رقص السماح و صراع سياسي تحت قبة البرلمان بشأن طالبات دوحة الأدب !

رقص السماح و صراع سياسي تحت قبة البرلمان بشأن طالبات دوحة الأدب !

رقص السماح و صراع سياسي تحت قبة البرلمان بشأن طالبات دوحة الأدب !

في عام 1951، حصلت مواجهة بين البارودي وقاضي دمشق الممتاز الشيخ علي الطنطاوي حول رقصة السماح، التي كان البارودي ينوي إحياءها، بعدما كانت في زمنٍ مضى حكراً فقط على المشايخ والمتصوفين.
قرر البارودي، تبني هذه الرقصة وتعليمها طالبات مدرسة دوحة الأدب، حيث كانت تدرس صفوة بنات الأسر الدمشقيّة.
رأى البارودي أن هذه الرقصة السورية / الأندلسية سوف تندثر وتموت إن بقيت محصورة في عالم المشايخ، فقرر عصرنتها بالتعاون مع عادلة بيهم الجزائري، رئيسة الاتحاد النسائي ومؤسسة مدرسة دوحة الأدب.
قام بإحضار الشيخ عمر البطش من حلب، حافظ الموشحات وأكبر مرجع في الغناء القديم ” الصورة “، ليقوم بتدريب الفتيات على الغناء، وفصّل لهن ثياباً من الحرير زاهي اللون ليظهرن بها على خشبة مسرح قصر العظم، ويقدمن حفلاً راقصاً، بحضور رئيس الوزراء خالد العظم والعقيد أديب الشيشكلي، حاكم سورية العسكري.
عدل البارودي، وهو شاعر مُحترف، على كلمات الموشحات، فبدلاً من التضرع والدعاء أدخل عليها عبارات العشق والغرام.
يعترف الشيخ علي الطنطاوي في مذكراته بمكانة البارودي الاجتماعية والسياسية، وبأنه كان من شيوخ النضال ضد المستعمر، قائلاً: “هو أبرز الزعماء الوطنيين الشعبيين في دمشق، غني واسع الغنى، كريم شديد الكرم، خفيف الروح، ساحر الحديث، حاضر النكتة ولكنه، والله أعلم بحاله، رقيق الدين.”
ويقول الطنطاوي إن “فكرة شيطانية” راودت البارودي “ما أحسب أنها خطرت في بال ابليس نفسه،” وهي نقل رقصة السماح من المشايخ والكهول إلى “الغيد الأماليد والصبايا الجميلات.”
بدأ الطنطاوي بالتحريض ضد البارودي في الصحف أولاً وثم من على المنابر، واصفاً لباس الفتيات بأنه يشبه لباس الجواري قديماً، وصار ينصح الآباء أن لا يرسلوا بناتهم إلى الحفل، قائلاً: كيف يرضى لابنة مسلم عربي أبيٌ أن ترقص أمام الرجال الأجانب؟”
تتلوى وتخلع وهي تغني أغانٍ كلها في الغرام والهيام؟”
وقد قال عن رقص السماح: “لم يكن في هذه الرقصة عورة مكشوفة، ولا كانت رقصة هز البطن الظاهر، ولا كان فيها عرض أفخاد بحركات متزنة، كالذي يدعونه رقص الباليه، ولكن فيها ما أظن أنه أضر على الشباب من ذلك كله.
لأن فيها على الرغم من الثياب الواسعة، من الإثارة ما كان يتعمد مثله في العصر العباسي الإماء الفاتنات المستوردات، لإثارة ميول الرجال.”
خلال خطبته من أحد مساجد البرامكة يوم الجمعة، المنقولة كالمعتاد مباشرة على أثير إذاعة دمشق، هاجم على الطنطاوي فخري البارودي بشدة ولم تستطع المذيعة، فاطمة البديري، قطع البث، نظراً لحجم جمهوره الكبير في دمشق.
في اليوم التالي، شُنت حملة شعواء ضد الطنطاوي في معظم الصحف الموالية للبارودي، ترأستها جريدة “النضال” التابعة لوزير الداخلية سامي كبارة، والتي طالبت بإحالة الطنطاوي إلى القضاء.

النقاش تحت قبة البرلمان

نقاش رقص السماح تحت قبة البرلمان السوري
نقاش رقص السماح تحت قبة البرلمان السوري
ثم نُقل النقاش إلى داخل المجلس النيابي، وأول المدافعين عن موقف علي الطنطاوي كان الوزير محمد مبارك ، الذي قال: “إن رقص السماح أيها الإخوان الذي يريد بعض الناس أن يفخر به (في إشارة إلى فخري البارودي) قد رافق عصر الانحلال والانحطاط في الأندلس وفي بعض البلاد العربية الأخرى فلا يجب أن نقلد، إذا ما أردنا أن نقلد، عصور الحضارة والمد الذهبي التي كانت فيها المرأة تجمع بين الخلق والكرامة والجهاد والكفاح؟”
نتيجةُ الجلسة البرلمانية جاءت لصالح البارودي وعُدّ الطنطاوي مذنباً ومداناً بالتحريض ضد الدولة وحُكم عليه بغرامة مادية وهي حسم عُشر راتبه لمدة شهرين.

أما البارودي، فقد علّق على الحادثة شعراً كعادته، حيث قال

فخري البارودي
فخري البارودي
يهاجمني المحرر في مقال
أليم جاء عن رقص السماح
كأن الكاتب المغرور أضحى
بهذا القول من أهل الصلاح
ليظهرني بقومي في ضلال
ويدعوهم إلى سُبل الفلاح
ولم يدرِ المغفل أن قومي
بلوني في الغدو والرواح
وهم أدرى بأفعالي وقولي
ومن منّا أحق بالامتداح؟
ومن ذا قام من خمسين عاماً
يجاهد بالمقال وبالسلاح
فماذا قد جَنيت بحق ربي
ليمعن بعض قومي في جراحي؟
وإني اليوم إن أدعو لرقص
فإني كم دعوت إلى الكفاح…

وبختام الجدال أقيم الحفل في قصر العظم ووقف البارودي ورقص مع احدى الفتيات ” الصورة” ..

و بالخلاصة نجد أن هذا النزاع الاجتماعي السياسي لم يعالج بالتشنج او التكفير او السلاح !
بل بالاعلام و عبر اقنية الرأي و المجتمع و الرأي الأخر .
و عبر الرجوع للديمقراطية و البرلمان الحر ليحسم الامر ..
و الذي ادى الى احترام كل طرف موقف الطرف الاخر و بقيام الشيخ الطنطاوي بالاعتراف بوطنية و جهاد البارودي و الثناء عليه في مذكراته رحمهم الله اجمعين ..
الهدف النبيل كان العمل على النهوض بالفنون و ترقية ثقافة بناتنا بكل أدب و حشمة و بإشراف المدرسة و الاهل ..

هذه هي دمشق بحق ..

رقص السماح, فن سوري حلبي بامتياز

رقص السماح على الطريقة المولوية
رقص السماح على الطريقة المولوية
يؤكد العديد من الباحثين بأن رقص “السماح” نشأ في بلدة (منبج) التابعة لحلب السورية قبل أن ينتشر هذا الانتشار في بقاع الأرض، وأول من ابتكره الشيخ المتصوّف “عقيل المنبجي”.
فقد ابتكر حركات خاصة تؤدي الإيقاع بالأقدام بدلاً من الأيدي، وكان يطلق لقب (أبناء الفن) على تلامذته وكان ابن الفن هذا يحفظ بعض الألحان ليشترك بإنشادها مع كورال (مجموعة) وقصائد شعرية ليلقيها وحده منفرداً بغنائها ويترجّل ألحانها ومن ثم انتقل هذا الرقص للأفراح والأعراس وكان للرجال فقط وقتذاك.
هكذا يقول الباحث “أدهم الجندي” ويضيف: «لقد تحقق أن مبتكر رقص السماح هو المرحوم الشيخ “عقيل المنبجي” بن الشيخ “شهاب الدين البطايحي الهكاوي، المتصل نسبه إلى الخليفة “عمر بن الخطاب”، المتوفى عام 550 للهجرة، والمدفون في بلدة “منبج” من أقضية “حلب”، وقد دوّنه بوضعه الحالي المرحوم السيد “أحمد عقيل” الملقب بـ- صاحب السماح- وتلقاه أهل الفن عنه في “حلب”».
بدوره يقول “عدنان منيني” عن المرحوم “عمر البطش”: «إن مبتكر رقص السماح هو “عقيل المنبجي”، وروى المؤرخون كما سمعت ذلك عن أستاذي المرحوم “عمر البطش” أن الشيخ “عقيل المنبجي” هو أول من رتّب السماح، وقد كان من العلماء المتصوفين، وكان يقيم في داره الأذكار، وله تلاميذه ومريدوه، وكان يعلمهم الأناشيد، والتواريخ على الإيقاع».
كما يضيف أيضاً: «يروي المؤرخون أن الشيخ “عقيل المنبجي”، المولود في قرية منبج التابعة للإقليم السوري هو أول من ابتكر رقص السماح منذ ألف عام».
والسماح مصطلح كان يطلق على طريقة الرقص الديني، وأصل الكلمة طلب السماح من صاحب الدار أو شيخ حلقة الذكر وذلك للبدء بالرقص للترفيه عن النفس بعد حلقة الذكر وهي (تحريف لكلمة السماع) وكان يسمى (سماح الحلقة) حيث يقف عدد من الرجال المتمكنين من معرفة الإيقاعات والموشحات والذين لا تقل أعمارهم عن أربعين سنة، ويقدمون وصلة من مقام الراست أو الحجاز أو البيات لمدة ساعتين.
إن المادة اللغوية “سمح” تشعر بتقليد فني في رقص السماح، والرقص الديني والصوفي عامة، وهو الاستئذان من صاحب السجادة، كما كانوا يسمّون رئيس فرقة الذكر، أو أيضاً من صاحب الدار للبدء بالرقص، وهو رقص جماعي، فيأذن لهم فيرقصون وعادة يرقصون مع الإنشاد، فيتصايحون السماح… السماح، حتى يشير إليهم صاحب السجادة بالإذن بالرقص، فيندفعون في رقصاتهم، وذلك يشبه تقاليد عدد من الطرق الدينية والصوفية، في الرقص الديني أو الصوفي أو حلقات الذكر». مثل المولوية والقادرية والرفاعية وغيرها في الاستئذان من شيخها لبدء الرقص فيأذن لهم، فيرقصون مع الذكر والإنشاد».
وكانت حركاتهم إيقاعية محتشمة تؤدي باليدين والقدمين، وتقوم على خطوات لليمين أو الشمال، أو للأمام والوراء مع (سكنات) موقعة متناوبة يتلوها (نقر) برأس القدم أو الكاحل مع بسط القدم للأمام أو رفعها أو هز الجسم كله لفوق والنزول به ثم السكون في الموضع، أو دوران الجسم كاملاً أو نصف أو ربع دورة، إضافة إلى حركات انسيابية لليدين.

رقص السماح و صراع سياسي تحت قبة البرلمان بشأن طالبات دوحة الأدب !
رقص السماح و صراع سياسي تحت قبة البرلمان بشأن طالبات دوحة الأدب !
وهذا النوع من الرقص يعتمد على ألحان الموشحات والأوزان العربية وخاصة الإيقاعات المركبة والعرجة، وظل هذا النوع من الرقص منتشراً في مدينة حلب عدة قرون، وظهر فيها عدد كبير من معلميه المعاصرين ومنهم الشيخ أحمد عقيل والشيخ صالح الجذبة والشيخ علي درويش والشيخ عمر البطش والسادة محمد طيفور وبكري الكردي وأدهم الجندي، وبظهور الشيخ أبو خليل القباني في بداية القرن الماضي في دمشق، أخذ عن حلب ذلك الفن وعلّمه للشباب في فرقته حيث كانوا يرتدون الزي النسائي في أعمالهم، وقد أدخل على فن السماح رقصات عديدة بطابعها الجديد مثل رقصة (إيقاع المحجر وإيقاع المخمّس والمدوّر).
يعتبر أصل السماع “السماح” دينياً صوفياً متفرعاً من فاصل “اسق العطاش” أي أنه سوري محدث، ومن مواطنه الدينية: “الزوايا”، و”التكايا” انتقل إلى الحفلات والمنتديات الفنية، ويعتبر فاصل “اسق العطاش” درة “حلب” الغنائية، كما يرى الموسيقي “توفيق الصباغ” في كتابه “الدليل الموسيقي العام” والذي يعود إلى 1190هـ- 1776م حين انحبس المطر عن “حلب” واشتد العطش فخرج أهلها إلى البراري يتضرعون إلى المولى عز وجل أن يجود بالغيث وكان بينهم موسيقي معروف في ذلك العصر يدعى الشيخ “محمد المنبجي”، وينسب إلى “محمد الوراق” أن الذي رسم سير الإيقاع هو “أحمد العقيلي” 1192 هـ ومنهم من يعيده إلى عهود “الآشوريين” و”الحثيين”، ويرى البعض الآخر من المؤرخين أن “السماح” في الأصل هو رقص فارسي قديم، ثم انتقل بالتماس وتمازج الثقافات والفنون إلى بلاطات الأمويين والعباسيين وحمله “زرياب” إلى الأندلس».
ويرجع الفضل في نقل رقص السماح من “التكايا” إلى المسرح للموسيقي “عمر البطش” وفي هذا يقول “قلعه جي”: «بالرغم من أن “السماح” الحديث ولباسه الفضفاض والخمار يعطينا صورة عن اللوحات الأندلسية القديمة، إلا أن هذا اللباس مجرد اجتهاد من الفرق الفنية وخاصة بعد أن دخلت في تشكيلاتها الفتيات، فهو رقص “حلبي- سوري” ولا يمت إلى “الأندلس” بصلة، وإيقاعاته بعيدة عن الإيقاعات الأندلسية كل البعد، هذا ما ورد في “معجم رقص السماح” وهو متفرع من دعاء استغاثة للسيد “عبد الغني النابلسي” في دعاء “اسق العطاش” وقد لحن الفاصل “محمد الصيداوي” ثم وضع له أصول سير الإيقاع بالأرجل الشيخ “محمد المنبجي” عام 1190هـ ، ومن ثم قام “عمر البطش” الذي أخذ السماح عن شيوخه “أحمد عقيل” و”صالح الجذبة” بنقلها من التكايا والزوايا، ومن حلته الدينية إلى الفرق الفنية الحديثة».

إن الخصائص المميزة لرقص السماح هي

أ- تلازم الإنشاد والرقص فيه، والإنشاد هو في الغالب اليوم للموشحات والقدود، وكان من قبل للأذكار والاستغاثات والأدعية.
ب- جماعية الرقص، إذ تؤديه مجموعة من الذكور أو الإناث أو مجموعة من الجنسين معاً، ومن هنا قيمته التربوية الفنية.
ج- إيقاعية هذا الرقص، إذ يقوم على الإيقاعات الشرقية، العربية التي تلائم ضغوطها نبرات الحركات والخطوات والتشكيلات فيه.
د- إنه رقص أدب وحشمة ورزانة، لا مجون فيه ولا إثارة ولا عنف أو صخب بل جدية في الأداء ومرونة في الحركة وبراعة في التشكيل».
ويشبه الأستاذ “محمد كرد علي” رقص السماح بالأوبرا، وأيضاً الأوبريت، أي المسرح الغنائي الذي تؤدى أشعاره تمثيلاً على نغمات الموسيقا، وبالتالي رآه نوعاً من الرقص التعبيري المسرحي، حيث يقول: «…ويزيد رقص السماح على “الأوبرا” كونه ترفع فيه الأصوات بأنغام مألوفة، أي إنه تؤدى فيه “أغنيات” ليس من الضروري أن تكون درامية كما هي الحال في الأوبرا والأوبريت ومع ذلك، يمكن دائماً طواعية السماح للرقص التعبيري المسرحي، وخاصة إذا وجدت الألحان القوية الصالحة لأن يرقص عليها السماح، أو وجد المصممون الأقوياء، والقادرون على مثل هذه الطواعية، ومتطلباتها، دون تبديد أصالة السماح».
وفي عام 1936 قامت إدارة معاهد ومدارس دوحة الأدب في دمشق باستقدام الفنان الشيخ عمر البطش من مدينة حلب ليعلم طالبات المعهد رقص السماح حيث قدموا حفلة أمام وفد من المغتربين العرب، وكان من الحضور عدد من المسؤولين في الدولة والبرلمان وفي مقدمتهم الأستاذ فخري البارودي، وكانت هذه أول مرة يقدم فيها رقص السماح من قبل الفتيات وأثار ذلك انتباه المسؤولين، وبدأ الاهتمام به منذ ذلك الوقت.
ثم أنشئ معهد آخر للموسيقا يتبع إلى وزارة المعارف بنظام (أربع سنوات) وكان ضمن منهاج المعهد مادة رقص السماح، واستقدم من حلب الفنان عبد الوهاب سيفي ليعلمه للطلبة وكان معاونوه الأستاذ زهير المنيني والمرحوم عدنان المنيني (وهو أول من ابتكر نوتة لرقص السماح وأبدع في وضع عدد كبير من الخطوات للرقص على ألحانه).
ساهم كثير من الموسيقيين ومصممي الرقص السوريين حديثاً في إحياء رقص السماح وتطويره، ولعل أهمهم الفنانين الأستاذ “عمر العقاد” والأستاذ “زهير المنيني” والأستاذ “سمير فخري” والمرحوم “عدنان منيني”.
وفي رأي الأستاذ “عدنان منيني” عن هذه الرقصة يقول: «انه رقص جماعي يرتكز على حركات إيقاعية مصحوبة بغناء الموشحات وهو الغناء الكلاسيكي ومميزاته إظهار الإيقاعات الشرقية والغربية، وتمثيل حياة الفنانين المتصوفة، وتنوع رقصاته التي تزيد على مئة وخمسين رقصة».
ومن الجدير ذكره أنه في عام 1947 أنشأت الدولة معهداً لتعليم الموسيقا والغناء ورقص السماح في دمشق، وكلفت الفنان “عمر البطش” ليعلّم رقص السماح والموشحات والإيقاع العربي، وفي عام 1951 أغلق المعهد
إثر وفاة البطش.
فخري البارودي يرقص السماح  مع فتاة
فخري البارودي يرقص السماح مع فتاة

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *