دماء للآلهة، لماذا قدم القدماء القرابين البشرية؟
02/10/2022 |
القرابين البشرية، وتقديم القرابين عمومًا، طقس قديم واسع الانتشار، حيث أن معظم الأديان القديمة والمعاصرة تمارس هذا الطقس بطرق مختلفة. إلا أن الأديان والحضارات القديمة مارست طقس تقديم القرابين البشرية للآلهة، فما هي هذه الطقوس، وما أهميتها بالنسبة لهذه الحضارات؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.
ما هو طقس تقديم الأضاحي البشرية للآلهة؟طقس تقديم القرابين البشرية، أو ما يعرف بالقتل الطقسي Ritual Murder، هو ‘طقس ديني يتم فيه قتل شخص أو مجموعة أشخاص. غالبًا ما يرتبط تقديم القربان بإرضاء الآلهة المعبودة في المجتمع. أو تجنب غضب هذه الآلهة الذي يتجسد على هيئة كوارث طبيعية. يقوم بهذا الطقس الكاهن الأعلى أو رجل الدين، وقد تكون عملية التضحية طوعية من الأضحية فيتبرع الشخص لتقديم نفسه كقربان. أو إجبارية يتم فيها التضحية بأسرى الحرب أو العبيد بشكل قسري. تتميز هذه القرابين بالوحشية في القتل بشكل عام، كما تتصف بأنها منظمة. وتتم خلال طقس محدد، وإلا فقدت الأضحية معناها وقيمتها. [1] [4]
انتشر طقس تقديم الأضاحي البشرية حول العالم من الإغريق القدماء، وحضارة اليابان القديمة، وحضارات الإنكا والأزتك في أميركا الجنوبية والعديد من الحضارات القديمة. وأهم ما يميز هذه العملية أنها ليست عملية قتل عشوائي أو بدون هدف، إنما هي عملية ذات غاية وهدف واضحين وبالغي الأهمية، ويكون هدفها في معظم الأحيان درء غضب الآلهة، لتفادي ثوران بركان، أو فيضان نهر، أو شح الأمطار. أو بهدف الحصول على بركة الإله في معركة ما أو في المحاصيل. في حالات أخرى تكون الغاية من الأضحية الاحتفال بمناسبة دينية، أو حدادًا على زعيم قبيلة، كما هو الحال لدى القبائل الجرمانية التي تضحي بعدد من العبيد مع وفاة زعيمها، وذلك ليتمكنوا من خدمته حتى في الحياة الآخرة. [2][1]
أنواع القرابين المقدمة في الطقوسلم تقتصر الأضاحي المقدمة للآلهة على الأضاحي البشرية بالتأكيد، بل كان هنالك عدة من القرابين المقدمة للآلهة. منها الحيواني، أو النباتات، أو يختلف تقديم الإنسان كقربان بحسب الديانة والمناسبة التي يتم تقديم فيها الأضحية.
كتب المؤرخ هيرودوتس عن القرابين غير البشرية في مصر القديمة عن تقديم الأضاحي الحيوانية، وذكر الثيران كمثال عن هذه القرابين. حيث يتم اختيار الثور وفق خصائص معينة واختباره ليكون أضحية تليق بالآلهة، حيث تذبح الأضحية ويقطع رأسها مع وجود الكهنة وقراءة الصلوات على رأس الأضحية الذي يتم التخلص منه لاحقًا. [5
أما في الحضارة اليونانية التي تلزم ديانتها البشر بالتقديم المستمر للعطايا للحصول على رضى الآلهة، قدم اليونانيون العديد من الذبائح الحيوانية والمحاصيل والهدايا لآلهتهم. الذبائح الحيوانية هي الأكثر شيوعًا، ومعظمها من الثيران والماعز والأغنام. وكان يعتقد أن الآلهة تفضل أنواعًا معينة، حيث أن أثينا كانت تفضل الأبقار كقرابين على سبيل المثال. وتتم التضحية على المذبح في معبد الإله، وتوجب أن يكون الحيوان بصحة ممتازة، وكان يتم تزيينه ورشه بالماء كرمز للنقاء. يضرب الحيوان على رأسه قبل نحر عنقه من قبل الكاهن، ثم يتم طبخه وتوضع العظام ودهن الحيوان كقربان للإله أمام المذبح. [6]
أهمية طقس تقديم القرابين البشرية في الحضارات القديمةبالرغم من أن طقس تقديم القرابين البشرية يبدو للإنسان المعاصر طقسًا وحشيًا ومرعبًا. إلا أنه كان في المجتمعات القديمة حدثًا بالغ الأهمية وطبيعي جدًا وضروري حتى. وهو طقس سنوي أو نصف سنوي طبيعي جدًا، حتى أن بعض علماء الأنثروبولوجيا أشاروا إلى أن هذا الطقس يتم في مجتمعات مستقرة وطبيعية، وحتى أنه يزيد من الوحدة والتماسك الاجتماعيين في المجتمع. حيث أن هذه المراسم كانت أحداثًا مجتمعية يتجمع فيها كافة أفراد المجتمع، لذلك كانت التضحية حدث ذو أهمية دينية وانخراط مدني، يتم التخطيط له بعناية وتوقيتها بشكل دقيق، وتصمم التفاصيل في المراسم لإرضاء الآلهة لتكون المناسبة جديرة بالاهتمام. [6]
وفقًا لتظرية تطورية دينية تسمى “فرضية التحكم الاجتماعي” فإن هذه الأضاحي البشرية تمتلك فوائد غير متوقعة، مثل الحفاظ على السلطة الحاكمة، وتعزيز مكانة الحاكم كونه حصل على مباركة الآلهة. كما أن هناك أدلة غير مؤكدة أنها كانت تستخدم للحفاظ على السكان والسيطرة عليهم. لدراسة هذا الموضوع قام واتس وآخرون بتحليل 93 مجتمعًا محليًا في أسترونيزيا، المستوطنون في نيوزيلاند، ومن خلال الدراسات التاريخية والإثنوغرافية وجد الباحثون أن المجتمعات التي مارست تقديم القرابين البشريةتتصف بأنها طبقية بشكل معتدل، ولم تنتقل فيها الرتبة والقوة عبر الأجيال كما هو الحال في المجتمعات شديدة الطبقية. أي لا وجود لطبقات اجتماعية واضحة في هذه المجتمعات المدروسة. لكن من جهة أخرى هنالك العديد من المجتمعات التي تميزت بطبقيتها الشديدة التي تمارس الطقس ذاته، التي تتميز بتركيب اجتماعي معقد. أشار الباحثون إلى أن الثقافات كانت عرضة للانقسام الصارم في الطبقات الاجتماعية في حال تضمنت تقاليدها طقوسًا دينية مثل الأضاحي البشرية. [2]
مارست العديد من الحضارات والمجتمعات تقديم القرابين البشرية بهدف إرضاء الآلهة أو درء غضبهم أو الحصول على بركتهم. أو كان لهم أسباب أخرى في التضحية، نذكر أهم هذه الطقوس في تقديم الأضاحي البشرية لدى مجتمعات كبرى مثل الإغريق القدماء والمصريون وحضارة الأزتك في جنوب أمريكا.
القرابين البشرية عند اليونانيين القدماء
ترتبط الحضارة اليونانية بالفن والفلسفة، وبالرغم من أن الإغريق قدموا العديد من الأضاحي لآلهتهم. إلا أن هنالك القليل من الدلائل على الانخراط في تقديم الأضاحي البشرية. توضح الللقى الأثرية وجود دلائل على تقديم القرابين البشرية في منطقة جبل ليكايون بعد العثور على رفاة مراهق تعود لعام 3000 قبل الميلاد. وعثر عليها في مذبح تقدم فيه الأضاحي لكبير الآلهة زيوس. والذي يؤكد أنها أضحية بشرية هو وجود العظام في المذبح الذي يعتبر مكانًا مقدسًا، وليس مقبرة ليدفن فيها أي شخص. يعارض بعض الباحثين فكرة أن الإغريق كانوا قد انخرطوا في تقديم الأضاحي البشرية لأنها لا تتماشى مع ثقافتهم. ولكن من جهة أخرى فإن الأساطير اليونانية تحتوي بعض القصص عن الأضاحي البشرية. مثال على ذلك قصة الملك أغاممنون الذي كان سيضحي بابنته ايفجينيا وقدمت الإلهة أرتميس بديلًا عن الفتاة غزال ليتم التضحية به. وقصة أخرى عن جبل ليكايون تروي قصة الملك الأول لأركاديا الذي ضحى بأحد ابنائه لإرضاء زيوس، الذي غضب عليه وحوله وابنائه لذئاب. وتحول هذا الموضوع لطقس سنوي يتم ذبح صبي مع الحيوانات كأضحية. وطهي لحمه مع باقي اللحوم ومن أكل من لحمه تحول لذئب، ومن لم يأكل سمح له بالبقاء بشكله الطبيعي. وهذه هي القصة الوحيدة التي تؤكد وجود الرفاة في مذبح زيوس في ليكايون. [7] [8] [4]
طقس القرابين البشرية عتد المصريين القدماء
هناك نظريات حول قيام المصريين القدماء بالقيام بالتضحية البشرية حوالي 2950 قبل الميلاد. حيث كان رجال الحاشية أو كبار المسؤولين يضحون بأنفسهم لخدمة الفرعون ما بعد الموت. تستند هذه النظريات إلى الللقى الأثرية في المقابر الفرعية الملحقة بالمقابر الملكية للأسرة الأولى. تم العثور على مدافن لرجال البلاط، وبعض الدلائل أن هؤلاء تمت التضحية بهم لهذا الغرض. [10] في حالات أخرى كانت التضحية البشرية عقوبة استهدفت مخالفي القوانين. وكانت تتضمن سلخ الشخص ثم التقطيع وحلق الرأس وقطعه. [9]
تقديم الأضاحي البشرية في حضارة الأزتك
تعد حضارة الأزتك التي نشأت وازدهرت في وسط المكسيك في القرن 15 من أكثر الحضارات شهرة في تقديم القرابين البشرية لآلهتهم. وتعزز ذلك اللقى الأثرية في مدنهم وكتابات المستعمرين الإسبان الذين شهدوا بعض طقوس الشعوب. ويعد برج الجماجم البشرية من أبرز الدلائل على عملية التضحية بالبشر في هذه الحضارة. ومن طرق التضحية البشرية التي مارسها شعب الأزتك نزع القلب النابض من ضحية ما زالت حية، وقطع الرأس، والجلد، والتقطيع، ثم الرمي من أعلى هرم المعبد. وهذه العملية بنظرهم ذات شرف كبير ويقوم بها الكاهن الأعلى. وهي بمثابة سداد دين على التضحيات التي قامت بها الآلهة من أجل البشر. كما كانت الأضاحي البشرية بمثابة غذاء لبعض الآلهة. ومنها كان سكب الدماء على تماثيل الآلهة وحرق الطعام أمام هذه التماثيل. ومثال على ذلك أسطورة إله الشمس تزكاتليبوكا المسؤول عن الاحتفالات ومحاربة الظلام، تقول الأسطورة أنه بحاجة ليتغذى على هذه الأضاحي ليمتلك القوة على رفع الشمس كل يوم وضمان عدم سيادة الظلام على المملكة. [11]
في معايير البشر الحديثة، طقس تقديم القرابين البشرية يبدو مرعبًا وقاسيًا، ونرى بوضوح استمرار الروابط بين القربان البشري واستمرارية طاعة الناس للسلطة والحكم المستقر في المجتمع. فالمشاهد المروعة هذه تبقي الناس تحت السبيطرة، وليست من المبالغة أن نقارن ما تم تقديمه كقربان بشري وذبحه لإرضاء الآلهة، بما يتم اليوم من عقوبات إعدام في مجتمعاتنا الحديثة.
المصادر
1- theatres of Human Sacrifice
2- science
3- scientificamerican
4- wikipedia
5- worldhistory
6- classroom.synonym
7- smithsonianmag
8- biblicalarchaeology
9- fairlatterdaysaints
10- rationalwiki
11- worldhistory
12- historyextra
(مجتمع الاكاديمية بوست)
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً