خاطرة
زمان مضى الى الأبد…
لاتبك يازمان الوفا على زمن صار خلفك، ولا تصر على العودة، فالرغبة في عودتك نادرة.
لاتحزن يازمان الرضا من زمن صار الخصام فيه سلوة، والخصم ان غاب خصمه خاصم نفسه.
تاريخك يازمان الشرف من يخبر عنه؟ فالشيوخ رحلت ومن بقي صمت او تلعثم. من يحدّث بالكرم والضيافة، بالأخلاق والقيم، بالمبادىء والشيم.
حين كنت يازماناً مضى كان الخير سائداً والبركة تحل في كل مكان، وعلى كل انسان، وكان الشر سجين المحبة، وحين طُعنتَ بحربة الغدر والتسلط والكبرياء، أُجيزَ له أن ينطلق من أقاصي المسكونة الى أقاصيها، يُهيمنْ متهللاً بانتصارات لا تُحصى على مُعسكرات التآخي والتآزر والعيش الواحد.
لاتندُبْ ماضيك يازمان العطاء والسخاء والتضحية، في زمن ليس وليدك، أو ابن عشيرتك، في زمن مجهول الهوية، وهو نفسه يَجهلْ جذوره.
ولىّ زمن الانسانية، فهل للإنسان وجود بعد؟ أم أننا أخذنا من أجدادنا الجسد أشكالاً وطرحنا المضمون مع الزمن المغدور؟ هل ورثنا أجساماً خالية من القلوب، ورؤوساً فارغة من العقول، وادمغةً تفتقر الى الفكر والثقافة واللياقة والأدب؟
لاتنوحي عليَّ يا ايام الصّبا إذا ماشاهدتني أُناضلْ شامخاً، وأموتُ واقفاً وأُدفن حياً. فقد بتنا في زمن يسترجع معتقدات القبائل في كل مفاعيلها لاسيما في أكل لحوم البشر، ويُحي قانون الغاب حيث يفترسُ القويّ الضعيفَ بغريزة لاتعرف الحكمة.
الكل مستاء من الكل، والكل يخاف الكل، ومن اراد الطأنينة لجأ الى السلطة والمال والسلاح والزعامات.
صارت يامنا كلها في حركة بيع وشراء، حتى الانسان صار في هذا العصر سلعة، تُرانا هل عدنا الى عصر العبيد؟ العلنا فقدنا الاحساس والكرامة وعزة النفس؟ ألعلنا نسينا أن الانسان انما يُحترم لأنه خُلقَ على صورة الله كمثاله؟ أو لأن الانسان نفسه قد استغنى عن أن يتمثل بالإله الحي فوضع لذاته أمثلة دُنيوية تجره الى الموت, لقد أعدنا الوثنية الى تقاليدنا يازمان النهضة، لنسقط مجدداً تحت اقدام أصنامٍ من نوعٍ آخر وبأشكال جديدة، أي صنم لإله الاستهلاك، وتمثال لإله التكنولوجيا، وغيرها لآلهة الترف والرفاهية والاسترخاء، والغريب في امرنا أننا لم نصنع معبداً واحداً نعبد فيه الاله المجهول الذي بشر به بولس الرسول اليونانيين، لأن الصلاة أصبحت مغيّبة عند الأغلبية، والصلاة، صلة مع الله ولكن ليس من وقت نقضيه في معّيته.
فلماذا تلومينني ياجدتي، وقد دُفنتْ زياراتنا لك خلف شاشات الهواتف، ولِمَ تنتظرني ياجدي، وجلسة المقاهي، أرفه من جلستنا معاً في باحة دارك؟
بلغيني شوقك اليَّ يا أمي فأرسل لك في الحين صورتي حيث أنا ورفاقي، وأنت يا أبي أعذر غيابي فإن لهوَ الدنيا يُشغلني عن معولك وعن قطف الثمار من بستاننا، فمن الآن، لك جنتّك وحصادك ةولي جنتي وجنوني.
قل لي لمن ستشكي يازمان الحقّ والحقيقة، وكلّ شيء بات مزيفاً، العلاقات والعواطف والأحاسيس والضحكات والاخلاق والتحيات، حتى ما نأكله صار مزيفاً، الحياة كلها صارت مزيفة. أليس هذا لأننا تخلينا عن الاله الحقّ وانغمسنا بما هو باطل؟ هانحن قد تحولنا بإرادتنا الى آلات بأيدي الآلات، الى معدات تتقاذفها الأيادي السوداء. تحوّلنا عن طريق الصعود الى طريق الهاوية، وهانحن نهوي سقوطاً لأننا نهوى الأبواب الرحبة التي تؤدّي الى الهلاك.
متى نصرخ كفى…قبل ان يبحَّ صوتُنا من اطلاق الشتائم والنميمة والتجديف؟ متى نصرخ كفى لمؤمرات الشياطين الذين يتحكمون في كل تفاصيل أفكارنا وضمائرنا وأفعالنا؟ أيكفي أن نتذمر ونبكي معك على أطلالِ زمنٍ رحلَ الى الأبد؟ أيكفي أن نندب أيام طفولةٍ دُفنتْ في مقبرة النسيان؟
إن أمس كان لنا واليوم يُؤخذ منا، فلمن نلجأ الا للذي يضمن الآتي؟ فلنهتف إذاً الى العليّ، تعال الآن ياسيد تعال، فقد ظمأ حلقنا الى مائك الحيّ، وجوفنا فارغ جائع ، يتوق إلى أن تملأه من جسدك الطاهر، عقولنا مظلمة، تتلمّس الاستنارة من نورك القدوس، وقد انسلخت أرواحنا عن أجسادنا، وبُتنا نحن أصنام هذا الدهر، تعال يا من هو رؤوف كما سبق فوَعدتَ. ولو أنك لن تجد إيماناً على الأرض، لكن فقط تعال، فما عدنا نقدر على ان نحتمل ثقل خطايانا، ماعدنا نطيق أن نحيا في الرذيلة، حيث تفصلنا هوة عظيمة عنك، تعال يامحب البشر أنقذنا، أنقذ من تُحّبّ، ولو خنّا ورذلنا وطعّنا وأبعدنا أنفسنا عن محبتك.
إغفر لنا كما غفرت للصّ اليمين، ولاتتركنا يتامى. فأنت وحدك القادر على أن تنتشل الساقطين في بقعة اللاوجود، في ظلمة وظلال الموت، في العدم، فتعال إذاً ياسيد المحبة، وخذ بيدنا وأنهضنا من سقطتنا أيها الرب يسوع يسوع المسيح تعال.
اترك تعليقاً