دمشق ووادي بردى حكاية عشق الهية…

دمشق ووادي بردى حكاية عشق الهية…

دمشق ووادي بردى حكاية عشق الهية…

يقولون ان مصر هي هبة النيل…

وانا اقول ان دمشق هبة بردى والفيجة…

منذ فجر التاريخ ثمة صداقة بين كل دمشقي مهما كان وضعه المادي وتمتد مع وادي بردى من قهوة ابو شفيق في الربوة، الى مصايف بلودان والزبداني ومقاصفها… وقد استأثرت كل قرية بنصيبها من الشوام، الذين كانوا يرون فيها مصيفهم…

دمشق ووادي بردى حكاية عشق الهية…
دمشق ووادي بردى حكاية عشق الهية…

في بلودان حيث القرية مسيحية وشعبها فقير، بدأ الدمشقيون المسيحيون الأغنياء بالاصطياف فيها منذ العقد الأخير من القرن 19 وتحديداً منهم الارثوذكس الذين بادروا هم الى تحديث كنيسة القديس جاورجيوس التي كانت ديراً مندرساً، والانفاق عليها واقتنوا القصور في محيطها… وتطور وضع القرية في فترة الانتداب ونشأت فيها بعض المقاصف والفنادق واهمها كان فندق بلودان الكبير وصار مقصداً للنخبة من الدمشقيين وفيه عقد اول مؤتمر كشفي عربي السنة 1939…

كنا نحن في الكشفية نجد الجديدة ودمر والهامة وادي بردى ونبع بردى ونبع الفيجة وهريرة وسوق وادي بردى والزبداني وبلودان مرتعاً رائعاً للتخييم والأنشطة وخاصة المسير الكشفي على سكة القطار تحت الاشجار الظليلة الوارفة، وصوته الهادر كان محبباً الى نفوسنا، ورحلاتنا فيه الى اي قرية في هذا الوادي الجميل الرائع في وداعته وطيبة اهله… ولم ننسى نبع بردى ومخيمنا الكشفي فيه الذي صار مخيماً لكشاف سورية بعدما قام الكشافون بتشجيره واقيم فيه ثلاثة مخيمات كشفية عربية وكان الكشافون العرب سعداء بوجودهم في بقعة الجنة هذه… وبهذا انضم الكشافون العرب في حب المنطقة الينا نحن الكشف السوري…

لم انسى عندما كنا صغاراً فتياناً في الحركة الكشفية، وكنا مخيمين في منطقة الجديدة واحتجنا للخبزللعشاء، كيف ان سيدة من اهل القرية، اعطتنا كل مخزون البيت من الخبز المشروح، والذي من المقرر ان يكفي بيتها لثلاثة ايام، بعدما قرعت بابهم في غروب احد ايام المخيم، وسألتها ان كان ثمة فرن او مكان يبيع الخبز، وأبقت لها مايكفي لعشاء العائلة، وافهمتني انها غداً تقوم بعجن وخبز خبز لها ولنا… وقامت بالتالي بأخذ كمية مماثلة من جارتها لأجلنا… وضحكتها تملأ وجهها…

الذاهب بالقطار، ايام زمان، الى دمشق لا بد ان يعرج على ذلك الكرنفال السحري في قرى وادي بردى. نساء يحملن صواني الجوز والتفاح على رؤوسهن، ورجال ملأوا السلال لاغواء المسافرين باشياء الزمن الجميل…
واذا تسنى لك ان تجلس في احد المقاهي بين الاشجار الوارفة، لا مناص من ان تصادف من يقول لك انه لولا هذا الوادي لما كانت دمشق اقدم مدينة في الدنيا. هو يمدها بالنسيم العليل الذي يحد من جنون الهواء الآتي من البادية…
هو أيضاً الذي يبعث اليها بالماء الذي احترف، ربما منذ الازل، صناعة الياسمين…
في الطريق، وعلى وقع لهاث القطار الذي يتلوى بين الاودية، يطالعك نبع بردى.
النهر الذي كما لو أنه النص الالهي. الم تكن القوافل الآتية من شبه الجزيرة، أي من الشظف والقيظ، تحط الرحال على ضفاف بردى في اول الربوة بمدخل دمشق التي هي صورة طبق الاصل عن ضفاف الفردوس، الدنيا بدأت باشجار الحور والصفصاف التي هناك و”القطوف الدانية”.
الدمشقيات، ايها السادة، الم يكنّ، وما زلن، حوريات الدنيا؟

ويبقى العشق بين دمشق ووادي بردى حكاية الهية.