموي، وتسليم المماليك المدينة إليه، فهدم قلعتها وعين عليها عاملاً من قبله تم قتله من أحد الحمويين مما جعل جيش المغول يمعن بالمدينة فتكاً وتدميراً.
تراجعت حماه كثيراً في العصور المذكورة وتضررأهاليها كثيراً، وخربت سلمية وأصبحت بارين قرية شبه مهجورة، كما عانت المدينة من حكم الولاة المماليك وجورهم (رغم اعتبارها في فترة من فترات سيطرتهم مركزاً للنيابة – ولاية أو محافظة – الرابعة في بلاد الشام، وكانت تمتد من الرستن جنوباً إلى المعرة شمالاً ومن السلمية شرقاً إلى مصياف غرباً) حيث عم الفقر والمجاعة بين الناس.
دخلت حماه في حوزة العثمانيين بعد انتصار السلطان سليم الأول على المماليك في موقعة “مرج دابق” 1516 م. اهتم العثمانيون بداية بلواء حماه وألحقوها بلواء حلب الكبير، وكان يتبع لحماه شيزر وبارين والمعرة والحولة، وأصبحت مركزاً مهماً لقوافل التجارة والحج، (كما كانت أحيائها كثيرة في بداية القرن السادس عشر وبها خانات وتكايا وأربعة جسور تصل بين طرفي العاصي وكنيستان مسيحيتان وكنيس يهودي، وكانت عدد نواعيرها يبلغ / 224/ ناعورة، وكان بها عدد من المطاحن والمعاصر والخانات والأسواق التجارية والحرف المنوعة إضافة إلى المقاهي التي بلغ عددها /12/، وكان عدد أبوابها الباقية /8/، كما كان سورها موجوداً رغم حاجته إلى الترميم في عدة مواضع، كما تذكر سجلات المحكمة الشرعية العادات الحموية في المشاركة الجماعية في مناسبات الأعياد الدينية، وتذكر أيضاً كيفية احتفال الحمويين جميعاً بالعيد الكبير لدى المسيحيين وبعيد الميلاد ضمن مخطوطات موثقة).
ويذكر التاريخ أن المعاناة الكبرى والأشد لحماه كانت خلال حكم العثمانيين، وبخاصة منذ بداية الربع الأخير من القرن السادس عشر، فتعرض الحمويون خلالها إلى ظلم وجور عظيمين، وذلك رغم موقع المدينة المميز وأهميتها الزراعية وتواصلها مع البادية من حيث المنتجات الحيوانية.
واتبعت حماه لطرابلس ثم لدمشق عام 1868م (وقد كثرت معاناتها حين قدوم إبراهيم باشا المصري 1832م الذي عامل الأهالي بشكل عنيف وقاس جداً، فهجرها الكثير من شتى الطوائف والمذاهب وتناقص عمرانها، ففرغت حماه تقريباً وأصبحت وكأنها قرية كبيرة مهجورة) . وبقيت كذلك حتى تنبه العثمانيون إلى ضرورة إحيائها والاهتمام بها نظراً لموقعها ولأهميتها الاقتصادية، فتم جعلها مركزاً للواء – ولاية أومحافظة – وألحقت بها حمص ومصياف وسلمية وأصبحت مركزاً هاماً من المراكز التي تقصدها قوافل الحج والقوافل التجارية ، ومورداً هاماً للمنتجات الزراعية ، ومركزاً رئيسياً لصناعة البارود.
وتوسعت مساحتها وقصدها الأعراب للإقامة بها ، ثم تعرض أهلها للاضطهاد مجدداً فيما يطلق عليه اسم “حرب البلقان – السفر برلك” خلال إلزامهم الانضمام إلى الجيش العثماني، حتى تم دخول القوات العربية إليها عام 1918 م.

جامع حماه الكبير
جامع حماه الكبير


ويمكن لنا كقراءة سريعة أن نقتبس التالي:
– القرن التاسع ميلادي: كانت حماه “قرية صغيرة عليها سور حجارة وفيها بناء بالحجارة واسع ، والعاصي يجري أمامها ويسقي بساتينها ويدير نواعيرها” . / معجم البلدان – ياقوت الحموي (أحمد بن الطيب حينما رافق الخليفة العباسي “المعتضد” من بغداد إلى دمشق عام م./271هـ. ) / .
– القرن العاشر ميلادي: كانت حماه ” مدينة صغيرة ، نزهة كثيرة الماء والزرع والشجر” . / الممالك والمماليك – الاصطخري / – القرن الحادي عشر : = = ” مدينة جميلة آهلة كثيراً بالسكان” . / سفر نامة – ناصر خسرو: ترجمة يحي خشاب/.
– القرن الثاني عشر: كانت حماه “مدينة شهيرة في البلدان، قديمة الصحبة للزمان، غير فسيحة الفناء، ولا رائعة البناء، أقطارها مضمومة، وديارها مركومة، لا يهش البصر إليها عند الإطلال عليها، كأنها تكـّن بهجتها وتخفيها فتجد حسنها كامناً فيها”. / رحلة ابن جبير 1813 م/ .
– القرن الثالث عشر: كانت حماه “مدينة عظيمة كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار، واسعة الرقعة حفلة الأسواق، يحيط بها سور محكم ، وبظاهر السوق حاضر كبير جداً ، فيه أسواق كثيرة وجامع مفرد مشرف على نهرها المعروف بالعاصي “. / معجم البلدان – ياقوت الحموي/.
– القرن الرابع عشر: كانت حماه “إحدى أمهات الشام الرفيعة ومدائنها البديعة ذات الحسن الرائق والجمال الفائق، تحفها البساتين والجنات، عليها النواعير كالأفلاك دائرات، يشقها النهر العظيم المسمى بالعاصي، ولها ربض بالمنصورية أعظم من المدينة فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان، وبحماه الفواكه الكثيرة”./ رحلة ابن بطوطة/.

كاتدرائية حماه من الداخل
كاتدرائية حماه من الداخل


– القرن الخامس عشر: كانت حماه “مكينة البناء ولها سور محكم جليل، وبيوت ملوكها وشرفاتها مطلة على النهر العاصي، وبها القصور الملكية والدور الأنيقة والجوامع والمساجد والمدارس والربط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعاً من الأنواع، مصرها ملوك بني أيوب وصارت معدودة من أمهات البلاد وأحاسن الممالك “. / صبح الأعشى – القلقشندي/
– القرن السادس عشر والقرون اللاحقة: مرّ ذكرها خلال الفقرة الأخيرة من “العصر العربي والإسلامي” . ويمكن لنا القول بأن من يرغب بمعرفة التاريخ عليه معرفة سورية، ومن يرغب بمعرفة سورية عليه معرفة حمـــــــــــاه.
المراجع
– حماة ناشيونال جيوغرافيك
– الخطوط الكبرى في تاريخ سوريا – د. أسد الأشقر .
– تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – فيليب حتي .
– قصة الحضارة – ويل ديورانت .
– تاريخ سوريا القديم ، تصحيح وتحرير – د. أحمد داوود .
– محاضرات في تاريخ بلاد الشام في العصر البيزنطي – د. محمود سعيد عمران + د. محمد عبد العزيز .
– المسيحية في العالم العربي – الأمير الحسن بن طلال .
– العرب النصارى – حسين العودات .
– كنيسة المشرق العربي – جان كوربون .
– كنيسة مدينة الله  إنطاكية العظمى – أسد رستم .
– خطط الشام – محمد كرد علي .

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *