الصعود الالهي

خاطرة في الصعود الالهي الى السماء…

خاطرة في الصعود الالهي الى السماء…

خاطرة في الصعود الالهي الى السماء…

عاش السيد له المجد على الأرض ما يقرب من ثلاث وثلاثين سنة ونصف السنة، ولما بلغ الثلاثين من العمر شرع يتمم ماجاء لأجله، وهي قاعدة تمشى عليها الأنبياء جميعاً في العهد القديم…

موسى كان قد بلغ سن الأربعين عندما دعاه الله ليقود شعبه. وفي ذلك اشارة لنضوج العقل والجسد والروح وتكامل الانسان في النمو، أما يسوع فقد بلغ النمو الكامل وهو في الثلاثين من العمر. وكان تاماً في عقله، كاملاً في خلقه،  متكاملاً في جسده ليفعل مشيئة ابيه السماوي ماعدا الخطيئة، مستعداً للقيام بمهمته لتخليص العالم…

مارس يسوع خدمته مدة ثلاث سنوات ونصف السنة، وهي مدة قصيرة جداً وان كانت نتائجها عظيمة جداً…

فما أعظم الخدمات التي قدمها الرب يسوع في تلك الفترة القصيرة من عمره البشري على الأرض… وهذا دليل على أن قيمة الحياة لاتقَّوَّمْ بكثرة السنين، ولاتُقاس بطول العمر بل بالخدمات وبالمنافع والتغييرات والفوائد التي تنجم عن تلك الحياة.

ايقونة الصعود الالهي

ما أكثر الناس الذين يعيشون السنين الطويلة فيبلغون السبعين والثمانين وأحياناً التسعين والمئة…

ولايجد التاريخ ما يُسطر بجانب اسمائهم سوى انهم أكلوا وشربوا وتزوجوا وأنجبوا البنين والبنات.

الحياة تقاس بالمبرات والأعمال الصالحة والخدمات المفيدة لا بالايام والسنين ولا بالبنات والبنين…

– الصعود المجيد

وبعد قيامة المسيح له المجد من بين الأموات، مكث أربعين يوماً يتردد على التلاميذ، ولهذا العدد رمزية خاصة لدى الأقدمين، فموسى بقي أربعين يوماً على الجبل، والنبي ايليا بقي أربعين يوماً في البرية، ويسوع نفسه صرف أربعين يوماً للاستعداد قبل المباشرة برسالته الخلاصية…

وفي مدة الأربعين يوماً التي صرفها يسوع له المجد على الارض بعد قيامته المجيدة كان يظهر لتلاميذه في أمكنة مختلفة، وفي أحوال متعددة، وأحياناً لقسمٍ منهم واحياناً لهم جميعاً حتى بلغ عدد  مرات ظهوره احدى عشرة مرةً، وفي آخر هذه الظهورات طلب يسوع من تلاميذه بان يذهبوا الى اورشليم، فجاؤوا واجتمعوا في العلية. وظهر لهم الرب فجأة وجالسهم وأكل معهم آخر مرة. وفيما كانوا يأكلون قال لهم:” كان ينبغي ان تتمَّ فيَّ الكتب، وقد تمت بتفاصيلها، فتألمت وقمت في اليوم الثالث، فاكرزوا بالتوبة ومغفرة الخطايا وستنالون من القوة متى حلَّ الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في اورشليم واليهودية والسامرة وحتى أقاصي الأرض.”

قال هذا وخرج بهم الى بيت عنيا الى جبل الزيتون، وهناك رفع يديه الطاهرتين الى السماء، وباركهم آخر بركة من بركاته الالهية، ثم ارتفع عنهم في الفضاء، وهم شاخصون اليه، وأقبلت سحابة فأخفته عن اعينهم. فسجدوا له وقبَّلوا الأرض التي كان يطأها. وبقوا مدة يحدقون الى السماء حيث ارتفع معلمهم الالهي.

وفيما هم على هذه الحال من الذهول إذا رجلان قد وقفا بهم بثياب برَّاقة وقالا لهم:” ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء؟ إن هذا الذي ارتفع الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً الى السماء.”

حينثذ لم يسعهم الا ان يغادروا جبل الزيتون، ويرجعوا إلى أُورشليم وقلوبهم مليئة بذكريات تاريخية مجيدة..

والآن ونحن نعيد هذا العيد المبارك، بكل المآسي التي نعاني منها في اوطاننا وبخاصة في سورية الحبيبة ومسيحيي المشرق… فلنتأمل في ذلك الصعود الالهي المبارك وفي البركة الالهية التي منحها الرب يسوع لتلاميذه قبل ان يرتفع عنهم.

ان حياة المسيح له المجد كانت كلها بركة، كان بركة لكل الناس، به تباركت جميع قبائل الأرض…

ولادته العجيبة كانت بركة، تعاليمه الالهية جاءت بركة، بشارته كانت بركة لكل الناس، للعشارين والخطأة والمنبوذين والبرص والعمي والمقعدين والمرضى والمعتوهين:” وكان يطوف المدن كلها والقرى يُعّلم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كلَّ مرض وكل ضعف في الشعب. كذلك كان صعوده الى السماء بركة للعالمين. وهو تمجد اسمه، مايزال بركة للعالم يعطي المؤمنين باسمه السلام الداخلي والفرح القلبي. وهو بركة للوطن الحبيب سورية يمطر عليها في يوم عنصرته سلامه المطمئن والمحيي… هو بركة لأبناء الوطن وللعيال المؤمنة فكل بيت يدخله له المجد يقدس جميع افراده ويطهرهم وينشر لواء المحبة فيمابينهم. فطوبى للبيت الذي يسكنه المسيح، وهنيئاً لتلك العائلات التي تضم بين أفرادها يسوع المسيح. ويالسعادة من يأخذ المسيح رفيقاً له في كل أعماله وطول حياته.

وليس هذا فحسب، بل أن المسيح بركة للبلاد. وللعالم أجمع. إنه بركة للعالمين، ولسكان الأرض كافة…

قبل الصعود كانت المسيحية مثل حبة الخردل في صغرها كأصغر البقول ولكنها اصبحت شجرة وارفة الظلال تأوي تحت أغصانها شعوب جميع العالم. انها بفضل بركة المسيح استطاعت ان تغزو العالم بما فيها من قوة خيرة وعوامل إنسانية، ووجودية صادقة، وروحانية تجعل أيام السماء تحل على أرضنا السورية الحبيبة وسائر المشرق، المملوءة بالبؤساء والشقاء… وعلى كنيستنا الأنطاكية في الوطن وفي الانتشار وعلى المسيحية الجامعة بركة ونقاء والسلام….

وأرتل طروبارية العيد

“صعدت بمجد ايها المسيح الهنا وفرحت تلاميذك بموعد الروح القدس إذ أيقنوا بالبركة انك انت ابن الله المنقذ العالم.”

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *