خاطرة في احد الشعانين
أحد الشعانين هو يوم استقبالُ السيدِ عند دخوله إلى مدينة أورشليم حيث ستتم أحداث الآلام والصلب والموت والقيامة، واستُقبل عند أبوابها من الجموع كملك ومخلّص بالسعف والنخيل وبالهتاف: “أوصنّا في الأعالي مباركٌ الآتي باسم الرب”.
من هم هؤلاء الذين استقبلوه؟
ربما رؤساء المدينة أو كبارها أو أصحاب الذوات والمراتب الرفيعة العالية؟ يجيبنا على ذلك الإنجيلي يوحنا بقوله: “الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد” أي عامة الشعب أخذوا “سعف النخيل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أوصنّا مبارك الآتي باسم الرب”.
هم شاهدوا المسيح وهو يقيم لعازر، أو سمعوا به، لذلك حملوا السعف التي ترمز إلى انتصار المسيح على الموت بقيامة لعازر ومن ثم بقيامته. صراخ الشعب حاملاً السعف ليس سوى تأكيد على هذا النصر العظيم للمسيح والذي به ننال الخلاص.
عبَّر الشعب عن احترامه للمسيح فاستقبله، عند دخوله أورشليم، بطريقة عفوية بسيطة متواضعة مليئة بالعواطف والتأثر كأنهم يعرفون أنه يتحضر ليقدم ذاته ضحية لخلاص الجميع، وكان استقباله استقبال المنتصرين الظافرين.
كلها لحد الآن رائعة وجميلة ولكننا سنرى بعد أيام قليلة أن الشعب الذي صرخ مرحّباً بالملك نادى أيضاً بصلبه وموته. كيف انقلب وتغيّر؟ فهو من جهة يرى العجائب التي صنعها يسوع ومن جهة أخرى ينسحب خائفاً مما يجري من حوله، لماذا كلُّ ذلك ؟
حضور المسيح يزعج البعض كالرؤساء الذين لم يتأخروا عن وضع خطتهم الشيطانية لتسليمه للموت، فقاموا بتحضير الشعب وتأليبه ضدّ المسيح، فأغلقوا أعينهم عن كل العجائب التي صنعها أمامهم وأصمُّوا آذانهم عن التعاليم المقدسة كلها التي أعطاهم إياها، وهذا هو سببُ انقلاب الشعب على المسيح.
بالنهاية كانت الأكثرية ضدّ المسيح والأقلية بجانبه. الأكثرية طلبت موته وبدون أن يعرفوا لماذا هكذا ببساطة لأن الرؤساء والمعلمين طلبوا منهم ذلك.
الشعب الضعيف يتبع رؤسائه متأملاً أن يرضيهم، فيظن أنه يكسب بذلك ولكنه يخسر ذاته وخصوصاً إذا كانت هذه التبعية تودي لصلب المسيح، أما إذا أراد أن يبحث عن الحقيقة والعدل خارج المسيح فهو لن يعرف أن يجدها فيعيش في ضياع لا يعرف مكان تواجدها.
إذا كنا سنذهب لنحتفل بيوم الشعانين متهللين كالأغلبية فرحين بملابسنا وأطعمتنا ومقابلتنا الكثير من الناس ناسين أن نفرح بحضور المسيح فينا أو مبتعدين عن كل ما يغذينا روحياً من ممارسة لأسرار الكنيسة أو أعمال خيرية أو متغربين عن التوبة والتواضع الحقيقيين فإننا نكون قد ضللنا الطريق ونكون بذلك، دون أن نعلم أو نريد، قد صرخنا مقدَّمَاً “اصلبه”.
إخوتي، وكنتيجة وخلاصة، إذا كنا من هذه الأغلبية التي تصرخ حاملة سعف النخل متهللة بالمسيح دون أن تعرفه في حياتها أنه الإله الحقيقي نكون قد ضلَلنا، لأن المسيح لا يبحث عن أشخاص ليصفقوا ويهللوا بل عن قلوب متهللة بالحضور الإلهي، يبحث عن الأشخاص الذين يتبعونه بإرادتهم في لحظات الألم والفرح، عن الذين سيموتون بموته فيتذوقون فرح قيامته، عن هؤلاء الذين سيصرخون مع القديس بطرس: “يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك” (يو68:60).
اترك تعليقاً